حان وقت الشجاعة السياسية في الشرق الأوسط

تاريخ الإضافة الجمعة 30 أيلول 2011 - 4:39 ص    عدد الزيارات 777    التعليقات 0

        

حان وقت الشجاعة السياسية في الشرق الأوسط
بقلم إدوارد دجيرجيان

بعد توجه الفلسطينيين الى الأمم المتحدة السيناريو المرجّح لا يخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة أو المجتمع الدولي ولا يصب في مصلحة الفلسطينيين أو الاسرائيليين وجيرانهم. إذاً ما الذي يمكن فعله؟  

بعد سنوات من الجمود في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، تحوّل الفلسطينيون نحو الأمم المتحدة في محاولة دراماتيكية لتحسين مكانتهم الديبلوماسية والقانونية حيال إسرائيل. تملك فلسطين حالياً وضع "المراقب" في الأمم المتحدة وتسعى إلى رفع مكانتها داخل المنظّمة عبر الحصول على الاعتراف بها كـ"دولة" من طريق صدور قرار في مجلس الأمن، والذي تعهّدت الولايات المتحدة باستخدام الفيتو لإسقاطه، أو عبر السعي للحصول على لقب دولة مراقبة غير عضو من خلال التصويت في الجمعية العمومية. إذا حصل الفلسطينيون على اعتراف ولو رمزي بدولتهم في الأمم المتحدة، يمكنهم تحويل لغة النقاش نحو الحديث عن احتلال دولة لدولة أخرى. لكن السؤال الأساسي هو ماذا سيحدث بعد التصويت في الأمم المتحدة؟
سيلقى التحرّك الفلسطيني في الأمم المتحدة دعماً شعبياً واسعاً في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، وسيُحيي آمالاً خاطئة بأن الدولة الفلسطينية باتت على قاب قوسين من التحقّق. الحقيقة الموضوعية هي أن المسار الفعلي نحو دولة فلسطينية مستقلّة هو من طريق المفاوضات المباشرة مع إسرائيل من أجل التوصّل إلى حل الدولتين. إذا ظلّ المسعى الفلسطيني للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية مجرّد خطوة رمزية من دون مفاوضات فعلية بين الطرفَين، فمن شأن التطوّرات اللاحقة أن تتسبّب بزعزعة الاستقرار.
لا شك في أنه إذا استمرّ الفراغ التفاوضي طويلاً في الأشهر التي تلي التحرّك الفلسطيني في الأمم المتحدة، سوف تحصل تجمّعات شعبية، وستندلع احتجاجات سلمية في البداية حول حدود إسرائيل للتنديد باحتلالها لـ"الدولة" وليس فقط "الأراضي" الفلسطينية. في الواقع، تشير المعلومات إلى أن مؤسّسة الدفاع الإسرائيلية تستعدّ لهذا الاحتمال. فكما بيّنت التظاهرات التي نظّمها الفلسطينيون في البلدان المجاورة لإسرائيل هذا العام، يمكن أن تصبح هذه الاحتجاجات السلمية دموية بسرعة، ومخاطر التصعيد واردة جداً. قد لا تشكّل هذه الاحتجاجات "انتفاضة ثالثة"، لكنها ستؤدّي إلى تفاقم وضع أمني متفجّر أصلاً في المنطقة.
وإذا أضفنا هذا كله إلى "الصحوة العربية" والتململ الشعبي في المنطقة، سوف تجد إسرائيل نفسها معزولة أكثر فأكثر. لطالما أدّت المسألة الفلسطينية دوراً محورياً في السياسة الشرق الاوسطية وسوف تكتسب مزيداً من الأهمّية في الشارع العربي في وقت يتعيّن فيه على النخب الحاكمة والحكومات إعارة انتباه شديد للرأي العام.
من الواضح أن هذا السيناريو لا يخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة أو المجتمع الدولي. كما أنه لا يصب في مصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين وجيرانهما. إذاً ما الذي يمكن فعله؟
على الولايات المتحدة أن تؤدّي دوراً أساسياً في إطار من التنسيق الوثيق مع المجتمع الدولي من أجل حمل الجانبَين على الشروع في مفاوضات مباشرة. أُنجِز عمل كثير في المفاوضات السابقة حول المسائل الأساسية المتمثّلة بالأرض والأمن واللاجئين الفلسطينيين والقدس وتطبيع العلاقات مع إسرائيل (مثل مبادرة السلام العربية لعام 2002). الخطوط العريضة لحل الدولتين مطروحة على طاولة المفاوضات منذ سنوات. لكن تنقص الإرادة السياسية والقيادة للوصول بالأمور إلى خواتيمها.
كي تتحوّل الأزمة فرصة، ينبغي على الرئيس الأميركي أن يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية إلى واشنطن. يمكنه أن يُقدِّم اقتراحاً يُحدّد المبادئ أو إطار العمل للتوصّل إلى اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني مع تسوية مسائل الوضع النهائي، على أن يُربَط مباشرة بإطار زمني مفصَّل للمفاوضات حول المسائل الأساسية. ويمكن إدراج الدعم من المجتمع الدولي في مؤتمر سلام متعدّد الطرف.
إنه الوقت المناسب كي تحمي قيادة قوية مصالحنا في مجال الأمن القومي في الشرق الأوسط وتعمل على تعزيزها. يمكن استغلال ما يحصل في الأمم المتحدة بطريقة إيجابية من أجل حمل الطرفَين على الانخراط في مفاوضات سلام مستدامة وحاسمة. بيد أن الرفضيّين سيُعدِّدون بواقعية العوائق السياسية، وتشمل: امتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن الانخراط في مفاوضات ذات مغزى نظراً إلى قاعدته اليمينية الضيّقة ونفوذ المستوطنين الإسرائيليين في مجالس حكومته؛ ومدى قدرة الرئيس الفلسطيني عباس على التوصّل إلى اتفاق سلام انطلاقاً من التحدّيات السياسية التي تواجهه في الداخل ولا سيما مع "حماس"؛ ومدى استعداد الرئيس أوباما لاتّخاذ موقف قيادي الآن لحمل الفريقَين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
بدأ الرئيس أوباما عهده باتّخاذ موقف متمسِّك بالمبادئ في موضوع السلام في الشرق الأوسط. وقد تباحث مع الإسرائيليين والفلسطينيين حول مسائل الأرض والأمن كمقدّمة للتحاور بشأن مسائل الوضع النهائي التي تشمل اللاجئين الفلسطينيين والقدس ووقف المطالبات وإقامة علاقات من دولة إلى دولة. يمكن البناء على هذه الجهود. لقد وضعنا في "معهد بايكر" تقريراً عام 2010 بعنوان "بلوغ المرحلة النهائية في موضوع الأراضي في تسوية إسرائيلية-فلسطينية" ورفعناه إلى الأطراف المتفاوِضة. وقد قدّم البرهان على أنه يمكن التوصّل، من خلال المساعدة الأميركية، إلى تنازلات صعبة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول مسائل الحدود والمستوطنات الإسرائيلية ومقايضة الأراضي. المقصود هو أنه يمكن تسوية هذه المسائل عبر تحلّي الأطراف بالتصميم والإرادة السياسية الضروريَّين.
بوجود إطار عمل متّفق عليه تضعه الولايات المتحدة ويأخذ في الاعتبار بصورة مفهومة وموضوعية المصالح المشروعة للجانبَين ويرسم معالم الأفق السياسي أو المرحلة النهائية، إلى جانب تحديد معايير للمفاوضات، يمكن السير بمحادثات السلام نحو الأمام. باختصار، على الولايات المتحدة أن تنهض بأعباء الدور الموكل إليها وتكون وسيطة صادقة.
من شأن هذه المقاربة المقترَحة أن تنزع فتيل الأزمة وتشقّ طريقاً نحو الأمام لتسوية هذا النزاع الأساسي في الشرق الأوسط. سوف تُعزّز صدقيّة الولايات المتحدة في المنطقة، وتخفّف من عزلة إسرائيل، وتتيح للصحوة العربية أن تحافظ على تركيزها على توسيع المشاركة السياسية وتحفيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، فتساهم تالياً في تهميش قوى التطرّف في المنطقة. الوقت الآن هو للتفكير الاستراتيجي والشجاعة السياسية، وليس فقط لإدارة الأزمات.

 


(مساعد وزير الخارجية الاميركية سابقاً - "هيوستن كرونيكل" ترجمة نسرين ناضر)

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,194,913

عدد الزوار: 6,939,974

المتواجدون الآن: 122