محمود عباس يخرج من ظل عرفات

تاريخ الإضافة السبت 1 تشرين الأول 2011 - 7:27 ص    عدد الزيارات 697    التعليقات 0

        

محمود عباس يخرج من ظل عرفات
بقلم توبياس باك

اكتشف العديد من القادة الفلسطينيين انه خلف الواجهة المتساهلة يملك محمود عباس جوهراً من حديد. ففي العامين الماضيين واجه خصوماً عنيدين وكان النصر حليفه على الدوام، حتى سلام فياض ألحقت به خلافات مع الرئيس أذى معنوياً.

في قلب مدينة رام الله في الضفة الغربية، يضع العمّال الفلسطينيون اللمسات الأخيرة على قصر رئاسي جديد. الحديقة في الخارج موضع عناية شديدة، وتتناثر فيها أشجار الزيتون. ينضح المبنى الحجري الأبيض ثقة وصلابة. وتصميم المكان بكامله يسلّط الضوء على رسالة واضحة: هنا مقرّ رئيس دولة سيّدة ومستقلّة.
مما لا شك فيه أن الرجل الذي من المقرّر أن ينتقل للإقامة في هذا القصر في وقت لاحق هذا العام ليست لديه دولة ليحكمها. في الوقت الراهن، ليس محمود عباس سوى قائد سلطة وطنية فلسطينية انتقالية، وهي هيئة ضعيفة ومشلولة مالياً ذات سلطات محدودة. كلما أراد مغادرة المدينة، عليه عبور حاجز تفتيش إسرائيلي والمرور تحت سلسلة من المستوطنات اليهودية التي بنيت على الأرض نفسها التي يطالب بها لإقامة دولة فلسطينية عليها.
لكن على الرغم من كل إحباطات الماضي، حمل هذا الأسبوع أملاً جديداً للسعي الفلسطيني الطويل إلى الاستقلال وإقامة دولة فلسطينية. عندما ناشد عباس الأمم المتحدة دعم قضيّته وقبول فلسطين دولة كاملة العضوية، كان يعلم أنها مجازفة ديبلوماسية جريئة. وفي تلك اللحظة أيضاً، خرج رجل السياسة الفلسطينية الهادئ الذي لا تفارق السيجارة فمه، نهائياً من ظل ياسر عرفات، الزعيم الذي جسّد حلم فلسطين لوقت طويل جداً.
كما هو حال عدد كبير من الفلسطينيين، طبعت الأحداث الكبرى التي عرفها تاريخ المنطقة المضطرب مسار حياته. غادرت عائلته منزلها في صفد، وهي بلدة قديمة على رأس تلّة في الجليل، خلال الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1948، مع سيل اللاجئين الفلسطينيين الذين طُرِدوا من منازلهم أو غادروها هرباً من القوّات الإسرائيلية التي كانت تتقدّم في اتّجاه البلدة. يقول مروان عبد الحميد، صديق عباس منذ الطفولة ومستشاره السابق الذي ترعرع معه في صفد وهرب معه "في قلبه رغبة شديدة في العودة. لكنه مقتنع، من أجل أولادنا وأحفادنا، بأن صفد هي الآن ملك لإسرائيل، وهذه هي سياسته. علينا أن نقرّ بأنها ملك لإسرائيل".
بعد الهروب من فلسطين، استقرّت أسرة عباس في دمشق حيث ارتاد الصبي الذي أصبح لاحقاً قيادياً فلسطينياً المدرسة وتخصّص في المحاماة. وانتقل من العاصمة السورية إلى الخليج حيث التقى عرفات، مؤسِّس حركة "فتح" الذي أصبح لاحقاً رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية"، وجمعته به علاقة طبعت مستقبله ومستقبل فلسطين.
برز عباس، 76 عاماً، إلى الواجهة مستشاراً ومفاوضاً و"رجل تفاصيل" في حقبة عرفات. وأدّيا معاً عرضاً ثنائياً فاعلاً وإن لم يكن متناغماً على الدوام: الرجل الهادئ والمتواضع الذي يرتدي بذلة ويضع ربطة عنق، والزعيم المندفع والكاريزماتي جداً الذي راح يتبختر على الساحة العالمية في بزّته الكاكي وكوفيّته.
عملا جيداً معاً في السنوات المفعمة بالأمل قبل توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 وبعده. لكن علاقتهما تدهورت عندما بدأت عملية السلام بالانهيار، مع انتقاد عباس للعنف وحمام الدماء اللذين رافقا الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقد غضب عباس من سلوك الزعيم الفلسطيني الذي يزداد غرابة، فاستقال من رئاسة الوزراء عام 2003. وبعد عام، توفّي عرفات وحلّ عباس مكانه، فتولّى رئاسة "منظمة التحرير الفلسطينية" والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح".
يُعرَف عن عباس بأنه مهندس اتفاقات السلام في أوسلو، وبأنه الرجل الذي سبق الجميع إلى دعوة الفلسطينيين إلى سلوك طريق الديبلوماسية واللاعنف، وكان الأكثر حماسة في التبشير بهذا المسار. أعلن عرفات في عبارة شهيرة أمام الأمم المتحدة أنه يحمل غصن الزيتون في يد والمسدّس في اليد الأخرى. وقال عباس بوضوح شديد هذا الشهر إنه مسافر إلى نيويورك حاملاً غصن الزيتون فقط.
التزام عباس المفاوضات ساهم في تحويله الوجه المقبول للحركة الوطنية الفلسطينية، حتى في ذروة الانتفاضة الثانية الدموية. لكنّه أظهره أيضاً في صورة الضعيف في أوساط الفلسطينيين وكذلك في أوساط محاوريه الإسرائيليين.
كان في بعض المحطّات متردّداً وغير فاعل. ولعل المثل الأبرز هو عدم تمكّنه من منع حركة "حماس" الإسلامية من السيطرة على قطاع غزة عام 2007، وقد أدّى هذا الإخفاق إلى تقسيم الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً حتى يومنا هذا. يدافع محمد مصطفى، مستشار عباس الاقتصادي، عنه قائلاً إن عدداً كبيراً من النقّاد يعتبرون الحذر ضعفاً: "إنه صبور جداً – من نوع الأشخاص الذين يصغون ويُخزِّنون في عقلهم ويحلّلون، وعند الضرورة يتحرّكون".
وفي الداخل، اكتشف العديد من القادة الفلسطينيين على مضض أنه خلف الواجهة المتساهلة، يملك عباس جوهراً من حديد. في العامين الماضيين، واجه خصوماً سياسيين عنيدين، وكان النصر حليفه على الدوام. حتى سلام فياض، رئيس وزرائه الذي يحظى بالإعجاب، يبتعد بصورة لافتة عن الأضواء هذه الأيام بعدما ألحقت به سلسلة خلافات مع الرئيس أذى معنوياً على ما يبدو.
في عالم السياسة الفلسطينية الغادر، يُعتقَد أن عباس يثمّن الولاء في محيطه الصغير أكثر من أي شيء آخر. يسدي له معاونوه النصح، ويُعدِّون مسوّدات الخطب، ويؤدّون دور المبعوثين. في اجتماع عُقِد منذ وقت قصير، لم يهمس كبير المفاوضين، صائب عريقات، نصيحة في أذن عباس وحسب، بل ظل متأهّباً ليشعل له السيجارة تلو الأخرى؛ يدخّن عباس علبتَي سجائر في اليوم على الرغم من وضعه الصحي المتدهور.
يقول عباس، وهو متزوج وأب لولدين، طارق وياسر (توفّي ابنه الثالث متأثّراً بنوبة قلبية)، إنه لا يرغب في الاستمرار في مناصبه، ويميل معظم الناس إلى تصديقه. خلافاً لعرفات الذي كان يردّد أنه "متزوِّج من الثورة"، لطالما كانت لعباس اهتمامات خارج السياسة. إنه قارئ نهم، ويستمتع بمشاهدة الأفلام العربية القديمة والاستماع إلى المغنّين التقليديين. ويُعرَف عنه أيضاً أنه مسلم متديّن يقرأ القرآن يومياً ويواظب على الصلاة.
لكنه لن يتقاعد في المستقبل القريب. يعتقد بعض الديبلوماسيين أنه يستمتع بمباهج السلطة وامتيازاتها أكثر مما يوحي به سلوكه المتواضع. لكن لدى المعجبين به على غرار عبد الحميد تفسير آخر. يقول "سوف يواصل النضال حتى نحصل على فلسطين حرّة".

 

"فايننشال تايمز" - ترجمة نسرين ناضر     

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,045,436

عدد الزوار: 6,932,127

المتواجدون الآن: 73