أخلاقيات مشكوك فيها؟....

تاريخ الإضافة الجمعة 12 أيار 2023 - 5:21 ص    عدد الزيارات 312    التعليقات 0

        

أخلاقيات مشكوك فيها؟....

مركز كارنيغي...مايكل يونغ

ربما كانت للاغتيالات الإسرائيلية ردًّا على مجزرة الألعاب الأولمبية في ميونخ خلال العام 1972 أبعادٌ أكبر من الثأر للضحايا.

إحدى الحبكات الفرعية المثيرة للاهتمام في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي أن نفهم بالضبط ما جرى خلال الألعاب الأولمبية في ميونخ في العام 1972 وبعده، حين أقدم مسلّحون فلسطينيون ينتمون إلى مجموعة أيلول الأسود على احتجاز رياضيين إسرائيليين رهائن لديهم وقتل إحدى عشرة رهينة منهم.

النسخة المتداوَلة عن المأساة، والتي ربما يجسّدها على النحو الأفضل فيلم "ميونخ" لستيفن سبيلبرغ، هي أن المسؤولين الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل انتقامًا للعملية كانوا جميعهم مذنبين بالتورّط فيها. وكان الأبرز بينهم علي حسن سلامة الذي اغتاله جهاز الموساد في كانون الثاني/يناير 1979 في بيروت، إضافةً إلى آخرين، منهم ثلاثة مسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية قتلهم الإسرائيليون في بيروت في نيسان/أبريل 1973، وهم كمال عدوان، وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار. تقوم هذه السردية السائدة على تصوير الإسرائيليين بأنهم تحرّكوا ردًّا على مرتكبي جريمةٍ نكراء بدقّةٍ همجية إنما أخلاقية.

ولكن هذه الرواية عن عملية ميونخ تعرّضت للتحدّي في العام 1999، حين قام محمد داود عودة، المعروف باسمه الحربي أبو داود، بنشر مذكّراته بالتعاون مع الصحافي الفرنسي جيل دو جونشاي. الادّعاء الأساسي الذي ساقه أبو داود أنه هو، لا سلامة، مَن نظّم عملية ميونخ. ويعود سبب نشر هذه المذكّرات جزئيًا إلى أن الأردنيين اعتقلوا أبو داود في شباط/فبراير 1973، وأرغموه على الاعتراف برواية كاذبة عن عملية ميونخ تُعفيه من المسؤولية.

لماذا أخبر أبو داود روايةً غير صحيحة؟ هو قدّم تفسيرًا، لكنه ليس كاملًا، بل يدفع إلى طرح مزيد من الأسئلة. فهو يروي أن مدير المخابرات العامة الأردنية آنذاك، محمد رسول الكيلاني، نصح الملك حسين في آذار/مارس 1973 بالعفو عن أبو داود وفلسطينيين آخرين أُوقِفوا معه. يدّعي أبو داود أن روايته المُلفَّقة، التي أُذيعت عبر راديو عمّان، كانت وسيلةً استخدمها الكيلاني للرد على أولئك الذين انتقدوه في الأردن لإقناعه الملك بعدم إعدام الفلسطينيين. قد يكون ذلك صحيحًا، ولكن أبو داود لا يشرح فعليًا لماذا أراد الكيلاني، في المقام الأول، إنقاذه هو والآخرين.

في مُطلق الأحوال، اقتنع الإسرائيليون، منذ ذلك الحين، بضلوع أبو داود في عملية ميونخ. يتحدّث الصحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان، في كتابه بعنوان Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations (قُم واقتل أولًا: التاريخ السري لاغتيالات إسرائيل المركزة)، وهو لديه مصادر جيدة جدًّا داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، عن الدور المحوري الذي اضطلع به أبو داود في العملية. ولكن إذا اقتنعنا برواية أبو داود، فهذا يعني أن الاغتيالات الإسرائيلية التي نُفِّذت بعد ميونخ بحق عدوان والنجار وناصر وسلامة، استهدفت جميعها أشخاصًا لا علاقة لهم بما حلّ بالرياضيين. ويبدو أيضًا أن عدوان وناصر لم يشاركا مطلقًا في عمليات أيلول الأسود.

يتطرّق بيرغمان إلى هذه المشكلة في كتابه. فهو ينقل عن المدير الأسبق لوحدة مكافحة الإرهاب في جهاز الموساد، شمشون يتسحاقي، قوله إن الإسرائيليين كانوا على يقين من ضلوع سلامة. ينبذ يتسحاقي مذكرات أبو داود مشيرًا إلى أنه "[أراد] أن يتبنّى كامل الفضل لنفسه". ولكن هذه الحجة تبدو مؤاتية للغاية. واقع الحال أن التفاصيل الواردة في الكتاب عن الاستعدادات لعملية ميونخ مستفيضة، وتُظهر أن أبو داود كان مطّلعًا عن كثب على مجريات تنظيم العملية وتنفيذها. ولا شكّ أن الإدلاء بالاعتراف الكاذب في عمّان أزعجه جدًّا، ولكن لو أسقط سلامة من الرواية بطريقة غير مبرّرة، لشكّل ذلك تهديدًا أكبر لسمعة أبو داود في أوساط الفلسطينيين. وهكذا، فإن جميع المؤشّرات تدلّ على أنه كتب رواية صادقة.

قد يكون ممكنًا تفسير هذا التشوّش انطلاقًا من الطبيعة الحقيقية لأيلول الأسود. وفقًا للسردية الإسرائيلية، يبدو أن المنظمة كانت تتمتع بهيكلية جيدة، تحت قيادة نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك صلاح خلف. ويصفها بيرغمان بأنها "فصيل آخر من فصائل فتح المتطورة باستمرار...". من هذا المنظور، كان سلامة وأبو داود من كوادر منظمة أيلول الأسود المتماسكة نسبيًا، وبالتالي أمكن اعتبار الرد الإسرائيلي ضدّ أيٍّ من عملاء المنظمة على نطاق أوسع بأنه ضربة تستهدف مرتكبي عملية ميونخ.

ولكن، إذا كانت أيلول الأسود أقل اتّساقًا من ذلك بكثير، ومجرّد عنوان أكثر مما هي منظمة، فعندئذٍ تتغيّر القصة. في هذه الحالة، لا يؤشّر الانتماء الاسمي إلى أيلول الأسود بالضرورة إلى أن الشخص ضالعٌ في عملية ميونخ، وبالتالي ربما استهدف منفّذو عمليات الاغتيال الإسرائيلية الأشخاص الخطأ. وإذا كان الإسرائيليون مدركين لهذا الالتباس، فربما كان الدافع وراء عمليات الاغتيال وقائع لا صلة فعلية لها بما جرى في ميونخ، ولكنهم لتبرير ارتكابهم لها تذرّعوا بالثأر لعملية ميونخ.

كتب أبو داود في مذكراته أن أيلول الأسود "ليست منظمة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هي تسمية تبنّاها مقاتلو فتح". ويميل زميلي يزيد صايغ، الذي صدر له كتاب عن منظمة التحرير الفلسطينية بعنوان "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية 1949-1993"، إلى الموافقة على ذلك. فقد قال في سياق حديث جرى مؤخرًا ما مفادع: "ثمة لغط في تصوير أيلول الأسود بأنها منظمة واضحة المعالم. فهذا يفترض وجود إطار رسمي وهيكلي لكيفية قيام فتح بالأمور، وهذا غير صحيح. اعتُبرت حركة فتح فضفاضة إلى حدًّ كبير، وكان الكثير فيها مدفوعًا بتنافسات شخصية وفئوية، تافهة في الكثير من الأحيان. لكنها كانت أيضًا انعكاسًا لنوع المبادرات التي يمكن للأفراد تنفيذها، ولا سيما بعد الهزيمة في الأردن ]في ظل[ أجواء من الخوف والارتياب والشعور بالعيش تحت الحصار. كان الحدْس العام هو التصدّي لأعداء [فتح] وزعزعة توازنهم وتصوير ]فتح[ على أنها ناشطة للغاية. وقد سمح ذلك للكثيرين بإطلاق مبادراتهم الخاصة".

بالفعل، يُلمح أبو داود إلى أن عملية ميونخ عكست مثل هذه المبادرات. وقد أجمع هو وخلف والعمري على هذه الفكرة في بيازا ديلا روتوندا في روما. تضرّ نجاة الثلاثة ربما بصورة إسرائيل كدولة تتوخّى الدقة في ثأرها، حتى لو اعترف الإسرائيليون بأن الموساد ارتكب خطأ فادحًا في تموز/يوليو 1973، حين اغتال عن طريق الخطأ نادلًا مغربيًا هو أحمد بوشيخي في مدينة ليلهامر النرويجية، ظنًّا منه أنه سلامة.

صُوّر اغتيال سلامة بعد ست سنوات على أنه الفصل الأخير في حملة الاغتيالات الإسرائيلية التي نُظمّت انتقامًا لعملية ميونخ. وينقل بيرغمان في كتابه عن المسؤول الإسرائيلي يائير رافيد قوله إن "قتل سلامة كان بالدرجة الأولى إغلاقًا لملف عملية ميونخ". لكن بيرغمان يشير أيضًا إلى أن عددًا من الأشخاص الذين عملوا مع سلامة نفوا هذا الاتّهام بشدة. ويُلمح كذلك إلى أمر اشتُبه به لفترة طويلة حول اغتيال سلامة، وهو أن السبب الحقيقي وراء تصفيته يُعزى إلى أن إسرائيل أرادت قطع الصلة بينه وبين شخصية مهمة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، روبرت كلايتون أيمز. ويشاطره هذا الاعتقاد مؤلّف سيرة حياة أيمز، كاي بيرد، في كتابه بعنوان "الجاسوس النبيل: حياة روبرت أيمز وموته"، ومسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات الأميركية أورد بيرد أقوالهم.

إذًا، لم يكن اغتيال سلامة مرتبطًا بالإرهاب على الإطلاق، بل محاولة معيبة أخلاقيًا من الإسرائيليين لحرمان الفلسطينيين من قناة اتصال مباشرة مع واشنطن، من شأنها ربما تخطّيهم. مع ذلك، تمسّكت إسرائيل بحجة أن الاغتيال هدَف إلى الثأر لعملية ميونخ، كي تتجنّب اللائمة التي كانت ستواجهها من وكالة الاستخبارات الأميركية لتخلّصها من قناة تواصل استخباراتية قيّمة. لكن هذه الحجة لم تخدع كثيرين، ومن بينهم أيمز. وقد نقل بيرد عن إيسر هاريل، المدير العام السابق للموساد، قوله: "عرفنا أن سلامة كان يتواصل مع الأميركيين. وعلمتُ لاحقًا أن أيمز غضب كثيرًا منا عندما قُتل علي حسن".

إذا استُخدمت عملية ميونخ كغطاء لتبرير اغتيال سلامة، فلا بدّ من طرح أسئلة جادّة حول ذنب الآخرين الذين قُتلوا تحت راية الثأر لعملية ميونخ. قد تساعدنا الإجابة عن هذه الأسئلة في معرفة ما إذا كانت الاغتيالات الانتقامية التي نفذّتها إسرائيل دقيقةً أو أخلاقيةً بالفعل كما صوّرها كُثر.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,631,324

عدد الزوار: 6,905,078

المتواجدون الآن: 97