العنف خارج الاحصائيات

تاريخ الإضافة الجمعة 4 أيلول 2009 - 5:44 ص    عدد الزيارات 871    التعليقات 0

        

عميرة هاس
(مراسلة الصحيفة في المناطق الفلسطينية)

الامر الذي يثير الذهول فعلا في موجة القتل التي حصلت خلال الاسابيع الاخيرة هو ذلك الاستغراب الاسرائيلي الجماعي من مظاهر العنف في اوساطنا. مرة اخرى تنكشف كفاءاتنا على شطب العنف اليومي من دائرة النقاش، مع أن هذا العنف يرتبط بسيطرتنا المستمرة على الفلسطينيين وعلى ارضهم.
حتى عندما لا يكون هناك قتلى وجرحى فلسطينيون على يد الجيش الاسرائيلي، ليست هناك هدنة في ممارسة القوة الروتينية التي يقوم على اساسها نظام الاحتلال. ثمة اسرائيليون كثيرون يشاركون في كل قيد يفرض على الحركة او امر مصادرة: من الوزراء المسؤولين، مرورا بالقضاة الذين يسوغون ويصيغون، وبالضباط المنفذين والمترجمين والكتبة. كل جندي يحرس مستوطنة وكل حاخام يخدم فيها وكل حاضنة، كلهم شركاء في عملية العنف الممأسسة القديمة ـ اقامتها فوق ارض فلسطينية (سواء كانت عامة او خاصة). هذا عنف يكرر ويستولد نفسه كل لحظة، لان ضرر عملية السلب الاولى لا يزال مستمرا.
ثمة للجهاز القضائي العسكري، الذي يحاكم الفلسطينيين فقط من سكان الضفة، دور مهم في استنساخ العنف. ففي جهاز القضاء المدني الاسرائيلي، ثمة مجموعات اجتماعية ليست جزءا من السلطة وتسعى لمنع الجهاز القضائي من تفضيل مصالح مراكز القوة. في المقابل، في جهاز القضاء العسكري يمارس الحاكم قوته من دون ازعاج تقريبا، حتى يضمن سيطرته وحقوقه الزائدة. المحتل يوجِد قوانين هدفها شبه الوحيد معاقبة وردع الطرف الواقع تحت الاحتلال الذي يتجرأ على المقاومة.
في المجتمع الطبيعي، يُعتبر العنف ضد الأولاد فعلا مثيرا للقشعريرة على نحو خاص. ونحن نرى كيف أن الجنود الاسرائيليين (من الذي سيحصي عددهم)؟ اعتقلوا ويعتقلون الأولاد الفلسطينيين منذ عشرات السنين، وفي احيان كثيرة في عتمة الليل، على اساس اعترافات اولاد اخرين، كانت قد اعطيت قبل اشهر وسنوات بعد تنفيذ مخالفة ضد الاحتلال.ويتم التحقيق معهم في عتمة الليل ويُعتقلون حتى انتهاء الاجراءات القضائية، حتى عندما تراوح أعمارهم في الثالثة عشرة او الرابعة عشرة عاما. القضاة العسكريون لا يجدون أي خلل في ذلك. وبشكل عام من الافضل للأولاد ان يسارعوا الى الاعتراف بالتهم المنسوبة اليهم (مثل رشق الحجارة بين 2001 و 2004 من دون ذكر تاريخ ومكان محددين) والتوقيع على صفقة. المحاكمة الحقيقية (شهود، تحقيقات متقاطعة)ـ خلال وجودهم في الاعتقال ـ تمتد اكثر من فترة السجن المتوقع.
في اواخر تموز صدر امر عسكري يأمر باقامة محكمة عسكرية للفتية. بعد 42 عاما ادرك الجيش أيضا أنه ثمة خلل إفي قيام القاضي العسكري بإصدار حكم على شخص عمره 35 عاما وعلى فتى عمره ثلاثة عشرة عاما. ولكن حتى الآن، بحسب القانون العسكري الاسرائيلي، الفلسطيني يكف عن كونه قاصرا في سن السادسة عشرة ـ قبل القاصر الاسرائيلي بعامين. وفقا للأمر الجديد، عقوبة القاصر تحكم وفقا لموعد تقديم لائحة الاتهام. هذا اعتراف واهن بهذا الإجراء العنيف الذي كان قائما منذ سنوات، حيث تتحدد العقوبة وفقا لموعد صدور الحكم. لماذا تعتبر واهنة؟ لان احتجاز الاولاد لا زال ينفذ بنفس الطريقة السابقة. ولا زال التاريخ الحاسم في هذه القضية ليس موعد تنفيذ المخالفة ضد الاحتلال. وفقا للامر الصادر اذا مر عامان منذ تنفيذ المخالفة التي نفذها شخص عندما كان قاصرا ـ فلا يتوجب تقديمه للمحاكمة الا اذا طالبت النيابة العسكرية بغير ذلك. اية نيابة عسكرية ـ قطة تحرس الجبنة ـ لن تسارع الى تقديم الدعوى؟.
من كبير القضاة العسكريين الى آخر الجنود في الحاجز العسكري ـ مئات آلالاف من الاسرائيليين الطبيعيين تماما وغير العنيفين في منزلهم ـ يشاركون في مهمة الادارة، تحديد، تقييد وحتى تدجين المجتمع الاخر من خلال المس التراكمي بحقوقه، برفاهيته وسلامته. هذا هو المعيار الذي لا يجري احتسابه في احصائيات العنف والعنيفين عندنا.

("هآرتس" 2/9/2009)
ترجمة: عباس اسماعيل

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,074,539

عدد الزوار: 6,933,721

المتواجدون الآن: 102