الأزهر حاضراً وماضياً ... شيخ جديد أمام مهمة غير جديدة

تاريخ الإضافة السبت 3 نيسان 2010 - 6:00 ص    عدد الزيارات 1571    التعليقات 0

        

عمار علي حسن *

منذ اللحظة الأولى لتوليه مشيخة الأزهر، راح الدكتور أحمد الطيب، يتحدث عن رغبته العارمة وطموحه العريض في مواصلة الدور التنويري لهذه المؤسسة العريقة، بإصلاح مناهجها وتجديد مسارها. وفي الوقت نفسه يتحدث عن محاولة لصبغ السياسة المصرية القائمة بصبغة أخلاقية، نظراً لأن الرجل يشغل موقعاً في المكتب السياسي للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر، ويبدو، حتى الآن، متمسكاً بموقعه السياسي، ولا يلوح في الأفق ما يدل على أنه قد يتركه حرصاً على موقعه الديني الرفيع.

وما يقوله الطيب ليس جديداً في معناه ومبناه، ففي حقيقة الأمر أن الأزهر قد مرَّ طيلة التاريخ الحديث والمعاصر بمحاولات عدة لإصلاح أوضاعه، سواء كانت إدارية تتعلق بهيكله ووضعه المالي أو التشريعات التي تحكم حركته، أم كانت تتعلق برؤيته الدينية ومناهجه التعليمية. وليس هنا مجال الحديث عن محاولات الإصلاح الإداري والمالي، فالاهتمام سينصب على ما جرى من محاولات النهوض بالدور التعليمي والديني للأزهر، لأن هذا هو محل الاهتمام حالياً، ليس في مصر وحدها، ولا في العالم الإسلامي فحسب، بل في العالم أجمع.

وإذا كانت الوظيفة التعليمية للأزهر بدأت عقب الانتهاء من بنائه بسنوات قليلة حين جلس أبو الحسن بن النعمان قاضي القضاة ليتحدث في «فقه آل البيت»، فإن أول محاولة حقيقية لإصلاح التعليم الأزهري انتظرت أكثر من ثمانية قرون، إذ تمت أيام تولي محمد العروسي المشيخة، من 1818 إلى 1829، حيث سعى إلى إدخال علوم الطب والكيمياء والطبيعة لتشكل جزءاً من المناهج التعليمية للأزهر، لكن سعيه خاب، نظراً لعدم اقتناع القائمين على الأمر وقتها بأن الأزهر يمكنه أن ينتج تعليماً وعلماً خارج الدين. ولما جاء من يقتنع بالفكرة مات العروسي فدفنت فكرته معه موقتاً.

انتعش الدور التعليمي للأزهر في العصرين المملوكي والعثماني، بعد طول إهمال في عهد الأيوبيين لحساب مدارس اختصت بتدريس فقه المذهب السني، لكن هذا الانتعاش كان بمثابة «توسع أفقي» في هذا الدور، إذ زيد في عدد المدارس الدينية بعد تجديد بناء الأزهر وتوسيع مساحته، فزاد معها عدد الطلاب الملتحقين به، وعدد المدرسين الذين يعقدون حلقات العلم الديني فيه. لكن ظل الأمر مقتصراً في أغلب الأحوال على تدريس العلوم الدينية من فقه وحديث وتوحيد ومنطق وعلم كلام، إلى جانب مبادئ في علم الفلك والرياضيات والآداب. ولم يكن الطلاب مقيدين بالانتظام في حضور دروس العلم، ولم تكن هناك لوائح تنظم سير العملية التعليمية، وتحدد مناهج الدراسة ومدتها وأعضاء هيئة التدريس. بل كان الطلاب أنفسهم يتحكمون في تعيين مدرسيهم، من خلال الإقبال على حلقاتهم من عدمه. فمن يداوم من الطلاب على حضور دروسه، وتتسع حلقته العلمية، يجيز شيخ الأزهر صلاحيته للتدريس، والعكس صحيح.

ووضع الشيخ حسن العطار، الذي تولى مشيخة الأزهر في الفترة بين 1830 و1834، لبنة جديدة في بناء إصلاح التعليم الأزهري، مستغلاً علاقته المتوازنة مع محمد علي، من جهة، وسعة إطلاعه من جهة ثانية، إذ كان ملماً، إلى جانب علوم الدين، بعلم الفلك والطب والكيمياء والهندسة والموسيقى والشعر.

لكن الخطوة الفارقة على درب إصلاح التعليم الأزهري جاءت في عهد الخديوي إسماعيل، ودشنها قانون صدر عام 1872، لتنظيم حصول الطلاب على شهادة «العالمية»، وتحديد مواد الدراسة بـ 11 زاوجت بين العلوم الدينية والأدبية، إذ حوت الفقه والأصول والحديث والتفسير والتوحيد والنحو والصرف والبيان والبديع والمعاني والمنطق. كما حدد القانون طريقة امتحان الطلاب، بأن يوضع الطالب موضع المدرس، ويصبح ممتحنوه في موضع الطلبة، فيلقي الأول درسه ويناقشه الآخرون في مختلف فروع العلوم، نقاشاً مستفيضاً قد يمتد إلى ساعات طويلة، بعدها يتم الحكم على مستواه العلمي.

وبعد هذا بربع قرن تقريباً، وتحديداً عام 1896، دبت عافية الإصلاح قوية في ربوع الأزهر، بفعل قوانين عدة صدرت في عهد الإمام حسن النواوي، الذي تولى المشيخة خلال الفترة من 1896 إلى 1900، كان للإمام العظيم محمد عبده دور كبير في سنِّها. وحددت هذه القوانين سن القبول في الأزهر بخمس عشرة سنة، شريطة الإلمام بمبادئ الكتابة والقراءة. والأهم كان إدخال علوم عدة على المناهج التعليمية الأزهرية، منها التاريخ الإسلامي والهندسة وتقويم البلدان (الجغرافيا). وبمقتضى القانون نفسه أضيفت «شهادة» قبل العالمية سميت «الأهلية»، كانت تتيح لحاملها الخطابة في المساجد، أما من يحصل على «العالمية»، فيحق له التدريس في الأزهر.

وخلال عهد الإمام سليم البشري (1900 ـ 1902/1909 ـ 1916) أنشئت «هيئة كبار العلماء»، تحديداً عام 1911، التي تغير اسمها في ظل مشيخة الإمام محمد مصطفى المراغي (1928 ـ 1929/1935 ـ 1945) إلى «جماعة كبار العلماء»، وكانت تتكون من صفوة علماء الأزهر، وهي نواة لـ «مجمع البحوث الإسلامية» الذي يشتد حضوره راهناً في الحياة الاجتماعية، إلى جانب «جبهة علماء الأزهر» التي تملأ الدنيا صخباً من خلال تعليق بعض أعضائها على الأحداث الجارية، أو رقابتهم على بعض الأعمال الفكرية والثقافية، التي يدور حولها لغط، ويتهمها البعض بالتجديف في الدين، وهي المسألة التي زادت بشكل ملموس في عهد إمامة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (1982 ـ 1996).

لكن بذرة تحول الأزهر إلى «جامعة» غرست عام 1930، في عهد الإمام محمد الأحمدي الظواهري (1929 ـ 1944) حيث تم إنشاء ثلاث كليات هي «أصول الدين» و «الشريعة» و «اللغة العربية»، فلما جاء عام 1961، صدر القانون رقم 103، الذي بات الأزهر بمقتضاه «جامعة»، بعد أن أضيفت إلى كلياته الثلاث المذكورة كليات مدنية مثل «الهندسة» و «الطب» و «الإدارة» و «الزراعة» و «البنات»، وكان ذلك في عهد الإمام محمود شلتوت (1958 ـ 1964).

ووازى هذا التطور في البنية التعليمية تدرج في الإصلاح الفكري للأزهر، كان يعلو ويهبط، يتوهج ويخبو، بحسب التكوين العقلي لمن يتولى المشيخة. وإذا كانت حركة النهضة المصرية اشتد عودها مع بداية القرن العشرين، فإن الأزهر في تلك الآونة، كان يقوده رجل ناصَرَ الثورة العرابية، وتولى نظارة دار الكتب، وكان صديقاً لمحمود سامي البارودي، وتحمس بقوة لأفكار الإمام محمد عبده الإصلاحية، وهو الشيخ علي محمد الببلاوي (1902 ـ 1905). لكن خلفه الشيخ عبدالرحمن الشربيني (1905 ـ 1906)، كان تقليدياً سلفياً، عادى الإصلاح وتحيز للقديم. فلما جاء المراغي وضع نواة رقابة الأزهر على المنتج الفكري من خلال إنشاء هيئة تراقب البحوث والثقافة الإسلامية والكتب التي تهاجم الدين. وتبعه الظواهري، الذي كان إصلاحياً إلى حد كبير، يميل إلى تجديد الفقه بما يواكب التغيرات الاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى أن يكون علماء الدين ملمين بمجريات الواقع، وأن يفهموا في السياسة قدر فهمهم في الفقه والأصول والحديث... الخ. وكان الظواهري يطبق هنا أفكاره التي ضمنها في كتاب وسمه بـ «العلم والعلماء»، دافع فيه باستماتة عن الأفكار الإصلاحية لمحمد عبده، ما دفع الخديوي عباس حلمي إلى محاربته، وجمعت نسخ الكتاب لتحرق في ساحة الجامع الأحمدي في مدينة طنطا، لكن مصادرة الكتاب، لم تحل دون ذيوعه، فانكب الطلاب ينسخون منه صوراً باليد، ويتبادلونها. وأعاد الإمام عبدالحليم محمود طبع الكتاب، حين كان يتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية.

وبعد الظواهري تبوأ مشيخة الأزهر رجل مستنير، من تلاميذ محمد عبده، إنه الإمام مصطفى عبدالرازق (1945 ـ 1947)، الذي درس الفلسفة والآداب في جامعة السوربون، فزاوج بين ثقافة الغرب وتراث الإسلام، ونادى بانفتاح الأزهر على الغرب، وشيد «قاعة محمد عبده» في الأزهر لتستضيف المؤتمرات الدولية الإسلامية، وترجم بعض الكتب الدينية، وفي مقدمها «رسالة التوحيد» إلى اللغة الفرنسية. وواصل خلفه الإمام محمد مأمون الشناوي (1947 ـ 1950) ما أمكنه مسيرة عبدالرازق، حين أرسل نوابغ طلاب الأزهر لتعلم اللغة الإنكليزية، كي يصبحوا دعاة عصريين قادرين على مخاطبة «الآخر». أما الإمام عبدالمجيد سليم (1950 ـ 1951/ 1952 ـ 1954)، فقد انصب اهتمامه على تحرير الفقه من التقيد بالمذاهب، التي حاول التقريب بينها، ودعا إلى إعمال العقل في الأمور الدينية.

وبعد ثورة تموز (يوليو) 1952، حاول معظم من تولوا مشيخة الأزهر تطويع رأي الدين لخدمة السياسات السائدة، فشلتوت أفتى بأن «القوانين الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام»، والدكتور محمد الفحام الذي تولى المشيخة في الفترة من (1969 ـ 1973)، اعتبر أن الانقضاض على الاشتراكية بمقتضى ما سماها السادات ثورة التصحيح عام 1971 هو «خطوة تأتي من أجل كفالة الحريات للوطن والمواطنين وسيادة القانون وبناء الدولة الجديدة».

لكن الأزهر كان استوعب الكثير من الأفكار الإصلاحية التي روج لها رواده على مدار قرن من الزمان، يبدأ من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، إلا أنه لم يتخذ خطوات فارقة على هذا الدرب، نظراً لطغيان «السياسي» على «الديني» و «الفكري» معاً عقب قيام ثورة تموز (يوليو)، ما جعل الخط البياني في إصلاح الأزهر، يعلو ببطء لا يقارن أبداً بالقفزات التي كان تحدث من قبل، حين شرع أنصار الليبرالية في طبع بصماتهم على الرؤية الدينية، بما يمكنها من أن تلقي بغمارها تدريجاً في الواقع المعيش، وتخرج من إسار الكتب القديمة، التي أنتجها الفقهاء في عصور ولت.

أما في ما يتعلق بالدور السياسي لشيوخ الأزهر، فنجد أن هناك عناصر ثلاثة شكلت هذا الدور، كانت تجتمع أحياناً فيتعاظم هذا الدور، بصرف النظر عما إذا كان خصماً من رصيد المجتمع أم لصالحه، وأحياناً أخرى كان يتوافر إحداها أو اثنين منها، فيقل دور الأزهر السياسي. لكنه، في جميع الأحوال، لم ينقص تماماً.

بدأ الدور السياسي لشيخ الأزهر يبرز في ظل مشيخة الإمام محمد الحفني (1757 ـ 1767)، الذي بلغ في هذا المضمار شأناً عالياً، رسم الجبرتي ملامحه قائلاً: «كان شيخ الأزهر محمد الحفني قطب رحى الديار المصرية، ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه وإذنه». وقاد احتجاج الشيخ أحمد العروسي على إساءة الوالي العثماني أحمد أغا لأهالي الحسينية إلى صدور فرمان سلطاني بعزل هذا الوالي. واضطر خلفه إلى أن يحضر إلى الأزهر ليسترضي علماءه. وبعد العروسي كان الأزهر على موعد مع رجل زاوج بين الدين والسياسة، في الفكر والحركة، وهو الشيخ عبدالله الشرقاوي (1793 ـ 1812)، الذي عاصر هبات المصريين ضد الحملة الفرنسية، وكان واحداً من رموز الشعب آنذاك، وحشد طاقة الأزهر في طليعة مقاومة الاحتلال، وعينه نابليون بونابرت ضمن عشرة في «مجلس الشورى» الذي أنشأه لاسترضاء المصريين.

وكان الشيخ حسن العطار من قادة الحركة الوطنية ضد الحملة الفرنسية، وتولى المشيخة بعد تدخل شخصي من محمد علي، وكان يميل إلى الاحتفاظ بعلاقة «متوازنة» مع السلطة، مبرراً ذلك بأن مصلحة الأزهر تقتضي ذلك. أما الشيخ إبراهيم الباجوري (1847 ـ 1860)، فقد حرص على إعلاء كرامة علماء الأزهر في مواجهة السلطة. واصطدم الشيخ مصطفى محمد العروسي (1860 ـ 1870) مع السلطة، لاعتراضها على قيامه بفصل عدد من المدرسين بالأزهر. وكان خلفه محمد المهدي العباسي (1870 ـ 1882/1882 ـ 1885)، الذي لم يتحمس للثورة العرابية، فتمت إزاحته من منصبه وقت عنفوانها، لكن بعد انكسارها أعاده الخديوي توفيق، لكن لم يلبث أن اختلف معه، فطلب إعفاءه من منصبه، فاستجيب له. أما الإمام شمس الدين الإنبابي (1882 ـ 1882/1885 ـ 1896)، فقد أفتى بعدم صلاحية توفيق للحكم، بعد أن باع مصر للأجانب، مناصراً بذلك عرابي ورفاقه. لكن معارضته للخديوي عباس الثاني قادت إلى تدخل السلطة في شؤون الأزهر بإنشاء مجلس إدارة له، نال من صلاحيات شيخه. كما قادت معارضة خلفه الشيخ حسونة النواوي (1896 ـ 1900) للحكومة في إقدامها على تعديل قانون المحاكم الشرعية، إلى إبعاده من منصبه، لكن العلماء تضامنوا معه، فلجأت الحكومة إلى حل وسط بتعيين شيخ يمت بصلة قرابة له هو الشيخ عبدالرحمن النواوي.

وتسببت مناصرة الشيخ علي محمد الببلاوي لأفكار محمد عبده إلى اصطدامه بالخديوي عباس، الذي رفض مقترحاته لإصلاح الأزهر، فما كان منه إلا أن استقال. ولعب خلفه الشيخ عبدالرحمن الشربيني دوراً مضاداً، بعد أن لجأ إليه الخديوي ليحارب حركة الإصلاح في الأزهر بفعل أفكار محمد عبده. لكنه لم يلبث أن استقال عندما تمادى الخديوي في معاداة أنصار الإصلاح. وعارض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي (1917 ـ 1927) ما انتواه الملك فؤاد من إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبرراً ذلك بأن مصر لا تصلح داراً للخلافة، لوقوعها تحت الاحتلال الإنكليزي. ورفض الجيزاوي الاستجابة لطلب الإنكليز بإغلاق الجامع الأزهر إبّان ثورة 1919، وصدر في عهده قانون قيد سلطة الملك في تعيين شيخ الأزهر، حين أشرك رئيس الوزراء في هذا. ولم ترق محاولة الحكومة حرمان شيخ الأزهر من بعض الأوقاف الخاصة به، للشيخ المراغي فاستقال، لكنه لم يكن مناهضاً للسلطة، شأنه في ذلك شأن خلفه الظواهري، الذي تعاون مع الملك فؤاد في توسله الأزهر لكسب الشرعية، وتدعيم سلطته المضادة لمصالح الشعب. وكانت ذريعة الظواهري في هذا هي أن مصلحة الأزهر في التبعية للملك لا للحكومة أو الأحزاب. ونكل الملك في عهد الظواهري بعلماء الأزهر، ففصل بعضهم وشرد آخرين، بعد أن صدر قانون خول الملك سلطة تعيين شيخ الأزهر ووكيله، وشيوخ المذاهب الأربعة، ومديري المعاهد الدينية.

وفي ظل مشيخة الإمام محمد مأمون الشناوي، أصدرت مجموعة من العلماء بياناً شهيراً دعت فيه إلى الجهاد ضد إسرائيل بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947. وأدت المواقف الوطنية للإمام عبدالمجيد سليم إلى عزله، إثر معارضته فسادَ الملك فاروق قائلاً عبارته الشهيرة، حين قرر الملك تخفيض المخصصات المالية للأزهر: «تقتير هنا وإسراف هناك»، في إشارة إلى بذخ فاروق. واستمر الخلاف بين الملك والأزهر في عهد الإمام إبراهيم حمروش (1951 ـ 1952)، فأعفي من منصبه بعد أن رفض طلب فاروق عدم اشتغال علماء الأزهر بالسياسة.

وبعد ثورة تموز (يوليو) مال شيوخ الأزهر في الغالب الأعم إلى تأييد توجهات السلطة. فالإمام محمد الخضر حسين (1952 ـ 1954) وهو تونسي الأصل، وصف الثورة بأنها «أعظم انقلاب اجتماعي مر بمصر منذ قرون»، لكنه لم يلبث أن قدم استقالته لخلاف مع الرئيس جمال عبدالناصر حول إلغاء المحاكم الشرعية. وجارى خلفه الشيخ عبدالرحمن تاج (1954 ـ 1958) عبدالناصر في خلافه مع محمد نجيب فأفتى سريان عقوبة التجريد من شرف المواطنة على من يتآمر ضد بلاده، قاصداً بذلك نجيب، وهاجم الإخوان المسلمين بعد حادث المنشية 1954، من خلال بيان أخذ عنوان «مؤامرة الإخوان»، اتهم الجماعة بأنها تشوه الدين الإسلامي. وأفتى الشيخ شلتوت بعدم تعارض قوانين الاشتراكية مع الإسلام، كما سبقت الإشارة. ولم يجاهر برفض القانون رقم 103 لعام 1961، الذي أعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، ووكيله، وتحجيم صلاحياته عبر تعيين وزير يختص بشؤون الأزهر. وسار الشيخ حسن مأمون (1964 ـ 1969) على الدرب نفسه، فكان موقفه سلبياً من القانون، المذكور سلفاً، إذ صدر حين كان مأمون عضواً في مجلس الأمة ورئيساً للمحكمة الشرعية. وبات أول من طبق عليه هذا القانون حين تولى مشيخة الأزهر. وكان مأمون من المدافعين عن القوانين الاشتراكية، ووصف الإخوان بأنهم «مجرمون». ولما جاء الفحام، أيد «ثورة التصحيح»، كما تقدم، وأيد خلفه الدكتور عبدالحليم محمود موقف السادات من القوى اليسارية بعد أحداث 17 و18 كانون الثاني \"030424b.jpg\" (يناير) 1977 الشهيرة، ووصف الشيوعيين بأنهم «ملحدون لا ينتمون إلى جماعة المسلمين»، لكنه عارض مسألة تبعية الأزهر لوزير شؤون الأزهر، واستجاب السادات له، فصدر القانون رقم 350 لعام 1975، الذي بمقتضاه صار شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء، من الناحية المالية، ويتبع رئاسة الوزارة إدارياً. ونادي الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار، الذي تولى مشيخة الأزهر خلال الفترة من 1979 إلى 1982، بعدم معارضة الحاكم إلا في الأمور الجوهرية.

أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق فهو إن كان قد أيد معاهدة السلام مع إسرائيل حين كان يتولى الإفتاء، فقد رفض التطبيع بعد توليه المشيخة اعتراضاً على عدوان إسرائيل المستمر على الفلسطينيين. وأخيراً، فمن المعروف عن الدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي توفي أخيراً، مجاراته السلطة السياسية في مواقفها.

* كاتب مصري

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,200,605

عدد الزوار: 6,940,189

المتواجدون الآن: 122