مشروع النهوض باللغة العربية.. مشروع أمة

تاريخ الإضافة السبت 29 تشرين الثاني 2008 - 7:41 ص    عدد الزيارات 1494    التعليقات 0

        

عبدالعزيز بن عثمان التويجري*

لا تزال اللغة العربية موضوع اهتمام المثقفين الغيورين وفي طليعة قضايا الأمن القومي في الوطن العربي، بالمفهوم الشامل للأمن الذي ينصرف إلى الحفاظ على المقومات والخصوصيات والهوية العربية الإسلامية والقيم الثابتة التي تضمن استقرار المجتمع وحماية سيادة الدولة وتأمين مستقبل الأجيال الصاعدة.
إن اللغة العربية هي وعاء ثقافتنا وعنوان هويتنا، والمحافظة عليها تعدّ محافظة على الذات وعلى الوجود. وقد سرّني انطلاق مبادرة ثقافية رائدة من سورية هي خطة النهوض باللغة العربية التي تواجه خطراً محدقاً بها من دون شك. ولقد دقت ناقوسَ هذا الخطر، وللمرة الأولى، القمة العربية في دَورَتيْها الأخيرتين في كل من دمشق والرياض. فهو إذن خطر حقيقي، قد يراه البعض محدوداً يمس جانباً من الحياة، هو جانب الثقافة. وما علم هؤلاء أن الثقافة هي الحياة، وأن اللغة هي عصب الحياة.
لذلك فقد اغتنمت فرصة مشاركتي في أعمال الدورة السادسة عشرة لوزراء الثقافة العرب التي عقدت أخيراً في دمشق، فدعوت في الكلمة التي ألقيتها في الجلسة الافتتاحية، إلى أن يتبنى المؤتمر مشروع النهوض باللغة العربية، ليكون مشروعاً عربياً إسلامياً، وأعلنت أن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ستعرض من جهتها هذا المشروع على المؤتمر العام المقبل، لمناقشته واعتماده ليكون مشروعاً للعالم الإسلامي.
ان مشروع النهوض باللغة العربية الذي طرحته سورية بمناسبة الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008، مشروع عربي حضاري تم قطع مراحل مهمة في تنفيذه، في جهد حكومي بالتعاون والتنسيق بين وزارة الثقافة ومجمع اللغة العربية ووزارتي الإعلام والتربية. وهي تجربة جديرة بالدراسة والاستئناس بها في باقي الدول العربية، وتستحق أن تكون تجربة عربية شاملة تخدم هدفاً عربياً إسلامياً، ينبغي أن يكون فوق كل اعتبار أو حسابات إقليمية ضيقة.
وهذا المشروع يجب أن يُعمَّم على جميع الأصعدة، وليس فحسب على الصعيد الحكومي، لأنه يهم جميع القطاعات، ويمكن أن تساهم فيه المنظمات والهيئات والمؤسسات والجمعيات الأهلية والإعلام العربي، وخصوصاً الإعلام المرئي الذي أصبح يستحوذ على شرائح عريضة واسعة من أبناء الضاد. ومن المؤسف أن الفضائيات العربية لا تولي اللغة العربية الاهتمام الذي يجعلها تساهم في حمايتها والحرص على سلامتها، وبث برامج خاصة موجهة إلى الجمهور العام لنشر الوعي اللغوي وتصحيح الأخطاء السائدة والترغيب في التمسك باللغة العربية والارتباط العقلي والوجداني بها، على غرار ذلك البرنامج التلفزيوني الشهير الذي كان يبث من أكثر من محطة تلفزيونية عربية، قبل عصر الفضائيات، ويخدم اللغة العربية خدمة إعلامية راقية.
إن النهوض باللغة العربية من النواحي كافة يجب أن يتصدّر أولويات العمل العربي المشترك على جميع المستويات. ولا أقول العمل العربي الثقافي التعليمي فحسب، بل أقول العمل العربي العام على مختلف الأصعدة، لأن النهوض باللغة ليس مسألة ثقافية، ولا هي مسألة تربوية تعليمية فحسب، وإنما هي مع ذلك مسألة السيادة والأمن والاستقرار والمصير.
وأنا أتفق مع الدكتور علي فهمي خشيم، رئيس مجمع اللغة العربية الليبي، الذي قال في المؤتمر السنوي السابع لمجمع اللغة العربية بدمشق الذي عقد أخيراً: «إنني أرفض النواح على اللغة العربية وأنها تواجه تحديات وصعوبات، فهي تعيش الآن عصراً زاهراً إذا قارنا وضعها بالماضي، وأن الصحافة منذ خمسين عاماً كانت رديئة جداً على عكس ما هي عليه الآن». وهذا الرأي يؤكد ما كان يردده دائماً أستاذنا الدكتور شوقي ضيف رحمه الله، رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، سواء في أحاديثه ومحاضراته أو في دراساته وكتبه. وقد استندت إلى رأي الدكتور ضيف في كتابي «اللغة والعولمة» و»مستقبل اللغة العربية»، وفي بعض محاضراتي.
ولذلك فإن (النهوض باللغة العربية) تعبير دقيق، فالنهوض يكون من القعود أو السقوط، وكلا الأمرين لا يعني الانهيار والتردي. ومن أجل هذا كان اختيار اسم هذا المشروع، اختياراً حكيماً، فهو ليس مشروعاً لـ (إحياء) اللغة، لأن الأمر لا يقتضي الإحياء، وإنما يتطلب الإنهاض، ليتم للغة الضاد النهوضُ الذي هو المدخل إلى النهضة اللغوية العلمية الحضارية المرتقبة. وفي جميع الأحوال فإن اللغة العربية تحتاج منا إلى تضافر جهودنا لخدمتها ولتجديدها، ولتوفير أسباب النهوض أمامها، لتكون لغة الحياة وليست لغة الكتب التي نسطّر، ولغة المستقبل الذي نصوغه بعملنا المشترك في المجالات كافة، وليست لغة الماضي الذي نزهو به.

* المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,166,686

عدد الزوار: 6,937,840

المتواجدون الآن: 117