الخميني... قائد سياسي أم مجرد «آية الله» آخر؟....

تاريخ الإضافة الجمعة 24 آب 2018 - 7:20 ص    عدد الزيارات 938    التعليقات 0

        

الخميني... قائد سياسي أم مجرد «آية الله» آخر؟....

معضلات سياسية ودينية أخرت صدور سيرته 40 عاماً...

الشرق الاوسط...أمير طاهري... للوهلة الأولى، ربما يبدو من المثير للدهشة أنه بعد 40 عاماً على صعود آية الله روح الله الخميني كعنصر رئيسي بالساحة السياسية الإيرانية، تظهر اليوم فقط سيرة ذاتية رسمية له بالأسواق طرحتها السلطات الرسمية في طهران. ومع هذا، فإن دراسة هذا الكتاب الضخم تكشف أن هذا التأخير ربما جاء نتيجة عجز المؤسسة الحاكمة عن الوصول لإجماع بخصوص نمط الصورة التاريخية التي يتعين الترويج لها بالنسبة لرجل الدين المثير للجدل. ومن شأن طرح الخميني باعتباره مجرد آية الله آخر، حتى وإن كان لقب «العظمى» مرتبطاً بلقبه، فإن هذا سيضعه في زمرة المئات من رجال الدين الآخرين الذين حملوا اللقب ذاته على امتداد الأعوام الـ200 الأخيرة، باعتبار أن مثل هذه الألقاب أصبحت رائجة في صفوف رجال الدين. على الجانب الآخر، فإن طرح صورة الخميني باعتباره قائداً سياسياً، دور اضطلع به بالفعل خلال العقد الأخير من حياته الممتدة، سيقوض الادعاء السائد بين أتباعه بأنه كان شخصاً «مقدساً»، وبالتالي فوق السياسة. وينطوي تصوير الخميني باعتباره قائداً للحكومة على معضلة مشابهة، خصوصاً أن العقد الذي تمتع خلاله بسلطة إعدامات جماعية وحرب مكلفة في مواجهة العراق وفساد ممنهج بدأ بمصادرة ما يقرب من ربع مليون شركة ومنزل خاص من قبل الملالي الثوريين وحلفائهم. أما وعود الخميني للإيرانيين فسرعان ما انهارت على نحو يدحض أي ادعاء بنجاحه قائداً للحكومة. وكان الخميني قد أعلن ذات وقت أنه: «لن نجعلكم تزدهرون في حياتكم الدنيوية فحسب، وإنما كذلك الروحية. أنتم بحاجة للحياة الروحية، لكنهم جردونا منها. إننا لن نوفر لكم فقط خدمات مياه وكهرباء مجانية ونبني لكم منازل ونوفر مواصلات مجانية للطبقات المحتاجة، وإنما سنعمل كذلك على الارتقاء بكم كبشر». بالنسبة للمؤلف الذي وضع هذه السيرة الذاتية، فقد اختار صورة مختلفة تتوافق على نحو أفضل مع الأسلوب الذي ينظر به أتباع الخميني إليه، أي باعتباره شخصية محورية داخل طائفة دينية جديدة، التي رغم أنها استوحت إلهامها من المذهب الشيعي فإنها تجاوزته في عدد من الجوانب المهمة. يقسم المؤلف هدايت الله بهبودي الكتاب إلى ثمانية أقسام كبيرة و18 فصلاً. يتناول القسم الأول سرداً تفصيلياً للخلفية الأسرية للخميني يسلط الضوء على جذوره المنتمية لمنطقة ريفية في إيران، حيث لم يطرأ تغيير يذكر على الأفكار السائدة هناك منذ تولي الأسرة الصفوية مقاليد الحكم بالبلاد في القرن الـ16. وكشف بهبودي أنه منذ وقت مبكر أبدى الخميني الشاب رغبة حثيثة في فعل شيء مختلف. ولكونه رجل أفعال بطبيعته سيطرت عليه الرغبة في فعل شيء داخل منطقة ريفية تحمل اسم خميني، حيث لا يوجد شيء سوى نمط حياة ثابت يتكرر يومياً منذ قرون. في تلك الأيام، بل وربما على مدار حياته، وجد الخميني نفسه في مواجهة الملل والرتابة. وقد راودته الرغبة في أن ينجز أشياء، وأن يكون محور الأشياء من حوله. ومع هذا فإنه باعتباره رجل دين كان لزاماً عليه التحلي بالهدوء وقراءة الكتب ومحاولة إحصاء النعم والشكر عليها. ويستحق المجهود الذي قدمه بهبودي في هذا الجزء من الكتاب الشكر، نظراً لعدم توافر سوى القليل من الأدلة الموثقة بشأن الحياة المبكرة للخميني. ومع هذا، أخفق مؤلف هذه السيرة الذاتية في الإشارة إلى حدث بالغ الأهمية: صعود رضا شاه بهلوي إلى عرش البلاد، الملك الذي حاول تحديث إيران، وفي خضم ذلك خلق فرصاً غير مسبوقة أمام أسر مثل تلك التي ينتمي إليها الخميني كي تتطلع نحو حياة أفضل في المستقبل. وفي هذا الإطار حظي الخميني الشاب بفرصة خوض دراسات دينية في البداية بمدينة آراك القريبة، وفي وقت لاحق بمدينة قم. ويتناول الجزء الثاني من الكتاب ما يقرب من أربعة عقود من حياة الخميني كرجل دين، ودراسته، ثم تدريسه لاحقاً العلوم الدينية. وحرص المؤلف على المبادرة إلى تحديث موقف الخميني كرجل دين على نحو يتعارض مع حقائق مذكورة في عديد من الكتب والشهادات. الحقيقة أن الخميني لم يصل قط إلى رأس السلطة داخل الهيكل الشيعي التقليدي. ولم يكن الخميني قط سوى رجل من الدرجة الثانية. أما القسم الثالث فيتناول مغامرات الخميني بعالمي الفلسفة والشعر دون نتائج إيجابية. واليوم ربما لم يتبق شيء من محاولات الخميني خوض مجال الفلسفة، وربما يكون ذلك نتيجة لرغبة ورثته في عدم فضح جهله بالفلسفة. بالنسبة للشعر، يبدو أن الخميني سعى للدخول في مواجهة مع شعراء كبار مثل مولوي وحافظ لكنه عاد بهزيمة مذلة. ولإدراكه أنه شاعر متوسط المستوى، حرص الخميني على إبقاء قصائده سراً في حياته. وبعد وفاته بدأ نشر أشعاره التي جاء مستواها مثيراً للحرج. في القسم الرابع من الكتاب، نجد أن الخميني يتحول شيئاً فشيئاً إلى ناشط سياسي. فبمرور الوقت أصبح منبهراً بجماعة «فدائيي الإسلام» التي تعد بمثابة النسخة الشيعية من «الإخوان المسلمين»، وزعيمها صاحب الشخصية الكاريزمية محمد نواب صفوي. ونظراً لعشقه المستمر للأفعال، حظي الخميني ببعض اللحظات المثيرة في حياته الأولى بفضل «فدائيي الإسلام»، فقد وفر غطاءً من الفتوى لسلسلة من الاغتيالات السياسية مع إقدام أتباع نواب صفوي على اغتيال الكاتب أحمد كرسوي الذي كان معارضاً لرجال الدين ووزير التعليم أحمد زنغنه ووزير شؤون المحاكم عبد الحسين الزاهر وأخيراً رئيس الوزراء حاج علي رازم آرا. ويتناول القسم الخامس ظهور الخميني كمنتقد بارز للشاه وقائد للمعارضة ضد عدد من الإصلاحات مثل توزيع الأراضي بين فقراء الفلاحين، ومنح حق التصويت للمرأة، وسيطرة الدولة على ممتلكات الأوقاف، وبالتالي حرمان الملالي من مصدر كبير للدخل. ويرسم القسم السادس ملامح حياة الخميني في المنفى، في البداية بمنتجع بتركيا ثم في النجف بالعراق. والمؤسف أن بهبودي يكاد يكون قد تجاهل تماماً النشاطات السياسية المحمومة للخميني هناك، بما في ذلك عقد اجتماعات وتحالفات مع زعيم حزب «توده» الشيوعي، رضا رادمنش، والرئيس السابق للشرطة السرية في عهد الشاه الجنرال تيمور بختيار، ناهيك عن عدد من القيادات الفلسطينية بينهم ياسر عرفات. ويتناول القسم السابع الأحداث التي أطلق عليها «الثورة الإسلامية». وقد استمرت الأحداث المحورية أربعة شهور فقط كان خلالها الخميني في المنفى بباريس. واتسمت هذه الفترة بثماني مظاهرات ضخمة وسلسلة من الإضرابات ضد الشاه بهدف إقناعه بالرحيل عن البلاد دون قتال. أما القسم الأخير فيتناول ظهور الجماعة الموالية للخميني، التي تحولت على امتداد العقود الأربعة الماضية إلى ما يشبه طائفة دينية جديدة. فقد نال الخميني لقب «الإمام»، وهو لقب يرى الشيعة أنه يقتصر على ابن عم النبي محمد وزوج ابنته، علي بن أبي طالب و11 من نسله. وتضم العطلات الرسمية في إيران 12 إجازة ترتبط بالخميني وإجراءات اتخذها، بينما يرتبط يومان فقط بعلي نفسه. كما غيرت الجمهورية الإسلامية المناهج الدراسية عما كانت عليه في عهد الشاه من خلال اقتطاع ساعة من الوقت المخصص لتدريس اللغة العربية والشريعة، وتخصيصها بدلاً من ذلك لدراسة أقوال وأفعال الخميني. ويوجد ضريح خاص للخميني بني بتكلفة ضخمة وبتصميم مبهر. ويطرح حفيد الخميني، حسن، وهو رجل دين، نفسه باعتباره حارس الأضرحة «المقدسة» في مشهد وقم والنجف وكربلاء. ويجري تنظيم رحلات حج بانتظام إلى ضريح «الإمام» قرب طهران، غالباً على نفقة الحكومة. وظهرت صور الإمام الخميني على الكثير من الأشجار والتلال بمختلف أرجاء البلاد، بحيث يمكن رؤيتها من الطائرة. ويحرص كبار المسؤولين، بما في ذلك «المرشد الأعلى» الحالي علي خامنئي، على اقتباس مقولات للخميني باستمرار لتعزيز مواقفهم وحماية أنفسهم من النقد. بوجه عام يعتبر كتاب بهبودي إضافة قيمة تفيد في فهم أسلوب تفكير النخبة الحاكمة الحالية داخل طهران، باعتبارهم أشبه بمذهب ديني جديد، وهم يبتعدون بمرور الوقت عن المفاهيم السياسية المتفق عليها على نطاق واسع. وبالتأكيد يبقى التعامل مع نخبة سياسية أسهل من التعامل مع طائفة دينية. وهنا تحديداً يكمن لب المشكلة المتعلقة بالتعامل مع الجمهورية الإسلامية في صورتها الراهنة.

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,170,962

عدد الزوار: 6,938,480

المتواجدون الآن: 120