في تفنيد أن سيد قطب «مرجعية للعقل الإسلامي»..

تاريخ الإضافة الإثنين 22 تشرين الأول 2018 - 5:45 ص    عدد الزيارات 1030    التعليقات 0

        

في تفنيد أن سيد قطب «مرجعية للعقل الإسلامي»..

الحياة...محمد إبراهيم مبروك .. * كاتب مصري..

لا أحتاج القول إن التعرض بالنقد لكاتب بإشكالية سيد قطب يحمل الكثير من المجازفة، لما يمثله فكر الرجل من خصوصية فاعلة في معترك الصراعات القائمة على امتداد العالم الإسلامي، والتي ألقت بظلالها خارجه، وبما ارتبط به أيضاً من أطياف من الجماعات والتيارات يتراوح انفعالها به بين التكفير والإرهاب والعنف والحماسة الشديدة على أقل تقدير. وليس غايتي من هذا النقد هو الحكم على هذه الصراعات، أو على الآثار الفكرية التي أحدثتها كتابات سيد قطب في هذه الأطياف بالإيجاب أو السلب، وليس الوقوف على الأخطاء الأصولية أو المنهجية والتي يمكن اتهامه بها هنا وهناك. وإنما غايتي هنا هي تقويم القدرات الفكرية ومدى عمقها لدى الرجل من حيث الأصل من خلال كتابته، وفقاً لضوابط محددة يمكن أن يقبل بها مريدوه ومعارضوه على السواء ومدى تكافئها مع ما يناط به من مرجعية لدى جمهور هائل من الدعاة والباحثين والحركيين، وآثار ذلك على الفكر والدعوة الإسلامية لأكثر من نصف قرن. لأن الوقوف على حقيقة تلك الإشكالية الكبرى يجعل من كل تقويم لأفكار الرجل بعد ذلك فرعاً إلى أصل. ولعل الحياد الفكري يفرض علينا ذكر بعض إيجابيات فكر الرجل أولاً، التي تتمثل في إبرازه للتمايز العقائدي والحضاري بين الإسلام والغرب، وإن كان تناول هذا التمايز الكثير من مفكري الإسلام في العصر الحديث، ولكنه لم يتم إبرازه بكل تلك القوة والعزة اللتين اتسمت بهما كتابات سيد قطب (راجع على سبيل المثال كتابيه خصائص التصوير الإسلامي ومقومات التصور الإسلامي). وكذلك تلك الطاقة الشعورية الدافعة من الحب للإسلام التي زخرت بها كتاباته، والتي جعلت منها منبعاً فياضاً يستمد منه الدعاة حماستهم في دفع الناس إلى التمسك بالإسلام والإخلاص له (راجع كتابيه هذا الدين والمستقبل لهذا الدين). فإذا عدنا إلى موقفنا النقدي، نقول بداية إنه لم يعد الآن محلاً للجدل إسناد الكثير من الأخطاء الأصولية إلى كتابات سيد قطب، ليس من جانب التيار السلفي الأكثر أصولية فقط، ولكن من جانب بعض قيادات التيار الذي ينتمي إليه وكان له دور كبير في قيادته أيضاً. وهذه الأخطاء لا تقف عند حدود العبارات الإطلاقية التي تشي بالتكفير والتي تشيع في كتاباته الأخيرة خصوصاً، ولكن تتجاوزها إلى ما هو أكبر من ذلك، والذي مجرد الإشارة إليه يتطلب قدراً من التأصيل لا يتسع له المجال هنا ويخرج عن الغاية التي يهدف إليها المقال، ولكن يكفي في ذلك الرجوع إلى فتاوى ابن باز والقرضاوي في بعض آراء الرجل. ومن ناحية أخرى فإن العمل على إرجاع إنزلاق الرجل إلى مثل هذه الأخطاء في معرض الدفاع عنه من جانب البعض إلى القدرات الأدبية التي كان يحملها، والتي كانت تشطح به إلى المبالغة- وهو الأمر الذي نشاركهم الذهاب إليه جزئياً- فإن ذلك يوجب علينا أكثر العمل على التحقق من مدى القدرات الفكرية للرجل، لأن السؤال الذي ينبغي طرحه عند ذلك هو أنه إذا كانت هذه القدرات الأدبية للرجل تغلب لمسافات بعيدة القدرات الفكرية المتطلبة لدوره، فهل يمكن الاعتماد عليه كمنظر ومرجعية؟.....
أما الضوابط التي نضعها في تقويم القدرات الفكرية للرجل ومدى تحققها فتتحدد في حجم التراكم المعرفي الأصولي والعقلي، الذي يتطلبه الاضطلاع بدور المفكر والمنظر، أما الضابط الآخر فيتمثل في مدى قيام الرجل من خلال كتاباته بتقديم الدور الذي يناط به عمل المنظرين الفكريين، والذي يتمثل بطبيعته في العمل على دحض المشاريع الفكرية المضادة لرؤيته وتقديم المشروع البديل المنطلق من تلك الرؤية، وسيكون رائدنا غالباً في تقويم تلك الكتابات احتكاماً إلى تلك الضوابط هو سيد قطب نفسه. فبالرجوع إلى ضابط التراكم المعرفي نجد باستقصاء كتب سيد قطب الافتقار الشديد إلى وجود المراجع الأصولية المعتبرة (واستخدم مصطلح الأصولية هنا تعبير عن مراجع العقيدة والحديث والفقه وأصول الفقه... الخ). بل أن مجرد تناوله للقضايا الأصولية بالبحث والتحليل يكاد يكون محدوداً للغاية، وفي كتابه «نحو مجتمع إسلامي» يكتب سيد قطب فصلاً بعنوان «كيف نستوحي الإسلام؟»، يبلغ نحو خمس عشرة صفحة، ولعله يكون أكبر الفصول التي يتناول فيها موضوعاً أصولياً فقهياً، ومع ذلك فلم يذكر فيه مرجعاً أصولياً واحداً. ولعله من اللافت أن ينهي هذا الفصل بطرح السؤال التالي: «ماذا نصنع نحن اليوم إذا أردنا تحكيم الشريعة الإسلامية في مجتمعنا الحاضر؟». ثم يجيب بقوله: «إن نرجع مباشرة إلى الشريعة الإسلامية، إلى مبادئها العامة وتشريعاتها الكلية نستلهمها حلولاً تطبيقية لمشكلاتنا المعاصرة» (ص 60، دار الشروق، الطبعة السادسة).
وليلاحظ القاري مدلول كلمة «مباشرة» هنا. أما كتابه «في ظلال القرآن» فكما عبر هو نفسه عنه ليس كتاباً في التفسير، وإنما هو ظلال لهذا التفسير. والأمر يعد أكثر وضوحاً عند الحديث عن تراكمه المعرفي العقلي (وهو المصطلح الأنسب في التراث الإسلامي للتعبير عن العلوم المتعلقة بالفلسفات والمذاهب والسياسية والاقتصاد والاجتماع والميراث الفكري الإنساني بعامة). وباستقصاء كتب سيد قطب نجد أن الحد الأقصى لورود هذه المراجع في كتبه التي تصل صفحاتها إلى المئتين أو تتجاوزها، لا تتجاوز الخمسة عشر مرجعاً حيث يتمثل هذا الحد الأكبر في كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة». أما كتبه الأخرى فتتراجع عن هذا الحد كثيراً، فربما تدور حول الخمسة أو الستة مراجع. وتتكشف حقيقة مدى التراكم المعرفي لدى سيد قطب أكثر عندما نتحدث عن الضابط الآخر من حيث جهوده في نقد المذاهب المضادة وتقديم المشروع البديل، اذ نجد أنه لا يعمل على نقد هذه المذاهب بناء على الدراسة المستوعبة لفكر أهم مؤسسيها، ثم القيام بتفكيك هذا الفكر ونقد مقوماته الأساسية وهو العمل الذي يقتضيه التصدي لمثل هذه المذاهب، ولكننا نجده هو نفسه يصرح على الدوام في كتبه التي تتعرض لذلك بأمثال قوله: «ونحن لا نناقش المذهب هنا لكننا نستعرض فقط بعض مظاهر التخبط». وهكذا اكتفى في نقده للماركسية بما نقله عن كاريوهنت في كتابه الشهير «الشيوعية نظرياً وعملياً». أما في نقده لليبرالية والتي كان يعبر عنها بالفردية أو الرأسمالية فيكتفي بالحديث عن دوافع حدوثها اعتماداً على ما نقله عن كل من أبي الحسن الندوي والمودودي، وعلى ملاحظاته هو نفسه التي سجلها في كتابه «أميركا التي رأيت»، وكذلك عما يشوب الليبرالية من نفعيه عملية اعتماداً على ما نقله عن المهتدي محمد أسد في كتابه «الإسلام على مفترق الطرق». أما بالنسبة إلى ما يفترض أن يقوم به سيد قطب من تقديم المشروع الحضاري المقابل لهذه المذاهب، انطلاقاً من رؤيته الإسلامية، فقد أراحنا من اختبار ذلك من الأساس عندما أعلن في كتابه «معالم في الطريق» رفضه العمل على تقديم هذا المشروع النظري قبل قيام المجتمع الإسلامي أولاً، وهو ما صرح به قبل ذلك في كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة»، حيث يقول: «وحين يقوم هذا المجتمع وتكون له حياة واقعية تحتاج إلى تنظيم، وإلى تشريع يبدأ هذا الدين في تقرير النظم وفي سن التشريع» ص33. إذاً، حصيلة ما سبق أن سيد قطب لم يعمل على تقديم النقد العلمي المناسب للمذاهب التي يواجهها ولم يقدم (نتيجة لرفضه ذلك من جهته وإلى عدم قدرته على فعل ذلك من جهتنا) مشروعاً حضارياً بديلاً لهذه المشاريع المضادة انطلاقاً من هذه الرؤية.
وأعود إلى النقطة الأخيرة فأقول إن ذهاب سيد قطب إلى وجوب وجود المجتمع الإسلامي أولاً، ثم إدراك المشروع الحضاري الإسلامي بعد ذلك من خلال الممارسة هو من أخطر الأفكار التي أضرّت برجال الدعوة في العالم الإسلامي وأربكت عملهم فيه. فلقد كانت هذه الفكرة من أكبر عوامل جمود الفكر الإسلامي لأكثر من نصف قرن، إذ لم يعد مهماً تبعاً لها الاجتهاد إبداع هذا المشروع الحضاري. كما أن هذه الفكرة ذاتها تقوم بتهيئة المجال للمغامرين والمدعين لمطالبة الجماهير المتحمسة بمعاونتهم في الاستيلاء على سلطة المجتمعات، بهدف تطبيق المشروع الإسلامي المفترض، ثم يسهل عليهم بعد ذلك تقديم أي مشروع زائف لهم على أنه هو المشروع الإسلامي، لأن الناس لم تطلع على هذا المشروع من قبل ليأمنوا الغدر بهم. والخلاصة أنه تم تقديم سيد قطب من جانب التيار الذي ينتمي إليه على أنه المرجعية العظمى للعقل الإسلامي- على غير الحقيقة- لاستقطاب أكبر قدر من المريدين، وقد ساعده في النجاح في ذلك ما تعرّض له قطب نفسه من محن أثارت عطف الجماهير، فغدا بذلك المرجعية شبه الوحيدة للعقل الإسلامي والبديل المراد لكبار مفكري العالم الإسلامي في العصر الحديث، من أمثال مالك بن نبي والطاهر بن عاشور وعبد الله دراز ومحمد البهي ووحيد الدين خان، الأمر الذي أدى إلى قدر كبير من جمود الفكر وإرباك العاملين بالدعوة الإسلامية لأكثر من نصف قرن، في الوقت الذي أمدهم فيه بفائض من الحماسة، أدى بدوره إلى الهام غير مباشر للجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية، مثل «القاعدة» و«داعش»....



 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,031,284

عدد الزوار: 6,931,428

المتواجدون الآن: 79