في تفكيك صناعة عبادة الفرد...

تاريخ الإضافة الخميس 2 أيار 2019 - 6:41 ص    عدد الزيارات 1248    التعليقات 0

        

في تفكيك صناعة عبادة الفرد...

الحياة..شيرزاد اليزيدي * * كاتب كردي سوري...

الاحتفاء بذكرى رحيل قادة وزعماء تاريخيين، تقليد محمود ورائج في مشارق الأمم ومغاربها. لكن المذموم واللامعقول، هو الاحتفال الرسمي بميلاد هذا الزعيم أو ذاك ووفق تواريخ ميلاد كاذبة في الغالب الأعم، على ما هو رائج فقط في جمهوريات الخوف والجوع كما في عراق صدام حسين وكوريا الشمالية وفي الحركات والأحزاب الستالينية والفاشية. ويتم ذلك وفق طقوس "طوطمية" متخلّفة، ترقى إلى "عبادة الفرد" وتصنيمه وتحويله إلى "خير مطلق" في ظاهرة استبدادية تقتصر على التجارب السياسية الأحادية المتخلّفة. الأمر الذي بات ملحوظاً في بعض المجتمع السياسي الكردي أيضاً مع بالغ الأسف.

اختزال الشعب والوطن والقضية والبشر والحجر في شخص الزعيم الملهم، وتحويله إلى ما يشبه "موفد العناية الإلهية" للارتقاء بهذا الشعب أو ذاك، وتصويره بمثابة أحد الرسل والأنبياء، يمثل إيغالا في التقهقر وإعادة انتاج الميثيولوجيات والخرافات البدائية في إطار آخر لا يقل رثاثة وتخلفاً وإثارة للضحك.

وعلى جاري عادة اقتداء الضحية بجلادها، نشهد تفاقم هذه الظاهرة سنوياً في كردستان العراق وكردستان سورية على حد سواء. ويا للمفارقة، ففي الأولى ثمة عطلة حكومية رسمية لمناسبة مولد أحد الزعماء الكرد، وقس على ذلك. وفي الثانية، نشهد وعلى مدى أيام من كل عام في مثل هذا الشهر ما يشبه الاستنفار العام للاحتفال باليوم التاريخي والاستثنائي لميلاد زعيم كردي آخر، لولاه "لما بزغت شمس الحرية على الكرد ولبقوا أسرى واقعهم البائس" على ما تتحفنا سرديات وخطابات المولد الميمون الذي يتحول إلى مولد شعب وأمة وما إلى ذلك من هرطقات تمجيدية وتزلّفية، قوامها التقديس والتأليه وإسباغ صفات خارقة وقيم فضيلة كاملة على الزعيم، الذي يتحول والحال هذه، إلى قيمة عليا غير محسوسة وسامية عن الواقع المدرك، وتتحول نظرياته وفلسفته كما يحلو لمريديه القول إلى "إكسير الحياة" والفانوس السحري والناموس المؤطّر والناظم لفهم التاريخ وقراءة الواقع واستشراف المستقبل. فهو (الزعيم) معنى الوجود ومبناه، حتى أن لا حياة من دون القائد، وفق شعار شهير وأثير تعرف به حركة كردية تعتبر رائدة في صناعة عبادة الفرد وتقديسه وطوطمته، ما يختزل عمق الكارثة.

الطامة الكبرى ليست هنا فقط، فبعد أيّام قليلة من أسبوع الاحتفالات واحتلال الفضاء العام وإخراج الناس إلى الساحات للتهليل والرقص، مع زيادة جرعات صور الزعيم عند مداخل المدن ومخارجها وأزقتها وحواريها، تمتد الصور المطبوعة إلى قوالب الحلوى، بما يوحي وكأننا حيال أعياد ميلاد تنظمها هذه الأسرة أو تلك لأحد أفرادها. وكأن المراد هنا الترميز إلى العائلة الكبيرة والأم، أي الشعب، بل الشعوب التي تحتفي بميلاد علّة وجودها و"نافخ الروح" فيها، وهو ما لا تتوقف "البروباغاندا" الحزبية التأليهية عن ترداده بشكل مثير للغثيان. إذ ما عادت فلسفة الزعيم العظيمة وفتوحاته الفكرية وقدراته الهائلة تتناسب مع حجم شعب واحد أو قضية بعينها، بل هو بات بمثابة قائد الشعوب والبشرية جمعاء. هكذا، بعد الاحتفالات الصاخبة والمسيرات المسبحة بحمد الزعيم والمتغنية به، تبدأ بعد أيام معدودات طقوس الحزن والكمد، لكن هذه المرة على والدة الزعيم التي في ذكرى وفاتها تعقد الندوات والمراسيم للبحث في مناقبها واستثنائيتها كونها أم الزعيم أولا، وتاليا أم الشعب. والحقيقة أن شر البلية ما يضحك، إذ مع كل الاحترام لهذه الأم، ولكل أمهات العالم وللأمومة كمنظومة قيمية سامية ومتكاملة، إلا أن هذه الطقوس المنافقة، تسيء بدرجة أولى إلى من يتم تقديسهم ورفعهم فوق سوية الناس وإلى عدالة ونصاعة القضية الكردية. وإلا فما المنطق والعقل في الاحتفاء بذكرى الرحيل هذه؟

ثمة إيغال في السوريالية والتفاهة والرثاثة والابتذال. فالزعيم الجنوب الإفريقي الكبير نيلسون مانديلا، ترك كرسي الرئاسة بعد دورة واحدة، لكن في ربوعنا، علينا الاحتفاء حتى بعيد ميلاد الزعيم وبالمناسبات الخاصة بأقاربه، في سابقة ننفرد بها. حتى في أعتى تجارب عبادة الفرد، لم يسمع كاتب هذه السطور بشيء كهذا يبعث على الضحك الأسود.

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,329,521

عدد الزوار: 6,886,616

المتواجدون الآن: 83