فيبر المختلف عن ماركس مدخل لفهم استفاقة العالم العربي؟

تاريخ الإضافة الجمعة 16 أيلول 2011 - 5:52 ص    عدد الزيارات 1064    التعليقات 0

        

فيبر المختلف عن ماركس مدخل لفهم استفاقة العالم العربي؟
بقلم بشارة منسى

كارل ماركس.
ان المواضيع المطروحة في اعمال ماكس فيبر وان تكن تتعلق بأوروبا أوائل القرن الماضي من حيث الزمن، فلها صلة بعالمنا الحاضر وبالعالم العربي على الاخص.
ما يــــجمـــــــــع بيــــن كارل ماركس (Karl Marx) وماكـــس فيــبر (Max Weber) كونهما المانيين عاصرا الرأسمالية الجشعة في اوروبا وان يكن ذلك من منطلقات مختلفة.
فكر كارل ماركس تميز بنقده اللاذع للرأسمالية وفكر ماكس فيبر نظر اليها كواقع لا بد منه لتطور المجتمعات بما في ذلك نشأه الديموقراطية في القرن التاسع عشر. جذور نقد الرأسمالية بالشكل الماركسي الذي نعهده يعود في الاساس الى فريدريك انغلز (1820-1895) الالماني، كرفيق دربه كارل ماركس، الا ان انغلز كان مقيمًا في انكلترا فترة من الزمن وكتب كتابه الشهير عنها "الطبقة العاملة في بريطانيا" عام 1845. كانت مآسي الطبقة العاملة في بريطانيا تشبه ما تقاسيه اليوم الطبقات العاملة في معظم دول افريقيا وبعض آسيا والكثير من مدننا وخصوصاً الاطفال منهم. فلا عجب اذا تزامن فكر انغلز وماركس الناقدين للرأسمالية مع روايات تشارلز ديكنز (1812-1870) في المرحلة التاريخية ذاتها.
فكما الادب البريطاني لم يكن بعيدًا عن مظالم رأس المال في رواياته، كان الاندماج بين تحقيقات وعلم فريدريك انجلس مع عبقرية كارل ماركس من الحتميات التاريخية التي تجلت في الثورة البلشفية في روسيا على يد لينين عام 1917.
نشأة ماكس فيبر اختلفت عن نشأة كارل ماركس وفريدريك انغلز ذلك انها جاءت ضمن محيط اقل قسوة على العمال في المانيا مما شهده انغلز في بريطانيا. لذا كان ماكس فيبر (1864-1920) اقل امتعاضًا مما كان عليه ماركس انغلز وتشارلز ديكنز من الرأسمالية البشعة اوائل القرن التاسع عشر في انكلترا. دأب ماكس فيبر على دراسة الرأسمالية من حيث هي منطلق لتنامي المساواة والديموقراطية أكثر منه لاستثمار العمال لمصلحة الرأسمالية فحسب وذلك ضمن المصنع والجامعة والاحزاب السياسية والنقابات التي تجمع بين الطبقات اكثر مما تفرقها.
حضَّ كارل ماركس ورفيقه فريدريك انغلز الطبقة العاملة على الاتحاد لقلب النظام القديم واحلال سلطة الطبقة العاملة مكانه، بينما دعا ماكس فيبر الى الافادة من النظام الرأسمالي من طريق الاشتراكية –الديموقراطية التي هي من نتاجه. اشترك ماكس فيبر في وضع دستور جمهورية فيمار الاشتراكية الديموقراطية عام 1919 في المانيا والتي اسقطها هتلر عام 1933 واحل مكانها الويل والثبور على اوروبا والعالم.
فإن كان كارل ماركس وفريدريك انغلز في غنى عن التعريف انما لا بد من التوقف عند المحطات المفصلية من اعمالهما التي غيرت وجه التاريخ المعاصر. من "بيان الحزب الشيوعي" الذي أصدره ماركس وانغلز عام 1848 والذي كان له الاثر البعيد في توحيد الطبقة العاملة تحت لواء الثورة العمالية، الى "رأس المال" الذي أصدره ماركس عام 1867، طريق طويل من المؤلفات والكفاح السياسي لجمع الطبقة العاملة في أوروبا والعالم تحت عقيدة واحدة.
اتخذ فكر ماكس فيبر منحى آخر ان من حيث الفلسفة وارتباطها بالمادية الديالكتيكية، أم من حيث تأثير وسائل الانتاج على الفكر بكل تجلياته، ذلك انه اعطى الفكر الديني دوره في التأثير على وسائل الانتاج ضمن تفاعلات تنطبق عليها كلمة ديالكتيكية ايضًا.
كتب مقاله الشهير عن "القيم البروتستنتية والرأسمالية" عام 1901 ثم نُشر كتابه "الاقتصاد والمجتمع" عام 1922 أي بعد وفاته. بين المرجعين مؤلفات عدة كان لها اثرها على علم الاجتماع والسياسة والفلسفة في المانيا وأوروبا ما بعد الحرب العالمية الاولى.
تعزو الماركسية الى وسائل الانتاج تطور الفكر على كل الصعد، بينما يعتبر ماكس فيبر ان تأثير الفكر والفكر الديني بالاخص على وسائل الانتاج قد يكون في أهمية مفاعيل وسائل الانتاج على تطور الفكر.
بالتأكيد ان نشوء البروتستنتية وتجلياتها لم يكن حدثًا ظرفيًا املاه فقط بيع صكوك الغفران في روما المتهتكة، بل وبالاخص، نتيجة لتطور وسائل الانتاج في القرن الخامس عشر. لم تنشأ البروتستنتية وتنتشر في اوروبا لاسباب طفيلية وكنسية داخلية فقط، بل لانها تجاوبت مع روح العصر وانفصام الفكر الديني في القرن الخامس عشر عن وسائل الانتاج في غرب اوروبا. في القرن الخامس عشر اتسعت مساحة الارض الزراعية ونشأت الطباعة وانتشرت بذلك وسائل المعرفة بما فيها العلوم الوضعية. اكتشفت القارة الاميركية في الفترة ذاتها، فازدهرت التجارة وتطورت سبل العيش فتبدلت بذلك القيم الروحية والمجتمعية.
فبينما كان المجتمع القديم، يضع في مقدم قيمه التقشف والفقر والصلاة والصوم وانتظار الآخرة للفوز بالحياة الرغيدة، امسى يأمل في ذلك في حياته الحاضرة. ان الاكتشافات التي تحققت خلال القرن الخامس عشر كانت الحافز لانتشار البروتستنتية كمعتقد جديد للانسان الطامح الى الثراء والحياة الرغيدة والسعادة على الارض. بذلك وجدت نظرية ماكس فيبر عن اثر البروتستنتية في نشأة الرأسمالية الصدى الذي نعهده.
كيفما نظرنا الى فكر ماكس فيبر كعالم اجتماعي وسياسي وفي أمور الدين نجده في صلب الحداثة التي نعيشها مع استعادة الروح للاديان والامل في العيش الرغيد في القرن الحادي والعشرين. أحاط ماكس فيبر بالقضايا التي عكف على دراستها من كل جوانبها وذلك من تسلسلها المنطقي، الى العنصر العاطفي فيها، الى التقليد والعرف الموروث في تكوينها.
يبقى ان فكر ماكس فيبر حول الاقتصاد وتأثيره على المجتمع واثر البروتستنتية على نشأة رأس المال قد يكونان مدخلين لاستفاقة المجتمع العربي من حيث التفاعل بين الاقتصاد والفكر والدين واثر الواحد على الآخر وتأثيرها على تطوير وسائل الانتاج.
ان المواضيع المطروحة في اعمال ماكس فيبر وان تكن تتعلق بأوروبا أوائل القرن الماضي من حيث الزمن، فلها صلة بعالمنا الحاضر وبالعالم العربي على الاخص. مؤلفات ماكس فيبر التي لم تترجم الى العربية باشرت ترجمتها "المنظمة العربية للترجمة" فنشرت الجزء الاول "العلم والسياسية بوصفهما حرفة" في أشراف الاساتذة الجامعيين جورج كتورة منسقًا مع رضوان السيد، عزيز العظمة، غانم هنا، ومنير الفندري. نَدُرت الترجمات الى العربية التي تتميز بهذا المستوى من الاتقان والدقة والحواشي القيمة والشروحات النفيسة.
اننا ننتظر الجزء الثاني من اعمال ماكس فيبر المترجمة الى العربية بأحر من الجمر، علمًا ان الجمر يحرق وقد قاسينا منه الامرين في لبنان والعالم العربي. لذا فقد اخترنا القول إننا ننتظر الجزء الثاني من أعمال ماكس فيبر بفارغ الصبر، خصوصاً ان تضمن هذا الجزء المنتظر "القيم البروتستنتية والرأسمالية" أو "الاقتصاد والمجتمع". ورجاؤنا ألا يجعل اصحاب القرار في "المنظمة العربية للترجمة" صبرنا ينفد، بحيث نكون انتقلنا من مصيبة الى نقيصة، من حريق الجمر الى فقدان الصبر والعياذ بالله.


( محام)      

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,196,520

عدد الزوار: 6,940,040

المتواجدون الآن: 124