مبارك دخل ونجليه التاريخ من باب السجن

تاريخ الإضافة الجمعة 15 نيسان 2011 - 6:20 ص    عدد الزيارات 2932    القسم عربية

        


مبارك دخل ونجليه التاريخ من باب السجن
القاهرة تراجع عقود الغاز مع إسرائيل والأردن

القاهرة – جمال فهمي
استيقظ المصريون امس على نبأ لم يسمعوا ولم يقرأوا في كتب التاريخ  مثله، هو صدور قرار قضائي فجراً بتوقيف الرئيس السابق حسني مبارك (83 سنة) مع نجليه علاء وجمال على ذمة التحقيق، لتدخل هذه "الأسرة" تاريخ البلاد من باب تفرد عائلها بأنه أول حاكم مصري في التاريخ الحديث كله ينتقل من قصر الحكم الى السجن بعد اسابيع من تنحّيه تحت ضغط ثورة شعبية عارمة.
وقال ناطق رسمي باسم النائب العام المستشار عبد المجيد محمود في بيان أوردته صفحة النيابة في موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي، في ساعة مبكرة من صباح امس، إن التحقيقات التي أجريت مع مبارك ونجليه طوال ساعات الثلثاء شملت قائمة اتهامات تتعلق بفساد مالي واستغلال السلطة والنفوذ في مراكمة ثروات طائلة، وبتحريض وزير الداخلية السابق حبيب العادلي على قتل نحو 800 متظاهر سقطوا خلال أحداث الثورة التي بدأت في 25 كانون الثاني الماضي. واضاف ان النائب العام قرر حبس مبارك ونجليه احتياطيا  15 يوما على ذمة التحقيق.
وصرح وزير العدل المستشار عبد العزيز الجندي، بأن فريقا من المحققين انتقل الى منتجع شرم الشيخ حيث يقيم مبارك في بيت فخم منذ خروجه من السلطة في 11 شباط الماضي.
واستجوب الفريق الرئيس السابق في جناح خاص بمستشفى المدينة بناء على توصية من كبير الاطباء الشرعيين بضرورة نقله الى المستشفى تحسبا لتعرضه لأي طارئ صحي خلال التحقيق.
 وأفادت مصادر امنية ان جمال مبارك وشقيقه علاء خضعا للتحقيق في مبنى تابع للمخابرات العسكرية بمدينة الطور على مسافة نحو 100 كيلومتر من شرم الشيخ، ثم انتقلا مساء مع فريق المحققين الى مستشفى شرم الشيخ حيث يرقد والدهما.
وفيما أبقي مبارك في المستشفى تحت التحفظ وسط إجراءات أمنية صارمة ومكثفة، نقل نجلاه جوا إلى سجن "ليمان طرة" جنوب القاهرة، حيث انضما هناك إلى طابور طويل من المسؤولين السابقين الكبار في نظام مبارك أمثال رئيس الديوان الرئاسي زكريا عزمي، ورئيس الوزراء السابق أحمد نظيف، والأمين العام للحزب الحاكم السابق رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف، الى الملياردير المشهور أحمد عز وزميله إبرهيم كامل.
وبث التلفزيون المصري ان مبارك ونجليه سيستجوبون امام محكمة في القاهرة في 19 نيسان.
وعلى رغم ان سجن "ليمان طرة" لم يكن في حاجة الى مزيد من نجوم عصر مبارك وأركانه، وخصوصا بعدما اكتمل الحشد الفريد في زنازينه بجمال وعلاء مبارك، فان هذا السجن الذي يعود تاريخه الى العشرينات من القرن الماضي كان عليه أن يفتح أبوابه مجددا مساء أمس ليستقبل ضيفا آخر مهماً هو رئيس مجلس الشعب المنحل الدكتور فتحي سرور، الذي صدر في حقه – كما سائر زملائه – قرار قضائي بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة الاثراء غير المشروع من خلال استغلال السلطة والنفوذ.

 

مراجعة عقود الغاز

على صعيد آخر، قرر رئيس الوزراء المصري عصام شرف مراجعة عقود الغاز التي وقعتها مصر في عهد مبارك مع جميع الدول، بما فيها العقود الموقعة مع الاردن واسرائيل وإعادة النظر فيها.
وصرح الناطق باسم شرف، بأن مراجعة هذه العقود تهدف الى اعادة تسعير الغاز المصري بما يحقق أعلى فائدة، وتوقع أن تؤدي هذه المراجعة الى زيادة العائدات المالية من بيع الغاز بما يراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنويا.
ويذكر ان حكما قضائيا نهائيا أصدرته المحكمة العليا للقضاء الاداري العام الماضي اعتبر ان عقد بيع الغاز المصري لاسرائيل مجحف، وأدى الى خسارة الاقتصاد المصري اكثر من 10 مليارات دولار، وطلب الغاءه.

توقيف مبارك يعيد الثورة إلى سكّتها

يمثل توقيف الرئيس المصري السابق حسني مبارك على ذمة التحقيق، محطة استثنائية، لا في الثورة المصرية فحسب، وإنما في الربيع العربي الاوسع. ومع أن ثمة تساؤلات عن توقيت اصابته بمشاكل في القلب، واحتمال ان تتعثر محاكمته بحجة اعتلاله وسنّه، فلا شك في ان قرار حبسه مع نجليه 15 يوماً على ذمة التحقيق، يكسب الثورة المصرية زخماً، بعدما كادت تخرج عن سكّتها، وسط توتر بين أركانها والجيش.
في الشكل، يبدو اعتقال مبارك حلقة مفصلية في مسلسل ملاحقة كبار رجال النظام البائد. فمنذ تنحي الرئيس في 11 شباط الماضي، يفيق المصريون يوماً بعد يوم على أنباء اعتقال مسؤول من النظام السابق بتهمتي الفساد واستغلال السلطة، من رئيس الوزراء أحمد نظيف ووزير الداخلية حبيب العادلي ووزير الاسكان أحمد المغربي والرجل القوي في الحزب الوطني الديموقراطي أحمد عز ووزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد ووزير السياحة والاسكان أحمد المغربي ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور.
 كل ذلك، لم يكن كافياً بالنسبة الى الثورة التي طالبت منذ البداية بـ"رأس" مبارك، وزادت في الاسابيع الاخيرة دعواتها الى محاكمته بـتهمتي "نهب الدولة" و"قمع الاحتجاجات بعنف"، الامر الذي أوقع بحسب وزارة الصحة المصرية 800 قتيل.
تبديد توتر
وفي الجوهر، يذهب قرار توقيف مبارك الى حد تبديد التوتر بين أركان الثورة والمؤسسة العسكرية.
فمنذ تسلم الجيش السلطة عقب تنحي مبارك في 11 شباط الماضي، أثيرت شكوك في شأن موقفه مدافعاً عن الثورة، وكثرت الشكاوى من أعمال تعكس أساليب عهدها المصريون في نظامهم السابق وخالوا أنهم انتهوا منها برحيله. فمن سجن مدوِّن "أهان الجيش"، الى اعتقال آلاف الاشخاص ومحاكمتهم بحسب ناشطين في مجال حقوق الانسان أمام محاكم عسكرية، وضرب محتجين، وتحرش بناشطات، كلها أمور ذكرت المصريين بالنظام العسكري الذي لم تعرف أجيال منهم غيره، وصولاً خصوصاً الى ما اعتبروه تباطؤا متعمداً في التحقيقات مع أركان النظام السابق والتلميح خصوصاً الى العلاقات بين النظام السابق والمؤسسة العسكرية.
باختصار، تزايدت الانتقادات لمن اعتبر يوماً "بطل" الثورة، وشكك البعض في رغبته في بدء حقبة جديدة من اصلاح حقيقي ديموقراطي، وانهاء الفساد وإلغاء الممارسات الامنية التعسفية. وثمة من قال إنه عاجز عن ذلك.
وخرج هذا التوتر الى العلن ليل الجمعة - السبت الماضي، مع عودة عشرات الآلاف من المتظاهرين الى ميدان التحرير في أحد أكبر الاحتجاجات تشهدها القاهرة منذ تظاهرات الأيام الـ18. في "يوم المحاكمة والتطهير"، طالب المحتجون بـ"رأس" الرئيس الذي كان لا يزال يعيش منذ تنحيه مع عائلته في شرم الشيخ، واتهم بعضهم علناً المجلس العسكري بحماية مبارك من المحاكمة. ومع تطور الاحتجاج الى مواجهة عنيفة بين الجانبين، حول محتجون شعارهم الشهير من"الشعب يريد اسقاط النظام" الى "الشعب يريد اسقاط المشير"، في اشارة الى قائد المجلس الاعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسن طنطاوي.
وفي ما بدا استجابة لنداء الثورة النابضة، أمر المدعي العام الاحد باستجواب مبارك ونجليه بتهم لا تتعلق بالفساد فحسب، وأنما بالعنف الذي استخدم ضد المحتجين ابان الثورة، وهو ما أخرج مبارك عن صمته وربما عن طوره أيضاً، للمرة الاولى منذ تنحيه، ونفى في تسجيل صوتي الاتهامات الموجهة اليه والى نجليه باستغلال منصب عام لجمع ثروة، بيد أن ذلك البيان انقلب عليه. ومع بدء التحقيق معه الثلثاء، بث التلفزيون الرسمي أن مبارك أدخل وحدة العناية المركزة الثلثاء بعد إصابته بـ"أزمة قلبية" أثناء التحقيقات ونقل الى مستشفى شرم الشيخ. الا أن ذلك لم يمنع النيابة العامة في مصر من الامر بحبسه ونجليه علاء وجمال 15 يوماً على ذمة التحقيق.

 

جمال وعلاء

 كان تزايد دور جمال مبارك في مصر خلال العقد الاخير والحديث عن امكان توريثه السلطة زادا الاستياء الشعبي تفاقما. أما شقيقه علاء، وهو رجل الاعمال، فركز اهتمامه على زيادة ثروته.
وفيما تحقق السلطات في دور مسؤولين في العنف حيال المتظاهرين، كثرت بعد سقوط مبارك الروايات عن دور الولدين في القرارات الاخيرة لوالدهما، وعن شجار حاد بينهما، مع تحميل علاء شقيقه الاصغر مسؤولية أساليب متشددة اعتُمدت خلال الثورة وكانت نتائجها كارثية على الأب والاسرة بكاملها.
ووسط اتهامات باغتنام عائلة مبارك السلطة لجني ثروة ضخمة، تراوح التقديرات لما يملكه الرئيس السابق وعائلته في مصارف خارج البلاد بين مليار و70 مليارا. وقدرت الاستخبارات الاميركية قيمة ثروتهم بما لا يزيد عن خمسة مليارات دولار.
ويعد جمال (47 سنة)، وهو مصرفي سابق قدم نفسه سياسياً باعتباره قائداً لجيل جديد اصلاحي في حزب والده في مواجهة "الحرس القديم"، الوجه البارز للاسرة منذ سنوات. وفيما اعتبر مهندس برنامج الخصخصة والتحرير الاقتصادي الذي جلب لمصر استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات وزاد الفجوة بين الاغنياء والفقراء، كثرت الاتهامات له بأنه يقود مع دائرته المقربة من رؤساء الشركات الاثرياء مجموعة من رجال الاعمال الفاسدين. ويستغل السلطة لتحقيق مكاسب شخصية.
أما علاء (49 سنة) الذي ترك لشقيقه الساحة السياسية وتفرغ للاعمال ولم يكن يظهر في العلن الا نادرا، فقد اتهمه الادعاء بـ"اللصوصية" في مرافعته في قضية فساد يحاكم فيها وزير الاسكان السابق احمد المغربي، كما اتهمه بانه كان "يتخفى وراء شركة منصور - المغربي" العقارية.
وفي تعليق أول له على قرار حبس مبارك، كتب الناشط وائل غنيم الذي ذاع صيته خلال الثورة، على حسابه في موقع "تويتر": "العدالة تتحرك مجدداً".
... قد يكون لتوقيف مبارك، الرجل الذي كان قبل أشهر منزهاً عن اي حساب، الوقع نفسه لتنحيه بعد 30 سنة أمضاها في الحكم. فمع أن صدام حسين وأعوانه الكبار حوكموا وبعضهم علق على حبل المشنقة، لم يشهد التاريخ الحديث ملاحقة قضائية لرئيس عربي مخلوع من دون أي دور أجنبي. ومع أن مصر بثوارها لا تزال بعيدة من الديموقراطية التي تنشدها، لا شك في أن القرار القضائي يشكل خطوة أخرى في مسيرة الالف الميل للثورة التي تحولت حجر الزاوية للاحتجاجات العربية.

 

monalisa.freiha@annahar.com.lb

موناليزا فريحة     


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,062,182

عدد الزوار: 6,750,778

المتواجدون الآن: 107