تحليل سياسي

الأصابع الإيرانية الخفية في معضلة سيناء المصرية والقاهرة حصلت على اعتذار إسرائيل في 10 ساعات لم تنله أنقرة في 10 أشهر

تاريخ الإضافة الثلاثاء 23 آب 2011 - 6:26 ص    عدد الزيارات 2571    القسم عربية

        


القاهرة - من عبدالله كمال
في صباح اليوم التالي لتنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن منصبه الذي حكم به مصر 30 عاما كاملة، اعتبرت الطبعة العربية من صحيفة «كيهان» الإيرانية أن تنحي الرئيس هو سقوط لمعاهدة «كامب ديفيد». ورغم أنه من الناحية القانونية لاتوجد معاهدة بهذا الاسم، والمقصود هو «اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل»، فإن هذا كان يشير إلى أن البناء الاستراتيجي للموقف الإيراني من الأحداث المصرية في يناير وفبراير الماضيين كان يقوم على التخلص من هذا المقوم المحوري الذي يستند إليه نظام الأمن الإقليمي.
في اليوم التالي، أعلن المجلس الأعلى العسكري الذي تولى شؤون الحكم في مصر بعد مبارك أنه يتمسك بمختلف الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها مصر، بالضبط كما فعل مبارك نفسه يوم 14 أكتوبر 1981، حين قال ذلك بعد أن تولى الحكم عقب اغتيال سلفه انور السادات، لكن الصحيفة الإيرانية لم تتمالك نفسها ونشرت افتتاحية بقلم سامي البغدادي عنوانها «الله يخرب بيوتكم» انتقدت فيها هذا الإصرار على الإبقاء على كامب ديفيد. ومن ثم شنت الصحيفة هجوما متكررا على القيادة المصرية الجديدة، وهاجم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني القيادة العسكرية، وحذر الشعب المصري من «خداع العسكر».
وقالت الصحيفة في تعبير عن القوام الرئيسي لتوجهات السياسة الخارجية الإيرانية إن موقع مصر الطبيعي هو بين دول الممانعة ولا طريق لها غيره، وقال الكاتب مهدي منصوري: إن على مصر أن تستعيد مكانتها من خلال مقارعة العدو الصهيوني.
قبل هذا ببضعة أيام، كان مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي قد ألقى خطبة جمعة، حرص على أن تكون بالعربية، ووجهها الى الشعب المصري مهاجما النظام الذي اعتبره خائنا وعميلا وأكبر حامٍ للصهيونية، وخاضعا للولايات المتحدة، واتهمه مجددا بأنه ساعد الولايات المتحدة وإسرائيل في حرب غزة.
هذه التمهيدات المبكرة، كانت تجسيدا واضحا للدور الذي لعبته الأصابع الإيرانية مستغلة حالة الغضب الداخلي في المجريات المصرية، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الدعاية السياسية، وذكرت أن أحد تحديات السياسة الخارجية المصرية في العصر السابق، والتي دفعت بعض فاتورتها في يناير - فبراير الماضيين، هو المواجهة التي دخلتها ضد إيران منذ وقت مبكر وربما من اللحظة الأولى لحكم الرئيس السابق مبارك، الذي سرعان ما ساند العراق في حربه ضد إيران، رغم أن عراق صدام كان يقود «جبهة الصمود والتصدي المناوئة لاتفاقية السلام مع إسرائيل».
وبعد انتهاء حكم مبارك ظلت صحف إيرانية تهاجم «حكم العسكر» في مصر وتتعامل مع هذا الواقع بأنه يمضي في المنظومة الإقليمية نفسها.
وكان تداخل آية الله خامنئي العلني مع مجريات مصر في يناير - فبراير الماضيين نوعا من الثأر من إدارة مبارك. وانعكس على الأرض بحديث مصادر مختلفة عن خروقات قامت بها عناصر إيرانية للأرض المصرية إبان مظاهرات الغضب.
كما أن معلومات مختلفة رصدت عناصر غير مصرية تورطت بشكل أو آخر في استغلال حالة الفوضى التي أسفر عنها تفجير الغضب المصري يوم 28 يناير الماضي، وكان أكبر دليل على هذا هو الجهوزية المرتبة، والتي أدت إلى هروب المتهم الأول في خلية «حزب الله» وأحد قيادات حركة «حماس» وسط الفوضى التي سادت السجون المصرية، وحتى هذه اللحظة لا توجد تفسيرات واضحة ليس فقط لعملية الهروب ولكن أيضا للطريقة التي تم الترتيب بها لها كما لو أنهما كانا يعرفان الموعد، بحيث ان المتهم الأول في قضية «حزب الله» تحدث بعد ساعات على شاشات التلفزة من بيروت.
لا يمكن لمصر الحالية أن تعلن بصورة صريحة أنها في مواجهة مع تهديدات إيرانية، وفق ماكانت تتعامل مع الأمر إبان حرب غزة، لكن المؤكد أن الهدف الإيراني الإقليمي الساعي إلى تغيير في معادلات الإقليم، وكان يعتقد أن تنحي مبارك سوف يؤدي إليه، إنما انكشف مجددا من خلال علاقات تحتية مع تنظيمات موجودة في قطاع غزه، ليست هي «حماس»، وإن استفادت من المناخ الذي خلقته في القطاع. تلك التنظيمات هي التي تقول تحليلات أنها سعت إلى تفجير الوضع على الحدود المصرية - الإسرائيلية، توتيرا لتلك الجبهة وفي الوقت نفسه من أجل تخفيف الضغوط عن الحليف الإيراني في سورية الذي يواجه ساعات الحسم ولحظات الاختبار الأخيرة.
في كل مرة تعرضت فيها سيناء للتهديد الاستراتيجي في السنوات الأربع الأخيرة، كانت هناك أصابع إيراينة، أو دور ما على المستويين السياسي والإعلامي، وتحديدا منذ تحفز نحو 750 ألف فلسطيني لاقتحام الحدود المصرية والبقاء في شمال سيناء أربعة أيام على الأقل، قبل أن تتمكن الجهات المصرية المختلفة من إعادتهم من حيث جاؤوا. ولكن بعد أن عثرت جهات الأمن المصرية على خلايا لحركة حماس في قلب الصعيد وتحديدا في أسيوط وبني سويف، وبعد أن أصبح مطروحا منذ هذا الوقت سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى شمال سيناء لحل المشكلة الديموغرافية على حساب مصر.
وفي المرة الثانية، بعد ذلك بنحو عامين كانت إيران طرفا حيويا في الحرب الإعلامية والسياسية على مصر، بينما كانت إسرائيل قد شنت الحرب على غزة، حيث كانت غزة تتعرض للهجوم العبري، بينما مصر تواجه اتهاما بالخيانة، وعدم تقديم العون لأنها تغلق المعبر ولاتريد أن تفتح الحدود أمام «حماس». وشعر المصريون بأن الحرب في مواجهتهم لا مواجهة الفلسطينيين، وطولبوا بخوض حرب ضد إسرائيل تماما كما طولبوا بالمشاركة في الحرب على لبنان في العام 2006، ولأن مبارك لم ينجرف إلى هذه الحرب فإن آية الله خامنئي قد اعتبر في خطبته الشهيرة بالعربية أن موقفه في حرب غزة كافٍ لكي يسقطه الشعب المصري.
في العام الماضي، وبعد حرب غزة، وفي خطابه في عيد الشرطة 2010، تحدث مبارك عن هذه التهديدات والحملات. وقال: «رغم جهود مصر المتواصلة لإحياء السلام ولتحقيق الوفاق الفلسطيني فإننا نتعرض لحملات مكشوفة من قوى لم تقدم يوما ما قدمته مصر لفلسطين وشعبها وتكتفي بالمزايدة بالقضية الفلسطينية والمتاجرة بمعاناة الفلسطينيين».
واوضح مبارك وقتها إن «مصر لا تقبل الضغوط والابتزاز ولاتسمح بالفوضى على حدودها أو بالإرهاب والتخريب على أرضها. لدينا من المعلومات الموثقة الكثير. والذين يقومون بهذه الحملات وينظمون مهرجانات الخطابة للهجوم على مصر في دول شقيقة بيوتهم من زجاج ولو شئنا لرددنا لهم الصاع صاعين ولكننا نترفع عن الصغائر».
لكن مصر تعرضت للكبائر التي لا تستوجب الترفع، وأدت إلى تنحي الرئيس السابق، كما أن المسألة انتقلت من مهرجانات الخطابة إلى حد التحفيز على التمرد داخل سيناء وتعضيد الاتجاهات السلفية الجهادية بالمال والسلاح، وتحويل مشكلة التنمية في شبه الجزيرة المصرية إلى تحدٍ خطير، بلغ ذروته في منتصف يوليو الماضي حين استعرضت مجموعات مسلحة نفسها بسيارات حديثة رباعية الدفع وأسلحة ثقيلة وكمية هائلة من الذخيرة في العريش، في هجوم أدى إلى مقتل عدد من الضباط والجنود.
لقد أدى هذا الاستعراض الشديد الخطورة في مواجهة سلطة الدولة إلى قيام حملة عسكرية امنية مصرية واسعة النطاق، جرى فيها تنسيق معلن مع الجهات الإسرائيلية في ضوء التزامات بنود اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، واندفع ما لا يقل عن ألف جندي مصري لتمشيط مناطق وسط وشمال سيناء بهدف فرض السيطرة وملاحقة العناصر السلفية الجهادية، حيث تبين أن هناك كمية كبيرة من الأسلحة والعناصر، ما دعا البعض إلى اعتبار أن سيناء قد أصبحت بيئة لتنظيم «القاعدة» وهو أمر غير صحيح.
وصاحبت هذه العملية الأمنية، عمليات تحقيق واسعة النطاق تجرى بالفعل الآن في كل من العريش والإسماعيلية والسويس مع العناصر التي ضبطتها الحملة المصرية، حيث تكشفت معلومات كثيرة بشأن التمويلات والتسليح والبنى التنظيمية واتجاهات التكفير.
هذه الأوضاع المتأججة فرضت على المجلس العسكري الأعلى، باعتباره قيادة الجيش، أن يتصدى لمهمته الأساسية وهي حماية الحدود، في الوقت ذاته الذي يقوم فيه بإدارة العمل الداخلي بكل تعقيداته. وبينما كان يتعرض للانتقادات الداخلية من قوى معارضة غير راضية وتسعى إلى تحقيق مزيد من المكاسب، كان عليه أن يتصدى لمهمة حيوية في سيناء لاتزال مستمرة ثم تداخلت عناصر إقليمية من أجل تعقيد الخيوط المتشابكة وفرض تحديات جديدة على اتفاقية السلام من خلال العملية التي راح ضحيتها عدد من العسكريين الإسرائيليين قرب إيلات، وتلتها التحركات العسكرية الإسرائيلية الحمقاء على الحدود مع مصر، ما أسفر عن استشهاد ضابط وثلاثة جنود مصريين.
الصورة بهذه التقاطعات المحلية والإقليمية تشير إلى أبعاد عدة:
- كما أنه لدى إسرائيل تحديات داخلية تواجه حكومة نتنياهو، فإن لديها ايضا تحسبات مروعة من تفاعلات الإقليم العربي من حولها سواء في مصر وسورية على حدودها أو في مناطق أخرى تؤثر في مناخ الإقليم.
- لدى إسرائيل معضلات حقيقية مع الأمواج الهادرة في الواقع المصري، فهي متقاطعة مع المناقشات الداخلية حول تصدير الغاز الطبيعي وتسعيره، وهي متقاطعة مع المصالحة الفلسطينية التي تديرها مصر، ومع مسألة المعبر الذي تريده «حماس» مفتوحا بشكل دائم بين مصر وغزة، وكذلك مع الشعور المتنامي ضدها بين التيارات الدينية واليسارية المصرية، ومع الأصوات التي تطالب بإعادة النظر في اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية.
- قوى الممانعة الإقليمية المنزعجة من إصرار قيادة مصر على التمسك باتفاقية السلام، تواجه مشكلات معقدة على الصعيد السوري، وأيضا التحديات القانونية التي يتعرض لها «حزب الله» على خلفية عملية اغتيال رفيق الحريري واستحقاقاتها.
عبرت مصر أزمة جوهرية مع إسرائيل بعد سقوط الشهداء العسكريين المصريين برصاص إسرائيل على الحدود، وتمكنت من أن تحصل على اعتذار إسرائيلي عن هذا قبل أن يتم التحقيق الذي طالبت به وعقب الاحتجاج الذي تقدمت به بنحو عشر ساعات، بينما تركيا لم تنل اعتذار إسرائيل عد مايزيد على عشرة أشهر على عملية قتل بعض مواطنيها على متن اسطول الحرية الذي كان يتجه لاختراق الحصار على غزة.
ورغم أن مصدرا مصريا اعتبر هذا الاعتذار غير كافٍ، فإنه أحدث ارتياحا نوعيا بين فئات الرأي العام المصري، جعل الكثيرين يتخطون الارتباك الذي ألم بمجلس الوزراء المصري الذي أصدر بيانين، أحدهما قال فيه: إنه استدعى السفير المصري في تل أبيب، وهو ما لم يكن قد تم اتخاذ قرار به. ما اضطر المجلس لأن يقول إن هذا غير صحيح. الا ان ذلك لاينفي أن «معضلة سيناء» تلقى بظلالها على الأوضاع الداخلية المصرية وعلى أبعاد ذلك إقليميا.
إن الموقف الآن هو أن الجيش المصري يريد استقرارا وأمنا في شبه الجزيرة لايجعلها ثغرة في جدار الأمن القومي المصري، ولايجعلها في الوقت ذاته ورقة يمكن استخدامها في التوظيف الإقليمي لتحقيق أهداف أخرى ضد مصر، ومن أجل تحقيق أهداف إقليمية متنوعة.
وبينما العملية العسكرية الأمنية، التي تضافرت فيها جهود الجيش والشرطة في سيناء مستمرة وسوف تبقى لفترة ممتدة، ولن تنتهي قبل أن تنهي حالة قديمة وتقر واقعا جديدا، فإن المجلس العسكري الأعلى يتجه إلى إقرار مشروع قانون لتنمية سيناء ينزع به الفتائل المفجرة من البيئة الاجتماعية في المنطقة التي تفتقد إلى العدالة في التنمية ما بين القطاع الجنوبي المزدهر والقطاعين الأوسط والشمالي المحتاجين للمزيد.
وقالت مصادر موثوقة: إن مشروع القانون سوف يتضمن تحفيزات لخلق عملية تنموية واسعة النطاق لاتقتصر على البناء السياحي، بل تشمل البنية التحتية وعمليات التوطين، وهو ما يحول سيناء من مشكلة إلى أرض فرص، حين يجد هذا القانون طريقه إلى النور.
والقت هذه التفاعلات في سيناء بظلالها على وضعية التيارات الدينية داخل مصر،لأن القلاقل الجارية في سيناء منسوبة إلى فئات محسوبة عليها، وهو ما يفسر الحضور الخافت لـ «الإخوان المسلمين» في ردود الأفعال على ما جرى في سيناء خشية أن تلتصق بربيبتها حركة حماس في قطاع غزة.
وبينما لقيت الاتجاهات التي كانت تنتقد حديث المجلس العسكري الأعلى عن خطط خفية لتقسيم مصر، صدمة في رفضها لهذه الأفكار بعد أن تجسد الخطر واقعا في سيناء، فإن الموضوع نفسه أدى إلى تقوية الزخم الرافض للدولة الدينية، وإعطاء دفعة أكيدة للاتجاهات المطالبة بمدنية الدولة والتأكيد على ذلك في وثيقة فوق دستورية، إذا تبدت مخاطر الدولة الدينية قبل أن تصل أي مطالب بها إلى أغلبية مجلس الشعب المصري.


المصدر: جريدة الرأي العام الكويتية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,739,912

عدد الزوار: 6,911,774

المتواجدون الآن: 102