الدولة العربية والفساد

تاريخ الإضافة الأربعاء 25 تشرين الثاني 2009 - 7:37 ص    عدد الزيارات 660    التعليقات 0

        

توفيق المديني

أصدرت منظمة الشفافية الدولية في برلين تقريرها السنوي عن الفساد في دول العالم. ولاحظ التقرير أن البلدان التي تعاني "التقلبات وعدم الاستقرار في البيئة السياسية والأمنية بشكل خاص، مثل اليمن وإيران والعراق" احتلت مراكز متدنية في أسفل المؤشر، إذ حل اليمن في المرتبة 154 عالمياً و17 إقليمياً.
بينما احتلت دولة قطر المرتبة الأولى عربياً و22 عالميا، تليها دولة الإمارات العربية في المرتبة 30 عالمياَ، ثم إسرائيل في المرتبة 32. وكانت سلطنة عُمان الرابعة إقليمياً والـ39 عالمياً، ثم البحرين والأردن التي لوحظ تحقيقها أفضل النتائج في المنطقة. غير أن التقرير لم يجزم بما إذا كان ذلك عائداً إلى رغبة سياسية في مكافحة الفساد، أم إلى "وجود فائض كبير في الأموال يساهم في الاسراع في التنمية الاقتصادية".
واحتلت باقي دول العربية سواء في المشرق العربي، أو في المغرب العربي مراكز متفاوتة لكنها متدنية في الترتيب العالمي. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن ظاهرة الفساد متفشية بصورة مهولة جدا في الدولة العربية المعاصرة .
فما هي أسباب ذلك؟
بداية، لا بد من القول إن الفساد هو السلوك السياسي والاجتماعي للحكام والمواطنين الحكوميين الكبار المسيطرين على القرارات الإقتصادية والاجتماعية، الذين تولوا عقد الصفقات، وقبضوا بوساطتها عمولات كبيرة، وحصلوا على قروض كبيرة بلا ضمانات كافية، واستخدموا الأموال "المعونات الأجنبية" لخدمة أغراضهم الشخصية، ورهنوا سياسة بلدانهم بسياسة القوى الغربية، ولا سيما الأميركية منها، وكرسوا تبعية سياسية وإقتصادية كاملة من نوع جديد إزاء الشركات المتعددة الجنسيات والمراكز الرأسمالية الغربية عامة، وانحرفوا كلياً عن القواعد الأخلاقية لكي تتبؤأ اللاخلاقية أخطر المناصب في جهاز الدولة، وعن المعايير الوطنية والقومية لخدمة مصالحهم الشخصية أو أهدافهم الخاصة.
والفساد مرتبط بسياسة واضحة الأهداف، قوامها الصراع من أجل إعادة الإنتاج المادي، والسيطرة على السلطة السياسية، وثروات البلد في ظرف تاريخي معين، بما يقود إلى مصادرة الوطن، وإفلاس الخزينة، وتدمير المجتمع، عبر شيوع حالة ذهنية لدى أفراد المجتمع تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره، ويساعد على إتساع نطاق مفعوله في الحياة السياسية، وإحلال شريعة الغاب في ممارسة الحياة اليومية للمواطنين، بدلاً من شريعة الدستور والقانون.
وباختصار فإن الفساد معّرف هو الاستغلال السيئ من قبل نخبة الدولة المسيطرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية، للوظيفة العامة أو الرسمية من أجل تحقيق المصلحة الخاصة. والمصلحة الخاصة تتسع لتشمل معاني كثيرة. فقد تعني مصلحة الحزب الحاكم (حيث تستخدم أحياناً عوائد الفساد لتمويل النشاط الحزبي)، كما تعني المصلحة الشخصية أو العائلية، أو تلك المرتبطة بالطائفة أو القبيلة أو الأصدقاء.
كما أن الفساد مرتبط ارتباطاً عضوياً بواقع السلطات السياسية في البلدان العربية التي يسيطر عليها الطابع الأمني، وتفتقد للشرعية، وتمارس أشكالاً من الهيمنة والديكتاتورية، حيث أصبحت السياسة بالنسبة إليها تمارس كطريقة رئيسية للوصول إلى تجميع الثروات الفاحشة من خلال استخدام المنصب السياسي، وإخضاع المؤسسات السياسية والمؤسسات الإقتصادية، لخدمة المصالح الشخصية.
لقد أثر الفساد في أنماط التوظيف، وهذا ما جعل الموظفين يتجنبون الأنشطة ذات القيمة الاجتماعية الأكبر، مفضلين المجالات التي ينتشر فيها الفساد، الأمر الذي قاد إلى إحباط المسؤولين أصحاب الكفاءات، نتاج ممارسات الفساد والإفساد اللذين يقوم بهما رجال الحزب الحاكم والمتنفذون في السلطة. وقد نتج عن هذه الحالة خلل جسيم أصاب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع، إذ أصبحت "الرشوة" و"السمسرة" تشكلان تدريجياً مقومات نظام الحوافز الجديد في المعاملات اليومية داخل البلدان العربية، الذي لا يجاريه نظام آخر.
وهكذا تحول الفساد في الدولة العربية مع الزمن إلى مؤسسة من الصعب اختراقها، بل إلى قلعة لها أبراجها وأسوارها، وخنادقها، وحماتها المدافعون عنها. وفي ظل غياب مؤسسات سياسية فاعلة تمارس الرقابة والمحاسبة على السلطة التنفيذية في الدولة العربية، وانحصار السياسة في دائرة السلطة/الدولة، بعد أن تم إلغاء السياسة كفاعلية مجتمعية حية واعية وهادفة وحرة، وانعدام الديمقراطية، وحرية الصحافة، ازدادت النخب السياسية الحاكمة في العالم العربي، المتكونة من الرئيس وعائلته، وقيادات الحزب الحاكم، وكبار رجال الدولة من المؤسسات الأمنية والعسكرية، ومدراء الشركات العامة، وزعماء النقابات العمالية والفلاحية، الذين لعبوا دوراً رئيسياً في تطويع العمال والفلاحين وتدجين النقابات بواسطة القمع السياسي، ازدادت هذه النخبة ثراءً، وحصلت على شتى أشكال الامتيازات الحصينة بفضل نجاحها في استخدام المواقع السياسية كوسيلة لتجميع الثروة.
وفي ظل استشراس الفساد في الدولة العربية المعاصرة، فقد القانون هيبته في المجتمع. لأن المفسدين باتوا يملكون تعطيل القانون.. وقتل القرارات التنظيمية في المهد. وعندما يتأكد للمواطن العادي أن القانون في سبات عميق، فلا بد له من أن يفقد ثقته بهيبة القانون وسلطانه في المجتمع، وتصبح مخالفة القانون هي الأصل واحترام القانون هو الاستثناء.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,052,488

عدد الزوار: 6,750,106

المتواجدون الآن: 116