جنبلاط لا يعقد صلحاً منفرداً مع الأسد...التسوية التاريخية لتكريس الاستقلال عن سوريا

تاريخ الإضافة الجمعة 19 شباط 2010 - 5:12 ص    عدد الزيارات 583    التعليقات 0

        

"أفاد مسؤولون ومبعوثون غربيون تباحثوا في الفترة الأخيرة مع رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط ومع شخصيات سياسية لبنانية ذات اتجاهات مختلفة، أن الزعيم الدرزي ليس راغباً في عقد صلح منفرد مع نظام الرئيس بشار الأسد على حساب الحركة الاستقلالية ومبادئها ومقوماتها وانه لن يعتذر للسوريين عن مواقف لم يتخذها وعن كلام لم يقله، لكنه مستعد لتوضيح بعض مواقفه المعادية لسياسات نظام الأسد والرافضة لها والتي جاءت في اطار مواجهة لبنانية – سورية واسعة وصاخبة لها ظروفها وأسبابها الداخلية والخارجية. وأوضح هؤلاء أن جنبلاط يريد أن يكون في موقعه الجديد جسر تواصل بين الأفرقاء اللبنانيين وبين لبنان وسوريا ويرغب في اقامة علاقات ودية بل متينة مع القيادة السورية، لكنه يرفض التوجه راضخاً مستسلماً الى دمشق كما يحاول بعض حلفائها الايحاء بذلك. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين والمبعوثين فان جنبلاط على اقتناع بأنه لم تعد ثمة مبررات لابقاء حال العداء بين لبنان وسوريا ولكن ليس وارداً لديه في الوقت عينه العودة الى مرحلة ما قبل الانتفاضة الشعبية السلمية التي شارك مع الاستقلاليين في تفجيرها اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وأدت الى انهاء الهيمنة السورية على لبنان".
هذا ما افضت به الينا مصادر ديبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع في باريس وقالت ان المعلومات التي حصلت عليها من هؤلاء المسؤولين والمبعوثين الغربيين عن توجهات رئيس "اللقاء الديموقراطي" ومواقفه الجديدة تركز على الامور والمسائل الأساسية الآتية:
أولا: يريد جنبلاط أن يكون، بابتعاده عن الاطار التنظيمي لفريق 14 آذار، مستقلاً سياسياً لكن مع بقائه ضمن الحركة الاستقلالية، ذلك انه ليس راغباً في الانفصال عنها، وهو لم ينقلب في مواقفه الجديدة على مبادىء الاستقلاليين وثوابتهم الاساسية بل يرى أن انفتاحه على سوريا وعلى فريق 8 آذار تطور طبيعي منسجم مع تاريخه واقتناعاته ومع المتغيرات اللبنانية والسورية والاقليمية والدولية والتي أدت الى حصول انفراج في العلاقات اللبنانية - السورية والى تطور ايجابي في مواقف نظام الأسد من هذا البلد الذي كان خاضعا لوصايته. ولاحظ ديبلوماسي أوروبي مطلع "أن جنبلاط فخور بنضاله من أجل استقلال بلده وسيادته، لكنه متمسك أيضاً بعروبة لبنان وبدفاعه عن القضية الفلسطينية وبرفضه الانعزال عن القضايا العربية. ويدخل تقاربه مع سوريا ضمن هذا الاطار".
ثانياً: يريد جنبلاط الانفتاح على سوريا وعلى حلفائها الذين قاتلهم سابقاً وقاتلوه، لكنه ليس راغباً في الانضمام الى فريق 8 آذار أو الى جبهة سياسية قد يرغب نظام الأسد في انشائها لمحاولة تعزيز نفوذه في لبنان. فليست لجنبلاط تالياً أي مصلحة سياسية أو شعبية أو ذاتية في أن يعقد صلحاً منفرداً مع النظام السوري على حساب القوى الاستقلالية، بل انه يريد المساهمة في تعزيز العلاقات بين الاستقلاليين ودمشق في اطار احترام نظام الاسد لبنان المستقل. وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع "ليس ممكناً أن يخرج جنبلاط من الحركة الاستقلالية في الوقت الذي تم تثبيت استقلال لبنان وسيادته  وتكريسهما عربياً واقليمياً ودولياً، بل ان جنبلاط يرى أن نجاح القوى الاستقلالية في تحقيق أهدافها ومطالبها الاساسية، منذ الانسحاب السوري حتى اليوم، يعطي مبررات للسعي الى وقف المواجهة مع سوريا واقامة علاقات جديدة معها ومع حلفائها، وخصوصاً اذا كان النظام السوري يرغب فعلاً في تحسين العلاقات مع لبنان المستقل المتحرر من هيمنته".
ثالثاً: تكمن قوة جنبلاط الأساسية في تحالفه المستمر مع زعيم الغالبية سعد الحريري ومع بعض القيادات الاستقلالية وليس في انفتاحه على دمشق وحلفائها، ذلك ان الزعيم الدرزي يظل بمثابة "ضيف شرف" على فريق 8 آذار لا أكثر. وهذا ما يجعله يؤكد باستمرار انه ابتعد عن فريق 14 آذار لكنه متمسك بتحالفه الوثيق مع الحريري وبالبقاء ضمن الغالبية، ويشدد على أن المصالحة مع خصوم الأمس لن تجعله يبدل "أدبياته" ومواقفه السياسية الأساسية. ويرفض جنبلاط أن يستخدمه فريق 8 آذار لمحاولة اضعاف الاستقلاليين.
رابعاً: ما يجعل جنبلاط يتمسك أيضا بالبقاء ضمن الغالبية، بقطع النظر عن اتخاذه بعض المواقف المختلفة عنها في عدد من القضايا الداخلية المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، هو أنه أدرك نتيجة تجربة الأشهر الأخيرة انه ليس قادراً على انشاء " قوة سياسية ثالثة " بين فريقي 14 و8 آذار، من جهة لأن الرئيس نبيه بري الذي شجعه على الابتعاد عن 14 آذار ليس راغباً اطلاقاً في الخروج من هذا الفريق، ومن جهة أخرى لأن قيادات 14 آذار ليست راغبة في الانضمام الى جنبلاط في مسيرته الجديدة بل تفضل التعامل مع سوريا من موقعها داخل فريقها.

 

التسوية التاريخية

ويرى المسؤولون والمبعوثون الغربيون أن جنبلاط يتحرك في الساحة السياسية على أساس اقتناع قوي بأن لبنان دخل مرحلة "التسوية التاريخية" مع سوريا وأن هذه التسوية انطلقت فعلاً، وفي ظل رعاية سعودية - عربية - دولية مع زيارة سعد الحريري لدمشق في كانون الأول 2009 ومحادثاته الصريحة والطويلة مع الأسد والتي تتكامل مع جهود الرئيس ميشال سليمان واتصالاته المختلفة مع الرئيس السوري. ويريد جنبلاط أن يكون جزءاً من هذه "التسوية التاريخية" وأن ينفتح على سوريا في اطارها مما يجعله خارج سياق ومنطق تعامل فريق 8 آذار مع دمشق. وهذه "التسوية التاريخية" تقوم، استناداً الى جنبلاط والقيادات الاستقلالية، على الركائز والعناصر الآتية:
أولاً: ان هذه التسوية تنطلق من حقيقة أساسية هي أن سوريا خرجت عسكرياً وأمنياً من لبنان وأنها لم تعد تحكم هذا البلد وان عهد الوصاية السورية عليه قد انتهى. والحوار مع النظام السوري يهدف الى تكريس هذا الواقع وليس الى اخضاع لبنان مجدداً للهيمنة السورية. ويرفض جنبلاط وجهة نظر حلفاء دمشق القائلين "انه أعيد تلزيم سوريا مجدداً ادارة "الملف اللبناني" لأن ذلك يتناقض كلياً مع الحقائق والوقائع، ويتفق في هذا الشأن مع المسؤولين العرب والاميركيين والاوروبيين القائلين بأن الدول البارزة والمؤثرة تشجع نظام الأسد على تحسين وتطوير علاقاته مع لبنان المستقل السيد وتحرص على ابلاغه باستمرار أنها ترفض اخضاع هذا البلد للهيمنة السورية لأن ذلك يتناقض مع حق اللبنانيين المشروع المدعوم دولياً وعربياً في الاستقلال والسيادة ومع مصلحة الأمن والاستقرار فيه وفي المنطقة ومع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ثانياً: هذه "التسوية التاريخية" تتطلب بناء علاقات ثقة واحترام متبادل ومن دولة الى دولة بين لبنان وسوريا بعيداً من المزايدات ومنطق التحريض المتبادل وبحيث يفيد البلدان من أخطاء مرحلة الهيمنة السورية على لبنان ويعملان معاً على تصحيحها ومنع تكرارها.
ثالثاً: "التسوية التاريخية" تتطلب التمسك باتفاق الطائف المتضمن ثوابت أساسية عدة أبرزها: التأكيد أن "لبنان وطن سيد حر مستقل وطن نهائي لجميع أبنائه" وانه "جمهورية ديموقراطية برلمانية " وانه "عربي الهوية والانتماء"، وتأكيد صيغة المناصفة في الحكم وفي ادارة شؤون البلد بين المسلمين والمسيحيين، وتأكيد ضرورة بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وتأكيد ضرورة اقامة علاقات مميزة بين لبنان وسوريا "في اطار سيادة واستقلال كل منهما وبما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين"، وتأكيد التمسك باتفاق الهدنة في التعامل مع اسرائيل وتنفيذ باقي قرارات مجلس الأمن القاضية بازالة الاحتلال الاسرائيلي. وهذه كلها مطالب يتمسك بها الاستقلاليون ومنهم جنبلاط ويدافعون عنها.
رابعاً: "التسوية التاريخية" ليس معناها التخلي عن المحكمة الخاصة بلبنان، بل ان جنبلاط كسائر القيادات الاستقلالية يتمسك بالمحكمة ويدافع عنها وينتظر قراراتها ويقول في شأنها: "نريدها أن تحد من الاغتيال السياسي وأن توقفه وتعطي كل صاحب حق حقه في ما يتعلق بالجرائم المرتكبة وأن تأتي بالحقيقة وتكون عنواناً للاستقرار". ويتفق جنبلاط في موقفه هذا مع مواقف القادة الاستقلاليين الذين يرون ان تحقيق العدالة هو الذي يؤمن الاستقرار وليس تجاهلها أو تجاوزها أو الابتعاد عنها.
خامساً: "التسوية التاريخية" يجب أن تترافق مع تعزيز السلم الأهلي في لبنان وهو ما يسعى جنبلاط الى تحقيقه من خلال انفتاحه على حلفاء دمشق، وهو ما يجعله تالياً يرفض ضمناً استخدام السلاح في الداخل لمحاولة تحقيق مطالب سياسية أو للضغط على اللبنانيين كما فعل "حزب الله" مع بعض حلفائه في 7 أيار 2008، لأن ذلك يمكن أن يفضي الى حرب أهلية.
سادساً: "التسوية التاريخية" تتطلب أيضاً العمل على انهاء دور لبنان كساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل تستخدمها سوريا وايران لمحاولة تعزيز مواقعها التفاوضية مع الدول الكبرى أو لمحاولة تحقيق أهدافها الذاتية. وتمسك جنبلاط باتفاق الهدنة يعني رفضه الضمني بقاء لبنان ساحة مواجهة مفتوحة واصراره على ضرورة معالجة مشكلة سلاح "حزب الله" في اطار مؤتمر حوار وطني يرعاه الرئيس سليمان. وذكر ديبلوماسي أوروبي مطلع أنه "بقدر ما يدعم جنبلاط المقاومة، يرفض استخدام سلاحها في الداخل".
سابعاً: "التسوية التاريخية" تفترض أن يتخلى نظام الأسد عن فرض مطالبه وشروطه على اللبنانيين واعطاء الأولوية لتأمين مصالحه، وتتطلب أن تقوم بين لبنان وسوريا علاقات تعاون في المجالات المختلفة على أساس الاحترام المتبادل الحقيقي لاستقلال وسيادة كل من البلدين وهو ما يؤمن المصالح المشروعة لهما ولشعبيهما.

 

توضيح لا اعتذار

يبدو واضحاً من تصريحاته ومواقفه العلنية ومما يقوله لزواره العرب والأجانب أن جنبلاط يرفض أن يفتح صفحة جديدة مع سوريا "بأي ثمن" وبما يجعله يخسر موقعه المستقل والاستقلالي. وهذا ما تؤكده مواقفه من ثلاث مسائل يعلق عليها النظام السوري أهمية خاصة كما شرحها وحددها في مقابلة أجرتها معه الزميلة "السفير" ونشرتها يوم 9 شباط الجاري. وهذه المسائل هي الآتية:
أولاً: يرفض جنبلاط اعفاء نظام الاسد من المسؤولية عن الاضطرابات والتوترات التي شهدها لبنان بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1559 في أيلول 2004 بل انه يتبنى الى حد كبير موقف الحركة الاستقلالية في هذا الشأن اذ يقول ان اقدام الأسد "على حصر الخيار الرئاسي" بالتمديد للرئيس اميل لحود " فجر القرار 1559"، ويضيف: "ربما كان صدور القرار 1559 حتمياً وربما كان يمكن تفاديه". ويشدد على أنه "لو كانت قناة الاتصال أفضل بيني وبين القيادة السورية آنذاك وبين رفيق الحريري والقيادة السورية لأمكن ربما تفادي ما وقع". وموقف جنبلاط هذا يتناقض مع موقف النظام السوري الرافض تحمل أي مسؤولية في الاحداث المفجعة التي شهدها لبنان منذ تمديد ولاية لحود الى مرحلة اغتيال الرئيس الحريري وما تلاها من تطورات واغتيالات.
ثانياً: أكد جنبلاط في هذه المقابلة تمسكه بالتحقيق الدولي وبالمحكمة الخاصة بلبنان وجعل عملية اغتيال الحريري القضية المحورية الأساسية التي فجرت المواجهة الواسعة بين الغالبية العظمى من اللبنانيين ونظام الأسد اذ قال: "ان حجم هذه الجريمة أدى الى هذا الهيجان الغريزي الذي شهده لبنان"، مضيفاً أن شعار سمير قصير " ربيع دمشق " كان له " صدى في الشارع اللبناني بسبب تراكم أمني – سياسي لم يكن في مستوى العلاقة اللبنانية – السورية ".
ثالثاً: رفض جنبلاط الاعتذار عما نسب اليه من انه طالب في مقابلة مع صحيفة "الواشنطن بوست" مطلع 2006 الأميركيين بغزو سوريا بل أكد انه قال في هذه المقابلة: "كما ساعدتم الغالبية على أن تصل الى الحكم في العراق فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه في سوريا؟". وأوضح جنبلاط في المقابلة مع "السفير" انه لم يقصد دعوة الأميركيين الى غزو سوريا" لأن من غير المنطقي أن أطلب ذلك "بل انه أراد" تحسين شروط العيش في سوريا وتحسين الأوضاع فيها". وتمنى أن يكون كلامه "التوضيحي" هذا كافياً لمحو "الاساءة" الى الشعب والقيادة في سوريا.
وخلص ديبلوماسي أوروبي مطلع الى أن جنبلاط يريد التلاقي مع سوريا المنفتحة على لبنان المستقل وليس مع سوريا التي تحلم باخضاع هذا البلد مجدداً لوصايتها.

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,155,211

عدد الزوار: 6,937,217

المتواجدون الآن: 112