خلفيات البحث الروسي عن «مسألة أقليات»..

تاريخ الإضافة الجمعة 19 نيسان 2019 - 6:58 ص    عدد الزيارات 553    التعليقات 0

        

خلفيات البحث الروسي عن «مسألة أقليات»..

الحياة....بهاء أبو كروم.... بعد انتهاء الحملة الأميركية على «داعش» في شرق سورية، تصاعَدَ الحديث عن مصير الأقليات وأهمية تحالفاتها وتثبيت حماياتها في المنطقة. وفي مقابل استراتيجيا الحوار والتفاهمات العميقة التي يتّبعها كل من الكرسي الرسولي والأزهر الشريف، سعياً منهما إلى تثبيت ركائز العلاقة بين الأديان على أسس من شأنها مواجهة أشكال التطرف بشقيها الإسلامي والمسيحي، يتضح أن مساراً مُختلفاً من حيث المُنطلق والأداء أخذ يتمدّد على قاعدة إشكالية الأقليات التي تسعى روسيا من خلالها إلى تقوية حضورها المجتمعي والثقافي في المنطقة. ويسعى أصحاب هذه النظرية إلى انخراط روسي أكثر فاعلية لجهة تأمين الرعاية والحماية في سبيل إعادة إنتاج المسألة المشرقية.

وإذ تُعيد المقاربة الروسية وملحقاتها أسباب التطرف إلى روافد وجذور تتعلّق بثقافة الغالبية، وتنظر إليها كتهديد يُحدق بالطوائف الصغيرة وبالمسيحيين، من زاوية الطغيان الأكثري الإسلامي، فإن من شأن الاشتغال على ذلك أن يَخلق موضوعاً قومياً دسماً في الداخل الروسي تتحلّق حوله مبررات السياسة الخارجية وتُغطّيه الكنيسة.

طبعاً، لا تختلف هذه الفذلكة مع الأسس التي قامت عليها نظرية صراع الحضارات، حتى لو تمايَزَ الروس في قراءة أسباب التنافر بين الحضارات، وأعادوا بعضها إلى حملة جورج بوش الإبن على أفغانستان ومن ثم العراق، وما حملته تداعيات وصف تلك الحروب بأنها بمثابة «حملة صليبية».

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت الأرضية تتسع لعقائد بديلة حاولت ملء الفراغ الناجم عن سقوط الشيوعية والتعامل مع انتصار النموذج الليبرالي في العالم. وظهرت معالم بديل إسلامي يحاول إعادة إنتاج معادلة شرق - غرب. لكن روسيا ذاتها، التي انتقدت صراع الحضارات، عادت وارتكبت نفس الخطيئة عندما وصفت كنيستها الحملة العسكرية على سورية بأنها «حرب مقدسة»، على الرغم من أن هذا المصطلح، بالنسبة إلى الروس، لا يحمل كل تلك المعاني التي تختزن الصراع العقائدي على امتداد العالم، أو تُقسّمه إلى فسطاطين. إذ سبق لهم أن أطلقوا صفة «الحرب المقدسة « على صراعهم مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية. لكن روسيا تحرص في الوقت ذاته، على تقديم نفسها حامية لطوائف وأقليات في منطقة تطغى عليها «أكثريات» أخذت تتصادم مع حلفاء موسكو في عام 2011.

إن تطوّر المسوغات التي قامت على تبرير التدخل الروسي في سورية، جرتّ الكنيسة الأرثوذكسية إلى استلحاق السقف السياسي لحملة الرئيس بوتين، خاصة مع بدايات هذا التدخل، حين ظلّ يتكتّم حول الأهداف الحقيقية لحملته العسكرية وألبسها ثوب محاربة الإرهاب.

واليوم، ترسم الكنيسة الروسية مساراً يقوم على التمايز الاستراتيجي مع الكنيسة الغربية التي قادت البابا فرنسيس إلى التوقيع على وثيقة «الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» مع شيخ الأزهر الشريف في دولة الإمارات. وتكمن أهمية هذه الوثيقة في كونها تجاوزت موضوع الأقليات، وأعادت تعبيراتها إلى نمط ماضوي يحول دون تكريس الشراكة والأخوة واحترام المواطنة والمساواة. ودعت إلى التخلِّي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح «الأقليات» الذي يحمل في طيَاته الإحساس بالعزلة والدونيّة.

في خلفية أداء السياسة الخارجية الروسية، يلعب الإرث الأرثوذكسي دوراً مُحفّزاً لمقولة «حماية حقوق الأقليات» في استنساخ للدور الذي لعبته الشيوعية في تأمين المُبرّر العقائدي للسياسات الإمبراطورية في الخارج. علماً أن روسيا أسّست لهذا الدور تقليدياً منذ قيام الدولة العثمانية ودخول محمد الفاتح إلى القسطنطينية حيث كان الأرثوذكس أول طائفة يجري تنظيمها في إطار نظام الملة العثماني، وصولاً إلى إبرام معاهدة «كينارجة الصغرى» مع روسيا في عام 1774.

قبل ثلاث سنوات من دخوله إلى سورية، وَصَفَ الرئيس بوتين تحولات ما يسمى «الربيع العربي»، في مقال له نشر في عام 2012، بأنها «تطوَّرَ في سيناريو غير مُتحضّر. فبدلاً من حماية حقوق الأقليات، يتم استبدال هيمنة قوة واحدة بقوة أكثر عدوانية منها». ويكشف هذا التوصيف حقيقة فهم الروس للتحولات المُتحضّرة في المنطقة بأنها تقتصر على تلك التي تدّعي حماية حقوق الأقليات فحسب!

واليوم ،تقف روسيا أمام تحدٍ جديد يتعلّق بتعقب حركة الخارجين من شرق سورية من بقايا «داعش» والوجهة التي يذهبون إليها. خاصة مع عودة آلاف المقاتلين إلى بلدان آسيا الوسطى بالتزامن مع تقوية وجود «داعش» في شمال أفغانستان. وسبق لموسكو أن برّرت خروجها إلى سورية لتوفر على نفسها عناء محاربة الإرهابيين في روسيا أو الجمهوريات المحاذية.

إلا أن سياقاً خطيراً بدأ يتّضح بعد نجاح بوتين في تكريس نفسه كحلقة الوصل الضامنة لمشروع حلف الأقليات الذي يجمع نتانياهو ببشار الأسد ومن خلفهما إيران، طبعاً مع بعض المُلحقات اللبنانية التي تعتاش على هذه النظرية وتبحث عن تحالف مشرقي يجمع الأقليات ويُورّط المسيحيين بنظريات لا تؤمّن لهم حضوراً مستقراً في إطار التعددية مع سكان المنطقة. ذلك أن التجارب التي قامت على الحمايات الخارجية غالباً ما استندت إلى معطيات غير مُستدامة.

الخلاصة السياسية لهذا الحلف الجهنمي، كشفتها الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو وتسلّمه رفات الجندي الإسرائيلي الذي قتل خلال اجتياح لبنان في عام 1982 وإعلان الخارجية الروسية، أثناء الزيارة، بأن رحيل الأسد «صفحة طواها الجميع».

وفي موازاة المسار السياسي، رسم البُعد الاقتصادي لنفسه إطاراً موازياً. إذ أن لروسيا مزايا تستطيع من خلالها النفاذ إلى النقاط الاقتصادية الرئيسية في المنطقة. بدءاً من النفط والغاز في سورية ولبنان وإعادة إعمار سورية، وصولاً إلى النزاعات النفطية في البحر المتوسط.

أن إمساك بوتين بعلاقات مميزة مع مثلث تركيا – إسرائيل - إيران، يمكن أن يخلق مساراً اقتصادياً قوياً في ظل انشغال الولايات المتحدة في التصعيد ضد إيران، وحاجتها إلى حياد روسي مدفوع الثمن في حقول النفط والغاز شرق المتوسط، عدا عن النظر إلى دورٍ وازنٍ لملء الفراغات التي قد تنشأ نتيجة تراجع إيران في المنطقة.

 

* كاتب لبناني.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,105,549

عدد الزوار: 6,753,009

المتواجدون الآن: 106