بايدن في السعودية: بين التوصيات الطموحة والواقع المعّقد....

تاريخ الإضافة الجمعة 24 حزيران 2022 - 9:12 م    عدد الزيارات 814    التعليقات 0

        

بايدن في السعودية: بين التوصيات الطموحة والواقع المعّقد....

تحقيق مثل هذا الميثاق الإستراتيجي الجديد في العلاقات الأميركية-السعودية يتطلب قرارات صعبة من الطرفين.

هشام ملحم

هشام ملحم هو باحث غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وكاتب عمود ومحلل سياسي.

قبل أسابيع من زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية لإصلاح علاقات ثنائية اتسمت بالتوتر والفتور منذ وصوله إلى البيت الأبيض، دعا الباحث والأكاديمي المعروف ستيفن كوك ومارتن انديك، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط وسفير واشنطن السابق لدى اسرائيل، إلى “إعادة تخيّل جذرية للعلاقات الأميركية-السعودية” تتخطى القضايا الملحة والآنية، مثل امدادات النفط وصفقات الأسلحة، وتركز على إقامة “ميثاق استراتيجي جديد” يتمحور حول مواجهة “الخطر الإيراني”. جاءت هذه التوصيات في دراسة بعنوان “مبررات ميثاق استراتيجي أميركي-سعودي جديد” من 35 صفحة صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية، وهو من أبرز مراكز الأبحاث الأميركية، ولخصها الكاتبان في مقال نشرته مجلة “فورين آفيرز” التابعة للمجلس.

ويرى الكاتبان أن واشنطن تعتبر إيران المصدر الرئيسي للاضطرابات في الشرق الأوسط، وأن جهود طهران للحصول على الأسلحة النووية، ودعمها للقوى التخريبية في المنطقة، وطموحاتها المذهبية ورغبتها بالهيمنة على المنطقة، تشكل “تحديًا مستمرًا لمصالح الولايات المتحدة”. ولهذه الأسباب فإن واشنطن بحاجة إلى شركاء إقليميين يمكن الاعتماد عليهم لمواجهة إيران، والسعودية قادرة على لعب دور هام في هذا السياق بسبب “نفوذها الكبير في أسواق النفط العالمية، ولدورها القيادي في العالمين العربي والاسلامي”.

وترى السعودية، وفقًا للدراسة، أن إيران تمثل الخطر الرئيسي على مصالحها، وخاصة تهديد طهران لأمنها القومي ومصالحها النفطية واستقرارها الداخلي، ولمصالح حلفائها السنّة العرب. وتضيف الدراسة، “ولكن السعودية قلقة لأن الولايات المتحدة تميل إلى التكّيف مع طموحات إيران الإقليمية بدلًا من مواجهتها”.

اقتراب إيران من تطوير الأسلحة النووية، دفع بالسعودية للتركيز أكثر على كيفية استخدام إيران لقدراتها النووية لحماية نفسها من أي عواقب بسبب سياساتها الإقليمية التخريبية. وهذه الأسباب، وفقًا للدراسة تفسر طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من حكومة الرئيس بايدن الحصول على ضمانات أمنية مماثلة لتعهدات حلف الناتو بتوفير الحماية الأمنية لأعضائه، ما يعني أن أي هجوم ضد السعودية يجب أن تتعامل معه الولايات المتحدة وكأنه هجوم ضدها. ولكن “بسبب الدعم المتدني للسعودية في الكونغرس وفي أوساط الرأي العام، فإن إعطاء السعودية ضمانات مماثلة للضمانات التي يتمتع بها أعضاء الناتو هو أمر غير قابل للتحقيق، حتى ولو كان أمرًا مرغوبًا به”. وتضيف الدراسة، “ولكن خلال زيارته للسعودية يمكن أن يكرر الرئيس بايدن علنًا التزامه بمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية”، وأن يضيف إلى ذلك تطويرًا لما سمي “مبدأ كارتر” في عام 1980، أي تجديد التزام واشنطن بمنع أي قوة معادية من السيطرة على منطقة الخليج. طبعًا، “مبدأ كارتر” آنذاك كان موجهًا ضد الاتحاد السوفياتي، وهي قوة من خارج الخليج. هذا هو الوضع الذي سيفتح الباب أمام إعادة تخيّل جذرية للعلاقات الأميركية-السعودية.

توصي الدراسة بأن يتضمن إطار الاتفاق الاستراتيجي ضمانات أميركية بتعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية، ويمكن لهذه الضمانات السياسية، غير المكتوبة وغير الملزمة قانونيًا، أن تلزم واشنطن بالحفاظ على توازن إيجابي للقوى في المنطقة، ويمكن دعم هذه الالتزامات من خلال إقامة آليات رسمية للتشاور العسكري الوثيق، واجراء المناورات العسكرية المشتركة، ودمج الدفاعات العسكرية. ومع تطور الأوضاع “وتحسن السلوك السعودي”، يمكن لواشنطن أن تعلن أن أي تهديد للسعودية هو تهديد للسلام والاستقرار في منطقة الخليج، “ما يشكل مصدر قلق خطير للولايات المتحدة”، وهذا الالتزام المحتمل بأمن السعودية مماثل للالتزام الأميركي بأمن تايوان.

وفي حال انهيار المفاوضات النووية في فيينا بين مجموعة الخمسة زائد واحد وإيران، ومواصلة طهران لبرنامجها النووي، عندها يمكن لواشنطن أن توفر للسعودية مظلة حماية نووية، مقابل تخلي المملكة عن الحصول على الأسلحة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم.

ولكن مقابل هذه الضمانات الأميركية الأمنية، تدعو الدراسة السعودية إلى الالتزام رسميًا باستخدام فائضها النفطي لإعادة الاستقرار لأسعار النفط إلى مستويات معقولة، وإنهاء الاتفاق النفطي مع روسيا، أوبك بلس (OPEC+)، وأن توفر الرياض لأوروبا امدادات النفط البديلة عن الصادرات الروسية، ما يعني تعزيز فعالية العقوبات ضد روسيا، “الأمر الذي سيحسن من سمعة ولي العهد السعودي في واشنطن”. وتشمل الضمانات السعودية إنهاء الحرب في اليمن، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انسحاب السعودية من اليمن، الأمر الذي سيحظى بتأييد الأوساط السياسية في واشنطن. وفي حال استمرت هجمات الحوثيين ضد المملكة، عندها سيكون للسعودية المبررات والحق في الدفاع عن نفسها.

وتشمل الضمانات السعودية التي أوصت بها الدراسة، اتخاذ خطوات باتجاه “تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل”، مثل السماح للطائرات الاسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية، ورحلات الطائرات التي تحمل الحجاج المسلمين من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل إلى السعودية، وإقامة الاتصالات المباشرة بين البلدين، ومشاركة السعودية في الاجتماعات الإقليمية التي تشمل إسرائيل، وفتح مكاتب التجارة. هذه الخطوات باتجاه التطبيع سوف “تعزز من شرعية الدور العسكري الإسرائيلي في العالم العربي، وتعزيز التعاون الاستراتيجي ضد إيران”. وتضيف الدراسة أن هذه الخطوات “سوف تغير من نظرة العديد من أعضاء الكونغرس للسعودية. كما أن المملكة سوف تحظى بدعم الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة”.

ولكن التطبيع والضمانات يجب ألا يأتي من جانب واحد، وعلى إسرائيل، التي ترى أن السعودية هي الدولة الأهم بالنسبة لتطبيع علاقاتها مع العالم العربي، أن تتخذ خطوات إيجابية تجاه الفلسطينيين، مثل تجميد أعمال الاستيطان وراء الجدار العازل، وأن تنسحب من المزيد من الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يمكن أن يعزز الثقة المتبادلة، ويوفر الأساس لمفاوضات حول الوضع النهائي، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين اسرائيل والفلسطينيين. المشاركة السعودية العلنية في هذه الجهود، إضافة إلى مصر والأردن، سوف تساهم كثيرًا في التنازلات الضرورية لإنهاء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وأخيرًا تتطرق الدراسة إلى مسألة حقوق الإنسان الحساسة في السعودية، وتوصي بوقف قمع المعارضة السياسية السلمية، ومواصلة ضبط المؤسسة الدينية، وتقييد صلاحيات الشرطة الدينية، واعطاء المرأة حقوقها الكاملة وغيرها من الإجراءات الاصلاحية.

تحقيق مثل هذا الميثاق الإستراتيجي الجديد في العلاقات الأميركية-السعودية يتطلب قرارات صعبة من الطرفين وفقًا للدراسة. أميركيًا، مثل هذا الميثاق يعني التخلي عن محاولات آخر ثلاثة رؤساء أميركيين تقليص التزامات واشنطن في المنطقة. هذا الميثاق سوف يتطلب من السعودية التخلي عن اتفاقها النفطي مع روسيا، والتعاون المتزايد مع الصين، وعودة المملكة إلى الفلك السياسي الأميركي، “لان إدارة الأزمات المختلفة في هذه المرحلة في الشرق الاوسط، تعني أن الولايات المتحدة بحاجة إلى شريك سعودي مسؤول، والسعودية بحاجة إلى شريك أميركي يمكن الاعتماد عليه”.

يقول ستيفن كوك في حوار خاص أنه لا يتوقع أن تأخذ الأطراف المعنية بهذه التوصيات كما هي، “ولكننا أردنا أن ننبه من خطأ التعامل مع هذه العلاقات الثنائية الهامة كالمعتاد وكأن تطورات السنوات الماضية لم تحدث. ولذلك دعينا إلى اتخاذ خطوات طموحة واقتراح بداية جديدة تتطلب إجراءات صعبة من الطرفين”. ويضيف كوك “أردنا من هذه الدراسة أن نبدأ نقاشًا صريحًا ومفتوحًا في الولايات المتحدة وفي المنطقة حول متطلبات الحقبة الجديدة، بعد الحرب الأوكرانية، وما هي خطط الولايات المتحدة وحلفائها للتعامل مع إيران في حال انهيار مفاوضات فيينا النووية كليًا، وهو أمر محتمل جدا”.

ويشير ستيفن كوك إلى وجود عوامل ومعطيات عديدة يجب أن تتضافر لتقريب واشنطن والرياض من الدخول في مباحثات جدية وصريحة حول مثل هذا الميثاق الاستراتيجي المطلوب. ويرى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت ادارة الرئيس بايدن أو السعودية قد وصلتا إلى مرحلة الاستعداد لبحث شروط ومتطلبات مثل هذا الميثاق الجديد. ويتابع “أنظر إلى التطورات الأخيرة في إسرائيل (انهيار الائتلاف الحاكم)، هل هذه المرحلة الانتقالية ملائمة لاتخاذ اجراءات جدية تجاه الفلسطينيين، لتسهيل التفاوض مع السعودية؟” ويضيف، “نستطيع أن نتوقع ما سيقوله السعوديون لنا حول حقوق الانسان: لا نسمح لأحد لأن يقول لنا كيف ندير شؤوننا الداخلية. ولكن من الضروري بحث هذه القضايا بصراحة”.

ويرى برايان كاتوليس (Brian Katulis)، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط والعائد من زيارة للسعودية قام بها مع وفد من المعهد، أن زيارة بايدن سوف تؤدي إلى تعزيز التعاون الإقليمي بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وأن هناك إدراك في المنطقة حول ضرورة إنهاء الحرب في اليمن “التي أضعفت النظام الدولي في المنطقة”. ولكن كاتوليس لا يتوقع قرارات جذرية ترقى إلى مستوى بناء ميثاق استراتيجي جديد بين واشنطن والرياض لا من قبل إدارة الرئيس بايدن، ولا من قبل القيادة السعودية. ويشير في هذا السياق إلى النكسة السياسية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الصيف الماضي في أفغانستان، والتي أضعفت من مكانتها في المنطقة. ويرى أن السعودية سوف تتردد في التخلي عن خياراتها مع روسيا او الصين والاعتماد على ضمانات أميركية غير ملزمة قانونيًا.

ويلتقي الباحثان كاتوليس وكوك على القول أنه لا يوجد لدى الولايات المتحدة تصورًا واضحًا حول خياراتها السياسية والاستراتيجية تجاه إيران في حال الانهيار الكامل لمفاوضات فيينا النووية. كما يلتقيان على القول أن وجود مثل هذا التصور الأميركي هو شرط ضروري ومسبق لأي تعاون استراتيجي جديد مع حلفاء واشنطن في المنطقة لمواجهة ما تراه جميع هذه الأطراف “الخطر الإيراني المتنامي”.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,136,625

عدد الزوار: 6,936,352

المتواجدون الآن: 79