أزمة دبي: العثرات أمام الصكوك الاسلامية [2]

تاريخ الإضافة الإثنين 1 آذار 2010 - 5:13 ص    عدد الزيارات 1418    التعليقات 0

        

أزمة دبي: العثرات أمام الصكوك الاسلامية [2]
بقلم توفيق شنبور

 

العثرة الاولى: ضبابية حقوق اصحاب الصكوك

رأى البعض ان حقوق اصحاب الصكوك تأتي بعد حقوق اصحاب السندات في الإفلاس والتعثر باعتبارهم مالكين وليسوا بدائنين وذلك وفقا للمبادىء القانونية العامة، وايضا تعريف كل من مجمع الفقه الاسلامي وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية للصكوك والمدلول القانوني لهذا التعريف.
وهذا الرأي أفاد شركة نخيل الاماراتية إذ ساعدها بعد انتشار خبر امكان تعثرها في الضغط على اصحاب الصكوك قبل بداية التفاوض من أجل إعادة جدولة ديونها، فإما أن يقبل هؤلاء بالعرض المقدم ولو كان مجحفا لمصالحهم لأن صورتهم القانونية حسب العقد القانوني الذي يربطهم بالشركة هي انهم ليسوا بدائنين بل ملاك ولا حق لهم إلا ببيع ملكيتهم (اي صكوكهم او حصتهم المشاعة) لمن يرغب في شرائها، هذا ان وجدوا، كما لا يستطيعون تصفية أملاك الشركة والخروج من المشروع لأن هذا الأمر متروك لجمعية المساهمين حسب العقد الأساسي للشركة وهم سيُعاملون اي اصحاب الصكوك على كل حال كالمساهمين عند التصفية ولن تُعطى حقوقهم إلا بعد سداد جميع ديون دائني الشركة. وكل ذلك يعني أن الاشارة في عقد الصكوك الى ان وصف مشاركتهم بالملكية المشاعة للمشروع هو من قبيل الحماية لهم هو امرغير دقيق تماما لا بل يتضمن، باجتهاد معين، الغبن المنهي عنه شرعا والذي يمكن التأسيس عليه لامور كثيرة.
في المقابل رأى فريق آخر أن الصكوك هي في حقيقتها ديون وليست ملكية مما يعني ان حقوق اصحابها تبقى محفوظة مثل حقوق اصحاب السندات ويجب أن تسدد مستحقاتهم في كل حال قبل حقوق المساهمين وحجتهم في ذلك التالي:
1- أن الشركات المتمولة بالصكوك تحتسب جميع قيمة موجودات المشاريع المرتبطة بالصكوك ضمن موجوداتها دون اية اشارة الى أن هناك شريكا فيها هم اصحاب الصكوك.
2- أن الدفاتر المحاسبية لهذه الشركات تصنف اصحاب الصكوك بأنهم دائنون بمبالغ ثابتة لا تتغير بتغير قيمة الأصل المرتبطة به صكوكهم والمسجل في موجودات الشركة. وملكيتهم هي ملكية اسمية لعدم ارتفاع قيمتها أو انخفاضها بارتفاع قيمة المشروع الحقيقية أو انخفاضها فلا أثر لها في الربح، فيجب أن تكون كذلك في الخسارة، وصكوكهم قد تكون "مستندة" إلى أصول ولكن ذلك لا يعني أنها "مدعومة" بأصول محددة وهي، اي الصكوك، تشبه في خصائصها والمخاطر المحيطة بها السندات غير المضمونة للشركات، لذا فإن وضعهم الحقيقي هو كالدائنين اصحاب السندات الاخيرة.
جدير بالذكر ان اشكالية الوضع القانوني لاصحاب الصكوك وحقوقهم هي موضع تقويم قضائي في الولايات المتحدة الاميركية بعد أن تقدمت شركة الطاقة الأميركية "ايست كاميرون" بطلب لإشهار إفلاسها في شهر تشرين الاول من عام 2008، والامور في انتظار قرار القضاء بخصوص مصير اصحاب الصكوك التي اصدرتها الشركة بضمان ايرادات النفط. ورغبة المستثمرين هي في أن يصنف القضاء صكوكهم باعتبارها ديونا وليست أسهما مما يعطيهم الأولوية في الحصول على حقوقهم قبل المساهمين وتزداد فرصهم في استرداد أموالهم.
النقاش في حقوق اصحاب الصكوك عند تعثر المصدر دفع المعنيين بصناعة هذه الصكوك الى تقديم عدد من الاقتراحات اهمها التالية:
- مطالبة شركات التكافل إيجاد منتج تأميني يقدم تعويضاً ولو جزئياً لاصحاب الصكوك عند تعثر المصدرين على غرار المشتقات المالية المسماة Credit Default Swaps والتي توفر الحماية لاصحاب السندات التقليدية. والافكار المطروحة هنا عديدة منها:
• تأسيس تقليص مخاطر الصكوك على مبدأ التكافل على ان تدفع رسوم التكافل من قبل اصحاب الصكوك، باعتبار أنهم هم الطرف المؤمَّن عليه.
• تكليف شركات التكافل تقديم التأمين لأصحاب الصكوك، فتقوم بتقديم الدفعات السنوية الاسمية إلى اصحاب الصكوك، في حال هبطت هذه الدفعات دون مبلغ معين يتم الاتفاق عليه.
- اعتبار دفعات التأمين الإسلامي جزءاً من سعر المساهمة في إصدار الصكوك، أو شراؤها بصورة مستقلة.
- مطالبة جهات الإصدارالاشتراك في برنامج تأمين على الصكوك، وتُحَمَّل التكلفة على جهة الإصدار...
وقد رد على هذا الاقتراح بالتالي:
- أن المنتج التكافلي لن يكون قادرا على تقديم الضمان الكافي لبعض إصدارات الصكوك الضخمة التي يتعدى رأسمالها حتى شركة التكافل نفسها.
- ان هناك بعض التحفظات الشرعية عن استخدام التكافل في الصكوك، وجواز أو عدم جواز فرض رسوم مقابل الضمانة على العوائد.
- شراء عقد تأمين بحيث يتم تحويل خطر التعثر في السداد ونقله من صاحب الصك (المستثمر) إلى بائع عقد التأمين (مصرف أو شركة تأمين ). وصاحب الصك الذي يشتري عقد التأمين يحق له الحصول على القيمة الاسمية للصك من الجهة التي باعها عقد التأمين، وذلك في حالة تعثر الشركة المصدرة للسند عن دفع التزاماتها المالية لاصحاب الصكوك.
الرد على هذا الاقتراح كان التالي:
• أن هذه العقود هي التي ساهمت في اطاحة المجموعة الاميركية للتأمين AIG. وذلك عندما فشلت (كشركة ضامنة) في تغطية قيمة السندات والديون المتعثرة إبان أزمة الائتمان العالمية.
• ان هناك اجماعاً فقهياً في مخالفة عقود مبادلة المخاطرالأحكام الشرعية
- اصدار الصكوك مستقبلا بشكل اسهم تفضيلية يقدم لاصحابها ضمان قدر من الربح أو تقديمهم عند التصفية على المساهمين.
الرد على هذا الاقتراح هو ايضا عدم شرعيته بصريح نص قرار مجمع الفقه الاسلامي رقم 37 عام 1992 التالي نصه: لا يجوز إصدار أسهم ممتازة، لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح أو تقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح.
- اصدار الصكوك بشكل سندات مشاركة titres participatifs كتلك التي انشأتها الحكومة الفرنسية برئاسة السيد جاك دولور Jacques Delors في بداية الثمانينات كأداة تمويل طويلة الاجل للشركات التي تم تأميمها وذلك من خلال تعزيز الاموال الخاصة لهذه الشركات بدلا من اللجوء الى الاستدانة التي بدت متعذرة لهذه الشركات آنذاك كمظهر من مظاهر الرفض والعرقلة من قبل عدد من المراكز المالية المناهضة لعمليات التأميم. ويشير القانون الفرنسي المنشىء لهذه السندات الى انها قابلة للتداول ولا تمنح اصحابها اي حق في ادارة الشركة ولا تردّ قيمتها الاسمية الا بعد مدة يتم الاتفاق عليها لا تقل عن السبع سنوات، وعند تصفية الشركة بعد تلبية جميع الدائنين. وتنتج هذه السندات عائداً قسم منه ثابت على صورة فائدة (ليس واردا بالطبع وجوده في الصكوك الاسلامية المقترح انشاؤها على غرار سندات المشاركة الفرنسية) وقسم متحرك حسب نتيجة الاستثمار لا يزيد عن 40% من المبلغ الاساسي للسند. هذا ويتضمن القانون الفرنسي تفصيلات اضافية بخصوص اصدار سندات المشاركة مثل وجوب تحرير وثائقها ونشراتها باللغة الفرنسية، وبيان الوضع النظامي والمركز المالي للمصدر، ونشر تطور نشاطه المالي وتحديد ضمانات السندات عند وجودها وامور تفصيلية اخرى تنص عليها انظمة سلطة الاسواق المالية l\'Autorité des marchés financiers.
الرد على هذا الاقتراح كان تضمنه أمرين لا تقر بهما الشريعة: الفائدة وعدم جواز تقديم الشريك المدير اي ضمان على الاستثمار.
- تضمين وثائق الصكوك المصدرة احكاما تلزم مصدريها بضمانات متنوعة مثل إعادة الشراء أو بيع الأصول التي ترتكز عليها توطئة للتخارج المبكر أو تعزيز الأخيرة بأصول جديدة.
الرد على هذه الافكار كان ايضا بانها لا تستقيم مع مبدأ اساسي في الشريعة الاسلامية هو عدم شرعية تقديم المدين الضمان للدائن وللشريك ضد الخسارة.
عدم توصل النقاش في موضوع ضمان مصالح اصحاب الصكوك عند تعثر المصدر الى نتيجة حاسمة دفع المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات (أيسك) التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، الى دراسة فكرة تعديل انظمة عملها الحالية التي تركز على ضمان الهيئات السيادية، على نحو يمكنها من إنشاء صندوق يوفر الضمان المطلوب لاصحاب الصكوك المتداولة في الدول الإسلامية الأعضاء عند تعثر مصدري هذه الصكوك من الهيئات الخاصة. وهذا الامر يساعد المؤسسات على تسويق إصداراتها في الأسواق الأولية وتداولها في الأسواق الثانوية ويلبي حاجة المصارف للسيطرة على مخاطر السيولة ويطلق الصكوك كأداة تمويل لمشاريع التنمية خصوصا في الدول والشركات التي يمنعها تصنيفها من ولوج اسواق المال.

 

العثرة الثانية: ازدواجية الاحكام التي ترعى اصدار الصكوك وتنفيذ القرارات القضائية الصادرة بالنزاعات المتعلقة بها
 

تتضمن وثائق عدد كبير من الصكوك المصدرة نصا يقضي بتوافقها مع الشريعة الاسلامية وبخضوعها في الوقت ذاته لقانون البلد الذي تقرر تنظيمها فيه او تسويقها منه، وهو غالبا القانون الإنكليزي، كما هو الامر بالنسبة لصكوك نخيل. وهذا الواقع يثير اشكاليات عدة مثل: ما الحل عند وجود تعارض بين الشريعة والقانون في مسألة ما تخص الصك؟ وهل يحق للقاضي الاجنبي بناء احكامه على اعتبارات تقتضيها الشريعة؟ وما المقصود بالشريعة الاسلامية على وجه التحديد بالنسبة للقاضي الاجنبي؟ ان المستثمرين مضطرون في جميع الاحوال للذهاب إلى محاكم محلية حتى ولو حكم قاض اجنبي لمصلحتهم والمشكلة هنا غياب الاتفاقات الخاصة بتنفيذ الاحكام القضائية الاجنبية بين الدول التي ينتشر فيها التعامل بالصكوك والدول التي يمكن ان تصدر فيها هذه الاحكام.
صكوك نخيل أثارت اشكاليات اضافية منها: امكان الزام الطرف الذي يريد الإدعاء قضائيا على كيان تديره او تملكه الحكومة بإذن من الحكومة نفسها؟ امكان تطبيق اي أحكام قضائية قد تصدر وتتعلق بممتلكات تعود إلى الحكومة (أو الأسرة الحاكمة) كالحجز او نزع الملكية وتحويلها الى اجانب والبيع في المزاد العلني؟
 

العثرة الثالثة: سقوط الفكرة القائلة ان العمليات المنظمة وفقا للاصول الشرعية هي بالضرورة عمليات مربحة على الدوام
 

 فقد أثبتت أزمة دبي المالية الامرين التاليين:
1- أن المؤسسات التي لا تتعامل بالفائدة او تتعامل بهيكليات مالية موافق عليها من قبل هيئاتها الشرعية شأنها كتلك التي تتعامل بالفائدة وبهيكليات مالية مرتبطة بالفائدة، عرضة للركود الاقتصادي ولعمليات التصحيح خصوصا عندما يكون هناك نوع من التركيز والاستثمار المفرط في قطاع معين (وهو القطاع ذاته اي العقار في السندات الاميركية والصكوك الاسلامية لدبي).
فالسبب الحقيقي وراء عجز نخيل عن خدمة ديونها لم يكن عائداً إلى أن هذه الديون كانت على شكل صكوك، وإنما لأنها كانت قائمة على فقاعة العقارات وتتعلق بمشاريع فرعونية مشكوك في جدواها الاقتصادية والنتيجة ذاتها كانت ستحصل لو أن صكوك نخيل كانت ايضا على شكل سندات تقليدية.
من هنا استنتج البعض ان موضوع الفائدة قد لا يكون وحده السبيل الصحيح لطرح خصوصية الاسلام في حل المشكلات الاقتصادية. وهذا الامر ينطبق على التسميات التي تعتمد ومنها المصرف الاسلامي وغيره... بل يتعين اسناد النظرية الاقتصادية الاسلامية الى ركائز اعم واشمل وهذا ما يلمح اليه باستمرار عدد من اصحاب العقول النيرة ومنهم عدد من المستشرقين.
2- ان المخاطر واسبابها كانت، في وجه من الوجوه، واحدة في السندات الربوية التي تعثرت في الولايات المتحدة والصكوك الإسلامية المصدرة من الشركات التابعة لامارة دبي، وتتلخص في التدخل الحكومي لتوسيع دائرة التمويل والانحراف في عمليات تقويم المخاطر وعدم قدرة المدين على الدفع في الحالتين بعد انفجار الفقاعة خلافا للتوقعات.
ففي الولايات المتحدة كان هناك تدخل حكومي ضغط، لاسباب انتخابية، على المصارف لتوفير التمويل الرخيص لأصحاب الملاءات الضعيفة لشراء بيوت لا يمكنهم الحصول عليها وهذا التدخل حصل في دبي بشكل مختلف من طريق إنشاء شركات حكومية توحي بأنها مدعومة من الحكومة الامر الذي وفر لها سبل الحصول على المال الرخيص لمشاريع عقارية عملاقة بما في ذلك من خلال تضخيم سوق الصكوك الاسلامية.
وفي الحالتين كان هناك انحراف في عملية تقويم المخاطر من قبل وكالات التقويم: فبالنسبة للسندات الاميركية عدم فهمها لحقيقة المخاطر المرتبطة بعناصر متغيرة، وعدم اهتمامها بمتابعة تقويم العوارض واخطار السوق، واهمالها مخاطر السيولة ومخاطر العدوى كما اهمالها تقويمات الفئات المتنوعة لسندات التسنيد وسقوطها في مستنقع تضارب المصالح حيث كان لها دور في قرار الاقراض وفي تسويق سنداته؛ وبالنسبة للصكوك الاسلامية حصل التقويم ليس على اساس مخاطرها بل على أساس صدقية مصدّر الصكوك والجهات "الداعمة" دون تمحيص في أن "دعم" هذه الجهات لا يعني بالضرورة "تقديم الضمان" بالمفهوم القانوني حسب تعبير المسؤولين في امارة دبي!.
لقد عرضت احدى الدراسات الاجنبية لعوامل الضعف في تقويم مخاطر العمليات والادوات المنفذة او المصدرة وفقا للشريعة فعددت عناوينها كالتالي:
- غياب ثقافة المخاطربسبب غياب او ضعف الروادع التنظيمة وتدابير المراقبة بشكل عام.
- تركزها على قطاعي العقار والتشييد الخاضعين للتقلبات.
- ضعف اداء الهيئات الشرعية في ابداء الرأي بشأن بعض الهيكليات وتركيزها على المستلزمات الشرعية التقليدية.
- عدم وجود اطمئنان قانوني بسبب غياب التشريعات التي يتطلبها اعتماد الشريعة وغياب السوابق القضائية في حل النزاعات الخاصة بالعمليات والادوات المنفذة او المصدرة وفقا للشريعة.
-  عدم اعتماد نماذج عمل للادوات المالية المستعملة لإدارة السيولة.
-  الخلاف الفقهي، الحاد احيانا، بشأن ادوات ادارة المخاطر( فقهاء المذهب المالكي السائد في جنوبي آسيا يقبلون هذه الادوات بشكل عام بعكس فقهاء المذاهب الاخرى الذين يتحفظون عنها).
 


(خبير مصرفي)  

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,086,557

عدد الزوار: 6,934,204

المتواجدون الآن: 94