إيمانويل ماكرون... الوعود عندما تسلك الطريق المسدود..

تاريخ الإضافة الأربعاء 26 كانون الأول 2018 - 6:52 ص    عدد الزيارات 740    التعليقات 0

        

إيمانويل ماكرون... الوعود عندما تسلك الطريق المسدود..

الشرق الاوسط...بيروت: أنطوان الحاج.. "كيف يمكنك أن تحكم بلداً فيه 258 نوعاً من الجبنة؟". هذا ما قاله الرئيس الفرنسي التاريخي الجنرال شارل ديغول. "فرنسا بلد غير قابل للإصلاح ولا نقترح إصلاحه، بل إجراء تغيير كامل". هذا ما قاله الرئيس الفرنسي "العصري والمعاصر" إيمانويل ماكرون عندما كان مرشّحاً للرئاسة.
ماذا حصل ويحصل الآن؟
هو ضيق عام وتذمّر عميم من شعب لا يمكن حكمه، كما قيل، وعودة على عجل إلى الواقعية من رئيس وعد بالتغيير الكامل قبل أن يجري انعطافة جذرية ليهدّئ الغاضبين.
لماذا قال ماكرون إن فرنسا بلد غير قابل للإصلاح؟
عندما تولّى الرئيس الشاب المسؤولية الأولى في مايو (أيار) 2017، هلّل الفرنسيون لمن سيضع بلادهم على طريق التعافي من أزمة عميقة تراكمت على مرّ العقود وسارت على خطين متوازيين لا يلتقيان، ففيما كانت فرنسا وأوروبا تشيخان والقوّة الاقتصادية العالمية تتوزّع بين أميركا الشمالية والشرق الأقصى، كانت متطلبات الرفاهية عند الفرنسيين تزداد، وبالتالي تتوسّع التقديمات الاجتماعية المكلفة التي لا قدرة للدولة على تحمّل أعبائها. لم تبدأ المشكلة في أمس قريب إذاً، بل أقلّه منذ ما قبل بداية الحكم المديد للرئيس جاك شيراك (1995 – 2007) الذي يُعتبر من الطاقم السياسي القديم ولم يكن يعوَّل عليه للقيام بتغيير جذري. ثم جاء نيكولا ساركوزي ليشغل كرسيّ الرئاسة في قصر الإليزيه مسلحاً برصيد إيجابي من الفترة التي تولّى فيها وزارة الداخلية وأثبت جدارة وشجاعة في التصدّي للمشكلات. غير أنه خيّب الآمال واكتفى بإدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ليخرج من الحكم عام 2012 بشعبية متدنّية، وينفتح الباب أمام عودة الحزب الاشتراكي وتولّي فرنسوا هولاند سدّة الرئاسة. لم تمرّ أشهر على رئاسة هولاند حتى انهارت آمال الفرنسيين، وتبيّن أن الرئيس لن يستطيع شيئاً. وأدّت سياسته الضريبية إلى انخفاض القدرة الشرائية وخصوصاً في صفوف الطبقة الوسطى، بما يناقض تماماً وعوده الانتخابية، ومنها وعده بخفض البطالة التي ارتفعت وشملت في نهاية عهده 5 ملايين و500 ألف شخص. في النهاية، خسر هولاند اليسار الذي خرج من رحمه السياسي ولم يربح اليمين، وأضاع في خضمّ تخبّطه الدعم الشعبي. كيف لا وولاية الخمس سنوات انتهت بتدهور الأداء الاقتصادي الفرنسي. وعلى سبيل المثال، تجاوز العجز التجاري عام 2016 مبلغ 48 مليار يورو، بينما حققت الجارة ألمانيا في العام نفسه فائضا قياسيا بلغ 252.6 مليار يورو... لم يكلّف هولاند نفسه عناء الترشّح لولاية جديدة، وعلى موجة الوعد بالإصلاح والنهوض و"الكفر" بالطبقة السياسية كلّها ركب إيمانويل ماكرون الذي أطاح مرشّحي اليمين واليسار وفاز بالرئاسة متغلباً على زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية مارين لوبن بسهولة في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو 2017، إذ نال 66.1 في المائة من أصوات المقترعين، مقابل 33.9 لمنافسته. هكذا دخل المصرفيّ الذي سبق أن انتمى إلى "حركة المواطنين" اليسارية والحزب الاشتراكي، وشغل منصب الأمين العام المساعد لرئاسة الجمهورية ومنصب وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي في عهد هولاند، إلى قصر الإليزيه حاملاً وكالة "قانونية" متينة، ومكلفاً من الشعب القيام بمهمة التغيير بما أنه هو نفسه أقرّ باستحالة الإصلاح...
*المهمات الصعبة
كانت أمام الرئيس الجديد تحدّيات عدة، أولها في الترتيب الزمني إعادة توحيد فرنسا المنقسمة بين الجزء المزدهر المتركّز في المدن والمناطق الريفية الغنية، والجزء المتعثّر والمحروم المتركّز في الشمال ومناطق ريفية فقيرة، مع الإشارة إلى أن الجزء الثاني هذا هو الذي أيّد عموماً مارين لوبن. وفي مشهد بات راسخاً في العالم، كان على ماكرون أيضاً مواجهة الإرهاب الذي لا ينفكّ يضرب في فرنسا بين الحين والآخر، ويكون في الغالب مرتكباً بأيدي أشخاص ولدوا في فرنسا لمهاجرين، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة عن مدى اندماجهم في المجتمع وأسباب فشل ذلك. ومن المهمات الصعبة التي أصرّ عليها الرجل تحديث الاتحاد الأوروبي وجعله وحدة متماسكة تستطيع مواجهة المستقبل بثبات، خصوصاً بعد خروج بريطانيا من العائلة الأوروبية. قبل التطرّق إلى التحدّي الأكبر، يجدر القول إن إيمانويل ماكرون لم ينجح في كل ما سبق. فهو لم يوحّد الفرنسين إلا وقتاً وجيزاً، ولم يقض بطبيعة الحال على الإرهاب الذي كان له جولة مدوّية في ستراسبورغ أخيراً. أما في الساحة الأوروبية فالأمور ليست على ما يرام على الإطلاق: الشريك الألماني السليم اقتصادياً عليل سياسياً، ومسألة خروج بريطانيا باتت تشبه مأساة اغريقية في فصولها وتداعياتها المرتقبة، واي محاولة جريئة لتمتين الكيان الأووبي تصطدم بغضب الحلفاء قبل الخصوم. ويكفي أن نذكر هنا كيف أغضبت دعوة ماكرون إلى إنشاء جيش أوروبي الحليف الأميركي... وفوق هذا كله يبقى الهمّ الاقتصادي على المستوى الأوروبي كبيراً، فالتعافي من الأزمة السابقة (2008 – 2010) لم يكن تاماً، والنمو الاقتصادي ليس كافياً، والعلاقات التجارية بين ضفّتي الأطلسي تواجه عقبات كبيرة.
*التحدّي الأكبر
كان على مؤسس حزب "إلى الأمام!" الذي غُيّر اسمه بمجرد فوزه إلى "الجمهورية إلى الأمام!"، إصلاح سوق العمل الذي يشهد بطالة متضخمة في فرنسا تلامس منذ سنوات نسبة 10 في المائة من القوة العاملة، مقابل معدّل وسطي في الاتحاد الأوروبي يبلغ 8 في المائة، و3.8 في المائة في ألمانيا. ما السبيل إلى خفض البطالة في مجتمع مكلف؟ ففي العام 2016 مثلاً دفعت الدولة الفرنسية 714 مليار يورو تقديمات اجتماعية، علماً أن معظم هذه الأموال تنفق على معاشات التقاعد والرعاية الصحية بنسبة 81 في المائة من الفاتورة (578 ملياراً). تأتي بعد ذلك الإعانات العائلية بنسبة 7.56 في المائة (54 ملياراً)، وإعانات البطالة بنسبة 6.16 في المائة (44 ملياراً)، ومساعدات الإسكان 2.52 في المائة (18 ملياراً)، وإعانات لمكافحة الفقر بنسبة 3.08 في المائة أو 22 مليار يورو. هكذا تكرّس فرنسا أكثر من 30 في المائة من ثروتها الوطنية للحماية الاجتماعية، مقابل 28 في المائة في المتوسط في الاتحاد الأوروبي. وهي بذلك تتصدّر قائمة الترتيب مع الدنمارك وفنلندا. هل يمكن الإصلاح من دون رفع الضرائب في بلاد العبء الضريبي فيها مرتفع، بل هو الأعلى في الاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن الإصلاح من دون خفض الإنفاق الاجتماعي لتخفيف الأثقال الملقاة على المالية العامة؟ حاول ماكرون فرض ضريبة على المحروقات تعزيزاً لوضع الخزينة من جهة وسعياً إلى تحقيق "الانتقال البيئي" من استهلاك الوقود الأحفوري الملوِّث إلى مصادر بديلة للطاقة، فكانت حركة "السترات الصفراء" التي لم تنتهِ فصولاً بعد، بل انتقلت إلى بلدان أخرى حتى صار لها اسم آخر هو "الحمّى الصفراء" بما يعنيه من مرض وعدوى... وبعد أكثر من شهر من الاضطرابات التي أودت بعشرة أشخاص في أنحاء فرنسا، اضطر ماكرون وأركان حكمه إلى التراجع، وإقرار قانون على عجل يقدّم المزيد للناس بكلفة 10 مليارات يورو. فكيف السبيل إلى الإصلاح إذاً من دون إيلام؟ إذ يبدو أن الفرنسيين غير مستعدّين لتحمّل ذرّة من ألم على طريق الانتقال من حال الركود إلى حال النهوض. والمؤكد أن تأجيل "الجراحة الإصلاحية" لا يؤدي إلا إلى تفاقم الحالة المرضية وتضاؤل فرص الشفاء. لقد آلمت مارغريت ثاتشر البريطانيين في الثمانينات، لكنهم تحمّلوا ونقلوا بلادهم صعوداً على درجات السلّم الاقتصادي... وكذلك فعل هلموت كول في ألمانيا بعد التوحيد، ونجح. أما في فرنسا فلم يجرؤ أحد على حمل المبضع، إلا ماكرون، غير أنه ما لبث أن وضعه بعد أول خطوة لاستخدامه...
ماذا يبقى لرئيس اضطر لتهدئة الناس وكيف يمكنه مواصلة حكمه مدركاً أنه سيواجه احتجاجات وانتفاضات كلما لمس "المريض"... وصف وزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش فرنسا أخيراً بأنها "رجل أوروبا المريض". ربما كان هذا الوصف صحيحاً، ولكن جزئياً لأنه ينطبق على أوروبا كلها، أوروبا الهرمة التي ترى أن ركيزتيها الألمانية والفرنسية مهتزّتان، وظهيرتها البريطانية تبتعد عنها...
إنه العالم القديم يضطرب مجدداً، وينذر بإطلاق ارتدادات يجب أن يكون لها بحث آخر...

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,159,424

عدد الزوار: 6,757,929

المتواجدون الآن: 140