التأثير الاقتصادي للتفجرات العربية

تاريخ الإضافة الإثنين 28 آذار 2011 - 7:51 ص    عدد الزيارات 1283    التعليقات 0

        


 

التأثير الاقتصادي للتفجرات العربية

- بقلم مروان اسكندر

عام 1948 ولأسباب متنوعة ومتعددة فشلت الجيوش العربية في السيطرة على القوى الصهيونية ونزح عن فلسطين مئات الآلاف من العائلات، ووسع المستوطنون اليهود مناطق سيطرتهم.
لقد شكلت هذه الكارثة العسكرية والمعنوية الدافع الاول للانقلابات العسكرية بدءاً من سوريا ومن ثم مصر والعراق فليبيا الخ.  
الحكام العرب من العسكريين برروا تسلطهم على الحكم والاستمرار في تسيير شؤون البلاد الخاضعة لسيطرتهم بنية التصدي لإسرائيل، وفي الحقيقة لم يتصدّ لإسرائيل سوى عبد الناصر، واخفق في حروبه وخسر مساحات شاسعة من وطنه، بما فيها استعمال قناة السويس. وسوريا والاردن شاركتا عبد الناصر في حرب الـ67 فواجهتا خسائر كبيرة منها القدس الشرقية والجولان.
ادعاء حفظ قضية فلسطين وتسخير الشعوب العربية لارادة العسكر استمر بقوة وحماسة حتى حرب 1967 وبعد ذلك التاريخ تبخر الاقتناع بتوجهات الحكام من العسكريين لاستهداف تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية. لكن الافكار وبرامج غسل الدماغ لا يزول مفعولها بين يوم وآخر، واستمرت المطالب العربية للشعوب قومية ووطنية في المقام الاول، علماً بان مستوجبات الانماء ورعاية الشعوب اهملت وصار الهم الاكبر للحكام حماية انظمتهم وموقعهم فيها.
التموجات الاخيرة أظهرت ان اسطورة التصدي للحكام المحميين بالعسكر باتت من الماضي في وجدان الشعوب العربية.
المطالب التي عبر عنها المتظاهرون ضد حكامهم في تونس ومصر، وليبيا، وسوريا والاردن واليمن تمحورت على تعزيز أسس الديموقراطية وفرضها، حفظ الحريات، إلغاء حال الطوارىء، ضبط الفساد المالي والإداري، تحقيق النمو من اجل تأمين فرص العمل. وهذه المطالب المستمرة تعبر عن تغيير جذري في نسيج الشعوب المعنية. فالشباب دون الـ25 من العمر يشكلون غالبية سكان البلدان التي شهدت موجات الاحتجاج والتغيير.
وجيل الشباب يريد إلغاء السيطرة الفردية والحزبية التي كانت تبرر بكذبة كبرى هي التصدي لحل قضية فلسطين وتحصيل حقوق الفلسطينيين.
الشباب العرب الذين ضجروا من ادعاءات زعمائهم المتربعين على عروش السلطة والغائبين كلياً عن آمال الشباب وتطلعاتهم، ارادوا تحويل أنظمة الحكم القائمة نحو الاهداف التي يريدون التمسك بها وهي تدور أولاً واخيراً حول صون الحريات والافساح في مجال المشاركة الحقيقية في الخيارات السياسية، وانفتاح آفاق العلم والعمل.
الانتفاضات الشعبية التي شهدناها رمت ولا تزال الى تحقيق اهداف معيشية على صعيد الكسب وحرية العمل والرأي وهي تمثل بالفعل تغييراً حقيقياً وجذرياً في أسس الحكم في العالم العربي. وهذه التطلعات تتناقض مع نزعات الحكم الشخصاني والأوتوقراطي، والعقيد القذافي، صاحب الكتب الفلسفية الاقتصادية، لم يتفهم حتى تاريخه طبيعة الرفض لنظامه وشخصه، وهو لن يستطيع الاستمرار الا زعيماً على جيش صغير من المرتزقة يعتاشون من ثروة قد تتبقى له.
النظرة الجديدة الى الحكم والحكام لها تأثيراتها الاقتصادية على البلدان المعنية، وهذه التأثيرات تتفاوت بين الدول المعنية. فحيث كان هنالك قتال متوسع كما هو الحال في ليبيا سجلت التكاليف الاقتصادية ارتفاعاً صاروخياً، وحيث كانت هنالك اعتصامات سلمية انما معبرة عن مطالب شعبية كما كان الحال في تونس ومن ثم في مصر، كانت هنالك خسائر انتاجية على فترة شهر أو أكثر كان خلالها المتظاهرون منصرفين عن العمل ومشاركين في التعبير عن الموقف الجديد من الحكم والحكام. وحيث ان غالبية المصريين والتونسيين كانت تترقب نتيجة الاحتجاجات والاعتصامات، ربما انحسر النمو في البلدين بنسبة 20 في المئة عما كان من الممكن تحقيقه.
بكلام آخر، ولتوضيح الصورة،  لو افترضنا ان معدل النمو كان على مستوى خمسة في المئة في مصر او تونس، فمن المؤكد ان الفوران الشعبي سيؤدي الى انخفاض هذه النسبة الى 4 في المئة.
في المقابل، هنالك منافع اكيدة من نتائج التحرك في مصر وتونس الذي أدى الى تغيير رؤوس النظام وهيكلية الحكم.
من جهة أولى مواقع السيطرة الاحتكارية لزمرة الحلقات المحظوظة برعاية الحكام وعائلاتهم يفترض ان تلغى سيطرتها وتالياً ان تتوسع فرص العمل والمنافسة لآلاف الشباب والشابات. والغاء السيطرة يفسح في مجال الاستثمار والمبادرة وفي حال استقرار الاوضاع في البلدين خلال شهرين يمكن تعويض خسارة الانتاج.
وزوال احتكار السلطة يعني الانفتاح على التفاعل مع التطورات المعاصرة في العالم ككل، وربما تحقيق اختراقات ابتكارية كما هو الوضع في الهند في مجالات برامج المعلوماتية والاتصالات، والمنتجات الضرورية والمتطورة للاستفادة من الابتكارات التقنية. ومعلوم ان الهند خلال عشر سنين حققت قفزة كبيرة لـ300 مليون هندي من الفقر الى مستويات الفئات المتوسطة الدخل في البلدان الصناعية. وللتذكير فقط نشير الى ان سكان مصر وتونس وليبيا وسوريا والاردن وحتى لو شملنا العراق يبلغ عددهم نحو 150 مليوناً أي أقل من نصف عدد الهنود الذين حققوا كفاية اقتصادية واجتماعية جيدة خلال عشر سنين. والهند بلد الـ1،2 مليار نسمة تتميز بانها تتمسك بقوة بنظام ديموقراطي لتسيير حياة المواطنين.
زوال تسلط الحكام العرب يعني فتح أبواب المحاسبة سواء على ممارسات كبح الحريات والتعذيب أم على نهب الاموال وإساءة الامانة. ومعلوم ان تقدير ثروة عائلة أي زعيم والمقربين منه أمر صعب، كما ان تحصيل ومحاصرة هذه الثروة عملية تستوجب خبرات وتكاليف كبيرة، ومع ذلك يمكن القول إن الثورة التونسية ستؤدي الى استعادة مليارين الى ثلاثة مليارات دولار من الحسابات والاملاك الخاصة بالعائلة، اما في مصر فستكون الحصيلة أكبر، وخصوصاً ان هنالك حلقة ملحوظة من المستفيدين باتت تحت الرقابة والمنع من السفر. وبعضهم أعاد أموالاً وذهباً بما يساوي 150 مليون دولار.
تقدير استعادة الاموال في مصر ربما تمحور على رقم يراوح بين 15 ملياراً و25 مليار دولار وهذا رقم كبير حتى لبلد يبلغ عدد سكانه 80 مليون نسمة. لكن الثروة الكبرى هي في أيدي معمر القذافي، وسيف الاسلام، وشقيقيه وشقيقته ولهؤلاء استثمارات ملحوظة في شركات ومؤسسات كبيرة في اوروبا. وهذه الاستثمارات يمكن تجميدها لمصلحة أي حكم تمثيلي قد يتحقق في ليبيا، وهنالك حسابات نقدية كبيرة لعائلة القذافي. فصندوق الاستثمار الليبي الذي كان يستفيد من خبرة مصرفيين يهود كبار كاللورد روتشيلد، ربما امكن استعادة موجوداته، بعد انتقاصها بنسبة ملحوظة لضرائب سيدعى انها مستحقة وتكاليف محامين ومحاسبين وقضاة الخ.
الثروة الليبية الاستثمارية والنقدية المقدرة بـ100 مليار دولار قد يترصد منها 50-60 ملياراً، والسؤال الى متى ولمن؟ فاستمرار المواجهات يتآكل الموارد كما يتآكل ربما صدقية من يدعي مسؤولية الحكم على البلد او بعضاً منه، وحينئذٍ السؤال هو هل تحوز فئة تحكم جزءاً من البلد حق استعادة ثروة الحكم السابق أم لا؟ وهل يخسر القذافي السلطة على كامل الاراضي الليبية أم لا؟
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,144,013

عدد الزوار: 6,756,865

المتواجدون الآن: 126