هل يقع «سقف الدين» الأميركي على رأس الاقتصاد العالمي؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 20 تموز 2011 - 7:39 ص    عدد الزيارات 1329    التعليقات 0

        

مازن السيد
مرة أخرى، يقبع العالم رهينة بين يدي مسلسل أميركي بحبكة معقدة، من نوع الدراما الثقيلة الظلّ: «سقف الدين الأميركي». وفيما تدور أحداث رقصة سياسية مملّة بين الإدارة الديموقراطية وخصومها الجمهوريين، حول سبل تفادي عجز الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية في 2 آب المقبل، تشهد الأسواق العالمية توترا حادّا ينبئ بتبعات كارثية على الاقتصاد العالمي، في ظلّ أزمة مالية أوروبية عميقة، زادت من حدّتها نتائج فحوص مقاومة المصارف الأسبوع الماضي.
«سقف الدين» والسجال الأميركي
ينسب إلى رجل الاعمال الأميركي هنري فورد الذي لعب دورا أساسيا في تحولات نمط الانتاج الرأسمالي في الدول الصناعية خلال النصف الاول من القرن العشرين، قوله «من حسن الحظ ان الشعب لا يفهم نظامنا المصرفي والمالي، لأنه لو فهم، فستقوم ثورة قبل صباح الغد». وعلى ضوء هذه المقولة، يجدر التساؤل عن معنى هذا المصطلح المالي الذي تتداوله وسائل الإعلام منذ فترة ليست بوجيزة: ما هو سقف الدين؟ وكيف من المعقول أن يتأثر الواقع الاقتصادي، بقرار ورقيّ من الأجهزة التشريعية حول رفع قيمة نظرية للحد الأقصى للدين؟
«سقف الدين»، هو الحدّ القانوني لقدرات الحكومة الفدرالية الأميركية على الاستدانة. قبل العام 1917، كان من الضروري الحصول على موافقة الكونغرس، ازاء كل عملية استدانة تقوم بها الحكومة. لكن، وبغية تحقيق مرونة أكبر في القرارات المالية إبان دخول واشنطن الحرب العالمية الاولى، وافق النواب على منح الحكومة موافقة مفتوحة على الاستدانة، طالما لا يتخطى حجمها «السقف» المحدّد. ومنذ إقرار هذه الآلية، تجاوز الدين الفدرالي الأميركي مرات عديدة السقف المحدد، لكن الكونغرس كان يوافق كل مرة على رفع هذا السقف لتمكين الحكومة من الحصول على مزيد من الديون. وقد تم رفع سقف الدين الأميركي حوالي 100 مرة منذ العام 1917، ليرتفع من تريليون دولار في الثمانينيات إلى 6 تريليونات في التسعينيات، إلى السقف الحالي الذي أقرّ عند 14,3 تريليون دولار في شباط 2010.
في 16 أيار الماضي، تخطى الدين الاميركي السقف المسموح، وتمكنت الحكومة بحسب وزير الخزانة تيموثي غايتنر منذ حينها، من تفادي العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية «نتيجة عائدات ضريبية مرتفعة، وبعض المناورات في العمليات المالية الوزارية». لكن أفق الثاني من آب المقبل، قد حدّد كموعد استحقاق للالتزامات المالية للحكومة، لن تتمكن بعده من تفادي العجز في ظل «سقف الدين» الحالي.
وإذا رفض الكونغرس رفع هذا السقف، في سابقة تاريخية، لن تتوافر الأموال اللازمة لدفع الفواتير (الرواتب، المساعدات، الانفاق العسكري، الخ...). وكما يؤكد رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي بن برنانكي، سيكون من شأن هذا العجز الأميركي أن يطلق انكماشا اقتصاديا هائلا (تراجع حوالي 2 في المئة كل 3 أشهر)، على المستويين الأميركي والعالمي. إضافة إلى ذلك، سيكون لتراجع الثقة في الاقتصاد الأميركي داخل الأسواق العالمية، تأثير بدأت ملامحه تظهر مع تهديد وكالات التصنيف الائتماني بتخفيض تقييمها للدين السيادي الأميركي، وتراجع مؤشرات البورصات العالمية، الذي يتزامن مع توجه العملاء نحو الطلب على «القيم الثابتة» كالذهب والفرنك السويسري.
ويتفق طرفا الحكم الاميركي، جمهوريون وديموقراطيون، على أن إعلان العجز الأميركي سيطلق كارثة اقتصادية، لكن المواجهة تأخذ منحى سياسيا على خلفية السباق الانتخابي في العام 2012. الجمهوريون، الذين يسيطرون على مجلس النواب، يرفضون خطة الرئيس باراك اوباما، لرفع سقف الدين، مقابل خفض الانفاق الحكومي ورفع مستوى الضرائب، ويطالبون بتخفيضات كبرى في الانفاق، من دون رفع لمستوى الضرائب، كما يسعون لإقرار قانون يجبر الحكومة مستقبلا على وضع ميزانيات لا يتجاوز الانفاق فيها عائدات الدولة. ومنذ أسابيع تراوح المفاوضات مكانها. لكن، وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، تتخذ خطة يعدها زعيما الديموقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ، هاري ريد وميتش ماكونيل، دفعا إضافيا.
تقوم هذه الخطة، التي تحاول خرق الجمود الخطير في مركز القرار الاميركي، على إقرار رفع سقف الدين الأميركي، مقابل خطة لخفض الدين السيادي ب1,5 تريليون دولار خلال الأعوام العشرة المقبلة. ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى صيغة ما من هذه الخطة خلال الأسبوع الحالي. لكن السؤال الذي يحمل مدلولات اقتصادية كبيرة هو: لماذا يطول النقاش حول رفع سقف الدين هذه المرة، بعكس العقود الماضية؟ ألأسباب تنافس انتخابي بحتة؟ أم أن المعادلة الاقتصادية نفسها للدين الأميركي، أصبحت من الخطورة بدرجة يصبح من الضروري عندها إعادة النظر في الممارسات الاقتصادية والمالية بمجملها؟
هل يكفي؟
وبالنظر إلى نسبة الدين الحكومي الأميركي من إجمالي الناتج المحلي، نجدها قد وصلت حاليا إلى مستويات (حوالي 102 في المئة) لم تصلها منذ القرن التاسع عشر إلا خلال الحرب العالمية الثانية. ويقول المحلل الاقتصادي الأميركي ديفيد هونكار إنه «في الماضي كان الاقتصاد الأميركي يشهد نموا بعد الحروب، أما في الوضع الحالي فيشهد الاقتصاد انكماشا مع تورط الولايات المتحدة في حروب عديدة، من دون أفق».
وفي الأيام الأخيرة، كثرت الأصوات التي تشير إلى ضخامة الازمة الاقتصادية الأميركية، وتبعاتها العالمية، حتى لو قام الكونغرس بخطوة مرجحة في رفع سقف الدين. وتقول وكالة «داغونغ» الصينية للتصنيف الائتماني «إنه من المرجح تخفيض علامة الدين السيادي الأميركي بغض النظر عن توصل الكونغرس إلى اتفاق حول رفع سقف الدين. إذا رفع السقف، وتواصل الدين العام في الارتفاع، سيضرّ ذلك كثيرا بقدرة اميركا على تسديد ديونها»، وتضيف الوكالة «رفع السقف ليس سوى اجراء تشريعي يسمح للحكومة بمزيد من الاستدانة، لكنه لا يغير واقع أن أميركا ينقصها الدفع لتحقيق نمو اقتصادي».
من جهته، يقول مدير الاستثمارات لدى مؤسسة «ايمرجنت أسيت ماناجمنت» البريطانية ديفيد مورين، لقناة «سي ان بي سي» الأميركية إنه «من المحتم أن تعجز أميركا عن السداد، إنها امبراطورية توسعت أكثر من قدرتها وتشهد انحسارها ومعها نظامها المالي... المسألة ليست إذا ما كان العجز الأميركي مقبلا، بل متى»، موضحا أن القضية تقوم على سيناريوهين مختلفين للعجز: هل ستدخل أميركا في العجز مجبرة من العالم الخارجي، وخاصة الصين (التي تحمل 25,8 في المئة من الدين الخارجي الأميركي)؟ أم ستختار العجز بشروطها الداخلية، بشكل يعطيها مساحة استراتيجية إضافية؟
اما مدير وكالة «ستاندارد اند بورز» للتصنيف الائتماني جون شامبرز، فيقول إنه «حتى لو توصل الطرفان الأميركيان إلى رفع سقف الدين، لن يكون هذا كافيا لمنع خفض تصنيف الدين السيادي الأميركي»، موضحا أن على أميركا وضع خطة لخفض العجز الأميركي بحوالي 4 تريليونات دولار خلال الأعوام العشرة المقبلة، ما يتخطى ب3 أضعاف القيمة التي يدور النقاش حولها حاليا بين الكونغرس والبيت الأبيض.
من الواضح إذن، أن هناك اتجاها تشاؤميا في الأسواق حيال الأزمة الاقتصادية الاميركية، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتفاع في نسب الفائدة في الأسواق المالية، وفي نسب التامين على القروض، إضافة إلى إرباك البورصات العالمية المربكة أصلا نتيجة الواقع الأوروبي المتأزم.
أوروبا «العاجزة»
وقد تراجعت أمس، الأسهم الأوروبية مواصلة خسائر الأسبوع الماضي مع تعرض أسهم البنوك لضربات جديدة في أولى جلسات التداول بعد إعلان نتائج اختبارات لرؤوس الأموال حظيت بضجة كبيرة لكنها لم تبدد المخاوف بشأن تأثير أزمة الديون الإقليمية. وجاء إخفاق ثمانية بنوك صغيرة في الاختبار منسجما مع توقعات السوق لكن النقص الإجمالي في رؤوس أموالها البالغ 2.5 مليار يورو جاء أقل بكثير من المتوقع كما أنها لم تعالج سيناريو عجز يوناني محتمل عن سداد ديون سيادية.
وإضافة إلى البنوك التي لم تجتز الاختبار كان هناك 16 بنكا آخر على حافة الاخفاق، حيث ستتراجع نسبة رأسمالها الأساسي عن خمسة في المئة في مواجهة ركود طويل الأمد، وقد تحتاج جميعها إلى اتخاذ اجراءات لتعزيز ميزانياتها العمومية.
وزيرة المالية الفرنسية الجديدة فاليري بيكريس أعربت عن أملها في ان يتم تبني خطة طرحتها باريس بالدرجة الاولى، لانقاذ اليونان الغارقة في الديون، خلال قمة اوروبية تعقد الخميس المقبل. لكن هذه الخطة التي تقوم على إشراك القطاع المصرفي الخاص عبر إعادة جدولة الديون اليونانية، قد لا تحول، حتى لو تجاوزت الخلافات السياسية الاوروبية، دون إعلان عجز اليونان.
وسيحمل هذا العجز تبعات كبرى على الاقتصاد الاوروبي بمجمله، مع هشاشة الوضع المالي في دول عديدة كايطاليا وايرلندا واسبانيا، ومع تزايد الغضب الشعبي ازاء التقشف الذي تدفع به الحكومات، الفاتورة السياسية للحصول على المساعدة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. كما يحذر رئيس المصرف المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه من انه «في حال تخلف بلد عن السداد فلا يمكننا عندها قبول سنداته كضمانات عادية. عندها يتعين على الحكومات (الاوروبية الأخرى) ان تتعهد هي نفسها تصحيح هذا الوضع، هذا واجبها»، في إشارة إلى واقع محتمل سيضطر عنده الاوروبيون إلى تقديم ضمانات خاصة مقابل كل استدانة يونانية مقبلة.
هذه المعادلة الاقتصادية التي يواجهها الغرب اليوم، وتفسّر إلى حد كبير نزعات توسعية ملحوظة في الفترة الأخيرة، تبحث عن أسواق وموارد جديدة في افريقيا والمنطقة العربية، وتشكل النتيجة الحتمية تاريخيا لسلوك المنهج الرأسمالي النيوليبرالي، الذي يضع المصير الاقتصادي العالمي بين يدي امبراطوريات تقاوم انهيارها. وفي ذلك درسان جوهريان للثورة العربية: ضرورة البحث عن نموذج اقتصادي مستقل عن النظام المالي العالمي، والاستعداد لهجمة اميركية-اوروبية مستميتة على الثروات العربية، تحت الأرض وفوقها.
مازن السيّد

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,768,382

عدد الزوار: 6,914,021

المتواجدون الآن: 101