الديون.. شبح يلاحق الولايات المتحدة

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 تموز 2011 - 7:25 ص    عدد الزيارات 1314    التعليقات 0

        

الديون.. شبح يلاحق الولايات المتحدة
أوباما اعترف بأنها قد تكون السبب في إنهاء رئاسته.. والخلاف يتعمق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول حلها
واشنطن: محمد علي صالح
يقترب الثاني من أغسطس (آب)، حين يقرر الكونغرس الأميركي زيادة أو عدم زيادة حجم مديونية الحكومة التي وصلت إلى أربعة عشر تريليون دولار. ومع اقتراب التاريخ (الحسم)، واحتمال فشل الحكومة الأميركية في دفع التزاماتها المالية، يتبادل الرئيس باراك أوباما وقادة الحزب الجمهوري الاتهامات.

الأسبوع الماضي، خلال اجتماع عاصف في البيت الأبيض، ترك أوباما الاجتماع غاضبا. فقادة الحزب الجمهوري الذي يسيطر الآن على مجلس النواب، بينما يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، يستمرون في إصرارهم على رفض زيادة الضرائب على الأغنياء، ويدعون لتخفيض الخدمات الاجتماعية الحكومية. ويستمر أوباما في الإصرار على العكس.

قال مسؤول حضر اجتماع البيت الأبيض الأسبوع الماضي، إن أوباما كان غاضبا منذ البداية، وإنه قال «يكفي ما يكفي». ودعا إلى حسم الخلافات خلال أسبوع، وذلك بعد مشادة مع زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، إريك كانتور. وكان الأخير وصف حل أوباما بأنه «هراء»، وحث الرئيس على قبول حل وسط، وهو زيادة مؤقتة في سقف الديون، سنة بعد سنة، بدلا من زيادة واحدة لسنتين حتى بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وكان واضحا أن الجمهوريين يريدون أن تظل مشكلة سقف الديون مستمرة حتى الانتخابات، ليستفيدوا منها في تأليب الشعب الأميركي عليه، وتحميل أوباما المسؤولية.

بعد كلمة «هراء» من كانتور، قال أوباما: «كفى... وسوف أراكم جميعا غدا»، وخرج.

قال تلفزيون «سي بي إس» إن أوباما حذر في الاجتماع قادة الحزب الجمهوري بأنه مستعد للتضحية بالرئاسة الثانية دون أن يقدم تنازلات كبيرة، وأنه «لن يخذل الشعب الأميركي، ولن يجعله يقع تحت رحمة الجمهوريين الذين لا يريدون زيادة الضرائب على الأغنياء». وأضاف: «لقد وصلت إلى حدود صبري. هذا الخلاف ربما سيكون سبب إسقاط رئاستي، لكني لن أتنازل في هذا الموضوع».

في كتابه «ثروة الشعوب»، كتب آدام سميث، أبو الرأسمالية، بأن الديون أنواع، وفيها المفيد وفيها المؤذي. قال إنها من أعمدة النظام الرأسمالي العالمي، لأنها جزء من رأس المال. وقال إن ميزانيات الحكومات تعتمد على الديون، لكنه حذر من نفاق وطمع الحكام والسياسيين الذين يضعون هذه الميزانيات. وكتب: «عندما تقع الحرب يصير كثير من الحكام والسياسيين غير راغبين، أو غير قادرين، على زيادة إيرادات الحكومة بزيادة الضرائب، لمواجهة الزيادة في النفقات. يصيرون غير مستعدين لأنهم يخافون من غضب الناس (الناخبين). إذا زاد الحكام والسياسيون الضرائب سيغضب الناس على الحرب التي زيدت الضرائب بسببها. لهذا يفضل الحكام والسياسيون الاستدانة من البنوك لتمويل الحرب. ربما مع زيادة معتدلة جدا في الضرائب، يقترض الحكام والسياسيون من سنة إلى أخرى، لتستمر الحرب من سنة إلى أخرى».

وأضاف: «عندما تنتهي الحرب ويعود السلام، لا تنتهي الديون، ولا تنتهي فوائدها التي تزيد من سنة إلى أخرى. وحتى إذا فرض الحكام والسياسيون ضرائب على الناس لدفع هذه الديون وفوائدها، نادرا ما يستخدمونها، فعلا، لهذا الغرض. يستعملونها لتقديم خدمات للناس، ليرضى عنهم الناس (ويعيدون انتخابهم)». وأضاف: «عندما يحدث هذا تزيد نسبة الفائدة على ديون الحرب، وتستمر الديون تزيد بعد سنوات وسنوات من نهاية الحرب لأن الحكام والسياسيين يقدرون على إصدار أمر لوزير الخزانة بالاستدانة من البنوك للصرف على الحرب، لا يفكرون كثيرا في أن دفع الديون سيستمر لأجيال وأجيال».

وفي الأسبوع الماضي كتب نيل أروين، صحافي الشؤون الاقتصادية في صحيفة «واشنطن بوست»، تعليقا لم يشِر فيه إلى آدام سميث، لكنه تحدث عن شيء شبيه. قال: «صار دين الحكومة الأميركية وسط السياسيين الأميركيين وكأنه شبح، أو شيء خرافي. صار رمزا لكل أخطاء النظام الأميركي. صار مثل غول تحت سرير النوم، لا يريد السياسي إيقاظه، لكن يجب أن ينام على السرير كل ليلة. صار دين الحكومة شيئا مخيفا».

وقال الصحافي أروين إن الدين ليس مشكلة، ولا استرداده، ولا دفع الفوائد عليه. لكنه صار مشكلة لأن الحكام والسياسيين يخافون من الاقتراب منه (وهم الذين صنعوه).

وقالت إحصائية نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» إن وزارة الخزانة الأميركية جمعت في السنة الماضية 7000 دولار من كل مواطن أميركي. وفي نفس الوقت أنفقت 11.000 دولار للمواطن. لهذا، نحو 4 آلاف دولار للمواطن هو العجز في الميزانية السنوية، وهو الذي تستدينه وزارة الخزانة من البنوك والمؤسسات المالية والدول الأخرى. لكن لا يعني هذا أن الحكومة الأميركية تسير على فلسفة رأسمالية، خطأ أو صواب. لأن الخطأ والصواب هنا، وكما قال آدام سميث، يعتمد على القدرة على دفع الدين، وليس على حجم الدين. هناك أغنياء يقترضون كثيرا من المال، وهناك فقراء يعيشون داخل حدود إمكانياتهم. لهذا، الثراء أو الفقر ليست لهما صلات بالحصول على القرض، وحجمه، والقدرة على سداده.

في فيفث افنيو (الشارع السادس) في قلب مدينة نيويورك، توجد ساعة عملاقة، عليها أرقام تحسب تراكم الديون على الحكومة الأميركية. في الأسبوع الماضي كان الرقم وسطا بين 14 و15 تريليون دولار. معنى هذا أن كل مواطن أميركي مدين لبنوك وحكومات أجنبية بما يزيد عن 46.000 دولار. ويجب عدم الخلط بين نصيب الأميركي من الدين المتراكم، ونصيبه من العجز في الميزانية السنوية. وطبعا كل عجز في الميزانية السنوية يضاف إلى إجمالي الديون التي تعرضها الساعة العملاقة في نيويورك.

وتحدث كتاب «إيكونوميكس فور ستيوبدز» (الاقتصاد للأغبياء) عن خلفية تاريخية لدين الحكومة الأميركية، وقال إنه يعود إلى ميلاد الولايات المتحدة. على الأقل ظل الدين يتجمع لأكثر من مائة سنة. وظل يزيد بسرعة في أوقات الحرب والكساد (تزيد ميزانية الحكومة العسكرية، وتقل الضرائب على الشركات بسبب الكساد). ويزيد ببطء في أوقات الازدهار الاقتصادي والرخاء، بل وينخفض كلما زاد الازدهار (بسبب زيادة جمع الضرائب، وإذا لم تصرف الحكومة كثيرا).

لهذا، حتى إذا حصلت المعجزة واتفق الرئيس أوباما وقادة الحزب الجمهوري في الكونغرس على أن تكون ميزانية السنة القادمة دون أي عجز، وأيضا السنوات التي بعدها، حتى عشرة أو عشرين سنة، لن ينتهي إجمالي الدين الذي ظل يتراكم. سوف يستغرق ذلك ميزانية ذات فائض ضخم، سنة بعد سنة لسنوات أكثر.

وكتب الصحافي نيل أروين: «الخبر الحزين هو أن الدين تراكم. والخبر السعيد هو أن الدين ليس عيبا. وليست هناك حاجة للقضاء على الدين تماما». وأضاف: «في الحقيقة، دين الحكومة لا بد منه. لماذا؟ لسببين: أولا لأن وزارة الخزانة عندما تستدين تدفع سندات، تشترى وتباع. وغياب هذه السندات بحجم كبير لا بد أن يقلل النشاط الاقتصادي. ثانيا لأن كثيرا من المستثمرين، وخصوصا عامة المواطنين، يفضلون استثمارات مضمونة الربح، حتى إذا كان الربح قليلا جدا، مثل استثمارات في السندات الحكومية. لكنها مضمونة أكثر من غيرها لأنها تعتمد على الحكومة الأميركية».

وبالنسبة لفلسفات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يوجد اختلاف واضح. مثلا: قبل سنتين، عندما اضطر الكونغرس إلى صرف قرابة تريليون دولار على البنوك والمؤسسات الاستثمارية التي أفلست، وهدد إفلاسها انهيار الاقتصاد الأميركي، بل والعالمي، وذلك بسبب تأثير الاقتصاد الأميركي القوي، في جانب، قال قادة في الحزب الجمهوري إن الظروف حتمت إنقاذ هذه البنوك، وإن الحكومة الأميركية يجب أن تدعمها، ثم تنتظر لاسترداد الديون عندما يتحسن الوضع الاقتصادي، وتعود البنوك إلى سابق عهدها. في جانب آخر قال قادة في الحزب الديمقراطي إن الحكومة كان يجب أن تساعد المواطنين الذين لحقت بهم خسائر مالية كثيرة بسبب فشل البنوك، وليس مساعدة البنوك والأثرياء.

ماذا عن المستقبل؟

قال تقرير أصدره مكتب الميزانية في الكونغرس (سي بي أو)، وهو مكتب محايد ويجمع بين جمهوريين وديمقراطيين، إنه لا يوجد مقياس للمستقبل، رغم أن المركز يحاول تقديم تنبؤات كل عشر سنوات. والسبب هو الاعتماد على تخمينات. لكن من المؤشرات الراهنة التي ليست خافية على أحد هي العجز في الميزانية السنوية، وإجمالي الديون. ويبقى السؤال: كيف سيكون النمو الاقتصادي أمام هاتين المشكلتين؟ إذا صار الاقتصاد قويا في المستقبل، وإذا تحقق مزيد من النشاط الاقتصادي، وزاد دخل الناس، وقل عدد العاطلين عن العمل، ستزيد الضرائب. وأيضا ستقل المصروفات الحكومية على العاطلين، وعلى برامج الرعاية الاجتماعية. في هذه الحالة لن يكون الاقتصاد فقط أقوى، بل سيقل العجز في الميزانية السنوية، وربما سيحقق فائضا لدفع جزء من دين الأربعة عشر تريليون دولار.

قبل فترة كتب خبيران اقتصاديان في «جورنال أوف فاينانس» (دورية التمويل) عن نظرية «ديت دياناميكز» (ديناميكية الدين). وملخص هذه النظرية هي أنه عندما تزيد الديون على الحكومات يزيد سعر الفائدة، وذلك بسبب الإقبال على الحصول على قروض، وبسبب منافسة كثيرين على كمية محدودة من رأس المال. في الجانب الآخر، كلما زاد سعر الفائدة زادت صعوبة تسديد القروض. وبالنسبة للولايات المتحدة، رغم أن سعر الفائدة منخفض جدا في الوقت الحالي لا يمكن ضمان استمرار ذلك، ولا بد من القلق بأن الدين سيرتفع، حتى إذا انخفض، أو غاب، العجز في الميزانية السنوية. معنى هذا أنه يوجد فرق بين عندما يكون سعر الفائدة نسبة 3 في المائة، وعندما يصبح العبء ثقيلا ويكون 6 في المائة. حسب إحصائيات الخبراء، كلما يرتفع سعر الفائدة بنقطة مئوية واحدة تزيد التكلفة السنوية لدفع دين الحكومة الأميركية بنحو 140 بليون دولار.

ماذا سيحدث إذا فشل أوباما وقادة الحزب الجمهوري في الاتفاق وحل اليوم الثاني من أغسطس؟

قال جيف غرينفيلد، خبير في تلفزيون «إيه بي سي»، إن الانهيار الاقتصادي الذي سوف يحدث سيزيد غضب الأميركيين على السياسيين، وسيمهد لتأسيس حزب ثالث، إلى جانب الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وقال مارك زاندي، كبير خبراء مؤسسة «مودي» التي تقيّم قدرة الشركات والحكومات على دفع الديون التي عليها (حذرت من أن الحكومة الأميركية ربما لن تقدر)، إنه إذا حدث ذلك فسيحدث الأتي: أولا ينخفض سعر الدولار انخفاضا كبيرا، ويؤثر على اقتصاديات ربما كل العالم. ثانيا يرتفع سعر الفائدة، وأيضا سيؤثر هذا محليا وعالميا.

وقال جيمس لندسي، في قسم العلاقات الاقتصادية في مركز العلاقات الدولية، إن فشل الحكومة الأميركية في دفع ديونها سيجعل كثيرا من الدول تتجه نحو الصين.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,177,727

عدد الزوار: 6,759,136

المتواجدون الآن: 114