الهرطقة الاقتصادية دولياً ولبنانياً

تاريخ الإضافة السبت 13 آب 2011 - 5:59 ص    عدد الزيارات 1274    التعليقات 0

        


 

الهرطقة الاقتصادية دولياً ولبنانياً

- بقلم  مروان اسكندر

اتفاق الديموقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة على برنامج لخفض العجز لا يشمل زيادة الضرائب منع اعلان توقف الحكومة الفيديرالية عن ترصيد فوائد سندات الخزينة المستحقة ونسبة ملحوظة من مستحقات الضمان الصحي.
رفع سقف الاستدانة ظهر كأنه قرار انقاذي. وبالفعل تحسنت أسعار الاسهم والسندات الاميركية يومين، وبعد نشر تقرير شركة "ستاندارد اند بورز" للتصنيف انقلب الوضع، وتسربت مخاوف حول الدولار كما بالنسبة الى اصدارات سندات حكومية في ايطاليا واسبانيا، ولم تعد العملات – باستثناء الين والفرنك السويسري والدولار الاوسترالي والدولار الكندي – تبدو انها ستحافظ على قيمتها، وبرزت عاصفة مالية تسببت بخسائر في الولايات المتحدة، واوروبا وشرق آسيا واليابان بلغت حتى اواسط هذا الاسبوع 8,4 تريليونات دولار أي ما يزيد على نصف حجم انتاج الولايات المتحدة سنويا، وما يتجاوز حجم انتاج المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا مدى سنة كاملة.
وهذه التموجات المخيفة أثارت تعليقات كان من ابرزها ما كتبه بول كروغمان الاقتصادي الحائز جائزة نوبل للاقتصاد. فهو ونورييل روبيني الاقتصادي المعروف الذي يدرس في نيويورك علم الاقتصاد والذي توقع ازمة عام 2008 قبل حصولها باكثر من سنة، قيّما الازمة الاخيرة بمنطلقات متوازية.
فقد اعتبر الاستاذان المميزان ان تقرير "ستاندارد اند بورز" كان سيئاً ولا يتناول الوضع الاقتصادي بأي عمق، وان ارقامه كانت مغلوطة بما يساوي تريليوني دولار. وفي رأي كروغمان ان اسوأ ظاهرة على الاطلاق اعطاء اي صدقية لتقارير هذه المؤسسة ومثيلاتها. وهو يقول ان مؤسسات التصنيف التي تشمل ايضا بلومبرغ وفيتش ساهمت الى حد بعيد في تفجير الازمة المالية العالمية عام 2008، خصوصا ان المؤسسات الثلاث كانت صنفت ديون بنك "ليمان براذرز" بأنها ممتازة، واذا بهذا المصرف يسقط بعد شهر، في تشرين الأول 2008، وتتبخر مع سقوطه مبالغ تفوق التريليون دولار، وحتى تاريخه، ليس ثمة من يعرف ماذا سيتحصل للمودعين من عملية تصفية اوضاع هذا المصرف.
لقد كتبنا منذ عام 2005 ان مؤسسات التصنيف الدولية تحتاج الى تصنيف. ومنذ عام 2008 طالبنا باحالة هذه المؤسسات على المحاسبة القانونية، واعتبرنا انها مع بعض بيوتات المحاسبة الدولية ومكاتب المحاماة المنتشرة عالميا كانت من أسباب التمهيد لتفجر الازمة المالية والاقتصادية العالمية والمساهمة فيها وتضخيم حجمها الى حد مخيف.
كروغمان وروبيني يعتبران ان التجاذبات السياسية في الولايات المتحدة وشد الحبال دونها نظر الى التأثيرات الاقتصادية وفرت الارضية لتفجر ازمة تبدو صغيرة بالنسبة الى ما حصل عام 2008. الا انهما يعتقدان ان على السلطات الاميركية والاوروبية اقرار سياسات تقشفية في المدى القصير، وتوسعية في المدى المتوسط. ويميل كروغمان الى اعتماد السياسات التوسعية منذ الآن وبقوة للتغلب على تأثيرات التصنيفات المضرة، والمواقف السياسية المتشنجة.
ويؤكد كروغمان ان مواقف اعضاء "حزب الشاي" – أي المتطرفين يمينيا وسياسياً واقتصادياً ممن يرفضون زيادة الضرائب على الاغنياء ويطالبون بخفض منافع الضمان الصحي – هي التي اوقعت الولايات المتحدة في أزمة وانها تشكل الخطر الاكبر على مستقبل الاقتصاد الاميركي، ونظرا الى اهمية الاقتصاد الاميركي والدولار للاقتصاد العالمي، يتفشى التأثير السيئ لمواقف "حزب الشاي".
اننا نرى على الصعيد الدولي ان المخاوف الرئيسية تعود الى عجز الدول العشرين عن اقرار تشريعات تحد فعلا من المضاربات، ومن جشع المصرفيين، وعملاء البورصة، وممارسات مؤسسات التصنيف  والمحاسبة  الدولية. وكانت هذه الدول قد اجتمعت في لندن في نيسان 2009 واصدرت ما يشبه شرعة لتسهيل عمليات الاقراض، مع اقرار اجراءات لضبط النفقات الحكومية ومنع المصارف من الاقراض الذي يحمل مخاطر مؤكدة، والحيلولة دون تخصيص الرؤساء والمديرين للمصارف والشركات الكبرى بتعويضات تفوق ما يتصوره العقل. وعلى سبيل المثال، كان شقيق وزير الخزانة للولايات المتحدة في فترة اشتداد الازمة، يدير صندوق تحوط، وهو باع اسهم المصارف وشركات السيارات الاميركية استباقا لانهيارها وحقق لنفسه ارباحاً تجاوزت الـ500 مليون دولار. ومع ان التوصيات الدولية للدول العشرين هدفت الى الحد من هذه المنافع الناتجة من المضاربة، والتي في ذاتها لا تساهم في اي نمو، نجد ان تعويضات كبار المديرين ورؤساء مجالس ادارة المصارف الكبرى، والتي استمر بعضها فقط بدعم حكومي، ارتفعت بنسبة 20 في المئة عام 2010.
الازمة الحالية ستستمر، وفي حال عدم اقرار سياسات صارمة تحد من المضاربات والجشع، وتفرض مقاييس مهنية لمكاتب المحاسبة والمحاماة من أجل حماية حقوق المساهمين، ربما تحولت الازمة من مستواها المؤذي الى مستوى كارثي مشابه لما حدث عامي 2008 و2009. وارضية نشوب الازمات ستبقى مستمرة ما لم يعدل النظام العالمي الجديد بحيث تدخل عناصر ذات قيمة ثابتة الى جانب الدولار كعنصر اساسي لاستقرار نظام النقد الدولي الذي عانى ولا يزال اعتماد الدولار عملة اساسية للسيولة المالية العالمية. ومن أبرز موارد الاستقرار الذهب والبلاتين والاورانيوم وعملات بلدان متطورة تحافظ على ضبط موازنتها وتضطلع بدور رئيسي في التجارة العالمية مثل الصين  واليابان والهند والبرازيل والمانيا – في حال استقلالها عن نظام الاورو – وروسيا.
لبنان مقابل كل ذلك حقق منافع من ارتفاع الذهب نتيجة تعاظم الاهتمام العالمي بشرائه. وقد اصبح احتياطنا الذهبي الذي يساوي 9,222 ملايين اونصة، تزيد قيمته على 16 مليار دولار أي ما يزيد على 60 في المئة من ديون لبنان الخارجية.
ولهذا السبب ولان اللبنانيين العاملين في الخارج يشكلون الاساس الرئيسي لنجاح الاقتصاد اللبناني، لن تكون ثمة مخاطر ملحة على صعيد الدين العام، وسعر صرف الليرة.
ولو كان لبنان يعيش فترة وئام سياسي ما بين مختلف الافرقاء لكان اصبح بلد المقصد للمهجرين من بلدان التموجات، سواء سوريا، أم مصر، أم العراق. ولكان القطاع العقاري والمصرفي شهدا فورات كبيرة. لكن الوئام غير متحقق، وفي لبنان ما يشابه "حزب الشاي" في الولايات المتحدة، الامر الذي يضر بتوقعات البلد.
النائب ميشال عون يصر على تخصيص الكهرباء وبصورة معجلة بمبلغ 1200 مليون دولار واصدار سندات دين لهذا الغرض يشرف على انفاقها الوزير جبران باسيل لتأمين 700 ميغاوت في أقصى سرعة. والوزير والنائب يحذران النواب واللبنانيين من تأخير توفير هذه المخصصات.
في المقابل، الفريق ذاته ناقش بنود موازنة 2010 والتي كانت تحتوي على مخصصات ملحوظة لقطاع الكهرباء، والاتصالات، وكلا القطاعين اخضع لوصاية "التيار الوطني الحر" وحلفائه منذ سنوات. وكل ما تحصل على ايدي وزراء "التيار" ترد مخيف في خدمات الاتصالات وتأخر مريع عن التطورات العالمية، وتفشي انقطاع الكهرباء وزيادة الطاقة المنتجة من المولدات الخاصة التي تساهم في زيادة التلوث.
على رغم اخفاق وزراء "التيار" وحلفائهم في احراز اي تقدم مدى خمس سنوات، وعلى رغم مناقشتهم بنود الموازنة طوال سنة من دون اقرارها، وعلى رغم اعتراضهم على سلفات الخزينة التي يعتبرون انها تسببت بهدر 11 مليار دولار – وهم لا يشيرون قطعها الى ان هذه النفقات كانت بنسبة 60 – 70 في المئة على قطاع الكهرباء – فهم يطلبون اليوم اقرار اقتراض وسلفات على مستوى 1200 مليون دولار لانتاج 700 ميغاوات بحسب خيارات الوزير باسيل. ولو نظرنا الى العراق نجد أنه انجز تلزيمات لانتاج 1100 ميغاوات، اي أكثر من 50 في المئة من الانتاج الموعود في لبنان، بكلفة لا تزيد على 800 مليون دولار.
لعل وزراء "التيار" ونوابهم يتعظون، وهم على اي حال لا يستطيعون الحصول على اكثرية نيابية لمشروعهم لان هنالك حتى تاريخه غالبية نيابية تحكم العقل بدل الحزبية السياسية للمنفعة المادية ونحن نحتاج الى كهرباء انما على اسس تعاقدية واضحة وفي اشراف هيئات مستقلة ومنزهة عن الغرض.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,122,438

عدد الزوار: 6,935,716

المتواجدون الآن: 100