من اليونان إلى لبنان

من اليونان إلى لبنان

- هشام ملحم

للازمات الاقتصادية التي تعصف باليونان وايطاليا وتهدد مستقبل منطقة الأورو واقتصادها أسباب اجتماعية وثقافية، الى الاسباب المالية المعروفة المتعلقة بالمديونية المتزايدة والعجز وارتفاع الانفاق الحكومي. في اليونان وايطاليا، والى حد أقل في اسبانيا والبرتغال، لا يرى كثيرون من المواطنين ان الدولة ومؤسساتها موجودة لخدمتهم او انها تمثلهم بصدق ونزاهة. هذا بدوره يؤثر على اخلاقيات العمل والانتاج، وكذلك على صدق المواطن في الاعلان عن دخله السنوي، وتاليا دفع الضرائب المتوجبة عليه. واذا اضيفت الى ذلك عوامل مثل ضعف الانضباط ، وغياب الحوافز للانتاج والاستثمار والعمل الشاق، وسلطة القانون التي تعاقب الذين يتهربون من دفع الضرائب ويستغلون الفساد للاثراء غير المشروع، عندها يمكن فهم جذور الازمة التاريخية التي تواجهها اليونان منذ سنوات وايطاليا اليوم.
تهرب الاثرياء في اليونان وايطاليا من دفع الضرائب بات جزءا من الثقافة الوطنية. رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني برر التهرب من دفع الضرائب التي يدعي انها عالية بالقول إنه "حق طبيعي". في هذه الدول "اقتصاد الظل" (المداخيل التي تتفادى الضرائب) تصل الى مستويات مذهلة: في ايطاليا تزيد عن 22%، في اسبانيا والبرتغال اكثر من 19%، وتصل في اليونان الى اكثر من 25%. بالمقارنة تصل هذه النسبة في الولايات المتحدة الى 7%.
يقول وزير الصناعة الايطالي باولو روماني ان الايطاليين يتهربون من دفع الضرائب عن 320 مليار دولار في السنة. خسائر اليونان من التهرب من دفع الضرائب تصل الى 30 مليار دولار. في ايطاليا،  وهي سابع اقتصاد في العالم فقط 796  ايطاليا من أصل 60 مليون نسمة يعترفون بأن دخلهم السنوي يزيد عن مليون أورو. في اليونان 5 الاف مواطن من اصل 12 مليون نسمة يعترفون ان دخلهم السنوي يزيد عن 90 الف أورو. وكشفت دراسة ان عددا من الاطباء الاغنياء يدعون ان دخلهم السنوي لا يزيد عن 45 الف دولار، لكنهم يملكون فيلات الكبيرة ويخوتا.
    في اليونان تراوح سن التقاعد بين 58 و61 سنة (وفقا لطبيعة الوظائف والمهن، وفي بعضها يسمح للمواطن بالتقاعد والحصول على معظم راتبه بعد بلوغه الخمسين). أكثر من نصف مليون ايطالي تقاعدوا بعد بلوغهم سن الخمسين. في المانيا والولايات المتحدة سن التقاعد هي 65 سنة. في المانيا رفعت أخيرا الى 67 سنة.
   أي اصلاح اقتصادي حقيقي في هذه الدول يتطلب تغييرا جذريا في اسلوب حياة هذه المجتمعات، وهو أمر يتطلب نخبا وقيادات سياسية شجاعة ونزيهة، وهناك عجز كبير في هذا المجال. ألا تذكركم هذه الصورة بالوضع الراهن في لبنان؟؟؟