الحكومة ومستقبل الاقتصاد اللبناني

تاريخ الإضافة السبت 19 تشرين الثاني 2011 - 7:06 ص    عدد الزيارات 1105    التعليقات 0

        


 

الحكومة ومستقبل الاقتصاد اللبناني

 - بقلم  مروان اسكندر

المواطن اللبناني عانى الكثير على مر السنين وهو اليوم يشعر بأن بلده هو في الظاهر الاكثر استقراراً في المنطقة، كما يرى انه كلما كان بعيداً من الصدمات والتصريحات المستعرة يبدو كأنه بلد المقصد للراحة والمتعة الحياتية لغالبية مواطني الدول العربية.
ومن يدرس الموضوع الذي يبدو خطيراً لمستقبل الاقتصاد اللبناني، أي المديونية التي تثقل الدفع الإنمائي وتشغل بال الأجيال الطالعة، يجد انها اقل وطأة مما يصور البعض، مع العلم ان عملية بداية خفض اصل الدين العام وليس الفائدة فقط بالغة الاهمية. وسنعرض لموضوع المديونية تمهيداً لعرض مبادرات لا بد من الأخذ بها اذا كان لنا ان نحقق هدف استعادة لبنان القدرة على النمو المستمر بمعدلات تفسح في مجال العمل للنسبة الكبرى من الشباب اللبناني، والاطمئنان الى المصير تحت مظلة القوانين العادلة والقضاء الناشط والنزيه في آن واحد.
لقد شهدنا حديثا ان تصنيف لبنان تحسن استنادا الى معايير احدى مؤسسات التصنيف الدولية. وعلى رغم اننا نرى ان هذه المؤسسات تحتاج هي الى من يصنفها، وهذه وجهة نظر نادينا بها منذ خمس سنوات وقد تبناها المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية أخيرا، يعتبر التصنيف بمثابة مؤشر ايجابي، والنتيجة الواضحة هي ان اصدارات الدين العام بالعملات الاجنبية في لبنان تحظى بتغطية اسرع مما يجري في بعض البلدان الاوروبية المتطورة وبأسعار فائدة منافسة.
لماذا تحسن تصنيف لبنان وفي هذا الوقت بالذات كما تحسن تصنيف المصارف اللبنانية؟
هنالك اسباب عدة لتحسن تصنيف لبنان على صعيد الدين العام سنشرح بعضها.
يساوي الدين العام 53-54 مليار دولار ومن هذا المبلغ الاجمالي نسبة 45 في المئة بالعملات الاجنبية، وهو الدين الذي يشكل خطراً على لبنان من الوجهة النظرية، والذين يرددون هذه المعزوفة الكلاسيكية يقولون ان مجمل الدين العام يفوق حجم الدخل القومي اذ يبلغ 137 في المئة وهذه نسبة تفوق معدل الدين العام للدخل القومي في ايطاليا واسبانيا. والمنظرون يؤكدون، وهم على حق جزئياً، ان خدمة الدين العام، ضمن اطار معطيات الدخل والانفاق السائدة، لا بد ان تؤدي الى ازدياد حجم هذا الدين في المستقبل المنظور.
والدين العام بشقيه الداخلي والخارجي في لبنان تملكه مؤسسات والى حد بسيط افراد لبنانيون بنسبة 83 في المئة، وليس من مصلحة سواء للمؤسسات ام للافراد في الضغط لاستعادة اصل الدين لان حاصلات الفائدة، وان تكن انخفضت، افضل في لبنان منها في الخارج.
والخوف من ارتفاع نسبة الدين العام الى الدخل القومي ينحسر امام تقدير من سلطات البنك الدولي يقول ان حجم الاقتصاد غير المنظور في لبنان هو على الاقل 30 في المئة. والاقتصاد غير المنظور يشمل النفقات على معاشات العمال الموسميين، وعمال البناء، وغالبية عمال محطات البنزين، وغالبية من يحققون دخلاً غير خاضع للضريبة، ويشمل نفقات الرشوة، ومكتسبات بنات الهوى الخ.
فاذا صح تقدير خبراء البنك الدولي لحجم الاقتصاد غير المنظور في لبنان - وعلى سبيل المثال المقياس ذاته يشير الى نسبة تراوح بين 25 و35 في المئة في ايطاليا، و15-20 في المئة في فرنسا - يكون حجم الدخل القومي في لبنان على مستوى 42 مليارأً (الرقم الرسمي) من الدولارات، تضاف اليها نسبة 30 في المئة أي ما يساوي 12,6 مليار دولار، فيكون الدخل القومي على مستوى 54,6 - 55 مليار دولار، أي ما يوازي حجم الدين العام ويزيد أكثر من الضعفين عن حجم الدين العام بالعملات الاجنبية وهذا وضع مريح في أي بلد، لكنه في لبنان يتميز بمقياس إضافي.
لبنان البلد الوحيد في العالم الذي تبلغ نسبة مواطنيه العاملين في الخارج 35 - 40 في المئة من مجموع اليد العاملة. وهؤلاء يكتسبون سنوياً مداخيل تفوق الدخل القومي في لبنان على الاقل بنسبة ثلاثة اضعاف، وهم يرسلون الى لبنان بواسطة التحويلات والنقل نقداً ما بين 10 و12 مليار دولار سنوياً، وهذه الاموال تشكل منطلق الانفاق الاستهلاكي الذي يبلغ نسبة 60 في المئة من الدخل القومي كما ان بعض التحويلات يخصص للاستثمار.
اضافة الى هذه الوقائع، يحوز لبنان 9,22 ملايين اونصة من الذهب أي ما يساوي 16 مليار دولار، يضاف اليها احتياط لدى مؤسسة ضمان الودائع يفيض عن الـ1,5 مليار دولار، وفائض متراكم لدى بلدية بيروت يفوق الـ600 مليون دولار، وحسابات للدولة تراكمت من مداخيل الخليوي غير مستعملة حتى تاريخه تفوق الملياري دولار. بكلام آخر، ان الاصول السائلة او التي يمكن تسييلها بسرعة، ولو كان الحساب نظرياً، تفوق نسبة 80 في المئة من الدين العام بالعملات الاجنبية. وحيث ان هذا الدين لا يستحق بكامله في سنة، بل مدى سنوات وفي استحقاقات مختلفة، ليس ثمة ما يدعو الى القلق في المستقبل المنظور.
على رغم هذه المعطيات غير الظاهرة لوعي المواطنين وبالتأكيد السياسيين المنشغلين بالمناقشات العقيمة في المقام الاول، نرى ان هنالك مؤشرات حسية تدعو الى القلق اهمها:
- تدني معدل النمو الى مستوى لا يسمح بتوسيع فرص العمل.
- تدني واردات الجمارك وحاصلات الضريبة على القيمة المضافة والرسوم العقارية لانخفاض حركة البناء والبيع والشراء، وتاليا التخوف من توسع عجز الموازنة.
- انخفاض كفاية التغطية الصحية والاجتماعية وتراكم المطالب النقابية والشعبية.
- ارتفاع كلفة دعم السائقين العموميين الى ما يساوي 282 مليون دولار سنوياً.
والحكومة تستشعر التطورات المشار اليها وتتخوف من نتائجها، وهذا امر مفهوم، وفي الوقت ذاته وكما ظهر من توقعات عن ارقام الموازنة، هنالك توجه الى فرض ضرائب جديدة على مبادلات اسهم الشركات المساهمة، وعلى حاصلات الفوائد على الودائع المصرفية وعلى مبيعات العقارات.
اننا نرى ان اكثر ما يحتاج اليه لبنان حالياً تأمين زخم تطويري إنمائي ينطلق من زيادة الاستثمارات في مشاريع حيوية، في مجالات التكرير، وتوسيع انتاج الطاقة الكهربائية، وتنقية المياه وحفظها وتوزيعها، واقرار سياسات تخفف الازدحام واستهلاك المشتقات النفطية، وكل هذه النتائج تفرض على الحكومة الابتعاد عن الزيادات الضريبية. ولو كانت ثمة شجاعة كافية، لألغيت الضريبة على الفوائد الناتجة من الودائع والتي تعود في المقام الاول الى متقاعدين ومدخرين، وان هي كانت تعود الى شركات كبيرة او اثرياء فكثيراً ما تأخذ طريقها الى الاستثمار.
نكتفي بتوفير مثلين عما هو ممكن على صعيد تحسين مستوى الواردات، وتشجيع الاستثمارات:
دعم السائقين العموميين بما يساوي - عبر اشتراكات ضمان المرض والامومة وحصة الدولة عن السائقين العموميين، وعبر رديات البنزين - 282 مليون دولار سنوياً امر غير مقبول اجتماعياً واقتصادياً.
استمرار التهريب في المرافئ والمطار لمنتجات ذات قيمة امر يخفض حاصلات الجمارك بنسبة 20 في المئة على الاقل او اكثر من 220 مليون دولار سنوياً.
واذا جمعنا مبلغ الدعم غير المبرر مع الخسارة الجمركية من التهريب نرى ان الرقم يوازي 500 مليون دولار، أي ما يتجاوز ما ترغب الحكومة في تحصيله من ثلاث ضرائب هي في تأثيرها مضرة اقتصادياً بالتأكيد.
اخيراً نأتي الى مثلين عن طريقة تشجيع الاستثمار.
صديق لي شاء تخصيص مساحة 100 الف متر مربع في مكان قريب من بيروت ليكون مدينة علمية، وتواصل مع جامعات عالمية، وحصل على تأكيدات لتعاون موسع. لكن نشاطات الدراسات العلمية تستوجب تواصلا مباشرا ومستمرا مع الجامعات الاهم في العالم كما مراكز الابحاث العلمية. والتواصل له كلفته، وطالب بتخصيص المنطقة بأسعار تشجيعية للتواصل فرفض طلبه، وهو اعتكف عن توفير الـ100 الف متر مربع لانجاز مركز علمي كهذا.
شركة مختصة بالمعلوماتية وتقويم مخاطر العملات والدول حققت نجاحاً دولياً، لديها 2000 موظف غالبيتهم المطلقة من مهندسي المعلوماتية وغالبيتهم من اللبنانيين مع بعض الاجانب، ترغب ادارتها في تركيز عملها في لبنان، لكن الامر الذي لا يسمح بذلك هو كلفة الاتصالات من جهة وتقطعها من جهة اخرى وتأخرها عن ركب التكنولوجيا الحديثة في هذا النطاق.
ان فرص لبنان المتراكمة تسمح بانطلاقة انمائية تطويرية وهذا ما علينا ان نعمل من اجله بدل ان نستمر مقيدين بممارسات الماضي وسياسات مالية صارت بالية في نطاق معارف الاقتصاديين المبادرين.

 

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,124,482

عدد الزوار: 6,754,837

المتواجدون الآن: 95