العقدة الاقتصادية في منشار السياسيين!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 17 كانون الثاني 2012 - 5:40 ص    عدد الزيارات 1356    التعليقات 0

        

 

العقدة الاقتصادية في منشار السياسيين!
من تابع جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ، سواء عبر الوسائل الإعلامية, أو ما أفصح عنه وزير الإعلام بالوكالة بعد انتهاء الجلسة، تتعزز لديه القناعة بأن الحكومة، إذا اتفقت فهي تقف عاجزة عن إنجاز أي ملف حيوي أو إنمائي ومجلسها متصلب بدون حراك أمام المطالب الخاصة لكل وزير لتوظيف هذا المدير أو ذاك الخفير, وطبعاً عند الاختلاف, أسهل ما فيه هو التأجيل, أو أن تسحب المقترحات من جدول الأعمال بعد أن يكون قد اتفق على إقرارها، مثل تعيين الأمين العام لوزارة الخارجية أو هيئة الأسواق المالية. والسؤال الذي يطرح نفسه, كيف تؤخر الحكومة البت في موضوع هيئة الأسواق المالية, وهو موضوع إنمائي, مالي, اقتصادي تتمحور من حوله معظم النظم والأطر المالية والاستثمارية في الوطن؟.
لذلك, إذا أردنا أن نقوّم هذا الموضوع, فإننا لا بد وأن نعترف بأننا ما زلنا نتعامل مع أي موضوع اقتصادي وطني كتجارة للمنفعة الشخصية ولم نصل بعد إلى حالة الصناعة الاقتصادية والمالية للمنفعة العامة, وطبعاً من ضمنها الأسواق المالية, التي يوصف التطور والتغيّر فيها بأنهما غير محدودين, لأن أسواق المالية تشكل أحد الموارد إلى جانب كل من الشركات المساهمة العامة والمصارف التجارية والاستثمارية, وهذا يؤهلها لتأدية الوظائف الاقتصادية المختلفة كتوفير التمويل اللازم لعملية التنمية الشاملة, وتأسيس الشركات المساهمة العامة, وإعادة توزيع الموارد المالية للقطاعات الأكثر إنتاجاً, وتشجيع الادخار لتنمية الاستثمار, والمساعدة على توزيع الثروة والاستفادة من التنمية, وتمويل عملية التخصيص التي تتبناها الدولة, وتشجيع المنافسة بين مؤسسات القطاع الخاص, ما يغري رؤوس الأموال في التدفق على البلاد لينشط الاستثمار وينعم الوطن باقتصاد واعد.‏
إن قطاع الأسواق المالية, ومهما اختلفت الأنظمة والتشريعات من حوله لا بد وأن يعتمد على مكونات رئيسية هي: هيئة السوق, السوق نفسها, مؤسسة المقاصة والتسوية, مؤسسة الإيداع المركزي والحفظ, شركات الوساطة والخدمات المالية, متعهدو تغطية الأوراق المالية, البنوك التجارية والاستثمارية, صناع السوق, المساهمون والمستثمرون في الشركات المساهمة, شركات القطاع الخاص, الأدوات والأوراق المالية, الصناديق والمحافظ الاستثمارية.‏ وإلى جانب هذه المحاور لا تقل عنها أهمية آلية عمل الهيئات والأسواق المالية وتنظيمها الداخلي, وقواعد الإدراج والإفصاح والأنظمة الفنية المطبقة فيهما, قبل أن تتحول الأسواق المالية إلى شركات مساهمة قابضة مثل الأسواق المالية في أميركا وبريطانيا وهونغ كونغ ودول الخليج وغيرها.‏
ولكننا نحن هنا في لبنان, ليس للوقت أي قيمة مضافة على أعمالنا, فتؤجل مسألة تسمية هيئة الأسواق المالية, لأن المسؤولين يفرضون أسماء المقربين منهم, وحتى لو لم تكن لديهم المعرفة التامة عن شركات الوساطة والخدمات المالية وجهات التفتيش والتدقيق المالي, ومن دون الأخذ بعين الاعتبار أن على هذه الهيئة أن تكون متمثلة بالشفافية وتطبيق مناهج الإدارة السليمة فيها, وحسن اختيار مجالس إدارتها, وملائمة أنظمتها, ولجان التدقيق فيها, ومدى تطابق حساباتها مع المعايير الدولية والوطنية. ‏ لذلك يتوجب أن تكون القيود المفروضة على الدخول إلى نشاط الهيئات والأوراق المالية مرتبطة بالمحافظة على معايير وقائية عالية بدلاً من حصر المنافسة بالواسطة والمحسوبيات الضيقة, والمنفعة الذاتية التي يفرضها المسؤول, بدلاً من أن تكون الهيئة فاعلة في نقل المهارات التقنية وترقية المعايير المهنية داخل صناعة الأوراق المالية وإدارات الصناديق بالإضافة إلى أن السياسات التي تشجع المنافسة والإبداع هي التي ستؤدي إلى خلق مجموعة من الأدوات المالية التي ستعزز تنمية الاقتصاد الوطني من خلال مساعدة هيئة الأسواق المالية في تطوير برامج تعليم وتثقيف المستثمرين كما يتوجب أن تكون هيئة تنظيم الأوراق المالية مستقلة وتعتمد على التمويل الذاتي وذلك من أجل تشجيع وتطوير الأطر التنظيمية والتشريعية ومن أجل العمل على زرع وتثبيت الثقة العامة لأن التمويل المناسب لهذه الهيئة أمر أساسي لتشجيع التطوير والاحتفاظ بالكوادر الكفوءة وللرقابة على عمليات سوق الأوراق المالية المعقدة مما يساعد ايضاً على فصل منظمي السوق عن التغيّرات في السياسة التي قد يكون الدافع لها احياناً سياسياً وليس اقتصادياً أو على أساس حماية المستثمر لأن حماية المستثمر وفعالية السوق تتطلبان توافر المعلومات الكافية لجمهور المستثمرين.
إن خيار اعتماد وإقرار نظام الإدارة السليمة وقواعد الحوكمة للشركات المساهمة والمدرجة في سوق الأوراق المالية يعد خياراً استراتيجياً يجب عدم التهاون فيه من قبل هيئة الأسواق المالية، بل إن اتباع منهج سليم للحوكمة هو الطريق الأمثل لحل العديد من المشاكل, أبرزها إدارة المخاطر وما أسفرت عنه الأزمة الاقتصادية العالمية على وجه العموم وما تواجهه الشركات العائلية على وجه الخصوص. لذلك أن مفهوم حوكمة الشركات يركز على تنظيم العلاقات بين أعضاء مجلس إدارة الشركة والمساهمين والموظفين والجهات الرقابية من داخل الشركة أوخارجها في إطار القانون، وتحديد الآلية الصحية التي لا بد من اتباعها في التفاعل بين كل هذه الأطراف في الإشراف على عمليات الشركة. وتزداد أهمية حوكمة الشركات يوما بعد يوم لدى أصحاب المصالح داخل جميع الشركات والمؤسسات، لا سيما لدى الشركات المدرجة بسوق الأوراق المالية.
إن أغلبية دول العالم والتي تنتهج خيار الاقتصاد الحر تتبع معايير الشفافية العالمية ونظم الحوكمة والتي أقرتها المنظمة الدولية لهيئات أسواق المال - IOSCO. إن حوكمة الشركات اكتسبت أهمية أكبر بالنسبة للديموقراطيات الناشئة نظراً لضعف النظام القانوني الذي لا يمكن معه إجراء تنفيذ العقود وحل المنازعات بطريقة فعالة. كما أن ضعف نوعية المعلومات تؤدى إلى منع الإشراف والرقابة وتعمل على انتشار الفساد الإداري وانعدام الثقة، وبكل تأكيد أن اتباع المبادئ السليمة لحوكمة الشركات إلى خلق الاحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة. بيد أنه جاء هذا الاهتمام مع انفجار الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 وتأكدت تلك الأهمية مع اندلاع الأزمة المالية الأميركية وما تبعها من أزمات مالية في بلدان العالم أجمع، تلا ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية، وكما وظهرت بوضوح أهمية حوكمة الشركات حتى في الدول التي كان من المعتاد اعتبارها أسواقاً مالية قريبة من الكمال حتى أنشئت منظمات وتجمعات ومؤسسات تراقب وتنشر مفاهيم الحوكمة السليمة للرقي بأداء الإدارة.
إن تعيين هيئة الأسواق المالية أمر لا يستهان به ويجب أن لا يكون مبنيا على المحاصصة السياسية، ويجب أن يكون مبنياً وفقا لنظام وقواعد حوكمة الشركات وقانون هيئة أسواق المالية وبذلك يصبح ضرورة قانونية حتمية لا اختيارية، بل إن مواكبة التطورات العالمية أصبحت محل أنظار الكثير من المستثمرين الأجانب وقد سبقت لبنان معظم دول الخليج (السعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وعمان) بسنوات في إقرار نظام خاص بهيئات الأسواق المالية، ولا شك أن أي قرار تنظيمي يصدر في هذا الإطار لا بد وأن يراعي المعايير الأساسية لقواعد وأسس الإدارة السليمة والمتبعة، وأن لا يخرج منها أي نظام عالمي يقنن مفاهيم الحوكمة.
كما أنه مطلوب من كافة المعنيين بضرورة إيجاد جهاز ونظام متكاملين لرقابة تطبيق مفاهيم الحوكمة في كل من الوزارات والبنك المركزي وهيئة أسواق المال، خاصة في ظل المشاكل العديدة التي تواجه استمرارية أداء القطاع العام، وبكل تأكيد أن استمرارية وجود مثل تلك المشاكل يؤثر حتماً على الاقتصاد الوطني في نهاية المطاف. ولا بد أنه مطلوب المضي قدماً في تأكيد مفاهيم الحوكمة في كل الشركات التجارية العاملة في لبنان ولا شك أن نظم الحوكمة يمكن أن يمتد تطبيقها حتى على الجهات الحكومية والمؤسسات العامة وهيئاتها فهو نظام شامل يحل العديد من مشاكل الإدارة ويوصلها للإدارة الرشيدة.
إن جوهر دور هيئة الأسواق المالية هي الإدارة الرشيدة للشركات وضمان وجود علاقات قائمة على الثقة بين الشركة وبين أصحاب المصالح فيها، لذلك فإن الإدارة الرشيدة هي ثقافة وجو من الانسجام والثقة، والمسؤولية، والمساءلة، والعدل، والشفافية والفعالية التي تعمم في سائر أرجاء الشركة وفي مفاهيم القيادة، لذلك ينبغي لهذه الهيئة أن تبنى على أساس الإدارة الرشيدة وأن تتبنى هيكليات، وسياسات، وعمليات واضحة، كاستعمال مواثيق الإدارة السليمة من غير تبعية وولاء سياسي، وعدم تجاوز أخلاقيات العمل التي تعتبر الإدارة مسؤولة عنها، وتعميم تلك المواثيق على الشركات المالية بأكملها والمصارف أيضاً.
إنه مطلوب اليوم الاستعجال بتشكيل هيئة الأسواق المالية للتعامل مع مجمل السياسة المالية والنقدية المتبعة حالياً، والعمل على رفع الوعي الاستثماري الذي كان غائباً لدى معظم المضاربين والمستثمرين في السوق والتعامل مع إدارات صناديق البنوك والصناديق العامة، وهذا لن يتم إلا من خلال اعتماد سياسة استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، والتي تعتمد على التواصل الإعلامي المباشر مع جميع وسائل الإعلام دون استثناء والتخلي عن البيانات التقليدية لأن الإعلام هو الواجهة الحضارية التي تنقل مطالب الشارع العام والخاص. كما يجب أن تكون هيئة الأسواق المالية المحور الأساسي الشفاف والنابض في ما يتعلق بهيكلة الهيئة وسوق الأسهم وما يتعلق بفصل الجهة الرقابية عن الجهة التنفيذية للسوق، بالإضافة إلى عدم الاعتماد على التوصيات الخارجية إلا بعد تمحيصها، لأن كثيراً منها مضر للاقتصاد الوطني.
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.
بقلم د. ماجد منيمنة

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,030,588

عدد الزوار: 6,931,394

المتواجدون الآن: 87