المستقبل الصفري: القوة الأميركية في عصر القلق

تاريخ الإضافة الثلاثاء 31 كانون الثاني 2012 - 5:55 ص    عدد الزيارات 1121    التعليقات 0

        

المستقبل الصفري: القوة الأميركية في عصر القلق




جيدون راتشمان
عرض: محمد عبد الله يونس

«العالم يتغيّر بوتيرة سريعة نحو احتدام الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى»، هذه هي المقولة المركزية التي يطرحها «جيدون راتشمان» - المحلل الاقتصادي ومحرر قسم العلاقات الدولية بصحيفة «فايننشال تايمز» - في كتابه «المستقبل الصفري.. القوة الأميركية في عصر القلق»، محذرا من مستقبل صراعي نتيجة لتداعيات الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008، وسيادة منطق المباراة الصفرية على تفكير وسياسات الدول الكبرى، لا سيما الصين والولايات المتحدة، بما جعل التعاون في مواجهة القضايا الدولية العابرة للحدود، مثل الاحتباس الحراري والإرهاب، غير مطروح رغم أهميته.
يعد هذا الكتاب امتدادا لموجة الكتابات عن تحولات النظام الدولي بعد الأزمة المالية العالمية التي تناولت تراجع التفرد الأميركي على المستوى الدولي، وصعود قوى دولية جديدة مناوئة للولايات المتحدة، وتغير الخريطة الجيوسياسية للعالم، ومن هذا المنطلق، يطرح «راتشمان» عدة تساؤلات حول مستقبل التفاعلات الاقتصادية العالمية، وكيف يمكن للولايات المتحدة التعايش في ظل تلك التحولات الدولية.
نهاية العولمة والاعتماد المتبادل:
يبدأ الكاتب مراجعته التاريخية منذ عام 1978 وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الرأسمالي الذي تبناه الرئيس الصيني «دينج زياوبنج»، وقد تواكب ذلك مع تحولات دولية إيجابية من منظور الكاتب، مثل سقوط الأنظمة السلطوية في أميركا اللاتينيية والبرتغال وإسبانيا في نهاية السبعينيات، ووصول كل من «مارغريت تاتشر» و«رونالد ريغان» للسلطة في بريطانيا والولايات المتحدة، وسياساتهما الداعمة بقوة لاقتصاد السوق الحر والقطاع الخاص. أما التحول الأبرز في هذه الفترة، فكان وصول «ميخائيل غورباتشوف» للسلطة في الاتحاد السوفيتي، وتبنيه سياسات إصلاحية أدت لسقوط الاتحاد السوفيتي، وتراجع أهمية الأيديولوجية الاشتراكية والأيديولوجية القومية. ويحتفي الكاتب في هذا الصدد بمقولات «فرانسيس فوكوياما» حول نهاية التاريخ، واعتبار الرأسمالية التطور النهائي للأيديولوجيات. ويطلق الكاتب على هذه المرحلة إجمالا «عصر التحولات».
تنطلق المرحلة التالية التي يطلق عليها الكاتب «عصر التفاؤل» بداية من سقوط حائط برلين عام 1989، وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وعصر الأحادية القطبية، وتصاعد موجات التحول الديمقراطي عالميا. إلا أن التحول الأبرز، من وجهة نظر الكاتب، كان العولمة الاقتصادية، وبداية عصر المكاسب المتبادلة لجميع الدول بتوظيف آليات اقتصاد السوق، والاعتماد المتبادل لمواجهة التحديات العالمية.
ويرى الكاتب نجاح جهود التكامل الأوروبية وتدشين الاتحاد الأوروبي تتويجا لهذه المرحلة. بيد أن هذا التفاؤل الدولي لم يستمر طويلا مع تراجع عوائد التعاون الدولي، وبداية الأزمة المالية العالمية عام 2008.
عصر القلق والصراع الاقتصادي:
يرى «راتشمان» أن الأزمة المالية العالمية لم تكن مجرد تراجع مؤقت في مسار الاقتصاد العالمي، وإنما نقطة تحول جوهرية في تطور النظام الدولي لتمثل عودة لمنطق النظرية الواقعية حول حتمية الصراع الدولي، وأولوية المصلحة القومية على المكاسب المتبادلة. ويطلق الكاتب على مرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية «عصر القلق»، كناية عن غموض مآل التفاعلات الدولية، وانهيار موجة التفاؤل الدولي التي سادت مرحلة التسعينيات.
ويعرف الكاتب «عصر القلق» بأنه مرحلة انهيار الازدهار والاستقرار الدولي الذي يميز عصر العولمة ومرحلة عودة الأيديولوجيات القديمة، ونهاية تفرد الرأسمالية.
ويدرج في إطاره عدة تحولات، أهمها:
(1) تراجع القوة الاقتصادية الأميركية والأحادية القطبية كأحد تداعيات الأزمة المالية العالمية.
(2) انتقال مركز القوة الاقتصادية من الولايات المتحدة إلى القارة الآسيوية، لا سيما مع الصعود الصيني.
(3) موجات التراجع الديمقراطي وعودة السلطوية والأيديولوجيات القومية، خاصة في آسيا وأميركا اللاتينية.
(4) تصاعد التحديات الاقتصادية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي واحتمالات انهيار تجربة التكامل الأوروبي، نتيجة عجز المنظمة عن احتوائها.
(5) احتدام التحديات الدولية العابرة للحدود البيئية والأمنية والاقتصادية، وعجز المجتمع الدولي عن مواجهتها، نتيجة التنافس على الموارد النادرة.
كيف يمكن تجاوز حتميات الصراع العالمي؟
يشير الكاتب إلى أن هذه التحولات تعد بداية التغير في بنية النظام الدولي، وأن الولايات المتحدة لا يمكنها إجهاض تلك التحولات باستراتيجية استباقية للحيلولة دون فقدان مكانتها الدولية. بمعنى آخر، فإن الاستجابة لمقتضيات الصراع الدولي ومنطق المباراة الصفرية لن تؤدي سوى للتبكير بفقدان الولايات المتحدة لمكانتها الدولية، وصعود القوى الجديدة، مع استمرار عدم الاستقرار والصراع على المستوى الدولي.
تكمن الاستراتيجية الأفضل، من منظور الكاتب، في «الهدوء والاستمرار» على حد تعبيره بمعنى عدم الانجراف إلى الصراع مع القوى الصاعدة، والاستمرار في دعم التعاون الدولي، والاعتماد المتبادل لمواجهة التحديات الدولية.
ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة يجب أن تسعى لاحتواء القوى الصاعدة، مثل الصين، وتجنب المواجهة المباشرة بمعنى اتباع الاستراتيجية نفسها التي أوصى بها «جورج كينان» لمواجهة المد السوفيتي منذ خمسينيات القرن العشرين. ويؤكد أن مهمة الولايات المتحدة لن تكون فقط الحفاظ على انفرادها الدولي، وإنما إنقاذ العالم من صراع محتدم وممتد.
ويتضح من الكتاب الخط الليبرالي لـ «راتشمان»، بيد أن المراجعة التاريخية التي يطرحها لا تقدم الكثير للقارئ، ولا تضيف لما كتب في تحليل التحولات الدولية التالية للأزمة المالية العالمية، حيث تحتل الخلفيات التعريفية بالشخصيات المحورية، مثل «مارغريت تاتشر»، و«رونالد ريغان»، و«بيل غيتس» مساحة واسعة بالكتاب، على الرغم من كونها تفاصيل لا تخدم الأطروحة الرئيسية للكاتب. ويبدو الخلط المفاهيمي واضحا، فيتعامل الكاتب مع العولمة والنظام الدولي الجديد على أنهما مترادفان.
ويربط بين نظرية السلام الديمقراطي لـ «إيمانويل كانط» والرأسمالية، على الرغم من عدم وضوح العلاقة بينهما. وفي النهاية، لا يقدم سوى استراتيجية تقليدية لمواجهة التحولات الدولية. ويعيد طرح استراتيجيات الاحتواء والمواجهة، وهو ما يعيدنا للتضارب في أفكار الكاتب، وتوظيفه لاستراتيجيات واقعية لتحقيق غايات ليبرالية.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,171,144

عدد الزوار: 6,758,706

المتواجدون الآن: 124