الأزمة مستمرة والأضرار تتوسّع

تاريخ الإضافة الأحد 12 تشرين الأول 2008 - 7:12 ص    عدد الزيارات 1811    التعليقات 0

        

بقلم مروان اسكندر

مساء الخميس المنصرم كانت الازمة مستمرة وعلى تصاعد في الاسواق المالية الرئيسية، بينما انفردت ثلاث اسواق ببعض التحسن هي الاسواق المصرية والسعودية والروسية.  وقد تخوف وزير الخزانة الاميركي ألا يسير برنامج الـ 700 مليار دولار لشراء الديون المسمومة (او المتعسرة) من المصارف بالسرعة الكافية لمنع انهيار عدد اضافي من المصارف.
ويبدو حجم الازمة المالية المتمثل بالخوف من تبخّر حقوق كبيرة للمودعين ومبالغ ضخمة للمصارف، وتدني قيم الموجودات، ومن ثم تقلّص حجم التجارة والمبادلات، وضمور فرص العمل، كأنه نذير كساد كبير كالذي حدث عام 1929 واستمر حتى عام 1933 وساهم بالتأكيد في حينه. في تقوية اعتماد الفاشية والنازية كخيارين سياسيين بديلين من ممارسات التجارة الحرة.
وتكمن جذور الازمة الحالية في السياسات النقدية والمالية التي اتبعتها السلطات الاميركية، وخصوصا خلال رئاسة ألن غرينسبان لمجلس الاحتياط الفيديرالي. ومن ابرز مظاهر الممارسات المضرة، معالجة الازمة بعد الاخرى بتوفير التمويل المنخفض الكلفة، وما زاد فداحة هذه الممارسة العلاقات الوثيقة بين القيادة السياسية ورؤساء المؤسسات المالية ومديريها الكبار. وعندما برزت شروط التقيد بمعايير انضباطية سميت "بازل 1" و "بازل 2"، تفادى الاميركيون وقعها بإلغاء قانون غلاس – سيفيل الصادر اوائل الثلاثينات والذي ميز بين المصارف التجارية ومصارف الاستثمار ونشاطات التأمين، وتاليا منع تفاعل هذه المؤسسات اقراضياً بعضها مع البعض الا في حدود معينة.
وعام 1998، استطاعت قوى المصارف والمضاربين وشركات التأمين الغاء هذا القانون، وكانت هذه الخطوة التمهيدية التي ساهمت في التعجيل في ازمة الاقراض. وأتاح هذا القرار لشركات التأمين استعمال اموال الادخار للمضاربات، كما افسح في المجال للمصارف التجارية لاستعمال الودائع في المضاربات، ولم تعد ثمة حواجز بين اعمال هذه المؤسسات التي تشابكت الى حد بعيد.
وخلال الثمانينات، وخصوصا في النصف الثاني منها، شهدت الاسواق المالية في الولايات المتحدة موجة تسويق السندات غير الموثقة وذات الفوائد المرتفعة، مما تسبب بأزمة كانت حصيلتها سجن عشرات المتعاملين كما ذكرنا في مقالنا الاسبوع الماضي. 
وفي الستينات، وقبل تحرير العمليات كلياً وفتح مجالات انسياب رؤوس الاموال، طرأت ازمة الصناديق المشتركة Mutual Funds  وكان بطلها عميل بورصة اميركي اسمه برني كورنفلد استغل سمعة سويسرا وسريتها المصرفية لاطلاق صناديقه الاستثمارية غير الواضحة المعالم والتي افلست في ما بعد وتسببت بخسارة مستثمرين لبنانيين وعرب عشرات الملايين من الدولارات.
على ان الاستشهاد بأزمات سابقة لا يكفي لتوضيح صورة المخاطر التي تفجرت، فمنذ 1982 حتى تاريخه ثمة 12 ازمة كبيرة وجبت مواجهتها، منها أربع اقتضت تدخل صندوق النقد الدولي ومؤازرته.  وحيث ان الغوص في التفاصيل سيبعدنا عن فهم جذور المشكلة، سنسعى الى اعطاء صورة واضحة ومختصرة عن هذه الجذور.
- تحول الاقتصاد الاميركي خلال السنوات العشرين المنصرمة من اقتصاد منتج لشتى أنواع البضائع التي كانت قيمتها تمثل 20 في المئة من الدخل القومي، الى اقتصاد يحتل فيه القطاع المصرفي والمالي هذه النسبة من الدخل القومي، في مقابل سبعة في المئة صارت حصة المصانع.  وتفرعت فرص العمالة الى الخارج مع تنوع الاستثمارات وتطور التكنولوجيا التي باتت تسمح بتقديم خدمات عبر شبكات الاتصالات مع بلدان بعيدة، وتكليف مصانع انتاج تصاميم ترسل بالصور والتفاصيل الالكترونية.
- بحلول عام 2005 تجلى التحول نحو القطاعات المالية في الارقام الآتية:
- 15 تريليون دولار (والتريليون يساوي الف مليار دولار) قيمة الاسهم والسندات في السوق الاميركية، أي ما يماثل حجم الدخل القومي.
- 40 تريليون دولار حجم المديونية العامة، أي مديونية الدولة والمؤسسات التجارية والعائلات والافراد.
- 270 تريليون دولار قيمة عقود المضاربات المستقبلية سواء على أسعار القمح أو الذهب أو النفط، أو أسعار رزم من الحقوق تسوق، ومنها حقوق تتمثل بضمانات من شركات تامين كبرى لقروض من مجموعات من الاشخاص.
باختصار، ان حجم الالتزامات المالية المطروحة في السوق الاميركية، وعبر المصارف الدولية القائمة في نيويورك وغيرها، صار يساوي 20 ضعفاً من حجم الاقتصاد القومي.
السؤال هو:  كيف حدث هذا التضخم في الاعباء ولم تلجأ السلطات الاميركية، سواء عبر التشريعات الضريبية أو عبر ممارسات مجلس الاحتياط الفيديرالي، الى كبح الاستدانة؟  وهذا يستتبع سؤالاً آخر: لماذا لم نسمع أصوات معارضة للمنهجية المتبعة؟
عندما تولى جورج بوش الابن الرئاسة كانت حسابات الموازنة قد حققت في السنوات الثلاث الاخيرة من عهد بيل كلينتون فوائض ملحوظة.  وفي خطابه الاول للأمة في 20 كانون الثاني 2001، قال بوش: "اننا نهدف الى تسديد جزء ملحوظ من ديننا العام، كما اننا سنضاعف مخصصات العناية الصحية بالمسنين خلال السنين العشر المقبلة".
لم تحقق سياسات بوش شيئاً من ذلك. فالمديونية العامة ارتفعت من سبعة تريليونات دولار الى 12 تريليوناً خلال ثماني سنوات، وأزمة القروض العقارية، وعما قريب القروض الشخصية، لا تزال تعصف بالاقتصاد الاميركي والاقتصاد الدولي.
وتعالت أصوات الاحتجاج والتنبيه من غير ان تؤدي الى نتيجة في مناخ المضاربات والأطماع والتعميات.  ومن أوائل الذين نبهوا الى وقوع الازمة وأهمهم كان ستيفن روش أكبر اقتصاديي بنك مورغان ستانلي للاستثمارات الذي اعترض على الفقاعات المالية لغرينسبان وسماه "أبو الفقاقيع". وقد استعمل هذا التعبير للامعان في تصوير فقدان المناعة لدى غرينسبان.  كما ان انتقادات، الرئيس السابق للمجلس بول فولكر الذي حارب تضخم اوائل الثمانينات واستطاع ضبط الاسواق وتقوية الدولار وبدء مسيرة خفض معدلات البطالة، لم تساعد على تحسّن سياسات مجلس الاحتياط الفيديرالي.
وعام 2006 صدر كتاب لكيفن فيليبس، وهو من كبار المخططين الاستراتيجيين في الحزب الديموقراطي ومن المعلقين المشهورين في الولايات المتحدة، كان عنوانه كافياً في ذاته لدفع المسؤولين الى تبني سياسات تمنع الانهيارات، لكن فريق بوش لم يقرأ ولم يكن يسمع إلاّ قرع طبول الحرب والادعاءات الزائفة.
عنوان الكتاب: American Theocracy
The Peril and Politics of Radical Religion, Oil, and Borrowed Money in the 21st Century
وترجمته: "الحكم الديني الاميركي، المخاطر والسياسات للدين الاصولي، النفط والمال المقترض في القرن الحادي والعشرين".
صدر الكتاب عام 2006، علما بان المؤلف انجزه عام 2005.  ويكفي ان الكتاب يقول بوجود ثلاث حركات اصولية في العالم: الاصوليون المسلمون، والصهاينة، والمسيحيون المتجددون.  ويرى المؤلف ان أخطر الحركات الاصولية هي حركة المسيحيين المتجددين. فهؤلاء من جهة يؤازرون الصهاينة، ومن جهة أخرى يستطيعون التأثير في انتخاب رئيس القوة الرئيسية في العالم.  كما يرى ان الهوس الديني لفريق الرئيس الاميركي أبعده عن تحسس الاصول والتفاصيل للازمة التي عممتها الولايات المتحدة على بقية العالم، وخصوصا كنتيجة حتمية للعولمة.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,179,063

عدد الزوار: 6,759,221

المتواجدون الآن: 129