ميزانية 2012 وتمنيات صندوق النقد الدولي!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 21 شباط 2012 - 6:30 ص    عدد الزيارات 1026    التعليقات 0

        

 

ميزانية 2012 وتمنيات صندوق النقد الدولي!

بقلم د. ماجد منيمنة
تجاوز لبنان الركود العالمي في 2008 محققاً نمواً بين 7 و9 بالمئة في الأعوام الثلاثة الماضية، لكن الانقسامات السياسية عرقلت ميزانية 2010 في البرلمان، لتمنع الحكومة من إنفاق ملياري دولار خصصت لمشروعات بنية تحتية تحتاج إليها البلاد. ولا تزال مسودة ميزانية 2011 حتى يومنا هذا في أدراج مجلس الوزراء.
ان مسودة الميزانية تأتي في ظل وضع اقتصادي عالمي حرج، وتراجع في النمو اللبناني خلال الأشهر الأولى من سنة 2012، ومن المتوقع أن يرتفع الدين العام إلى 61 مليار دولار في النصف الأول من سنة 2012 ومن المقدر أن يصل إلى 72 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة مع زيادة في أرقام العجز.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل مشروع الموازنة المُقترح للعام 2012 يُحقّق زيادة الإيرادات إلى الناتج المحلي والذي يتضمن رفع بعض الضرائب، من بينها رفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 12 بالمئة وهل ذلك يعزز الإيرادات ونتفادى بهذه الخطوة الاقتراض من الأسواق العالمية؟. وهل إدخال رسم على المبيعات العقارية بنسبة 3 بالمئة، تمهيداً لإدخال الضريبة على الأرباح الرأسمالية وزيادة ضريبة الفوائد من 5 إلى 8 بالمئة وغيرها من الإجراءات يحفّز الاقتصاد الوطني ويقلّص العجز؟.
وهل تستطيع ميزانية 2012 أن تحقق تراجعاً في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 135 بالمئة إلى 132 بالمئة، وهي النسبة التي تجعل من لبنان أحد أكثر الدول ديوناً في العالم؟.
أضحى من المعروف أن الاختلالات التي سوف تلحظها ميزانية 2012 هي حصيلة تراكمات لسياسات اقتصادية واجتماعية خاطئة أصلاً. ويكمن خطأ تلك السياسات في أنها قيّدت المبادرات الخاصة وضيّقت المجالات المفتوحة أمام القطاع الخاص، وحالت بين الاستثمار الأجنبي والاقتصاد الوطني، وأطلقت العنان للقطاع العام فدخل مجالات لا تتفق مع طبيعته، وعزلت الاقتصاد الوطني عن الاقتصاد الرأسمالي من خلال التدخل في الاستثمار الريعي وإبطال مشروع الإنفاق على القطاع العام والشروع إلى عض الأصابع في مشروع الرواتب والأجور وإقامة أسوار أمام الصناعة المحلية ورفع المظلة عن الحماية الاجتماعية التي بدورها حجبت الدعم والتأمينات الاجتماعية والصحية عن العباد مما أفقد الحافزية للعمل والإنتاج.
لذلك قد يأتي العلاج من خلال برامج التصحيح المالي والاقتصادي وإعادة الهيكلة وتحرير الاقتصاد من براثن الفساد والمنتفعين من الطبقة السياسية التي تحكم البلاد ولا ترحم العباد، حيث يجب أن يسير الوطن من جديد على مذهب الاقتصاد الرأسمالي الحر, مع إدماجه دمجاً عضوياً في النظام الرأسمالي العالمي. وهذا لن يكتمل مع وجود حكومة عاجزة عن أخذ القرارات وهي تقف على خاطر الأحزاب والتيارات التي تحكم بقوة السلاح!. والهدف المطلوب هو المباشرة في برامج التصحيح وتحسين وضع ميزان المدفوعات. وهذا العلاج هو من تمنيات صندوق النقد الدولي والتي تتضمن تحرير الاقتصاد، وتخفيض سعر الصرف، تخفيض الإنفاق العام، بيع القطاع العام للقطاع الخاص، إلغاء الدعم على المواد الأولية. لم تختلف طريقة صندوق النقد الدولي في تقويم مدى نجاح برامج التصحيح التي يتبناها عن ذي قبل, فما زال التركيز الأكبر على عجز ميزان المدفوعات وعجز الموازنة العامة. وبرغم أن المؤشرات المستخدمة في التقويم قد تشمل معدل التضخم ومعدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي. إن مقياس النجاح يظل هو إحداث خفض ملموس في العجزين الداخلي والخارجي ونسبة كل منهما إلى الناتج المحلي الإجمالي. فالتركيز على تحقيق النمو, في ظل توافر قدر معين من الموارد, قد يؤدي إلى وضع قيد على السياسات التي يمكن صنعها وتعاطيها للوصول إلى ميزان مدفوعات قوي. وليس من الحكمة تعجّل الحصول على معدلات نمو مرتفعة, ففي غياب التصحيح سيكون النمو الذي يتحقق اليوم في الغالب على حساب نمو أبطأ في المستقبل.
قد يتحمل فقراء الوطن النتائج السلبية والأثر الضار لبرامج التصحيح وإعادة الهيكلة التي يطرحها صندوق النقد الدولي. فالخفض الكبير في الإنفاق العام يؤدي إلى هبوط معدلات النمو الاقتصادي وتراجع المدخول في فترة الركود، يستتبع نقص الإنتاج وزيادة البطالة وتدهور مستوى المعيشة. وهذه النتيجة لا تمثل مشكلة في رأي خبراء صندوق النقد الدولي، ويعتقدون أنها تمثل عنصراً من عناصر الحل، وبذلك لا ينكر بعض خبراء الصندوق أن الذي يتحمل النتائج السلبية والأثر الضار لتطبيق وصفة الصندوق هم الفقراء حيث يزداد الفقراء فقراً وتزداد ثروة الأغنياء.
يبدو مصدر الضرر للفقراء في الجانب التقشفي لهذا البرنامج وهذا يؤثر عليهم من زوايا عديدة فهو يقتطع جانباً من النفقات العامة ذات الطابع الاجتماعي التي يستفيد منها الفقراء بالدرجة الأولى، وبخاصة ما يتعلق بدعم السلع الاستهلاكية والتعليم والخدمات الصحية المجانيين. كما أن البرنامج كثيراً ما يعمد إلى زيادة الإيرادات برفع أسعار منتجات القطاع العام وأسعار خدمات المرافق العامة كالكهرباء والمياه، وخدمات النقل العام بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق رفع أسعار المنتجات او المشتقات النفطية. والضرر النسبي الذي يقع على الفقراء وأصحاب المداخيل المحدودة من جراء ذلك أكبر من الذي يقع على الفئات الأعلى دخلاً. كذلك فإن الأثر الانكماشي للبرنامج ينعكس على الفقراء في شكل تضاؤل فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة. أضف إلى ذلك أن برنامج التصحيح له آثار تضخمية، برغم أنه يسعى على حد زعم أصحابه إلى مكافحة التضخم فهو ينطوي, كما أسلفنا, على رفع مباشر وغير مباشر من خلال تخفيض الدعم أو إلغائه، وكذلك من خلال تخفيض سعر صرف العملة المحلية وأيضاً عن طريق إطلاق العنان لقوى السوق في تحديد الأسعار لأسعار العديد من السلع، والتضخم, كما هو معلوم, ليعيد توزيع الدخل من الفقراء إلى الأغنياء ويهبط بمستوى الأجور الحقيقية ومستوى معيشة أصحاب المدخول الثابت والمحدود.
والمشكلة هي أن التدفقات الرأسمالية الدولية لدول العالم الثالث قد انكمشت انكماشاً كبيراً سواء من المصادر الرسمية أو من المصادر التجارية. ومن ثم فإن توافر الدعم المالي الخارجي لمساندة برامج التثبيت يتطلب عكس حركة التدفقات الرأسمالية الدولية, وهو أمر لا تملك دول العالم الثالث التأثير فيه كذلك يلاحظ، من ناحية أخرى، أنه كلما زادت المبالغ المطلوبة لدعم برامج التثبيت تشدد الصندوق في فرض شروطه وأصبح التفاوض معه على تخفيف بعض الشروط أصعب. وفي كل الأحوال فإن تنفيذ البرنامج يعني من الناحية العملية الاستمرار في دوامة الاقتراض، وليس هناك ما يضمن أن فترة التنفيذ تكفي لإعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية على نحو يمكّن الدولة المنفذة للبرنامج من خدمة حجم أكبر من الديون الخارجية بعد البرنامج. ولهذا فليس من المستبعد أن يستمر لبنان في الاعتماد على الصندوق من خلال التجديد المتتالي لبرنامج التثبيت واتفاقات المساندة، مما يفاقم من أوضاع المديونية الخارجية والتبعية.
وفي صدد الانتقادات الموجهة إلى برامج ووصفات صندوق النقد الدولي في إعادة الهيكلة يمكن التركيز على ثلاث نقاط مهمة منها:
1- يجب تنفيذ هذه البرامج بتكاليف اجتماعية واقتصادية أقل حدة ، ومن ثم توفير ظروف تصبح فيها هذه البرامج مقبولة ودون معارضة شعبية قوية، ويتطلب توافر دعم مالي خارجي على نطاق كبير. فذلك أمر هام لتفادي الآثار الانكماشية أو على الأقل تخفيف حدتها، وكذلك لتخفيف الأعباء على الطبقات الشعبية. ولهذا تصطحب هذه البرامج عادة بتقديم مساندة مالية من الصندوق والبنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى فضلاً عن تأجيل سداد الديون وإعادة الجدولة.
2- إن نجاح برامج الصندوق ليس هو القاعدة والتبرير المعتاد من جانب الصندوق لا يخرج عن واحد من اثنين: الجرعات لم تكن كافية ولم تكن مكثفة ومركزة على مدى زمني قصير، والظروف الخارجية لم تكن مواتية. أما احتمالات الخطأ في التشخيص أو عدم ملاءمة العلاج فهي احتمالات لا ترد على بال الصندوق.
3- ان معظم الدول التي تطبق برامج الصندوق بإخلاص وتفانٍ كان عليها أن تواجه أحد أمرين: التضحية بالديمقراطية من أجل الاستمرار في تنفيذ البرنامج، أو حدوث انقلاب على الحكومة بعدما تتضح العواقب الوخيمة لتنفيذ البرنامج. إن تنفيذ برامج صندوق النقد الدولي في الإصلاحات الهيكلية يفترض وجود سلطة منحازة بشكل واضح للطبقة الغنية في المجتمع ولرأس المال المحلي والأجنبي، وراضية بشكل عام عن وضع الاقتصاد الوطني ودوره في ظل التقسيم الدولي الراهن للعمل. لذلك ما هو البرنامج البديل لبرنامج صندوق النقد الدولي لإعادة الهيكلة والإصلاحات الاقتصادية؟.
إن البرنامج البديل يجب أن لا ينصب على إصلاحات اقتصادية فحسب بل هو عملية شاملة تهدف إلى بناء أسس جديدة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كأساس لنفي التبعية الحزبية والانتفاعات الشخصية والحيلولة دون عودتها للظهور من جهة، وبناء التنمية المستقلة والمستمرة والتي تحقق العدالة الاجتماعية. وهذا يعني سيطرة المجتمع على شروط تطوره، ووضع سلطة اتخاذ القرارات المتصلة بهذه العملية بأيدي القوى الوطنية التي لا مصلحة لها في الانتفاع الشخصي من الاقتصاد الوطني. وبهذا تنطلق التنمية المستدامة التي تقوم بالاستناد إلى مبدأ الاعتماد على النفس، من أن الإنسان هو محور التنمية وهو صانعها الحقيقي وهو من يجب أن تؤول إليه نتائجها. وهذا يعني أن الاعتماد الأساسي في التنمية المستدامة هو الاعتماد على البشر مع الاهتمام بمصير الأجيال القادمة، أي الاهتمام بالمستقبل وشبابه. ويترتب على ذلك أمران من قبل الدولة، الأول: ضرورة الاهتمام بالإنسان وبذل أقصى ما يمكن لإشباع حاجاته الأساسية من جهة، وتنمية البشر وتطوير قدراتهم على الابتكار والإبداع والعمل بكل السبل على استعادتهم لثقتهم بأنفسهم. والثاني: الاهتمام بمستقبل الأجيال المقبلة وضمان تحقيق معدلات نمو جيدة وعدم الجور في استخدام الموارد الطبيعية وهدرها.
أما القضية العاجلة والمحورية في البرنامج البديل فتتطلب تعبئة كل الجهود بهدف زيادة الإنتاج بالاعتماد على القوى الذاتية. وكل إنجاز في هذا السبيل سوف يساعد لبنان في التغلب على الصعوبات الاقتصادية الراهنة. ولابد من توفر شروط أفضل لزيادة الإنتاج، وبخاصة زيادة إنتاج المواد الغذائية، بهدف رفع نسبة الاكتفاء الذاتي, وزيادة إنتاج المنتجات ذات الاستهلاك الشعبي للوفاء بالاحتياجات الأساسية لأكبر شريحة في المجتمع, زيادة الإنتاج في القطاع العام ورفع مستوى الأداء فيه, كما إصلاح نظم الرواتب والأجور بأسلوب محق وفعال. ولا بد من تهيئة المناخ الاستثماري المناسب والتركيز على موضوع الصناعات التصديرية، واتباع سياسة نقدية ومالية مناسبة لمكافحة التضخم.
---------------
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,104,977

عدد الزوار: 6,934,933

المتواجدون الآن: 87