الطبقة السياسية تستبيح الإقتصاد الوطني!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 28 شباط 2012 - 5:15 ص    عدد الزيارات 1035    التعليقات 0

        

 

الطبقة السياسية تستبيح الإقتصاد الوطني!
بقلم ماجد منيمنة   
ثمة إجماع في لبنان على أن البلد يعيش في أزمة اقتصادية حادة. وجميع اللبنانيين يتذمرون، مطالبين بتغيير واقع الحال. وثمة الكثير من الأبحاث التي انكبت على مناقشة هذه الأزمة وقد نشرها المتخصصون في مقالات صحفية وكتب ودراسات, ولكن من جهة أخرى فإن بعض السياسيين يكثرون من التصريحات ويتشدقون في وسائل الإعلام ليقنعوا مواليهم ببرامجهم «الإصلاحية».
لذا فقد اعلن مؤخراً وزير الطاقة جبران باسيل عن تأليف لجنة تحقيق من وزارة الطاقة فيها قاض منتدب من مجلس شورى الدولة في المنشآت النفطية يدعى البير سرحان وقاض آخر منتدب من مجلس الشورى لتنظر في مسألة الهدر الكبير بموضوع المازوت الأحمر والذي تصل نسبته إلى حوالى 209 مليارات ليرة لبنانية، كما أعلن ان اللجنة ستضم أيضاً مدير عام للاستثمار وفيها موظفة من مديرية النفط, كما طالب باسيل وزراء العدل والمال والاقتصاد ان ينتدبوا ممثلين من قبلهم للمشاركة في هذا التحقيق.
ولكن عندما يتوقف كل مواطن عند هذا الحدث, فإنه يرى جزءاً صغيراً من هذه الشفافية التي يدّعيها الوزير باسيل وتياره العوني, بل إن هذا الأخير يحاول أن يختزل الحكومة كلها بشخصه الكريم, خاصة عندما يُعين هو القضاة في اللجنة ويتجاوز رئيس الوزراء ووزير العدل. حتى ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا يفعل جبران باسيل في وزارة الطاقة، وهل صلاحياته كسوبر وزير تخوله ان يضرب بعرض الحائط مهام رئيسها ومسؤوليات وزير العدل؟.
فمن الدعم الذي يتلقاه من العم الجنرال إلى الامتيازات المالية التي يحصل عليها من خزينة الدولة وأولها وليس آخرها المليار و200 مليون دولار أميركي لمشروع الكهرباء, مرورا بمشاريع السدود, والتنقيب عن النفط, والتوتر العالي في المنصورية واستملاك عقارات المواطنين وفضيحة ليلة المازوت الأحمر, جعله يحمل لقب «السوبر وزير».
كما أضحى معروفاً أن الاشتباك السياسي الأخير بين الوزير شربل نحاس والجنرال عون ليس ناتجاً فقط عن الاختلاف القائم بينه وبين الوزير فادي عبود, وإنما أيضاً بسبب الخلاف المستجد بين وزير العمل ووزير الطاقة جبران باسيل على الصلاحيات وشرعية المشاريع. كما نقلت الأوساط الإعلامية ان حالاً من الفتور غلبت على علاقة باسيل بنحاس، مردها انه يؤخذ على الأخير اتباع سياسة «الرؤوس الحامية» وانه أخذ يتصرف على أنه «سوبر وزير» وهذا ما يزعج باسيل من زميله بسبب قوله انه باقٍ على موقفه الرافض لتوقيع المرسوم النقل حتى لو وافق عليه 29 وزيراً.
كما نقل مقربون من وزير العمل شربل نحاس لـلإعلام الوطني استياءه الشديد ممّا حصل داخل التيار الوطني الحر وليس داخل الحكومة، حيث اعتبر ان الحملة المنظمة عليه كانت من الخارج والداخل، واستذكر العشاء السري الذي استضافه وزير الطاقة جبران باسيل بين العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي واللقاء التفاهمي بين الرئيس بري والجنرال الذي قدم رأسه كفدية لحفظ ماء الوجه مما اسس للخلاف الذي حصل داخل اجتماع التكتّل الاسبوع الماضي، والذي أثير خلاله وجوب ان يخضع نحاس  لإرادة التكتل لأنه مُنضَو تحت لوائه أو ان يقدم استقالته ويرحل بسلام.
كما أضحى معروفاً لدى معظم السياسيين والاقتصاديين في الوطن أن التيار الوطني الحر وبشخص الوزير جبران باسيل يسعى وراء المال، ويريد جنيَ المكاسب الانتخابية والمناطقية والمكاسب المالية البحتة من وراء مشاريعه التي يريد تمريرها من دون أي رقيب أو حسيب، خصوصاً بعد رفضه موضوع الهيئة الناظمة الواردة في قانون واضح، وهي المسؤولة عن قطاع الطاقة في لبنان. لذلك نشهد حرباً من قبل الوزير باسيل للسيطرة على الوزارة بشكل كامل وعلى كل مفاصل الطاقة في لبنان لمصالح شخصية فئوية ضيقة, وهذا يؤكد رفضه طلب تمويل الصناديق العربية, خاصة بعد ان زار وفد من الصندوق الكويتي الرئيس نجيب ميقاتي، وأبدى استعداده لتمويل الكهرباء, ولكن الوزير باسيل رفض وصد المشروع.
وبهذا لا بد وأن نقول ان الوزارات تعاني من الفساد الذي يتمثل باستخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة، وتفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، من خلال إساءة استخدام المال العام، والتضحية بفرص تنعكس على المصلحة العامة، مقابل تحقيق مكاسب شخصية بالاشتراك مع الجهات الرقابية التي تستهدف حماية المجتمع من الغش والتلاعب والفساد الإداري، وهكذا يتحول «حاميها إلى حراميها» وتتحول أجهزة الرقابة إلى أجهزة لتغطية الجرائم الاقتصادية وحماية الفاسدين لتصبح أداة بيد المفسدين مما يجعل عملية الإصلاح الاقتصادي أكثر صعوبة, وهنا يحق القول على ان الطبقة السياسية تستبيح الاقتصاد الوطني بكل مقوماته ولا أحد يبالي!!.
إن الاستباحة السياسية تذهب إلى مفهوم الحكم المطلق الذي لا يستند على حدود وضوابط واضحة المعالم والأركان. فنظام الحكم الذي يقوم على ديكتاتورية القائد أو الحزب وإلغائه لكافة القوى السياسية والاجتماعية، لا يعتمد على قانون تعاقدي في ممارسته للسلطة وينتهك متى شاء وكيفما شاء حقوق أبناء المجتمع الذي يديره. وفي الإباحية السياسية تسقط الطبقة الحاكمة أيديولوجيتها على كافة مجالات الحياة، أي تستبيحها من خلال استغلال مؤسسات السلطة، لتحول النظام السياسي إلى نظام شمولي يطغى على كافة مسارات حياة الفرد والمجتمع، وتسيطر الطبقة الحاكمة على الاقتصاد والمؤسسات العدلية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والمالية، لتدور كافة أوجه الحياة في الإطار السياسي باعتباره المركز والقاعدة، في تناقض مع الدولة الديمقراطية التي يكون فيها جهاز الحكومة عبارة عن مؤسسة إدارية، تمتلك صلاحيات مقننة وهامش محدد لسلطتها، والنظام السياسي ككل يتحرك في مسار خاص به لا يستبيح مسارات الأنظمة الأخرى. لقد خبرنا دائماً وجود المسافة بين القمة والقاعدة، بين الحاكم والمحكوم. وبينهما تقليدياً «الطبقة الوسطى»، التي كانت صلة الوصل، ومساحة لاحتمال الانتقال إلى الأعلى. لكن إدارة الحكم والاقتصاد بهذه الطريقة, أفضت إلى تذويب هذه الطبقة الواصلة، وخلق ما يشبه الفراغ بين القلة المسترخية في الأعلى، والكثرة المهملة والمتعبة في الأسفل. وكان لا بد ان يتفجر الصراع بين المستفيدين, كما حدث أخيراً.
ان عدم تطبيق القانون والاستمرار في استخدام قوة السلاح كخدمة لمصالح بعض الفئات وغياب الإصلاحين، السياسي والإداري، وتكريس خطر بيع وشراء الأصوات في الانتخابات، كلها مجتمعة كانت سبباً في أن نصف نواب البرلمان قد وصلوا بالضغط السياسي لا بأفكارهم وبرامجهم. ان ما تشهده المؤسسات الرسمية من ممارسات أضر بمسيرتنا الوطنية وعطل باقي الانجازات وهوى بسمعة المؤسسات والسلطات الدستورية, حيث حلت الفوضى والانحدار ولغة التنابذ والتخلي عن المسؤوليات والهروب من الجلسات مكان العطاء الصحيح والخلق القويم. كما أن في مجلسي الوزراء والنواب أهينت بداخلهم كرامة الحاضرين وتبادل النواب والوزراء الشتائم وأثنى بعض النواب مع الحكومة على سياسة الهروب ومقاطعة الجلسات حتى أصبحت السلطتان أسيرتين للممارسات السلبية، وصاحب ذلك كله من استقواء بعضهم بالشارع مكان الشرعية ودعوا للمظاهرات والاعتداء على املاك الناس. كما يستمر هذا المشهد في مجلس النواب على طريقة «حكلي ظهري بحكلك ظهرك» وهذا واضح عندما طيرت الجلسة التشريعية لإقرار مشروع القانون المتعلق باعتماد 8900 مليار ليرة وقانون بدل النقل العام المقترح من قبل النائب ابراهيم كنعان مقابل تسوية يفرضها فريق 8 آذار لإنفاق 11 مليار دولار من قبل حكومات 14 آذار.
هذا النموذج الذي يجمع بين حكم الوطن واستغلاله هو المؤسس لمضمون المركب السلطوي, من الاستبداد والفساد. وقد تعمّم على ما يُدعى بدور التحرر الوطني والإصلاح والتغيير بالقوى الانتهازية، كطبقة حاكمة بأمرها، عالية ومتعالية ما فوق مصائر بقية الناس أجمعين. ومن جهة أخرى فإن الشلل الذي أصاب عجلة الاقتصاد، يثير الشكوك حول قدرة هذا الاقتصاد الوطني على الصمود أمام حرب جديدة لا يعلم بالضبط الحجم والمدى والمستوى الذي سوف تصل إليه، مما يثير الخوف الكبير من الانهيار الاقتصادي الشامل وما يتبعه من انهيار اجتماعي وسياسي، يجعل المنطقة تتخبط في ظلام من عدم الاستقرار وتعيد عقاربها إلى الوراء في مجالات النمو والتقدم الحضاري والتعايش تحت مظلة السلم الاجتماعي. بالطبع وفي حال تدحرجت عجلة الحرب وتداعت نتائجها وحفلت فتراتها بمفاجآت غير محسوبة كما يتوقع، فإن الإمكانية العربية لمنع هذا السيناريو على الصعيدين السياسي والعملي تكون قد وصلت إلى الصفر، وهذا ما سيثير القلق وعدم الاستقرار في المنطقة مجتمعة!.
ويبقى بالتالي أنّ الأيام المقبلة سوف تحمل مؤشرات تصعيدية داخل الحكومة، لا سيّما أنّ باسيل يقول «طالما لا كهرباء ليس هناك من حكومة»، إضافة إلى ملفات أخرى من التعيينات، إلى ما استجد مؤخراً في السياسة والأمن، وسياسة النأي بالنفس التي يمارسها لبنان في سياسته الخارجية, لجهة عدم مشاركته في مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تونس كما على المستوى السياسي العام، مما يعني أن كل هذه الملفات قد تفرض نفسها على الحكومة وترهقها، مما سيؤدي بالجو السياسي إلى مزيد من التعقيد وشد الحبل على خناق المواطن، وقد تكون الصاعقة الكهربائية التي سوف يطلقها الجنرال عون في اللحظة المناسبة مدخلاً لضرب الحكومة من الداخل، في ظل تفاعل التباينات السياسية والاقتصادية بين جميع مكوّناتها وآخر مشاهدها موقف وزير العمل شربل نحاس الذي بدوره مارس مشاكسة سياسية ـ حكومية تحت شعار اقتصادي، خصوصاً أنه حاول تجاوز الصفعة التي جاءته من العماد عون وصهره وحلفائه، بافتعال حركة انتفاضة داخل الحكومة للحفاظ على موقعه ومصداقيته العملية، بعدما ذهب بعيداً في ملف بالغ الحساسية يعني المواطن بشكل مباشر، لتسجيل حالات شعبوية لا أكثر وبهدف إظهار نفسه أنه الحريص على حقوق العمال، مما أدى إلى إسقاطه ضمن تياره أولاً، وعدم التجاوب معه من قبل سائر مكوّنات الدولة.
-------------
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,697,582

عدد الزوار: 6,909,073

المتواجدون الآن: 103