مع رحيل بوش تتبخر الأوهام الأمريكية

تاريخ الإضافة الأحد 12 تشرين الأول 2008 - 7:14 ص    عدد الزيارات 1693    التعليقات 0

        

بقلم الدكتور عصام العريان

لم تكن الأزمة المالية المصرفية وإعصار أسواق المال هي التي أطاحت بأحد أهم الأوهام الأمريكية التي روَّج لها المحافظون الجدد، وعملوا على نشرها في العالم كله بقوةِ التهديد الأمريكي، فقد سبق ذلك تبخُّر معظم ما روَّجت له إدارة بوش الابن على مدار ثماني سنوات، وشاءت قدرة الله تعالى أن يتم تبدد تلك الأوهام مع رحيل بوش عن البيت الأبيض؛ وبذلك تهاوت تلك الأبقار المقدسة التي حاول سدنة البيت الأبيض فرض عبادتها على الدنيا، ونشروا الدمار في بلادنا بالذات بأفغانستان والعراق والصومال في حروبٍ مجنونة أضفوا عليها مسحةَ القداسة "مَن لم يكن معنا فهو ضدنا"، وسعوا جاهدين إلى تهديد كل الدنيا باسم الحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية، وأخيرًا الاقتصاد الحر والرأسمالية المتوحشة والعولمة.
 لم يكن هناك بدٌّ من تدخل الحكومات في الأسواق، وبدأت بذلك الإدارة الأمريكية لفرض القواعد والقيود التي تضبط حركة الأسواق المنفلتة على عكس كل ما درسته أمريكا وعلَّمته للعالم المتخلف والمتقدم على السواء، ثم تلتها كل حكومات العالم في أوروبا وآسيا في سلوكٍ يُشبه تحطيم الأصنام المقدسة دون إعلانٍ عن الدين الجديد وقواعده بعد سقوط المعبد الرئيس في (وول ستريت) على رءوس الكهنة الكذابين.
 انهارت الثقة في النظام المالي والمصرفي القديم، وبالتالي- وحتى كتابة هذا المقال- فإن الخسائر المتعاظمة تتوالى ومئات المليارات من الدولارات تتسرب من الأسواق المالية وأسعار الأسهم تنهار، والكساد يُخيم على العالم كله رغم كل ما يبذله المسئولون من جهودٍ بخفض أسعار الفوائد وضخ مئات المليارات من السيولة المالية والخطب والاجتماعات والأحاديث المتتالية للسادن الأعظم الرئيس بوش، إلا أن الجميعَ ينتظر خرابًا اقتصاديًّا على الأقل للعام القادم، وقد يتبعه لسنواتٍ سيصل مداه إلى أرجاءِ المعمورة التي سارت مغمضةَ العينين خلف الأنبياء الكذبة والكهان الجدد في أمريكا التي فقد الجميع الثقة الآن بعد خراب مالطة في قيادتها للدنيا والعالم.
 كما انهارت الأسواق على رءوس الجميع، فسرعان ما سيكتشف الكل زيفَ ما روَّجت له أمريكا من شعاراتٍ أخرى بدأ ينكشف بطلانها، ولا يعرف أحدٌ متى يُعلقون الجرسَ في رقبة الفيل الأمريكي ليعلنون الفشلَ الذريع لبقية السياسات الخرقاء، ويعتذرون لأسر وشعوب الملايين من الأفغان والعراقيين والصوماليين والعرب المسلمين الذين أهدروا دماءهم واستباحوا بلادهم، ونهبوا ثرواتهم بتواطؤ دولي وصمتٍ إسلامي وعجزٍ عربي مريب.
 كان شعار الحرب على الإرهاب هو طبول الحرب على أفغانستان، وها نحن بعد سبع سنوات نرى أمريكا على خجلٍ، وفي ورطتها الحالية تُدين التصريحات الانهزامية التي تصدر عن قيادة أوروبا بشأن الوضع في بلاد الأفغان.
 هذه السياسات الجديدة التي ستنشأ عن التصريحات الأوروبية لا تعني سوى أمرٍ واحد، هو فشل الحرب في أفغانستان أمام حركة طالبان، وأمام صمود الشعب الأفغاني، ومَن الذي انهزم؟.. إنه أقوى حلفٍ عسكري في العالم، بل الحلف الوحيد الباقي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في نفس المقبرة الأفغانية "حلف الأطلنطي".
 ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني ببساطة قدرة الشعوب إذا امتلكت إرادةَ النصر واستمدت العون من الله تعالى وصمدت أمام الآلة الدعائية الجبَّارة والآلة العسكرية المهولة، قدرة هذه الشعوب على الانتصار.
 إنها قوة الضعفاء الذين لا يخسرون شيئًا أمام ضعف الأقوياء الذين يملكون كل شيء ويفتقرون إلى المشروعية الأخلاقية والسند الرباني.. إنه درسٌ لبقية شعوب العالم الإسلامي المنهزمة أمام المشروع الغربي الأمريكي.
 بإمكانكم الصمود والانتصار إذا امتلكتم مشروعًا مقابلاً قادرًا على الحياةِ والبقاء، وهو بأيديكم وبين ناظريكم: إنه الإسلام، إنه درسٌ لكل كارازي يستبد بشعبه ويحكم بلده مستندًا إلى الخارج وإلى الدعم الأمريكي، سيأتي يوم الحساب العسير وستخرج من بلدك مطرودًا إلى الخارج الذي أتيت منه على ظهر دبابة مشيعًا بلعنات الملايين الذين شاركت في قتلهم ودمار بلادهم في حربٍ مجنونة، ليس لها سببٌ حقيقي إلا إشباع نزوات المتربصين ببلادنا وديننا، وسقط شعار الحرب على الإرهاب عندما بدأت المفاوضات مع حركة طالبان.
 وبدأت برلمانات أوروبا تبحث كيفيةَ الخروج من المستنقع الأفغاني، وسيأتي يوم الانسحاب العظيم معلنًا أن أفغانستان التي كانت مقبرةً للإسكندر الأكبر والإنجليز والسوفيت ستكون مقبرةَ الأمريكان المتغطرسين المتكبرين، ومعهم حلف الأطلنطي مجتمعين.
 وفي العراق سقط شعار آخر "الحرب من أجل نشر الديمقراطية"، فبعد انكشاف الأكاذيب الأمريكية حول الحرب على العراق جميعها، وثبت أن السبب الحقيقي هو البترول ولا شيء غيره، لم تجد إدارة بوش ذريعةً لشن الحرب والبقاء في العراق إلا نشر الديمقراطية وبناء نموذجٍ ديمقراطي ولو بقوةِ السلاح وإزهاق ملايين الأرواح.
 ومع آخر استطلاعات الرأي كانت المفاجأة للمراقبين أن أوباما يتقدم على ماكين بشأن الخروج من العراق، وبذلك ينحاز أغلبية الأمريكيين إلى الانسحاب الجاد من الوحل العراقي وليس البقاء إلى ما لا نهاية معروفة، كما يريد ماكين الذي يعني انتخابه استمرار إدارة بوش بشكلٍ جديد.
 بلا شك ستبقى المشاكل المتعلقة بالإرهاب والحرية والديمقراطية والنظام الاقتصادي البديل موجودة، وتحتاج إلى حلولٍ حقيقيةٍ، ولكن مع رحيل إدارة بوش المجنونة بالحروب، والتي تسببت في الكوارث بدا أن الحلول والاجتهادات التي قدمتها، والتي كانت مقدمةً للقرن الأمريكي الذي تقود فيه أمريكا العالم وَفق أجندةٍ محددة تنفرد فيه بالقيادة والريادة، قد سقطت، ويدخل العالم في مرحلةٍ جديدةٍ يبحث فيها عن عقلاء وحكماء، وكلما يرسمون سياساتٍ جديدة غير تلك الأوهام التي تبخَّرت وتبددت بأسرع مما يتوقع المراقبون، كما تبددت الأموال التي جُمعت من الهواء سيرحل بوش الابن مكللاً بالعار، وسيدخل التاريخ ملعونًا حتى من الأمريكيين أنفسهم الذين أضاع مدخراتهم وثرواتهم، وتركهم وبلادهم ترزح تحت أكبر دَيْنٍ داخلي عرفته أمةٌ في التاريخ، واقتصادهم يدخل إلى الكساد والركود وجيوشهم مهزومة في أرجاء العالم تبحث عن مخرجٍ مشرف.
 وغالبنا سيأتي أوباما وشعاره التغيير، ولكن أي تغيير؟.
وهل يستطيع ذلك الشاب الأمريكي من أصلٍ أفريقي أن يقود أمريكا، وأن يفلت من عقاب الكهنة والسدنة في واشنطن التي لم تطأها أقدامه إلا من بضع سنوات فقط.. سؤالٌ ستُجيب عنه الأيام والشهور القادمة.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,766,108

عدد الزوار: 6,913,884

المتواجدون الآن: 119