لماذا انتقل الثقل العالمي إلى آسيا؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 21 آذار 2012 - 6:59 ص    عدد الزيارات 980    التعليقات 0

        

 

لماذا انتقل الثقل العالمي إلى آسيا؟
محمد السمّاك
الدولة الوحيدة في العالم التي تتواصل فيها الحرب هي دولة إسلامية، أفغانستان.
والدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال محتلة هي دولة عربية، فلسطين.
والدولة الوحيدة في العالم التي تتواصل فيها الحرب الأهلية هي دولة عربية إسلامية، الصومال.
وما عدا ذلك فإن العالم تغير. لقد اقتحم العالم العربي الطريق الى التغيير من ثغرة شقها في جدار التعسف والاستبداد والفساد. إلا أنه لا يزال في أولى خطواته الى العالم الجديد.
تتمثل صورة العالم الجديد في التغيير الجذري الذي طرأ على مركز الثقل فيه. كانت أوروبا الغربية والولايات المتحدة تشكل المركز. الآن انتقل المركز الى آسيا.
إن ستين بالمائة من سكان العالم البالغ عددهم سبعة مليارات إنسان، يعيشون في آسيا. وأكثر من ثلثهم، 37 بالمائة، يعيشون في الهند والصين وحدهما.
كانت الولايات المتحدة تعزز مكانتها في المحافظة على مركزيتها العالمية من خلال المساعدات التي تقدمها والقواعد العسكرية التي تقيمها شرقاً وغرباً. من اليابان الى أوروبا الغربية، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن الولايات المتحدة تنوء اليوم تحت عبء من الديون الخارجية لا سابق له في التاريخ. ومعظم أصحاب هذه الديون هم من الدول الآسيوية وبخاصة الصين. تلك الدولة التي كانت غارقة حتى أذنيها حتى أواخر القرن التاسع عشر في الإدمان على المخدرات "الأفيون". اليوم تطرح الصين نفسها قوة انقاذ للاقتصاد الأوروبي مما يعانيه من صعوبات دفعت بعض دوله الى حافة الإفلاس!.
في عام 1997 شكلت الدول الآسيوية العشر، مجموعة آسيان، بما فيها الصين واليابان وكوريا الجنوبية، صندوق نقد آسيوي موحد. في ذلك الوقت عارضت الولايات المتحدة تشكيل الصندوق بقوة بحجة أنه يتناقض مع صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه واشنطن مالياً وبالتالي سياسياً. وتمكنت بالفعل من عرقلة تنفيذ المشروع. وفي عام 2010 عادت الدول الآسيوية مرة ثانية الى مشروعها. هذه المرة عجزت الولايات المتحدة عن معارضته أو عرقلته. واضطرت الى القبول به. ولقد قام الصندوق بالفعل برأسمال أولي قدره 120 مليار دولار!! وذهبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الى الإعلان رسمياً "أنه في الوقت الذي تقترب الحرب في العراق وأفغانستان من نهايتيهما، فإن علينا ان نسرّع من جهودنا للإمساك بالحقائق العالمية الجديدة ولتجديد قيادتنا وإعادة استثمار مواردنا المحدودة بحكمة بحيث تعطينا مردوداً أكبر. ومن هنا أهمية التوجه نحو آسيا الباسيفيكية".
يحصي علماء الاجتماع السياسي الاقتصادي خمسة أسباب وراء انتقال الثقل الدولي من الغرب الى الشرق، أي من المحور الأوروبي الأميركي الى المحور الآسيوي الصيني الياباني- الهندي. وهذه الأسباب هي:
أولاً: التحول الديموغرافي. ويتمثل ذلك في النسبة العالية من الشباب. فالمجتمعات الآسيوية مجتمعات شابة، فيما المجتمعات الأوروبية مجتمعات هرمة. الشباب ينتجون، والعجائز يستهلكون. الشباب يضخون الدم في شرايين الحياة في الدولة، والعجائز يعتمدون على التعويضات والمساعدات التي تقدمها الدولة لهم.
ثانياً: تطوير وتحديث برامج التعليم في الدول الآسيوية للإفادة من الظاهرة الديموغرافية التي تتمتع بها. فقد دخلت هذه الدول عصر المعلوماتية منذ بداياته الأولى، ومن أبوابه العريضة. وأصبحت الآن رائدة فيه انتاجاً وتطويراً وليس استهلاكاً فقط.
ثالثاً: خلق بيئة صالحة لاستقطاب الاستثمارات الخارجية. ويتمثل ذلك في أن كثيراً من كبرى المؤسسات والشركات في العالم انتقلت الى آسيا حيث تجد اليد العاملة الشابة والمتعلمة، غير المكلفة والمدربة أحسن تدريب. كما تجد الأسواق الاستهلاكية حيث تتوفر قدرة شرائية لم تكن موجودة من قبل. كل ذلك في ظل تشريعات تشجيعية مواكبة لروح العصر الجديد.
رابعاً: إنفاق الدول الآسيوية بسخاء على مراكز البحث العلمي، لتشجيع الابتكار والاختراع والاكتشاف، بعد أن كانت حتى منتصف القرن الماضي تعتمد على التقليد.
خامساً: تربية النشء الجديد على أخلاقيات التفاني في العمل وهي مدرسة يابانية ناجحة، عرفتها الولايات المتحدة من قبل وعزتها الى ما يسمى "بالأخلاق البروتستنتية"، حسب نظرية الفيلسوف الألماني الشهير ماكس فيبر.
ولقد سادت مدرسة التفاني في الصين حيث تسود اللادينية، وفي الهند، حيث السيادة للأخلاق الهندوسية. وفي كوريا الجنوبية حيث الأخلاق البوذية هي السائدة.
ومع ثقافة التفاني في العمل، قامت ثقافة الاستهلاك على قاعدة أن من حق المنتج أن يستهلك؛ أما الاستهلاك من دون انتاج فتلك ثقافة تودي بأصحابها الى التهلكة.
ونحن نعرفهم جيداً لأننا نعرف أنفسنا جيداً في دول العالم العربي والإسلامي. ذلك أنه رغم أن معظم هذه الدول تقع في آسيا، فإنها - باستثناء ماليزيا - لا تزال جزءاً من ثقافة آسيا القديمة؛ ثقافة ما قبل خروج النمور الآسيوية من أقفاص الاجترار، والانتقال الى فضاء الانتاج والمنافسة. ولم تلتحق الدول العربية والإسلامية بعد بركب التحولات العميقة التي شهدتها القارة. ومن مأثور المفكر اللبناني جبران خليل جبران (القرن التاسع عشر): قوله: "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع ". ومن المحزن أن رنين جرس هذا الانذار لم يلقَ آذاناً صاغية.
وفي منتصف القرن الماضي، نقل عن أحد أصحاب المصانع في بريطانيا أنه "إذا عمد الصينيون الى إطالة قمصانهم سنتمترات قليلة، فإن ذلك سيكون كافياً لمضاعفة انتاج مصانع النسيج في يوركشاير البريطانية". أما اليوم فإن كثيراً من الملبوسات البريطانية هي صناعة صينية، ولقد توقف عدد كبير من هذه المصانع عن العمل!.
وجنباً الى جنب مع التحولات الاقتصادية الاجتماعية التي غيرت وتغيّر صورة العالم، قامت تحولات عسكرية سياسية أيضاً. وهي تلعب دوراً مكملاً في إعادة صياغة معادلات عالم القرن الواحد والعشرين الجديد.
فبعد الحربين اللتين انفجرتا في فيتنام وكوريا بعد الحرب العالمية الثانية- لم يعرف العالم حروباً دولية بالمعنى العلمي للكلمة. فالحرب الأميركية على العراق في عام 2003 كانت غزواً واجتياحاً، ولم تكن حرباً حقيقية بين قوتين. وكذلك الحرب الروسية الجيورجية في عام 2008 والتي كانت صداماً عسكرياً محدوداً. وباستثناء ما يجري في أفغانستان من قتال متقطع بين القوات الأميركية الأطلسية وقوات طالبان، لا توجد مسارح عالمية مفتوحة أمام التحارب على نطاق واسع. فقد تعلّم العالم أن الحرب لا جدوى منها (ويمكن استثناء إسرائيل من هذا الدرس العالمي، فهي وحدها التي تستعد للحرب وكأنها واقعة غداً، وهي وحدها التي تصنع مجتمعاً حربياً معادياً).
في الحرب العالمية الثانية كان معدل القتلى يبلغ 300 قتيل الى كل مائة ألف من السكان. وهبطت هذه النسبة في الحرب الكورية الى 30 قتيلاً، والى ما دون ذلك في الحرب الفيتنامية. وهي الآن أقل من قتيل واحد الى كل مائة ألف من السكان، حسب الدراسات الإحصائية الدولية.
لم تعرف آسيا حروباً مدمرة بعد كوريا وفيتنام، وهما في الأساس حربان تورطت فيهما الولايات المتحدة. وباستثناء الحرب الهندية الصينية المحدودة في الستينات من القرن الماضي، فقد كانت حروب آسيا الحقيقية، حروباً على الفقر والجهل والمرض في مجتمعاتها. ولقد تغلبت عليها. ولذلك انتقل مركز الثقل العالمي اليها.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,120,384

عدد الزوار: 6,754,455

المتواجدون الآن: 108