الأمن والاقتصاد وجهان لعملة واحدة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 29 أيار 2012 - 6:22 ص    عدد الزيارات 946    التعليقات 0

        

 

الأمن والاقتصاد وجهان لعملة واحدة
بقلم د. ماجد منيمنة
يرتبط الاقتصاد الوطني بالأمن المحلي كارتباط الرضيع بأمه، فمتى استقرت الاحوال الامنية بالبلد استقر اقتصادها ونما وتطور، والعكس صحيح حيث ينعكس على العملة المحلية والقوة الشرائية وضعف روافد الخزينة وزيادة الدين العام والبطالة في صفوف المواطنين. كما أن استقرار البلد يأتي بتضافر الجهود من جميع ابنائه والالتزام بالقوانين لتثبيت الاستقرار، وذلك مطلوب بالتزام الكبير قبل الصغير والعاقل قبل المجنون، والسكران قبل الصحيان والرئيس قبل المرؤوس.
لذلك ينحسر دور الأمن ومؤسساته الاستخباراتية في الدول المؤسسات التي تتمتع بالديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان في جمع المعلومات والحصول عليها من مصادرها المختلفة تبعاً للخطر المحدق بالبلاد أو الخطر القادم والمحتمل في المستقبل ومعالجتها بالأوجه التي يقرها القانون في الدولة خدمة للوطن وشعبه ومؤسساته. ويتم تقديم هذه المعلومات إلى صاحب القرار السياسي على شكل خيارات وتوصيات دون تدخل في صياغة قراره شكلاً ومضموناً أو انتقاء لخياراته الأنسب لصنع قراراته.
وحين يقتضي الأمر تلجأ المؤسسات الاستخباراتية ذاتها إلى موافقات مسبقة من صاحب القرار السياسي نفسه للقيام بعمليات ما من أجل تعزيز معلوماتها أو معالجة قضية تحتاج إلى عمل استخباري، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتصرف وفق هواها وهوى المسؤولين فيها سواء من حيث طرق جمع المعلومات أو طبيعة العمليات التي تقوم فيها والاهم من ذلك كله ليس لها يد أو سلطة في القرار السياسي المتخذ أو صياغته أو تعديلاته أو ما يمت إلى ذلك بصلة سوى تقديم المعلومات أو الخيارات أو التوصيات.
وإذا حصل خلاف ذلك كله فإن السلطة الرابعة من الصحافة والإعلام له بالمرصاد, لأنها سوف تعتبر ذلك رهن للمؤسسة السياسية وضعف في أدائها السياسي الذي يسلم قرارها وإرادتها للمؤسسة الأمنية لا سيما إذا ترتب على ذلك ردود فعل غير محسوبة او مفاجآت او أوقع الدولة في حرج دولي أو إقليمي او محلي او خلق نزاعات لا مبرر لها او افتعل صراعات مع قوى خارجية او داخلية سوف تؤدي ولا شك عاجلا أم آجلا إلى ضعف الدولة وانتقادها وتخبطها.
ان الأمن مؤسسة كباقي المؤسسات في الدولة, تقدم خدمة محددة مؤطرة في القانون إلى السياسي صاحب القرار الذي يحيط بعمل كافة المؤسسات وأدائها وإنتاجها وقدراتها ويعطيها الأوامر ويصدر لها القرارات التي تخدم الوطن والدولة.
ولأن السياسي الوطني هو الذي يجب ان يسعى إلى الاستقرار في الدولة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمؤسساتية مدنية وعسكرية بما فيها الأمنية فانه الوحيد القادر على الإلمام بوضع الاستراتيجيات اللازمة للعمل والاستقرار والإنتاج وخلق التوازنات بين قطاعات المجتمع ورجالاته كافة دون هوى او مزاجية او تطلع او طموح سوى خلق الاستقرار وإدامته من اجل تفاعل وتصاعد النمو في قطاعاته المختلفة. بينما يسعى الأمن بواجبه وطبيعته الأصلية إلى تحقيق الإنجاز الأمني في جمع المعلومات ومعالجتها لدرء الخطر في إطار المرجعية السياسية وموافقتها.
ولان الإنجاز الأمني بحد ذاته سلاح ذو حدين, حد ايجابي معروف وحد سلبي قاتل يتمثل أحيانا في خلق فتنة او جلب نزاع او صراعات داخلية او خارجية قد تؤدي إلى احتقان وحساسيات لا تظهر إلا بعد فوات الأوان. والأخطر ان بعض الإنجازات الأمنية في ظاهرها النصر والتفوق والمقدرة والقوة والاقتدار وما إلى ذلك ولكن في باطنها الخطر الداهم وسؤ التقدير الذي لن تظهر عواقبه إلا بعد حين، والوحيد القادر على توزين الأمور والقضايا الذي يشكل صمام أمان للمجتمع هو صاحب القرار السياسي الذي ينظر بشمولية أوسع ومدى ابعد وحنكة اكبر وحكمة أعظم ويلم بالمجتمع الخارجي والداخلي وهو القادر ان يضع السياسات على ضؤ ذلك كله .  ان الغرب وصل إلى ما وصل إليه من استقرار ونمو وازدهار إنما بفضل المؤسسات لديه التي ترسم لكل مؤسسة حدودها وتعطي للسياسي قدره في وضع الاستراتيجيات وبرامج العمل في إطار ديمقراطي حقيقي سليم.
أما في ما خص السلاح المتوفر بيد المواطنين والقوة المفروضة على المسالمين فهل هذا كله يخدم الاقتصاد والمصلحة الوطنية؟.
حتماً ان الإرادة الوطنية هي العمود الفقري لكل الاعتبارات, والانجاز هو مقياس التقدم, والانجاز لا يتحقق قفزا أو دفعة واحدة, بل يتحقق على مراحل وخطوات مخططة وواضحة للجميع. ولو أن جماعة أو حزبا أو منظمة, تمردت وتظاهرت وهتفت لن نركع, لما تقدمت هذه الدولة أو تلك, فالقضية لمن يريد ألا يركع أن يكون قويا اقتصاديا أولا, أو يتمكن على الأقل من إنتاج طعامه وسلاحه!. لأن الذين لا ينتجون طعامهم يحتاجون لاستيراده من الخارج, وهذا يعني أن يكون رهينة تحت رحمة القوى المصدرة, أما الذين لا ينتجون سلاحهم, فلست أدري كيف يطالبون بالكرامة والسيادة؟ أي سيادة تلك التي تبحث عنها أو تطالب بها وأنت لا تملك سلاحا, إلا إذا رضي الآخرون وقرروا تزويدك به؟.
والسلاح ليس سلعة تشتريها من السوبر ماركت وتشتري معها الذخيرة وقطع الغيار وتحصل علي كتب التدريب وأسلوب الاستخدام والصيانة. هذا تصور أبله وساذج ويعكس غفلة شديدة وجهلا فاضحا بالواقع وحركة التوازن والصراع!. لأن السلاح سلعة بالغة الخطورة, ولأن من يبيع السلاح يفرض شروطه على من يملك المال, وعلينا أن نتصور حجم الشروط التي تفرض على من لا يملك المال ويحصل عليه في اطار اتفاقيات منح أو قروض. 
لذلك أن التصدي الفعال لظاهرة الانفلات الأمني يؤدي بالضرورة الي تحقيق الاستقرار السياسي, ويعتبر الاستقرار المقدمة المنطقية لتعافي الاقتصاد وانتعاشه.  ولا يمكن أن ينتعش الاقتصاد على نحو يلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين في ظل مناخ مضطرب يغيب فيه الأمن, ويتعثر الاستقرار السياسي فيه!.
ومن هنا يجب التأكيد على تأليف حكومة إنقاذ وطني تضع أولوية عودة الأمن باعتباره مدخلاً لإمكان تحقيق الانتعاش الاقتصادي. وذلك أن الانفلات الأمني أسفر عن نتائج سلبية للغاية على الاقتصاد, وقد يكفي للتدليل على ذلك الاشارة إلى الآتي:
- انفلات أسعار السلع الأساسية.
- تقلّص العملية الانتاجية وكان هذا ما أشار اليه اجتماع انعقد في الغرف التجارية وجرت الاشارة فيه إلى أن العديد من الشركات والمصانع يتعذر عليها تسويق منتجاتها بسبب الأوضاع التي تشهدها المنطقة الإقليمية.
- توقف الحركة التجارية من استيراد وتصدير.
- الضغط على الليرة اللبنانية مما يكبد المصرف المركزي خسارة في الاحتياطي الأجنبي.
- توقف المشاريع العقارية وضعف القوة الشرائية واعادة الدولرة.
- تخوّف المستثمرين من استثمار أموالهم في أي مشروع, لأن المخاطر عالية وهو ما يؤدي الي ركود في سوق العمالة وزيادة عدد العاطلين.
- انكماش السياحة بسبب الانفلات الأمني وهو ما يؤثر بالسلب على العاملين فيها وعائلاتهم.
ولذلك, فإن تضافر الجهود لعودة الأمن أمر ضروري لتأمين حياة المواطنين, وتلبية احتياجاتهم الاساسية عبر الانتعاش الاقتصادي. ولقد أظهرت كثير من الإحصائيات ان العملية السياحية تعد العنصر  والعامل الأهم في زيادة قوة ومناعة الدولة الاقتصادية  نظرا لما لها من دور بارز في تحقيق النمو الاقتصادي المتزايد حيث يلعب المردود السياحي ما قيمتة 30% من الحجم الكلي للواردات. كما أن المردود المتحقق من السياحة  يزيد من الدخل القومي للدولة,  الأمر الذي ينعكس أيجاباً على عجز المدفوعات، وإن كثيراً من الدول تعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات الخزينة  المحصلة من قطاع السياحة.
من خلال ما سلف والحديث عن الأمن والأهمية الاقتصادية يتضح لنا ان الساحة الوطنية قد لعبت وتلعب دورا هاما أذا تكللت بالاستقرار والطمأنينة، وتشكل مصدراً هاماً لمدخول الاقتصاد والتنمية، وتعد المدماك الأقوى في جدار الاقتصاد الصلب إلذي يتصف بالمتانة ويقوى على الصعاب التي تهب عليه من كل حدب وصوب نتيجة التقلبات الأمنية في المنطقة. وان أي شلل سياسي  او أمني سيؤدى إلى تعطيل الحركة الاقتصادية ومنها الحركة السياحية وحركة النقل الجوي والبري، ولأن الاقتصاد الوطني يرتبط ارتباطا وثيقاً بجوانب الأمن والاستقرار.
فهيا يا زعماء الوطن! ترفّعوا عن مصالحكم الشخصية, والغوا أجنداتكم الخارجية, وشمّروا عن سواعدكم وانضموا إلى طاولة الحوار يكون بندها الوحيد الحفاظ على البلاد والعباد !!!
* خبير مالي واقتصادي
* دكتوراه في المالية الدولية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,666,842

عدد الزوار: 6,907,626

المتواجدون الآن: 93