الى الصدمات التي اصابت مفاصل الامن والسياحة، ثمة حركة جاءت من خارج مغرض يصرّ على استخدام لبنان ورقة ضغط للنيل من "ايران نووية"، فيما المصارف اللبنانية، وهي "بيت القصيد"، تتوخى الدقة في التزامها معايير دولية بما رفع ثمانية منها الى لائحة "اكبر الف مصرف في العالم" مصنفة بناء على قيمة الاموال الخاصة Tier one Capital وفق ما حددها مصرف بازل للتسويات الدولية.

في محاولة ليست الاولى، نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" الاميركية في عدد الاربعاء الماضي، مقالا نُشر ايضا في جريدة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية، للصحافي جاي سولومون. وفيه، تطلب منظمة "متحدون ضد ايران نووية" من وزارة الخزانة الاميركية إدراج النظام المالي اللبناني في لائحة الدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال بموجب قانون "باتريوت" الاميركي. وتمارس المنظمة ضغوطا على شركات مالية في "وول ستريت" وأوروبا  لدفعها الى بيع حصصها في سندات الاوروبوندز اللبنانية، متهمة ايران وسوريا وحزب الله بـ"استخدام النظام المصرفي اللبناني لتبييض الأموال وتجنّب العقوبات الدولية". ورأى المقال ان الحملة التي دفعت الخزانة الاميركية الى تكثيف مراقبتها للنظام المصرفي اللبناني، قد تشكل تهديدا له.
وقد تردد ان نائب وزير الخزانة الاميركية ديفيد كوهين زار فروعا لمصارف لبنانية في اوروبا، وطلب من مديريها التوقف عن فتح اعتمادات لسوريا، وان تكن تجارية (!).
مع استثناء محدود، لم يشكل المقال مادة جاذبة للاعلام المحلي لانه يدرك ان خلفياته غير البريئة ستزيد ثقل اختبارات الضغط غير المسبوقة التي يخضع لها القطاع نتيجة ترددات الانفجار السوري. تعليق خاطف لرئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه نفى فيه أي علاقة للبنان بالنووي الايراني، "تدرك الحكومات المختصة ان لا علاقة لنا بنقل الاموال من ايران ولا علاقات مصرفية او مالية لنا معها".
والدلالة على هذا القول، فهي قرار مصرف لبنان عزل بنك صادرات ايران (فرع لمصرف ايراني) والمصرف التجاري السوري اللبناني (مصرف لبناني) من خلال وقف مقاصة شيكاتهما. ويصرّ المصرفيون الكبار على حماية قطاع يدار بمعظمه من إصحابه (مصارف عائلية). لذا، لن يسمح أي منهم باستغلاله في عمليات تبييض اموال ملتزما المعايير التي جعلته مطلع الالفية الثانية شريكا للمجتمع الدولي وأحد ابرز مؤسسي مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب "مينا فاتف" (شقيقة مجموعة "غافي")، فيما قانون السرية المصرفية لا يحمي الاموال السود. وباتت المصارف تطبق بحذر اكبر مبدأ "إعرف عميلك"، وخصوصا بعد حادثة البنك اللبناني الكندي التي ألزمت أهل القطاع عدم التساهل.

 

لمصارف لبنان سمعة حسنة وان بقيت العين الاميركية ترصد تحركات "حزب الله" وصلاته بايران وبسوريا عبرها. ففي شهادة نادرة، اشادت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون خلال لقائها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل نحو اسبوعين، بسياسة حاكم مصرف لبنان وبالنظام المصرفي لتعاونهما وتطبيقهما المعايير الدولية. وفي مسحها السنوي، ادرجت مجلة "ذي بانكر" The Banker ثمانية مصارف لبنانية على قائمة "اكبر الف مصرف في العالم" بناء لقيمة الاموال الخاصة الاساسية Tier One Capital "وهو اكثر صرامة من مجموع حقوق المساهمين ويغطي جوهر قوة المصرف، وهو حقوق المساهمين المتوافرة لتغطية الخسائر المحتملة او الفعلية".
ووفق تقرير للمجلة ورد في النشرة الاسبوعية لمجموعة بنك بيبلوس Lebanon This Week، بلغ مجموع الأموال الخاصة الأساسية للمصارف اللبنانية الثمانية 8,36 مليارات دولار في 2011 أي بارتفاع 1% قياسا بالعام 2010، في مقابل ارتفاع 5,7% لأكبر ألف مصرف. وشكلّت المصارف اللبنانية الثمانية نسبة 0,14% من الأموال الخاصة الأساسية لأكبر ألف مصرف، و0,11% من الاجمالية أصولها و0,24% من مجموع أرباحها قبل الضرائب. كذلك، شكلت هذه المصارف 3,9% من الأموال الخاصة الأساسية لـ93 مصرفاً في الشرق الأوسط المدرجة بين أكبر ألف مصرف و5,6% من إجمالي أصولها الاجمالية و5,2% من مجموع أرباحها قبل الضرائب.
بالإجمال، سجل فرنسبنك زيادة سنوية في أمواله الخاصة الأساسية بلغت 9,9% في الـ2011، يليه البنك اللبناني الفرنسي بزيادة 8,6%، فبنك بيبلوس بقفزة نوعية بلغت 5,5%، فالإعتماد اللبناني بنمو 5,3%، وبنك البحر المتوسط بتحسّن 4,2%، فبنك عوده مع تحسن بسيط بلغ 1,5%. في المقابل، سجل لبنان والمهجر تراجعاً في أمواله الخاصة الأساسية بلغ 6,3%، وبنك بيروت 19,6%.
كل هذا لا ينفي توخي الحيطة والحذر من الضغوط المستمرة، انطلاقا من تحصين البيت الداخلي على قاعدة "إعرف عميلك". لكن، في عدد "وول ستريت جورنال" عينه، مقال آخر عن لبنان لم يثر أي انتباه. فيه "حكايات نجاح" لمؤسسات بدأت خطواتها الاولى في هذا الوقت الضاغط. المقال يحكي عن طموح الابداع في لبنان، للكاتب بروك اندرسون، ويستحق القراءة...