هل تنتقل العدوى القبرصية إلينا؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 9 نيسان 2013 - 5:47 ص    عدد الزيارات 684    التعليقات 0

        

 

هل تنتقل العدوى القبرصية إلينا؟
بقلم د. ماجد منيمنة
توصلت قبرص إلى اتفاق مع ترويكا المانحين يجنبها الإفلاس والخروج من منطقة اليورو، لقاء خسائر فادحة لدائني أكبر مصارف الجزيرة وتصفية ثاني أكبر مصارفها «لايكي بنك». وبعد محاولة نصت على فرض ضريبة على كل الودائع المصرفية في البلاد، عدّل الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي بنود الاتفاق ليراعي القواعد الأوروبية، فاستُبعِدت أي ضريبة على الودائع التي تقل عن مئة ألف يورو.
قبرص هذه الجزيرة المتوسطية الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، خرجت من عالم السياسة لتحتل العناوين الرئيسية في عالم الاقتصاد, وهي التي كانت تذكر دائما كعنوان للصراع التركي - اليوناني، ونادراً ما ذُكرت في عالم الاقتصاد والتجارة إلا من خلال إعلانات للترويج السياحي، غير أن العالم استيقظ ، ومن دون سابق إنذار، ليجد قبرص على شفا إفلاس اقتصادي. ومن المعلوم أن نصف الودائع البنكية والبالغ قيمتها 60 مليار دولار أميركي تعود لروسيا، كما أن الجزيرة تُعد الخاصرة الأضعف للاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بغسيل الأموال. ورغم أن الاقتصاد القبرصي لا يمثل أكثر من 0.2 بالمئة من اقتصاد كل دول منطقة اليورو، إلا أن الأزمة على الجزيرة تهدد بتجدد القلق إزاء العملة الأوروبية الموحدة بعد تقديم صفقات إنقاذ لأربع دول أخرى، وسوف تليها لاحقاً سلوفينيا ولوكسمبورغ اللتان تواجهان ومصارفهما صعوبات مالية جمة.
الأزمة القبرصية تأتي ضمن سلسلة من الأزمات التي يشهدها الاتحاد الأوروبي، وأبرزها اليونان حتى الآن، وعلى الرغم من أن تتابع الأزمات في الاتحاد لم يصل إلى حد انفجاره التام من الداخل، وهو ما يعود في الأساس إلى قدرة ألمانيا على إخراج الدول المأزومة من هوية الإفلاس، إلا أن تشابك الاقتصاد الأوروبي يدفع البعض للتخوف من أن الأزمة القبرصية ربما تمتد إلى دول أخرى في الاتحاد مما سيترك انعكاسات سلبية على الاستثمارات العربية .
هناك نحو 12 فرعاً لمصارف لبنانية في الجزيرة، والأزمة بأكملها تقلص فرص البنوك العربية في توسيع محفظتها الاستثمارية في الجزيرة، مما يُضيّق من هامش الربح المتوقع من جانب، ويزيد المخاطر على الوضع المالي للبنك الأجنبي بسبب ضعف التنوع في محفظته الاستثمارية من جانب آخر. إن الانعكاس السلبي على المصالح العربية قد ينجم إذا ما تفاقمت الأزمة في قبرص واتسع نطاقها لتشمل بلدانا جديدة، فهنا تبدأ المخاوف على الاستثمارات والودائع العربية والتي تقدر بالمليارات في البلدان الأوروبية. باختصار الأزمة القبرصية ربما تكون جرس إنذار للبنان, لذلك فانه المطلوب توخي الحذر عند الاستثمار في أوروبا على الأقل في الوقت الراهن. وقد يقول قائل: ربما يكون إجمالي حجم الودائع والاستثمارات اللبنانية في قبرص محدود نسبياً بسبب صغر الحجم الإجمالي للاقتصاد القبرصي، لكن التشوهات الضخمة في الهيكل الاقتصادي بارزة المعالم فيه, حيث أن التقديرات تشير إلى أن حجم الودائع البنكية يفوق خمسة أضعاف الناتج العام، وهذا ما دفع وزير المالية القبرصي إلى وصف الاقتصاد الوطني بـ «الكازينو الكبير».
إن أمام قبرص في كل الأحوال مساراً صعباً، وذلك ليس بسبب التشدد الأوروبي فحسب, بل لأن الصفقة التي تم التوصل إليها مع الدائنين لا تشكل ضمانة للتهدئة على المدى الطويل, ولا يخفي كثير من المعلقين تشاؤمهم حول مستقبل الاقتصاد القبرصي الذي سيحرم من التمويل الاستثماري، وكل هذا ستكون له آثار سلبية على الشركات والاقتصاد التي تحتاج لدعم عاجل، بالإضافة إلى خسارة العائدات المصرفية. حتماً سيكون الأمر قاسياً على الاقتصاد القبرصي لأنه يعتمد على قطاع مصرفي هو بدوره يعتمد على جذب الرساميل الأجنبية بتوفير مزايا تنافسية, ويبدو أن هذا النموذج هو على زوال خاصة عندما تعتمد المصارف غسل الأموال كطريقة سريعة لتعكس أرقام الأرباح على ميزانيتها.
سوف تواجه الدولة الصغيرة أعواماً من الركود مع ارتفاع نسبة البطالة، بينما يبتعد الروس وغيرهم من المستثمرين الأجانب عن القطاع المالي. إن الاقتصاد القبرصي سيتراجع بنسبة 15% في السنة الأولى، وبنسبة 8% في السنة التالية. كما أن البطالة المرتفعة حالياً والتي تبلغ 16% يرجح أن ترتفع مع تصفية بنك لايكي، كما يتوقع أن ترتفع إلى 20% في غضون ثلاثة أشهر، وإلى 27% خلال العام الحالي. كما أن تأثير خطة الإنقاذ سيستمر فترة قد تصل إلى عشرة أعوام. ويقدر أن تدر الضرائب المفروضة على الودائع 4.2 مليارات يورو في مقابل الحصول على حزمة مالية بقيمة 10 مليارات يورو التي تحتاج إليها قبرص لمعالجة مشاكلها الاقتصادية الفادحة، أبرزها تعثر مصارفها بسبب انكشافها على ديون اليونان.
لذلك وبعد أن تفشت العدوى في الاقتصاد القبرصي, فأنه مطلوب الحفاظ على المكتسبات المحققة لدى المصارف اللبنانية على الصعد المالية والمصرفية، وإعادة تصويب مسار الاقتصاد الوطني بتقوية المناعة المكتسبة بالحرفية المطلوبة، كما يجب أن يحظى موضوع الأمن الاقتصادي الوطني بالأولوية في الاهتمام والمتابعة من قبل هيئات القطاع الخاص والعام، على حد سواء، خصوصاً وأن الأوضاع السائدة في المنطقة، وفي العالم، لا تشجع كثيراً على انتظار المزيد من التعاون والدعم على المستويين العربي والدولي ما لم تتطور المعالجات المحلية, بما يتوافق مع الالتزامات المعلنة أمام المجتمع الدولي. وهكذا، فإن عدم ترجمة برنامج التصحيح المالي بمختلف أبعاده وتفرّعاته قد يؤدّي إلى انعكاسات سلبية ومؤلمة تطاول جميع شرائح المجتمع اللبناني. إن الاستمرار في انتفاخ القطاع العام بينما يتقلص القطاع الخاص يأخذ منحى خطيراً, وحكماً سندفع ثمنه جميعاً بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية أو أوضاعنا الاجتماعية أو مواقعنا الاقتصادية والمالية. لأجل ذلك، يجب أن تكون الدعوة إلى ضرورة العودة إلى تنفيذ الالتزام ببرنامج التصحيح المالي وترجمة ذلك أولاً من خلال مشروع الموازنة، فالموازنة هي في الديمقراطيات التعبير الأكثر شمولية عن التوجهات العامة للسلطة السياسية في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. كما أن الإيفاء بالالتزامات الدولية سمة بالغة الأهمية، وهي التي يسّرت، على سبيل المثال، شطب اسم لبنان عن لائحة البلدان قيد المتابعة والمراقبة من قبل مجموعة «غافي» لمكافحة عمليات تبييض الأموال, لذلك على جميع المصارف اللبنانية، المحافظة على هذه الميزة من دون مهاودة وتردد أو حتى الالتفات والنظر إلى الربح السريع بطرق غير شرعية.
 خبير مالي ومحلل اقتصادي.
 دكتوراه في المالية الدولية.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,618,158

عدد الزوار: 6,904,273

المتواجدون الآن: 112