انعكاس الصراع في سوريا على الاقتصاد في لبنان

يتأثر لبنان بالصراع في سوريا بسبب الجوار الجغرافي والتداخل البشري والتاريخي والسياسي. وكل ذلك ينعكس اقتصادياً. سوريا هي سوق طبيعية للإنتاج والخدمات اللبنانية وكذلك لبنان هو سوق طبيعية للمنتوجات والخدمات والقوى العاملة والسياحة السورية.

سوريا هي الممر الأهم للصادرات السلعية اللبنانية الى دول المشرق العربي (اردن، عراق، جزيرة العربية، خليج،...)، كذلك القطاع المصرفي اللبناني يستقبل منذ عقود ودائع المودعين السوريين وهو معبر لإستثماراتهم.

في العقدين الأخيرين وفي اطار سياسة الإنفتاح النسبي والجزئي الذي اعتمدته الدولة السورية (من القانون رقم 10 في مطلع التسعينات وغيره من التشريعات) فتحت الأسواق السورية امام نشاط المصارف اللبنانية وكذلك شركات التأمين وغيرها. فافتتحت مصارف مختلطة لبنانية - سورية ولها فروعها في المدن السورية الرئيسية والأمر مماثل بالنسبة لشركات التأمين. وكذلك انشئت مصانع في سوريا برأسمال مختلط لبناني - سوري. وتمت شراكات مماثلة في قطاعات اخرى في مجال البناء والتشييد والأشغال العامة وغيرها. هذا على الصعيد الإقتصادي.

وعندما اندلع الصراع السياسي ثم العسكري في سوريا منذ سنتين، اخذت مختلف اشكال هذا الصراع تنعكس على الواقع اللبناني في مختلف المجالات: منها الأمني والعسكري ومنها السياسي ومنها الإقتصادي والسكاني.

وتزايدت هذه الإنعكاسات مع تعمق الصراع واتساعه الجغرافي واستدامته الزمنية، واخذت تطال معظم نواحي الحياة في لبنان من امنية وعسكرية وسياسية واقتصادية وسكانية. سنعالج هنا الإنعكاسات الإقتصادية على مستوى الإقتصاد الكلي.

1 - الإنعكاسات على صعيد الناتج المحلي

انعكس الصراع في سوريا بشكل واضح على الناتج المحلي القائم (الذي يمثل مجمل المداخيل المتولدة في الأراضي اللبنانية) كما هو وارد في الجدول (1)، حيث التراجع في معدلات النمو يعكس تراجع مستوى انتاج ودخل القطاعات الإقتصادية المختلفة بين عام 2010 الذي كان آخر عام "طبيعي" وعام 2011 الذي تزامن مع اندلاع الصراع في سوريا وعام 2012 الذي شهد العسكرة المتسارعة لهذا الصراع وانعكاسها على لبنان.

2 - الإنعكاس على مستوى الأسعار

انخفض التضخم (الجدول 2) بنسبة الثلث عام 2011 مقارنة مع عام 2010، لعله بسبب انخفاض الطلب على السلع والخدمات مع تراجع قدوم السياح العرب والمغتربين اللبنانيين قبل ان يفعل الصراع في سوريا فعله في الإقتصاد اللبناني.

وعاد التضخم وتضاعفت نسبته (من 3.1% الى 6.5%) بين 2011 و 2012 وذلك لأسباب عدة منها: ازدياد الطلب من السوق السورية على السلع والخدمات الموجودة في لبنان حيث تعثر الإستيراد كما الإنتاج في سوريا، وكذلك ازدياد الطلب على السلع والخدمات من قبل الأعداد المتزايدة للنازحين السوريين الى لبنان.

3 - الإنعكاس على ميزان المدفوعات

كان هذا الإنعكاس كما هو وارد في الجدول (3). ويعود انقلاب الفائض في ميزان المدفوعات عام 2010 الى عجز عامي 2011 و2012 ، الى اسباب عدة منها:

- انخفاض قدوم السياح العرب الى لبنان وكذلك قدوم المغتربين اللبنانيين مع الإنفاق الملازم لقدومهما، وذلك خاصة عام 2011. وكان لهذا الواقع ان يكون اكثر قسوة لولا دخول اعداد كبيرة من السوريين الميسورين والمتوسطي الحال وبقاؤهم في لبنان للسكن والأكل واللبس واللهو والتعليم وغيرها من الأبواب الإنفاقية.

- ازدياد العجز التجاري بسبب انخفاض الصادرات الصناعية (التي تشكل 78% من الصادرات) والمتوجهة بنسبة 60% الى اسواق سوريا والعراق الأردن والخليج. وكذلك الصادرات الزراعية (22% من الصادرات) المتوجهة بنسبة 81% الى سوريا والعراق والخليج. فقد انخفضت الصادرات الإجمالية بنسبة 26% عام 2012. كما ان الإستيراد قد ازداد بنسبة 20.3% عام 2012 بسبب الطلب من النازحين السوريين على السلع وكذلك الطلب عبرنا الى سوريا.

وقد ازدادت الصادرات الى سوريا بنسبة 33% مقارنة بعام 2010.

وكان على العجز ان يكون اكبر من ذلك لولا الإرتفاع السنوي لتدفق الأموال على النظام المصرفي اللبناني لأسباب غير واضحة: هل هي اموال هاربة من سوريا او اموال مخصصة لدعم المعارضة السورية؟ او غير ذلك.

الجدول 1

السنة نمو الناتج المحلي القائم

2010 7 %

2011 1.8 %

2012 0.6 %

المصدر: المعهد الدولي للمالية (IIF)

الجدول 2

السنة مؤشر التضخم %

2010 4.6 %

2011 3.1 %

2012 6.5 %

المصدر: ادارة الإحصاء المركزي

الجدول 3: تطور رصيد ميزان المدفوعات

السنة الرصيد النسبة من الناتج المحلي القائم

2010 + 3.3 مليار دولار 8.7 % فائض

2011 - 1.996 مليار دولار 5.3 % عجز

2012 - 1.5 مليار دولار 3.5 % عجز

ملاحظة: (+) يعني فائضاً (-) يعني عجزاً (المصدر: مصرف لبنان)