لكي يستخلص لبنان العبر الاقتصادية

تاريخ الإضافة الإثنين 12 آب 2013 - 7:23 ص    عدد الزيارات 671    التعليقات 0

        

 

لكي يستخلص لبنان العبر الاقتصادية
مازن سويد.... خبير اقتصادي
إن تقلص المساحة الاقتصادية وانعدام الفسحة المالية والوضع المتردي للقطاعات الحيوية تعني ان لا حل للبنان إلا عبر تحقيق اختراق كبير على صعيد تعزيز مستويات الثقة والشفافية والاحترام والهيبة للدولة
مرّت خمس سنوات على الأزمة المالية العالمية وأصبح ممكنا استخلاص الكثير من العبر وبالتحديد في ما خص لبنان.
الخلاصة الأولى هي أن الولايات المتحدة استطاعت أن تتعافى بسرعة أكبر من سائر البلدان التي تأثرت بالأزمة، اذ عادت معدلات النمو إلى نحو 2.2% في 2012، بينما تدهورت معدلات النمو في أوروبا وهي اليوم لا تتجاوز الصفر%، وذلك بفضل المساحة الاقتصادية الأوسع للاقتصاد الأميركي لما يتمتع به من مرونة وقدرة كبيرة على التلاؤم. ونعني هنا المساحة الاقتصادية التنوع القطاعي في الاقتصاد الأميركي، وبالتالي قدرة قطاعاته الاقتصادية المختلفة على التكيف والتفاعل مع المتغيرات والتحولات بما فيها ما يتعلق بالقطاع العام.
لذا، عندما عانى القطاعان العقاري والمصرفي في الولايات المتحدة من الازمة المالية الحادة، سارعت الادارة الأميركية إلى اعتماد سياسة اقتصادية توسعية قوامها من جهة أولى ضخّ سيولة اضافية في السوق من المصرف المركزي، ومن جهة ثانية زيادة حجم الانفاق الحكومي الذي ركز على اطلاق عدد من المشاريع الاستثمارية التي توسع حجم الطاقة الانتاجية في الاقتصاد.
وقد أدت السياسة التوسعية النقدية والمالية التي اتبعتها الادارة الأميركية، وارتفع معها العجز إلى الناتج المحلي الأميركي من 2% في 2007 إلى نحو 9% في 2012 الى ضعف الدولار، مما ساهم بدوره في تشجيع القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية على تحسين القدرة التنافسية للصادرات الأميركية. وقد ساهم ذلك في التخفيف من وطأة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة.
طبعاً لا تقل المساحة الاقتصادية لدى أوروبا عن تلك التي لدى الولايات المتحدة لناحية التنوع القطاعي، ولكن الفارق هو أن تلك المساحة لا تتسم بالدرجة عينها من المرونة والقدرة على التلاؤم، سواء أكان ذلك على صعيد السياسات النقدية الواجب اتباعها أم على صعيد مرونة أسواق العمل وتكيفها، وكذلك في ما خص بيئة الاستثمار عموما. فالمصرف المركزي الأوروبي لم يستطع ضخ السيولة في الاقتصادات الأوروبية على غرار المركزي الأميركي. وقد ساهم في ذلك، الموقف الالماني المحافظ الذي يعتبر أن أحد الأسباب الرئيسية للتضخم هي مستويات السيولة الفائضة في الاقتصاد، وان دور المصرف المركزي الأوروبي الوحيد هو محاربة التضخم وليس القيام بوظائف أخرى.
الخلاصة الثانية تتعلق بالفسحة المالية الأوسع التي تتمتع بها الولايات المتحدة مقارنة بدول أخرى ومنها أوروبية، اذ لم تتجاوز في 2007 نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 60% في الولايات المتحدة، مما اتاح لها القدرة على اتباع سياسة مالية معاكسة للأزمةCounter-cyclical، بينما أدى المستوى المرتفع للمديونية لدى كثير من البلدان الأوروبية والتقلص السريع للواردات الضريبية الناتج عن الركود الذي حلّ بها، دوراً لاجماً لاندفاعة الاقتصاد كونه حتّم عليها اتباع سياسة مالية تقشفية Austerity Policy على صعيد إنفاق القطاع العام، فيما كان الركود يضرب القطاع الخاص. هذا ما فاقم حدة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تلك البلدان.
الخلاصة الثالثة هي الناتجة عن حلول ما يسمى حال التعب واليأس من الإصلاح Reform Fatigue التي تشهدها أوروبا حاليا، ومردها أن الإصلاح البنيوي الذي واكب سياسة التقشف المالي كجزء من الخطة المالية الإنقاذية، لم ينجم عنه بعد النتائج السريعة المتوخاة لناحية النمو الاقتصادي المرتجى. ويعود ذلك لسببين:
1 - ان لاعتماد سياسة التقشف المالي آثاراً فورية على الاقتصاد لناحية خفض الانفاق الذي بدوره يؤدي فوراً إلى تقلص في حجم الاستهلاك، وتاليا إلى تقلص معدلات النمو. هذا فيما تحتاج الاصلاحات البنيوية كتحديث قوانين العمل أو تحسين بيئة الاستثمار أو اعتماد سياسة الخصخصة، إلى وقت أطول لتؤتي ثمارها المنشودة.
2 - ان الاصلاحات البنيوية تكون أكثر فاعلية وأقل كلفة اذا ما تم اتباعها في ظروف اقتصادية وسياسية مستقرة. والسبب، ان الاصلاحات غالباً ما تستدعي إعادة توزيع للدخل وللسلطة، وتاليا فإن نجاح تطبيقها يحتاج إلى استقرار سياسي وإلى مستوى مرتفع من معدلات النمو الذي يساهم بدوره في تعويض قسم من خسارة الدخل الذي قد يتعرض له فريق معين يقع عبء الاصلاح عليه.
كيف يمكننا أن نقوِّم الوضع في لبنان في ضوء هذه المتغيرات؟
أولاً: على صعيد المساحة الاقتصادية المتاحة في لبنان، نجد أنها تقلصت إلى حد بعيد. فالقطاع الزراعي وكذلك الصناعي، يعانيان ارتفاعاً مزمناً في مستويات الكلفة وضعفاً هيكلياً في مستويات الانتاجية. ويفاقم هذا التردي على صعيدي الكلفة المرتفعة والانتاجية المنخفضة، حال عدم الاستقرار الأمني الناتج عن وهن الدولة وتآكل هيبتها. أما بالنسبة لقطاعي البناء والسياحة اللذين كانا المحركين الأساسيين للاقتصاد على مدى الفترات التي شهدت نمواً اقتصادياً مرتفعاً، فإنهما يعانيان منذ أكثر من عامين، تباطؤاً حاداً وتتردى حالهما بسبب الأحداث السورية وانعكاساتها على الداخل اللبناني. أما القطاع العام فيعاني بدوره من استفحال حال الشلل وانعدام المرونة وضعف القدرة على التكيف وارتفاع الكلفة وتقلص الإنتاجية وتفاقم الفساد وتوزع الولاءات للقوى التي هي خارجة على اطار الدولة.
ثانياً: بالنسبة إلى الفسحة المالية، فهي أصبحت منعدمة تماماً في لبنان. فالدين العام نسبةً إلى الناتج المحلي عاد إلى الارتفاع ليقارب 140% بسبب استمرار زيادة العجز السنوي وبسبب الانخفاض الحاد في معدلات النمو. وهذا لا يتيح للدولة ان تتبع سياسة مالية توسعية تعاكس الركود بغية التخفيف من وطأته.
ولكن الأخطر في هذا كله يكمن في بنية المالية العامة ذاتها، اذ تستهلك مدفوعات الدين العام والرواتب والأجور والتعويضات ودعم مؤسسة كهرباء لبنان نحو 80% من مجموع الموازنة المحققة، وهو ما لا يترك اي مجال لزيادة الانفاق الاستثماري الذي يحتاجه البلد لتوسيع طاقته الانتاجية أو حتى لزيادة حجم الإنفاق الاجتماعي الضروري والملح لتعزيز شبكة الأمان والحماية الاجتماعية، وبالأخص في أوقات الركود ولجبه ارتفاع البطالة وتفشي حالات الفقر.
ثالثاً: التقاعس المزمن الذي عانى منه لبنان ويعاني والمتمثل بعدم القيام بالإصلاحات البنيوية، ولاسيما عندما كان لبنان يتمتع بالمعدلات المرتفعة من النمو والتي كانت كفيلة بالمساهمة بإنجاح هذه الإصلاحات وبخفض كلفتها المادية والاجتماعية والاقتصادية.
أما اليوم، فقد أصبح الوضع اللبناني صعباً للغاية واًصبحت كلفة أي إصلاح بنيوي عالية جداً، وبالأخص في ضوء الانقسام السياسي الحاد الذي يعاني منه لبنان وعدم القدرة على انتاج اي توافق وطني حول عدد كبير من القضايا والمسائل المهمة التي يفترض توافرها لضمان نجاح السياسات الإصلاحية التي طال انتظارها.
ماذا يعني كل هذا؟
إن الأدوات التي يملكها لبنان للتعامل مع حال الركود الاقتصادي أصبحت محدودة في وقت يدخل التباطؤ الاقتصادي في البلاد سنته الثالثة مع معدلات نمو لم تتجاوز الـ2% منذ الـ2011. فالمساحة الاقتصادية الضيقة والفسحة المالية المنعدمة وغياب الاصلاح، أصبحت جميعها عناصر تحد من قدرة لبنان على التلاؤم مع متطلبات جبه الركود في ما خص السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
يستدل من هذا ان الأولوية على الصعيد الوطني يجب أن تكون في التصدي لإنهاء حال الركود. فالعودة إلى تحقيق النمو لم يعد خياراً في لبنان، بل اصبح حاجة ماسة وذلك لانعدام القدرة على جبه الركود على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
هذا هو المطلوب، لكنه في الوقت عينه ليس سهلا تحقيقه. والحقيقة أنه يشترط لتحققه توافر عناصر وعوامل عدة. فاستعادة المعدلات المرتفعة للنمو تتطلب أولاً إرادة سياسية جامعة تؤدي إلى قيام حكومة تستطيع بمكوناتها وبسياساتها أن تحيّد الاقتصاد عن الخلاف السياسي، وهي الحكومة التي يمكنها ان تتبع خطاباً اقتصادياً سليماً وعاقلاً ورصيناً، وتعمل على اعتماد سياسة مالية تتيح فسحة يمكن معها زيادة حجم الاستثمار والإنفاق الاجتماعي الهادف، وتعيد ترميم علاقات لبنان مع المستثمرين العرب والأجانب، وتعمل على تطوير قطاعات إنتاجية في الاقتصاد الحديث التي يملك فيها لبنان ميزة تفاضلية. هذه يجب أن تكون أولويات الحكومة العتيدة لتفادي خطر الموت البطيء الذي يتعرض له الاقتصاد اللبناني.
إن تقلص المساحة الاقتصادية وانعدام الفسحة المالية والوضع المتردي للقطاعات الحيوية يعني ان لا حل للبنان إلا عبر تحقيق اختراق كبير على صعيد تعزيز مستويات الثقة والشفافية والاحترام والهيبة للدولة. "النمو أولاً" القائم على الاستقرار، هو الشعار الذي يجب ان تلتقي من حوله مختلف القوى السياسية في لبنان. هذا هو الدرس الأهم مما جرى ويجري حولنا في العالم منذ خمس سنوات.
فهل يتمكن اللبنانيون من ادراك حراجة الوضع الذي بلغوه؟ وهل سيقدمون على اتخاذ ذلك القرار الجريء والضروري قبل ساعة الندم؟ هذا هو السؤال!!

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,044,895

عدد الزوار: 6,749,410

المتواجدون الآن: 101