الإقتصاد اللبناني فقد وهجه!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 13 آب 2013 - 6:55 ص    عدد الزيارات 698    التعليقات 0

        

 

الإقتصاد اللبناني فقد وهجه!
بقلم د. ماجد منيمنة
ينزلق المشهد السياسي في لبنان إلى صراع طائفي كما يتعطش الإقتصاد اللبناني للإستثمارات الريعية لتعيد إليه عافيته ووهجه. إن استمرار حالة الإحتقان في الشارع السياسي يخنق مصادر النقد الأجنبي، ففي ظل جهاز الإنتاج القاصر عن سداد إحتياجات الطلب المحلي من السلع والخدمات، فإن المصاريف تستمر في التزايد مع كل تراجع يحدث في الإنتاج المحلي والواردات، وتتزايد الضغوط على النقد الأجنبي لمواجهة إحتياجات الإستيراد وإنخفاض حاد في تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان. أكثر من ذلك فإن إستمرار حالة عدم الإستقرار السياسي تؤثر سلبًا في تدفقات تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، خصوصًا الذين يقيمون خارج حدود الوطن بصفة دائمة، التي تعد حاليًّا أهم مصادر النقد الأجنبي بعد تراجع أهمية العوائد السياحية حيث أن هذه الودائع تساهم في نمو ودائع البنوك التي يمكنها من مواصلة شراء السندات الحكومية وهو ما يعني أن الحكومة يمكنها تعزيز الإنفاق سعيا وراء تخفيف حدة التوتر الإجتماعي والحفاظ على حد أدنى من الإستقرار السياسي اللازم لجذب المزيد من التحويلات. ومن المؤكد أن صافي تدفقات رؤوس الأموال الخاصة تراجع إلى 2.4 مليار دولار العام الماضي بعد أن بلغت ذروتها في عام 2009 عندما سجلت 12 مليار دولار ومن المتوقع أن تنخفض مجددا إلى 1.6 مليار دولار فقط في عام 2014.
منذ أن بدأت حرب الجوار وأوضاع الإقتصاد اللبناني تتدهور يومًا بعد يوم، فمعدلات البطالة في إرتفاع مستمر،حيث بلغت حسب التقديرات 22 في المائة، بينما يعيش وفقًا للتقديرات الرسمية أيضًا، 47 في المائة من اللبنانيين تحت خط الفقر، بينما تراجعت الإحتياطيات من النقد الأجنبي على نحو خطير إلى نحو 8 مليار دولار. لقد كان من المفترض أن تشهد مرحلة الإستشارات وتكليف النائب تمام سلام بتشكيل حكومة تنسجم مع الأوضاع العامة وبدء إصلاحات اقتصادية هيكلية يهيأ بها الإقتصاد الوطني نحو الإنطلاق السريع، متناسيًا هموم الماضي ومتطلعًا إلى مستقبل أكثر عدالة وكفاءة وإنتاجية. ولكن مع الأسف الشديد لم تشهد مرحلة ما بعد التكليف وحتى الآن أي رؤية واضحة للإقتصاد ولا برنامج عمل لتوسيع قاعدته الإنتاجية أو فتح المجال أمام المبادرات الخاصة لزيادة مستويات الإستثمار ورفع مستويات الناتج والدخل والتوظيف. كما تراجعت إيرادات السياحة بعد أن أصدرت دول الخليج وغيرها تحذيرا لرعاياها من السفر إلى لبنان بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتسبب ذلك في خفض تدفقات استثمارات المحافظ المالية والاستثمارات المباشرة. وتمثل هذه الإجراءات ضربة قاصمة للإقتصاد الوطني الذي يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي نحو 45 مليار دولار. وتراجع معه معدل النمو الإقتصادي من مستويات تقارب 8 بالمائة في الفترة بين عامي 2007 و2011 إلى 1.3 بالمئة فقط العام الماضي ومن المتوقع أن تنزلق الى مستوى أدنى العام الحالي.
كان من المفترض أن توضع خطة طموحة لجذب الإستثمارات الخارجية، بعد أن أصبح واضحاً أن رفع مستويات الإستثمار من خلال رجال الأعمال المحليين أمر غير ممكن، نظرًا لاتساع حاجة الوطن إلى استثمارات تفوق القدرة الإدخارية لقطاع الأعمال المحلي، غير أنه بدلاً من أن يتم تشجيع المستثمرين الأجانب، شهدت تلك الفترة تضييقًا على المستثمرين، خصوصًا العرب منهم، ولم تسعَ الدولة إلى حل مشاكلهم والتوصل بسرعة إلى صيغ توافقية ترضي الجميع، كما الولوج الى إرسال رسائل اطمئنان إلى المستثمرين الجدد سواء من العرب أو غير العرب بأن الإستثمار الأجنبي في لبنان مصون بالقانون، ليعمل المستثمر بطمأنينة وحرية تامة طالما أن هذا يساهم في رفع معدلات النمو وزيادة مستويات الإنتاج. وتتمثل إحدى نقاط الضعف أيضا في خطر تضخم ديون الدولة التي بلغت الآن نحو 140 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى تتجاوز قدرة البنوك على تمويلها. وقد تزيد الأزمة الحكومية الحالية من المشكلة اذا بدأ الإنفاق الحكومي بالانكماش وبدأت الأزمات المالية تعرقل الجهود الرامية إلى السيطرة على المالية العامة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي إرتفاع عجز الموازنة إلى 9.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
لبنان اليوم في حاجة إلى أن يسوق نفسه إستثماريًّا أكثر من أي وقت مضى، من خلال رسم خرائط واضحة للإستثمار، ومجالاته، والأماكن المقترحة له، والتكلفة الإستثمارية المتوقعة له، والتسهيلات التي ستقدم إليه، وذلك لجذب رؤوس الأموال نحو القطاعات المطلوب تنميتها، وإرسال رسائل الإطمئنان المناسبة للمستثمرين لتحسين مناخ الاستثمار، ولعل أهم رسائل الإطمئنان هي توافر الإستقرار الأمني والسياسي.
لقد تطلع اللبنانيون إلى وضع إقتصادي جديد تتحقق فيه مطالب العدالة الاجتماعية التي تدهورت على نحو خطير في العهد السابق، واختفت تقريبًا الطبقة المتوسطة في المجتمع اللبناني، وتحقيق العدالة الإجتماعية التي تتطلب إجراءات مباشرة لإعادة توزيع الثروة، ومجال تحقيقها محدود حاليًّا، لأنها ستتطلب إتخاذ إجراءات إستثنائية غير مقبولة بمصادرة الثروات، وتأميم الممتلكات، وإعادة توزيعها لمصلحة الطبقات الفقيرة. والسبيل الثاني هو رفع مستويات الدخل للطبقات الفقيرة، وفتح المزيد من الفرص أمامها لتحسين مستويات مدخولها، وهذا يتطلب شرطين: الأول، وهو الأهم، دفع عجلة الإنتاج وتحقيق معدلات مرتفعة للنمو يتم توجيه معظم ثمارها نحو محدودي الدخل من الشعب اللبناني. والآخر ألا يكون تحسين مستويات الدخل من خلال مصادر غير تضخمية حتى لا تكون الزيادة في الدخل مجرد زيادة وهمية وإفتراضية. وما تطالب به النقابات العمالية اليوم من زيادة على الرواتب ما هي الا آلية للتمويل بالدين، نظرًا لأن عجلة الإنتاج شبه متوقفة، والنمو ضعيف للغاية، فتكون النتيجة قفز عجز الموازنة إلى مستويات مرتفعة سوف يواكبها إرتفاع في الدين المحلي إلى مستويات خطيرة، يترتب عليها نمو مصطنع في الدخل يؤدي إلى تضخم وتراجع بالقوة الشرائية الحقيقية.
ليست هذه هي الطريقة الصحيحة لرفع مستويات الدخل، فالزيادة في الدخل لا بد أن تكون في الأساس زيادة حقيقية ناتجة عن نمو حقيقي وليس نموًّا في الدين العام، حتى يمكن إستيعاب الآثار التضخمية لهذه الزيادات التي تحدث في الدخل. غير أن صانع السياسة المالية يتطلع الى إحداث نوع من العدالة الإجتماعية ورفع مستويات الدخول بطرق سريعة وغير مدروسة والتي سوف تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي رفع مستوى العجز في الميزانية والدين العام.
هناك سيناريوهان متوقعان في هذا الصدد، الأول أن تميل أوضاع لبنان السياسية نحو الاستقرار لكي تتمكن الدولة من إقناع الأصدقاء والمؤسسات الدولية بتوفير المساعدات والدعم اللازمين لرفع الاقتصاد اللبناني في المرحلة الحالية، وسرعة الإفراج عن القروض التي كنا قد تفاوضنا عليها سابقا من خلال المؤتمرات الدولية، ويتم ضخ الكميات التي يحتاج إليها الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي بحيث تنخفض الضغوط على الليرة اللبنانية وتعود إلى مستويات مطلوبة وبدء عودة الإخوة العرب إلى دعم الإقتصاد الوطني من خلال حزمة من الودائع والصناديق العربية السيادية الإستثمارية أو أن تستمر الأوضاع السياسية في الإحتقان والمناكفات، لتتعقد معها أوضاع الإقتصاد اللبناني، لا قدر الله، على نحو أكبر، وتتعرض الليرة اللبنانية للإنهيار، وتتعاظم معه مخاطر أن يتحول لبنان إلى دولة فاشلة ومارقة، ينهار فيها النظام الإنتاجي ونفقد السيطرة على إقتصادنا الوطني.
كما تؤكد العديد من الدراسات على أن بناء الثقة وضمان قدر من الإستقرار في السياسات الإقتصادية المتبعة تعد من العوامل الرئيسية المؤثرة في جذب الإستثمارات وتشجيع رأس المال الخاص. فهذه الفترة تتسم بعزوف رأس المال الخاص عن المشاركة في العملية الإنتاجية، كما أنه يبتعد عن الإستثمار في السلع الرأسمالية غير القابلة للتداول. لذا لابد من خلق الحوافز اللازمة لجذب الإستثمارات الوطنية والأجنبية، ومن أكثر العوامل الجاذبة لها تحقيق بيئة إقتصادية تتسم بالإستقرار والثقة، وإرساء قواعد الأمن والأمان، وكلها اجراءات تعيد للاقتصاد الوطني بريقه ووهجه!.
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,727,581

عدد الزوار: 6,910,682

المتواجدون الآن: 98