الجاهل في الإقتصاد عدو نفسه!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 20 آب 2013 - 6:35 ص    عدد الزيارات 733    التعليقات 0

        

 

الجاهل في الإقتصاد عدو نفسه!
بقلم د. ماجد منيمنة
عندما تفقد الدولة قدرتها على الإنتاج الحقيقي الداعم لمسيرة النهضة، وعندما يزداد الأغنياء غنىً وثروة والفقراء فقراً وحاجة، وعندما يزداد نفوذ أصحاب الثروة ليصبحوا فوق الدولة وعندما تفرض الأحزاب العسكرية بواسطة أزلامها خوّات على أملاك الناس، وعندما تصبح الرشوة والمحسوبية هي قاعدة الترقّي في المناصب العامة، وعندما تعجز الدولة عن اقرار الميزانية, وعندما يفوق الدين العام الناتج المحلي, وعندما تزداد نسبة التضخم بسبب اختلال العرض والطلب، وارتفاع كلفة الإنتاج، وزيادة الفائض النقدي، واختلال التوازن بين الإستهلاك والإستثمار، وزيادة نفقات الدولة، فإن كل ذلك يبيِّن خللاً عميقاً أصاب القيم الحاكمة والموجهة للإقتصاد، ذلك الخلل هو فقدان الإعتدال في النظام الإقتصادي، سواء في بنيته الأساسية أو من خلال تطبيقات خاطئة تبناها النظام الحاضن لهذا المنهج الغوغائي.
و بالرغم من تأخر تعافي الإقتصاد بسبب الحالة الأمنية وندرة الإستثمارات وانخفاض السياحة وتأخر تنفيذ الإتفاقيات الدولية، والذي سوف يستمر لحين استقرار الوضع السياسي والأمني، إلا أن هناك أصوات مصممة على ترك بصماتها المدمرة التي تؤدي الى رفع الأسعار وخفض الصادرات وزيادة البطالة وتحويل البلد الى جزيرة منعزلة طاردة للإستثمار وخلق بيئة حاضنة غير قادرة على خلق فرص عمل لأبنائها. وللأسف سيدفع الشعب اللبناني بكافة طوائفه ثمن ذلك التخبط الإقتصادي، ولسنوات عديدة قادمة.
فبدلا من احترام رغبة الشعب بتسهيل تأليف الحكومة والإسراع بضمان أمن الوطن وأمان المواطن وإزالة معوقات التجارة والصناعة والإستثمار، من خلال تطمين العالم بأن لبنان ينعم بمستقبل واعد لتشجيع الاستثمارات فيه، الا أن أن تلك الأصوات تنادي وتستمر أبواقها بالدعوة لكي يستمر مسلسل الإنغلاق الطارد للإستثمارات، وتزكية سياسات عفا عليها الزمن، تعود بنا الى عقود بالية، وتمنعنا من ركب سفينة التطور والابداع الذي سمح للدول بأن تكون في المقدمة حتى أضحت مركزا للتجارة والخدمات في الشرق الاوسط، بالرغم من ميزات لبنان العديدة. كما أن تلك السياسات الخاطئة جعلت من الخليج العربي مركزا للاستثمارات بدلا من لبنان وبالرغم من الموقع الجغرافي الذي يميزه، وصلابة قاعدته المصرفية وموارده البشرية، ومع كل هذا فقد نجحت تلك الدول، مثل مختلف دول العالم التي اتجهت بسياسات تعتمد على رسم منهج وطني شفاف يخدم مواطنيها ويحترم سيادة دولها.
فبدلا من قيام الحكومة بدورها فى دعم الصناعة، والذي كان يدار بنجاح في السابق، من خلال توفير آليات لدعم تلك الصناعات، سواء من خلال مركز تحديث الصناعة الذي تم وأده، أو برامج التدريب التي تم تجميدها، أو صندوق دعم الصادرات الذي تم خفض موازنته وتأخر سداد إلتزاماته, تلجأ الدولة الي سياسات خاطئة لتضعف هذا الحقل من خلال حجب كل المساعدات والمعونات الضرورية ليمكنه من الوقوف أمام الهجمة الاستهلاكية التي تصدرها الينا البلاد القريبة من حدودنا. فعجز ميزان المدفوعات ليس مسؤولية المستهلك اللبناني، الذي من حقه أن يحصل على أجود سلعة بأرخص الأسعار. ومن الواضح تماما أن السياسات الإقتصادية لا تراعي سوى مصالح الفئات الإقتصادية المرتبطة بها بالدرجة الأولى, وهي تتناقض حتى مع مبادئ الإقتصاد الحر الذي تتبناه في حال تعارضه مع مصالح النخب المسيطرة, فالدولة تبنت سياسة إقتصادية تقوم على بيع قطاعات مربحة ماليا إلى القطاع الخاص وبأثمان بخسة, وعملت في المقابل على تعزيز إحتكار مجموعات رأسمالية لقطاعات إقتصادية كاملة, وهو مخالفة تامة لأحد ثوابت الأنظمة الرأسمالية, كما أنها قد ابتعدت عن الإستثمار بالزراعة والصناعة والإنتاج عموما, أي أنها خصخصت القطاعات المربحة, وتجنبت الإستثمار في الزراعة والصناعة, حتى وجد المستثمرون أنفسهم في حل من أي التزام أو توجه إقتصادي لبناء المجتمع اللبناني, وعملوا على توجيه إستثماراتهم نحو القطاعات الأكثر ربحا والأقل مخاطرة, وبالتالي الأقل مساهمة تنمويا في بناء المجتمع الوطني.
ويبدو أن القطاع الإستثماري اللبناني في معظمه قد ولى ظهره عن حاجات المجتمع الحقيقية، أي في الإنتاج وفي العمل الزراعي لتثبيت الأرض والإنسان، وبات تمويله منصبا على العقارات والسيارات والإتصالات والترفيه والإستيراد، وتحكمه سياسة السوق الحرة والخصخصة, وهذه الصورة تبدو واضحة في الواقع الإقتصادي، وانتشار ثقافة الإستهلاك والمباهاة والبذخ في ظل تراجع للقطاعات الوطنية الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتصاعد حمى الإستيراد الخارجي، كما تتأكد هذه الصورة عند الإطلاع على ما تنشر من بيانات حول القروض والتسهيلات الإئتمانية للمصارف, وكيف أن معظم إستثماراتها تتوجه نحو التجارة العامة للبضائع الإستهلاكية الكمالية، في حين أن القطاعات الإنتاجية لا تحصل من هذه الإستثمارات إلا على الفتات.
فبدلا من الحفاظ على الإستثمارات القائمة وتنميتها وجذب المزيد منها، لخلق فرص عمل كريمة لأبناء الوطن فى وطنهم خاصة فى الظروف الحالية، تسعى تلك الاصوات جاهدة لعزل لبنان إقتصاديا، وطرد الإستثمارات الى خارج حدود الوطن من خلال تبني سياسات الخطف وتسهيل وسيلة دفع الفدية واستمرار العمليات الأمنية على أرضها. وللأسف، سيدفع فاتورة تلك السياسات الأجيال القادمة حيث ستحجم الإستثمارات الأجنبية عن القدوم لدولة تتذبذب قراراتها الإقتصادية بين إنفتاح وإنغلاق، مما يؤثر على الجدوى الإقتصادية لأي إستثمار، وستتوجه لدول أخرى مجاورة.
نحن مطالبون في مواكبة التطورات التي تؤكد على اهمية التحول بالاقتصاد من مرحلة الاستهلاك الى مرحلة الانتاج ومن مرحلة الاستيراد الى مرحلة التصدير, ومن مرحلة الاعتماد على الخارج الى الاعتماد على الذات. ومن لا يتعلم من ماضيه، فلا مستقبل له، وللأسف فإننا لم نتعلم من فشل السياسات الغوغائية التي أدت الى طرد الإستثمارات، وتنمية التهريب وحضن السياسات الإقتصادية الغوغائية وفي النهاية خفض موارد الدولة السيادية من جمارك وضرائب وتأمينات، الى جانب طرد الإستثمارات وفرص العمل التي تأتي معها. وكل هذا جعل مجتمع الأعمال يتساءل: هل حكومة تصريف الأعمال تتعمد ترحيل الهموم الإقتصادية التي فاقت كل الأمكانيات الى الحكومات القادمة لتكون عائقا لأي تقدم سريع مرتقب؟ ونقول أن الجهل في معالجة المشاكل الاقتصادية جعل من الدولة عدوة لنفسها وعدوة لكل مواطن لأن الحكومة أقسمت على أن تؤدي مهامها بما يلائم طموح الشعب, وأن أي خلل في اداء تلك المهام يعتبر خرقا وتقصيرا فاضحا في حقوق الناس. وكخطوة أولى يجب الابتعاد عن خطاب تحريضي أو إقصائي وأن يتصدر العقلاء من هذا الوطن المشهد ليعطوا إشارة البداية على نبذ العنف وإيقاف سيل الدماء بغض النظر عن الانتماءات والتحيزات والبدء بطرح رؤية اقتصادية – اجتماعية – سياسية – أمنية شاملة تستوعب الجميع وقادرة على صد رغبات العدو بنا لنصل ببلادنا إلى بر الأمان.!!!
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,082,017

عدد الزوار: 6,751,960

المتواجدون الآن: 101