ألغينا السمسرة، لكن زيادة عدد الموظفين متعذرة

تاريخ الإضافة الإثنين 16 شباط 2009 - 11:31 ص    عدد الزيارات 5443    القسم محلية

        


فاتن قبيسي

يخرج الفلسطيني رشيد القوصي من رواق الموظفين في «مديرية شؤون اللاجئين»، متجهاً نحو أحد العناصر الأمنية المولجة حراسة مبنى المديرية. يبرز له ورقة رسمية، وقد دُوّن عليها تاريخ تقديمه طلب الحصول على بطاقة هوية لابنه، في الخامس من كانون الثاني الماضي، ويطلب منه السماح له بالصعود إلى الطابق الثاني لاستطلاع مصير الهوية.. فيرفض العنصر الأمني طلبه.
وكان قد طُلب من القوصي، ابن الخمسة والستين عاماً، الحضور بعد عشرة أيام من تاريخ تقديم طلبه لاستلام الهوية، وها هو أمس الأول يقصد المديرية للمرة الخامسة، ليعود، كما في كل مرة، بخفي حنين.
يقترح العنصر الأمني على الرجل الدخول مجدداً إلى الموظف، للحصول على تصريح بالصعود إلى الطابق الثاني، حيث يُحسم نهائياً مصير الأوراق الرسمية المطلوبة. تجاوب مع الاقتراح، ثم عاد ليخبر: «قال لي الموظف إنه لا يملك صلاحية إعطائي الورقة المطلوبة»، فردّ عليه العنصر الأمني بحزم: «وأنا كمان».
لعن اللاجئ الفلسطيني حظه العاثر، فهو يتابع منذ حوالى شهر ونصف شهر بذل الجهد للاستحصال على بطاقة هوية بدلاً عن ضائع، ليقدمها ابنه العشريني الى المعهد الفني الذي ينتسب إليه. وعبّر عن ضيقه بالقول: «حرام عليكن.. كل مرة باجي من صيدا، صرت دافع مئة الف ليرة أجار طريق».
والقوصي هو أحد الذين وقفوا أمس طويلاً في طابور المنتظرين، لاستطلاع مصير معاملاتهم في المديرية. وهي حال كل من يقصد هذا المبنى منذ شهر ونصف. والزحمة معطوفة على عرقلة سير المعاملات هما أمران مستجدان في المديرية، ويربطها عدد من أصحاب المعاملات بالإتيان باستلام رئيسة مصلحة الشؤون السياسية والانتخابية في وزارة الداخلية فاتن أبو الحسن مهامها في مطلع السنة الحالية، وتغيير آلية تقديم الخدمات.
في المقابل، تقول أبو الحسن لـ«السفير» إن الزحمة وبطء سير العمل مرتبطان بإلغاء عمل السماسرة، الذي كان متحكماً بسير المعاملات، وبالطلب الكثيف على بطاقات الهوية بنية التقدم للامتحانات الرسمية. وتردف قائلة: «أنا لست راضية عن تأخر العمل، ولكنه الحد الأقصى الذي يمكننا القيام به».
المُراجع والموظف والأمن يشكون
عدة مئات من الفلسطينيين تغصّ بهم يومياً أروقة المديرية الضيقة في رأس النبع، وهي مديرية تابعة لوزارة الداخلية، فيما عدد الموظفين لا يتجاوز السبعة. ويحتّم غياب مكاتب فرعية للمديرية في المحافظات على اللاجئين من كل المخيمات في مختلف المناطق تكبد مشقة الوصول إليها. وإذا كان تخليص المعاملات مرهوناً سابقاً بزيارتين فقط، ترتبطان بتاريخ تقديم المعاملة واستلامها، فقد أصبح اليوم مفتوحاً على احتمالات تتخطى هذه الوتيرة.
«الأمور في السابق كانت ميسّرة جداً، وكنت أقوم بنفسي بالمعاملات التي تتعلق بأولادي وأحفادي. وها أنا أقصد المديرية للمرة الثالثة منذ 20 يوماً، من دون الخروج بإخراج قيد عائلي»، تقول عائشة سعيد الآتية من مخيم عين الحلوة.
وليس الانتظار طويلاً في الردهة الخارجية هو وحده ما يوتّر المرأة الستينية: «وصلتني تأشيرة دخول إلى السعودية، وطُلب مني إحضار إخراج قيد عائلي لاستكمال المعاملات، وأخشى خسارة التأشيرة نتيجة التأخير في تقديم الأوراق المطلوبة»، تقول عائشة.
أما وفاء كامل فتركت مخيم البداوي باكراً لتصل إلى مبنى المديرية عند السابعة والنصف صباح أمس الأول. انتظرت خارجاً لغاية الثامنة، لتفتح المديرية أبوابها. كاد عقرب الساعة يلامس العاشرة، ولم تحصل بعد على بطاقة الهوية لابنها (طالب البريفيه)، ووثيقة الولادة لطفلتها.
لكن المضحك المبكي من وجهة نظرها، هو أن الموظف أخبرها أن «الوثيقة خالصة ولكن ما فيكِ تاخديها».
وتثير موضوع السمسرة قائلة: «كان السمسار يؤمن لي بطاقة الهوية بأقصى سرعة مقابل 30 ألف ليرة. ولكن هذه المرة، فضلت المجيء برفقة قريبي إلى المديرية توفيراً لأجرة الطريق، وللحصول على البطاقة بستة آلاف ليرة فقط. ولكن إذا كانت الامور معقدة لهذه الدرجة، فلا ضير من اللجوء إلى السمسرة مجدداً».
من جهتها، تلح ليلى على العنصر الأمني بالقول: «دعني اطلع لفوق، ناطرني الشيخ، بدي اكتب كتاب بنتي». يرد بقوله: «شو بعمللك، جيبي ورقة من الموظف». وعندما أخبرته أن الموظف لا يتجاوب معها، علّق بقوله: «هلق بيقولوا إني عم باخد سمسرة من الناس».
وعندما يشتد الضغط على العنصر الأمني من قبل مجموعة المراجعين، يسمح لبعضهم أخيراً بالصعود إلى الطابق الثاني لاستطلاع مصير معاملاتهم، وهو يردد غاضباً: «هلق بيدقولي من فوق، بيفكروني قبضت منهم.. نحن حرس مش اكتر، بس الناس ما بتفهم هيك».
وإذا كان بعض العناصر الأمنية يعانون بدورهم من الآلية المعقدة المستجدة في المديرية، بحيث يتصرفون أحياناً بطريقة ارتجالية لإنهاء وضع عالق، فإن طرفاً ثالثاً أيضاً يضاف إلى لائحة الشاكين، وهم الموظفون.
«ما عم نلحّق شغل.. رح يصير معنا انهيار عصبي»، يقول لـ«السفير» أحد الموظفين رافضاً ذكر اسمه. ويحمل لائحة يستطلع فيها أسماء المراجعين، ليقول للواقفين أمامه: «إنت ارجع بعد عشرة أيام، أما إنت فعد بعد أسبوعين».
يشكو الموظف من ضغط العمل، مشيراً إلى أن «حوالى 300 شخص كحد وسطي يقصدون المديرية يومياً، فيما تغير أسلوب العمل مع مطلع السنة ليصبح أكثر تعسراً».
أبو الحسن: أوقّع يومياً 300 هوية
هذا الواقع ناقشته «السفير» مع فاتن أبو الحسن، رئيسة مصلحة الشؤون السياسية والانتخابية التي تتفرع، إلى جانب مديرية اللاجئين، من «المديرية العامة للشؤون السياسية» في وزارة الداخلية.
وتوضح ابو الحسن انه «نظراً لشغور مركز رئيس «مديرية اللاجئين»، وإلى جانب مهامي، أوقّع شخصياً المعاملات الخاصة بهذه المديرية لتسهيل العمل». وتلفت النظر إلى أن الوزارة المعنية تعمد كل فترة إلى تغيير الشخص المسؤول عن توقيع مثل هذه المعاملات، للحد من عمليات التزوير الحاصلة في بطاقات الهوية لكثير من اللاجئين.
نسألها عن طبيعة عمليات التزوير فتجيب: «الكثير من الفلسطينيين غير مسجلين في لبنان، ويصار أحياناً الى تزوير بطاقات هويتهم لشرعنة دخولهم أو خروجهم من البلد وإليه».
وتقول: «موضوع اللاجئين الفلسطينيين حساس، ويجب معاملتهم كما اللبنانيون، مع فارق أساسي وهو أنهم يفتقدون الى دوائر إقليمية في المناطق للقيام بمعاملاتهم، ما يزيد من الضغط على المديرية في بيروت».
وترد أسباب الزحمة المستجدة مع استلامها منصبها الجديد إلى ثلاثة أمور: الأول مرتبط بالسماسرة الذين كانوا يقومون بالمعاملات سابقاً، بحيث يتقدم كل سمسار بالبريد الخاص بكل مخيم، ما كان يحول دون حصول زحمة على الأبواب أو داخل الأروقة. والمعروف أن أحوال اللاجئين صعبة، ويتقاضى السمسارة منهم مبالغ كبيرة، فقررت عدم قبول البريد من السماسرة، ومن الموظفين في آن، فيتقدم بالمعاملات إما أصحاب العلاقة أنفسهم أو المخاتير».
لكن المختار أيضاً يتقاضى من الناس بدل مهامه. فترد بقولها: «نعم، ولكن الأحوال الشخصية في لبنان تجيز للمختار إحضار البريد إلى المديرية. وهو إذا تقاضى المال، فإنه يأخذ بدلاً عادلاً، ولا ينهب الناس كبعض السماسرة».
السبب الثاني خلف الزحمة، بحسب أبو الحسن، هو الضغط الحاصل من العديد من الطلاب أو أهاليهم، بغية الحصول على بطاقة هوية، استعداداً لخوض الامتحانات الرسمية، قبل انتهاء المهلة المحددة من قبل وزارة التربية.
أما ثالث الأسباب فيتعلّق بالتوقف عن العمل ببطاقات الهوية تحديداً، بين مطلع السنة الحالية و26 كانون الثاني الماضي، «وكنا آنذاك ننتظر أن تزودنا المطبعة بالنموذج الجديد للبطاقات (باعتباره يحمل توقيعي). ما انعكس تأخراً في عملنا في هذا المجال.. علماً بأن اللاجئ الذي يجدد بطاقة هويته كل سنة، قد يحتاج أيضاً خلالها إلى أكثر من واحدة، لأن المستشفيات والدوائر الرسمية تطلب البطاقة الأصلية، لا نسخة عنها»، تشرح أبو الحسن.
«بت أوقع يومياً حوالى 300 بطاقة هوية، وقد انتهينا من البريد الخاص بشهر كانون الثاني الماضي، لنبدأ العمل الاثنين المقبل ببريد الشهر الحالي»، تضيف.
نسألها عن إمكانية زيادة عدد الموظفين، فتحسم: «لا إمكانية لذلك، لأن ملاك المديرية مؤقت».
نسألها عما إذا كان يعني ذلك أن المشكلة ستبقى مفتوحة، فتعلق: «توجهنا بكتاب بهذا الخصوص إلى مجلس الخدمة المدنية، لكنه لم يتجاوب. فاستعنا منذ حوالى سنة، بثمانية عناصر من قوى الأمن الداخلي لمساعدة الموظفين في الأعمال الإدارية (إلى جانب الحرس). ولكن الزحمة اليوم وبطء سير العمل يرتبطان بالآلية الجديدة لتقديم الطلبات، وتزامن ذلك مع الامتحانات الرسمية، وهي زحمة نتوقعها أيضاً في موسم الحج. ولكن خلال بقية أيام السنة، ستكون الأمور أفضل».


المصدر: جريدة السفير - العدد 11222

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,057,113

عدد الزوار: 6,750,427

المتواجدون الآن: 104