طائفية وزبائنية في الخدمات الاجتماعية... وتوزيع غير عادل للنفقات

UNDP تطلق تقريرها: «نحو دولة المواطن»

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 تموز 2009 - 11:48 ص    عدد الزيارات 4295    القسم محلية

        


أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومجلس الإنماء والإعمار التقرير الوطني الرابع للتنمية البشرية في لبنان 2008 ــ 2009 تحت عنوان «نحو دولة المواطنة»، وشرح التقرير الآفات الاجتماعية القائمة، وابتعاد السياسات الاجتماعية المتّبعة عن دورها في تعزيز انتماء اللبناني إلى وطنه، في مقابل تعزيزها الانتماء للجماعات الطائفية والسياسية الضيقة!
التقرير الوطني الرابع للتنمية البشرية في لبنان 2008 ـــــ 2009 كانت له نكهة خاصة هذا العام، إذ لم يقتصر على استعراض المؤشرات وتحليلها، بل ربطها بالواقع الاجتماعي المعيش، وبالتفاوت الطبقي الحاد، وسيطرة الطوائف والمذاهب على مفاصل العمل الاجتماعي في لبنان بشقيه الخاص... والعام! وعلى وقع أغنية «تصبحون على وطن» للفنان الملتزم مارسيل خليفة، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومجلس الإنماء والإعمار أمس تقريره تحت عنوان «نحو دولة المواطن»، الذي يتألف من 285 صفحة، تشرّح الواقع الاجتماعي، والتدخلات السياسية والطائفية في المشاريع الإنمائية والخدماتية منذ ما بعد الطائف وصولاً إلى يومنا هذا... ولئن كان من الصعب الإحاطة بجميع جوانب التقرير، فإنّ «الأخبار» تستعرض الأجزاء التي تضيء على مكمن المشاكل الاجتماعية في لبنان: المحاصصة، والطائفية، والزبائنية، إضافةً إلى عدم ربط الإنفاق على الخدمات بجدوى الخدمات نفسها بالنسبة إلى الفئات الفقيرة، وبتقويم الحاجات المجتمعية الملحة... كلها من العوامل التي تسهم في ضرب مفهوم المواطنية، ولعل السؤال الذي يطرحه التقرير في مقدمة جزء «المواطنية الاجتماعية» يعدّ الأبلغ للبدء باستعراض التقرير: إذ «لا يقتصر الهم الرئيسي على سؤال: ماذا نفعل؟ بل: كيف نفعل؟»

الإنفاق العام مرتفع وفوضوي

عقب انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، عرف الاقتصاد اللبناني زيادة غير مسبوقة في النفقات الحكومية: فقد توسّع الإنفاق من 1،3 مليار دولار أميركي في عام 1992 إلى أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2003، بزيادة ثلاثة أضعاف تقريباً في القيمة الحقيقية. وبحسب البنك الدولي (2005) أنفق لبنان بين عامي 1990 و2005 ما مجموعه 10،3 مليارات على النفقات الرأسمالية (ما يعادل 643 مليون دولار في السنة): و67،5 مليار دولار على النفقات الجارية (أو 4،2 مليارات دولار في السنة)، وبلغ الدين العام المتراكم 38،4 مليار دولار (2،4 مليار دولار في السنة).
بيد أن فعالية الإنفاق العام كانت موضع خلاف واسع النطاق، حيث لم يحقق الاندفاع في الإنفاق خلال فترة الإعمار النتائج المتوقعة في مجال التنمية الاجتماعية ـــــ الاقتصادية. فازدادت التفاوتات بين المناطق وضوحاً، وتراجعت نوعية المشاريع، وساء وضع العجز العام أكثر فأكثر. حتى إنه صار بالإمكان القول إن غياب الرقابة الفاعلة جعل توفير المنافع العامة في لبنان أداة للمحاباة والمحسوبية والسعي إلى تحقيق المكاسب الريعية. واستُبدلت إجراءات التدقيق والإشراف بالتراضي السياسي المتبادل، وتغاضي السياسيين عن مخالفات بعضهم بعضاً. يضاف إلى ذلك أن الفساد في توفير المنافع والخدمات العامة أصبح أسهل بفضل حجم المشروعات ذات العلاقة التي كثر فيها الوسطاء، وتعدّدت مراحل تنفيذها.
علاوة على ذلك، تتعرّض شفافية العمليات العامة للشبهة لأن أجزاءً كبيرة من الاستثمارات العامة تنفّذ من خارج الموازنة، كما أن الحدود العليا للإنفاق التي يقرّها البرلمان ليست ملزمة بسبب قدرة الهيئات المعنية على ترحيل مخصصات الموازنة بدون حدود. ووفق تقديرات البنك الدولي فإن نسبة 19% من الإنفاق العام تجري من خارج الموازنة النظامية، بما في ذلك الجزء المموّل خارجياً من الاستثمارات العامة التي ينفّذها مجلس الإنماء والإعمار والوزارات. كما أن قانون الموازنة لا يغطّي أنشطة المؤسسات العامة المستقلة، كمؤسسة كهرباء لبنان، بالرغم من أن عجز هذه الأخيرة يغطّى من عائدات الحكومة. ومن الضروري توحيد الموازنة بمجملها إذا كانت الحكومة عازمة على ضبط العائدات والنفقات العامة بصورة فعالة، والمحافظة على الخدمات الاجتماعية وتحسين علاقاتها المالية بالمرافق العامة.

تعزيز الخدمات الطائفية

إذ إن لبنان يستخدم زيادة لا تقل عن 25% في مُدخلاته (أي الإنفاق العام) لينتج كمّاً من مُخرجات قطاع الصحة مساوياً لما تنتجه البلدان ذات الممارسات الفُضلى، وزيادة لا تقل عن 13% في المُدخلات المخصصة للتعليم. وكل ذلك لا يراعي حقيقة أن نسبة الإسهام الخاص في إجمالي الإنفاق الاجتماعي في لبنان، على الأقل في ما يتعلق بالصحة، بل وربما التعليم أيضاً، تفوق بكثير النسب نفسها في معظم البلدان. فبين عامي 1995 و2005 بلغ إجمالي الإنفاق العام على البنية التحتية المرتبطة بالمُخرجات الاجتماعية، أكثر من 4،4 مليارات دولار أميركي. ولم يكن تخصيص هذا الإنفاق متناسباً مع توزّع الفقر في عام 1995، فقد حظيت بيروت بـ16% من إجمالي الإنفاق الاستثماري العام، فيما لم يكن فيها سوى 8% من مجموع الأسر ذات الإشباع المتدني للحاجات الأساسية. وكانت النبطية تضم عام ذاته 11% من الأسر ذات الإشباع المتدني للحاجات الأساسية، ومع ذلك فقد تلقت خلال السنوات العشر التالية 1% فقط من إجمالي الإنفاق العام.
كما لم تنتج مستويات الإنفاق المرتفعة نسبياً على التعليم تحسينات كبيرة في نظام التعليم العام، لا من حيث جودته ولا من حيث قدراته. على سبيل المثال، بيّنت دراسة أجريت في عام 2001 أنه بالرغم من زيادة حصة التعليم من التمويل العام من 29% في 1973 إلى 39% في 2001، فإن عدد الأطفال المسجلين في المدارس الرسمية لم يتغير عملياً وظل ثابتاً خلال هذه الفترة، ما يمثّل زهاء 40% من إجمالي عدد الطلاب. إذاً، لم تساعد زيادة المساهمة المالية للقطاع العام على تحسين «حصته في السوق» من حيث عدد الطلاب. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الاستثمارات المنفّذة لم تكن مبنية على تقويم الاحتياجات.

«تشوّهات السوق» واللامساواة

وبذلك يتّضح أن كلفة التعليم تكون عادة أعلى من قيمتها السوقية الحقيقية، ويرجع ذلك جزئياً إلى قيام الحكومة بدفع مخصصات تعليمية تذهب في الأغلب إلى المدارس الخاصة، وهكذا فإن المردود المالي المرتفع في المدارس الخاصة يموَّل إلى درجة معيّنة من الموارد العامة. بما أن الحكومة تمول خدمات التعليم العام وتمثّل مصدراً جزئياً لتمويل نظام التعليم الخاص، فإنها تسبب تشوّهات في السوق. ففي عام 2007 بلغت نسبة أطفال موظفي الحكومة الذين تمول تعليمهم ويرتادون مدارس خاصة، زهاء 90%. وتذهب نسبة تصل إلى 19% من الإنفاق العام كمنح دراسية لهؤلاء الأطفال.
يضاف إلى ذلك أن هذا النظام يولّد لامساواة بين المواطنين. فبالرغم من أن أفراد الشريحة الدنيا من متوسطي الدخل والشرائح الفقيرة هم المستفيدون الرئيسيون من التعليم الرسمي، فإن الإنفاق في هذا المجال يأتي لصالح الأسر ذات الدخول الأعلى نسبياً. إذ يعيش 30% من طلاب لبنان في أسر يقل دخلها الشهري عن 600 ألف ليرة ولكن هذه الفئة من الطلاب تتلقّى 9،6% فقط من الدعم الرسمي. في المقابل، يزداد مستوى الدعم الحكومي كلما ارتفع مستوى الدخل.
إلى ذلك، تنتمي نسبة كبيرة من المؤسسات التعليمية الخاصة إلى جهات سياسية ودينية، ما يقوّي ولاء المواطنين لطائفتهم ويضعف الرابط بين المواطنين ودولتهم. ومن المثير للدهشة أن العديد من هذه المؤسسات الخاصة تموَّله الحكومة بصورة غير مباشرة. ففي عام 2008 أنفقت حكومة لبنان 45 مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل 5% من إجمالي موازنة التعليم العامة (انظر قسم مؤشرات النفقات الاجتماعية) على المدارس الخاصة المجانية. وهناك 379 مدرسة خاصة مجانية تقدم خدمات مرحلة الروضة (بمرحلتيها الأولى والثانية) وتمول من الحكومة بالكامل تقريباً. وهي تضم أكثر من 124000 تلميذ، أي بمعدل إنفاق يقارب 480000 ليرة لبنانية للتلميذ (أو 160% من الحد الأدنى للأجور). وينطبق الأمر ذاته على الطلاب في القطاع العام. غير أن الأهالي الذين يُلحِقون أطفالهم بمثل تلك المدارس، قد لا يدركون أن الحكومة هي التي تموّل تعليم أطفالهم، لا الطائفة الدينية التي تدعي قيامها بذلك.
وإلى هذا، يمتد نطاق اللّافعالية والتدخلات الطائفية إلى التعليم العالي، كما يظهر ذلك بجلاء في وضع الجامعة اللبنانية. إنها الجامعة الوحيدة التي ترعاها الدولة في البلاد، وكانت في وقت ما مفخرة المجتمع الأكاديمي. وقد ألمّت بها سلسلة من المشكلات خلال الحرب وبعدها، ما أضعف مكانتها كمعقل علمي، وقوّض خصوصيتها كبوتقة لانصهار اللبنانيين من كل المشارب.

الحق في الصحة والتعليم

وفي عام 2005 بلغ الإنفاق الصحي على الفرد في لبنان 693 دولاراً أميركياً، فيما بلغت نفقات الرعاية الصحية 2،49 مليار دولار أميركي. ومن حيث النسب المئوية بلغت النفقات الإجمالية على الصحة 11،2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005، وهي أعلى نسبة في جميع بلدان منطقة شرق المتوسط. وبالرغم من أن العديد من البلدان الأوروبية تنفق نسبة شبيهة من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية، فإن قيمة المال (من حيث جودة الرعاية وحجم التغطية ومداها) هي بالفعل أعلى بكثير مما هي في لبنان.
ويظل دور الدولة في قطاع الصحة ومشاركتها فيه ضعيفين عموماً من عدة وجوه. ففي عام 2005 دفعت الحكومة 28،3% من فاتورة الرعاية الصحية وهو رقم أدنى بكثير مما يسجل في البلدان المتقدمة. حيث تبلغ المشاركة العامة أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي النفقات الصحية. وإذا طرحنا نفقات «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» من المساهمة الحكومية، فإن النسبة الواردة أعلاه تهبط إلى 18،5% ما يؤشر إلى مساهمة أشد انخفاضاً من جانب القطاع العام وإلى تحمّل القطاع الخاص أعباءً أكبر، وخاصة الأُسر، عندما يتعلق الأمر بتمويل الرعاية الصحية. فالتفاوتات الرئيسية الكبرى هنا تشمل توزّع الخدمات الصحية مناطقياً والفئات المستهدفة، والأهم من ذلك جدوى التغطية من حيث النوعية والمدى. ومساهمة الحكومة المحدودة في فاتورة الرعاية الصحية الإجمالية تجبر الأسر على الاعتماد على مواردها الخاصة لتأمين الرعاية الطبية. والواقع أن نسبة الإنفاق من المال الخاص مرتفعة إلى حد كبير، إذ تبلغ نحو 60% من النفقات الإجمالية على الرعاية الصحية، أي ما يعادل 82% من مجموع الإنفاق الخاص. وتنفق الأسرة اللبنانية على الرعاية الطبية ما يعادل 14،1% من إجمالي نفقاتها السنوية، أو أكثر من ثمانية أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور.
(الأخبار)
 



28.5 في المئة

 

من اللبنانيين هم من الفقراء، بينهم 8% (300 ألف لبناني) يعيشون في فقر مدقع، و20،5% يعيشون بين خطي الفقر الأدنى والأعلى، فيما التفاوت في مستويات الفقر بين المناطق مرتفع جداً، إذ يصل في بيروت الى 5،2%، وفي الشمال 52،3%، وفي الجنوب 42،2%!
 


 

\"\"


المصدر: جريدة الأخبار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,165,898

عدد الزوار: 6,758,376

المتواجدون الآن: 115