إصلاح للنظام الانتخابي أم خطوة تزيد من التشنجات الطائفية؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 4 تشرين الثاني 2008 - 11:22 ص    عدد الزيارات 1831    التعليقات 0

        

زينة يوسف

"الى من يهمه الأمر من الشباب اللبناني. إذا كان عمرك ثمانية عشر عاماً، وتتمتع بالوعي الكافي لتختار ممثليك في البرلمان، طالب لكي تقترع بهذا العمر. فقرار تعديل سن الاقتراع من سن الـ21 الى الـ18 أصبح في يد الحكومة، وينتظر الموافقة السياسية عليه، لكي يصبح بعدها نافذاً إثر تعديل دستوري في مجلس النواب".
كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن أمل كبير في تعديل سن الاقتراع، بعد مرور وقت طويل على المطالبة بخفضه. فالاجماع السياسي عليه حاصل، مع بعض التحفظات لدى فئات معينة تشترط أن يرفق التعديل بقانون انتخابي عادل لا يؤدي الى تهميش شريحة معينة من اللبنانيين وبالتحديد المسيحيين.
منذ أيام، عادت لجنة الإدارة والعدل النيابية لتذكر بما كانت قد وافقت عليه سابقاً، وهو نص قانون الانتخاب الوارد في اقتراح قانون الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب والمتعلق بسن الاقتراع، وهو كالتالي: "لكل لبناني أكمل الثامنة عشرة من العمر، سواء أكان مقيماً أم غير مقيم على الأراضي اللبنانية، أن يمارس حق الاقتراع وفقاً لشرعة حقوق الناخب والمرشح المكرسة في المادة الـ23 من الدستور ولأحكام هذا القانون".
كما أقرت اللجنة بأن هذا الموضوع "يتطلب توافقاً سياسياً، وبالتالي هو لا يزال رهناً بموافقة حكومية لإيصاله الى المجلس النيابي كمشروع قانون وبأكثرية نيابية يتطلبها التعديل الدستوري".
الا أن الشق القانوني وحده غير كاف. فلنفترض أنه تم التعديل وأصبح لكل شاب وشابة بلغا الثامنة عشرة، الحق بالمشاركة في الحياة السياسية وإثبات فاعليتهما في المجتمع، فهل يكفي ذلك ليصبحا أهلاً لهذا الدور؟، وهل هما في هذا العمر بمنأى عن الإرتباط العائلي والطائفي أو حتى الاستمالة بالمال والوعود الوظيفية من الأحزاب أو المرشحين؟.
وما الرأي في المقابل، حول وجوب رفع سن الاقتراع في بلد كلبنان لا خفضه، خصوصاً وأن المنظمات الدولية الراعية للطفولة، تتحدث عن لبنان من جملة البلدان التي تتفشى فيها ظاهرة حمل السلاح عند الأحداث دون السن القانونية، لا بل أن معظم حملة السلاح في لبنان يتراوح عمرهم بين 15 و25 سنة؟.
فهل ينبغي رفع سن الإقتراع الى 25 سنة مثلاً كي "يقترع" الأكثر نضجاً؟ ومن هم الأكثر تطرفاً في لبنان، هل صحيح أنهم الشباب؟.
إن تخوف البعض من أن يؤدي خفض سن الاقتراع الى 18 سنة الى إحداث خلل في التمثيل، يقابله رأي آخر يقول ان إقرار هذا المشروع أمر لا بد منه مع اقرار قانون انتخابي عادل، بحيث لا يجوز ابقاء الفئة الشبابية بوزنها وحجمها خارج المشاركة السياسية في القرار. فكيف ينظر القانون وعلم النفس الإجتماعي وكذلك الشباب الى هذا الموضوع؟، "المستقبل" سألت، وعادت بالأجوبة.
حق المواطن على حساب الطوائف
يؤكد رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب روبير غانم، أن اللجنة "وافقت من حيث المبدأ على إقرار تعديل سن الاقتراع، آخذة قرارا في المقابل بوجوب حصول تعديل دستوري"، مشيرا الى أن "الموضوع يتطلب توافقاً سياسياً من جهة، والسير في آلية تعديل الدستور من جهة أخرى، كما نصت عليه المادتان 76 و77 من الدستور".
ويشرح "بما أن مجلس النواب هو خارج الدورة العادية لانعقاده، لا يحق للنواب بالتقدم باقتراح قانون. لذا يحق فقط لمجلس الوزراء وبناء على طلب من رئيس الجمهورية أن يعد مشروع قانون بهذا الصدد، ويرسله الى مجلس النواب".
وعن الملاحظات التي يمكن أن تسجل حول هذا التعديل، يقول: "درسنا التعديل من خلال الاستعانة ببعض المعلومات من الحملة المدنية ووزارة الداخلية حول عدد الشباب (18 عاما) الذين سيشاركون في الانتخابات. ورأينا، بحسب الأجوبة التي حصلنا عليها، أن ذلك لا يسبب بشكل رئيسي، كما يظن الناس، خللاً كبيراً في موضوع التوازنات العددية".
ويضيف باعطاء مثل عن تأثير عملية التصويت: "فلنفترض أن عدد المقترعين الشيعة هو الأكبر، الا أنهم متواجدون في الجنوب والبقاع الشمالي، وبالتالي التأثير سيبقى محدوداً هناك، وهذا ما لن يؤدي الى تغيير في المعادلة".
يرفض غانم التحدث عن عوائق في وجه المشروع أو اعتراض مسيحي ما، إذ يعتبر أن "الحديث عنها اليوم، افتراضي، ويجب انتظار ما سيستجد". ويشير الى أن "الموضوع بحاجة الى تعديل دستوري، وعندما يحصل ذلك لكل حادث حديث، وتتخذ حينها القرارات أو المواقف. نحن نقول هذه هي الآلية، وإذا أردتموها، حضروها".
وإذ يرى أن "الطريق مفتوح في وجه المشروع عبر تعديل دستوري"، يشدد على "ضرورة الخروج من دولة الطوائف السياسية، وأن نطمح بعد فترة الى تغيير هذه الذهنية والانطلاق نحو دولة مدنية، وتعزيز المواطنية على حساب الطوائف".
يؤيد غانم خفض سن الاقتراع، معتبرا في المقابل أن رفعه "أمر غير عملي، فشمولية المعرفة أصبحت بيد كل إنسان وبالتالي علينا جعل المواطن مسؤولاً".
وإذ لا ينفي وجود "انقسامات حادة وبيئة مشرذمة في الواقع اللبناني"، يؤكد في المقابل "ضرورة طرح موضوع خفض سن الاقتراع بجدية، وليترافق مع تعزيز حق المواطن على حساب حق الطوائف".
الخشية المسيحية سببها النظام الانتخابي
يؤكد عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب غساب مخيبر "تصميمه الشخصي على الموافقة على تعديل سن الإقتراع". وإذ يعتبر أن "هناك كتلاً عديدة تؤيد هذا الموقف"، يشير الى أن "هناك بعض الزملاء المتحفظين المترددين ومنهم "القوات اللبنانية"، وآمل أن يرفعوا التحفظ، خصوصاً أن هذا القرار يأتي بموازاة إقرار حق الانتخاب للبنانيين في الخارج"، متوقعاً أن "يمرا في جريدة إصلاح النظام الانتخابي".
ويرى أن العوائق التي تواجه هذا الموضوع "هي نفسها التي واجهته في السابق"، ويقول: "من لديه عوائق فليشرحها. فأنا لست فقط مسهلا لهذا المشروع، بل دافع باتجاه إقرار الإصلاح الذي هو لصالح المواطن. فمن حق ابن الـ18 الذي يتزوج ويتملك منزلاً أن يعطى حق الانتخاب".
وعن خشية الطوائف المسيحية من هذا التعديل، يقول: "الجواب على هذا الاعتبار بات واضحاً الى حد كبير. أولاً، إن الأرقام تتزايد وتضاف سنة بعد سنة، وكل ما نجريه عند تعديل سن الانتخاب، هو إضافة سنتين بدل سنة واحدة. ثانياً، إن النظام الانتخابي المبني على المحاصصة الطائفية، كما هي الحال في النظام اللبناني، يستمر بإعطاء النصف للمسيحيين والنصف الآخر للمسلمين، وبالتالى لا تأثير. وثالثاً، إن التأثير في النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر ليس في خفض سن الانتخاب".
ويضيف: "لهذه الأسباب مجتمعة، فإن حق الشبان والشابات بالانتخاب، يتقدم على جميع الاعتبارات ويتجاوزها، ويجعل من تعديل الدستور لخفض سن الاقتراع مسألة واجبة، وتشجع كل من له اعتراض، على تجاوزه والموافقة على التعديل".
وعن إقرار قانون انتخابي عادل يترافق مع تعديل سن الاقتراع، يجيب مخيبر: "إن الجواب على خشية بعضهم من أن يطغى تزايد الأصوات المسلمة على الصوت المسيحي هو في النظام الانتخابي وليس في مسألة عدد الأصوات"، مشيرا الى أنه "بالرغم من أن الاتفاق في الدوحة ليس الأنسب، الا أنه يستجيب الى حد كبير لهذه الخشية".
ويقول: "إن المعادلة اليوم مرتكزة على ما اتفق عليه في الدوحة من تقسيمات انتخابية، يضاف اليها خفض سن الإقتراع وتسهيل عملية انتخاب اللبنانيين في الخارج. وهذا ما يجب أن يحفز الزملاء النواب على الموافقة على خفض سن الإقتراع".
ويعتبر أن منطق رفع سن الإقتراع "يذهب عكس المسار التاريخي لتحفيز مشاركة الشباب في السياسة"، مشيرا الى أن "هذه الاعتبارات لا أساس لها". ويطالب الحكومة من جهة أخرى بـ"تقديم المشروع بأسرع وقت، ويكون أول المشاريع المحالة على مجلس النواب، لأن المحك مرتبط بالوقت، إذ يجب أن تدرج أسماء الشباب في قوائم الناخبين قبل أن تجمد، لذلك بات التحرك السريع واجباً والا غدا كلامنا نظرياً".
حق الاقتراع والتوعية
لا تخفي الأستاذة في علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية معهد العلوم الإجتماعية والمعالجة النفسية رجاء مكي، أن الظروف الحياتية اليوم في لبنان، "هي ظرف انتهازي لاستمالة الشباب في عمر الـ18، بحيث من الممكن أن تحصل استمالة معينة للشباب إن كانت بالمال أو بالوعود الوظيفية أو سواها"، الا أنها ترى في الشباب "روح الثورة والتمرد والمطالبة، وبالتالي إذا بقي أي شاب في بلده، فلا بد من أن يثبت نفسه ويقول كلمته مبدياً رأيه".
وتشير الى أنها ومن خلال التعامل مع هذه الشريحة، تجد أن هناك "كثراً يريدون المشاركة السياسية، وبالرغم من أن ما نراه في عائلاتنا مرات كثيرة، من إعادة انتاج البنية العصبية والطائفية والتي ربما يقبلها الشاب في هذا العمر، من الضروري أن يعطى الحق في التصويت".
وعما يعني الاقتراع للشباب في هذه السن، تقول: "الاقتراع هو المشاركة والحس بالمواطنية بشكل أساسي. يشعر الشاب بأنه منخرط وينتمي الى وطنه. وبالتالي هي معلم من معالم توكيد هويته، إذ لدينا مستويات عدة بالهوية، وبالتالي تتأكد هويته إذ ينحاز ويثبت وجوده وتكون كلمته فاعلة، خصوصا وأنه في هذا العمر يكون لديه توجه نحو استقلالية ما".
وتعتبر أنه "من الضروري للشباب أن يقترعوا، بمعزل عن الميول والإغراءات التي تقدم لهم، وإن كانت أساسية. فالاقتراع يبدو حاجة لدى الشباب عموماً واللبنانيين خصوصاً"، مشيرة الى "ضرورة العمل على تعديل الدستور في ما خص سن الاقتراع".
وتوضح أن "هناك فرقاً بين ما يجب أن يكون، أي الاقتراع، وما هو حاصل بنيوياً على الصعيد الإجتماعي حيث كرة الثلج تتدحرج. لذا على الناس أن يسعوا الى التغيير، وهناك تيارات وجهات حزبية تقتنص التغيير من مكان معين ولكنها لا تطبقه فعليا".
وترى "بطريقة إحصائية ديموغرافية سريعة"، أنه إذا تم رفع سن الانتخاب فسوف "تتضاءل نسبة المقترعين، وإذا أصبح السن 25 مثلا، فسيخف التمثيل الشعبي"، لذلك يبقى الحل الأفضل بحسب مكي "وجوب أن ينتخب الشباب مع تأمين التوعية اللازمة لهم".
وللشباب رأيهم
بين ما يناسب تلك الطائفة ويزعج أخرى. وبين من هو مع خفض سن الاقتراع الى الـ 18 ومن يرى وجوب رفعه، قاسم مشترك وهو عنوان المشروع، الشباب، الذين لديهم أيضاً نظرتهم الخاصة وبالتالي آراؤهم المختلفة أحياناً والمتطابقة أحياناً أخرى، حيال قانون يتيح لهم الإدلاء بأصواتهم والمشاركة السياسية.
تبدو رونا حسن قبيسي (الخامسة في لبنان، فرع علوم الحياة) متميزة في نظرتها الى الموضوع، فهي من بين قلة "يفضلون ألا يعدل سن الاقتراع ويبقى 21"، عازية ذلك الى "قلة النضج السياسي للشباب في سن الـ18، فالانخراط في الجو الجامعي المختلف عن جو المدرسة يساعدهم على تكوين أفكار أدق وأعمق في المجال السياسي وبالتالي تعطيهم استقلالية عن اتباع رأي أهاليهم في الموضوع".
وهي إذ تؤكد أنها "لن تنتخب حتى تتأكد أن لصوتها وقعه ودوره"، تشير الى أن اختيارها للنائب الذي ستصوّت له يعتمد على "أعماله السابقة ومدى قربه وتعاطيه مع الناس، وليس على برنامجه السياسي الذي لا يعده بنفسه".
تختلف النظرة عند روسي ريمون أبي رافع (الثاني في لبنان، فرع العلوم العامة)، الذي يركز على "غياب الثقافة السياسية لدى الشباب"، ناسباً هذا "التقصير الى الأهل والمدرسة التي لا تغوص في تقديم الأمور التي تفيدنا أكثر على صعيد الأمور الوطنية، فالتربية نأخذها كدروس للحفظ، وليس من خلال تفسير حسي صحيح".
روسي الذي "سيتبع أهله، مبدئياً، في اختيار من سينتخب"، يعتبر أن "الأمر طبيعي، وينطبق على كثر غيره". ويشير الى أنه في لبنان "لا يضعون برنامجاً بل لوائح إنتخابية".
ينتظر مهدي ناصر عيسى (الرابع في لبنان، فرع علوم الحياة) بحماسة إقرار تعديل سن الانتخاب ليستطيع بعد أشهر قليلة ممارسة حقه بالاقتراع و"المشاركة في الحياة السياسية"، التي تشعر الشباب برأيه "بالانتماء الى وطنهم". وهو إذ يرى أن "تأثير الأهل موجود"، الا أنه يؤكد أنه "في النهاية لكل شخص رأيه الخاص، ولا شيء يأتي بالفرض".
أكثر ما يهم دانيا شكرون (الثانية في لبنان، فرع علوم الحياة)، هو أن "تشارك في الانتخابات بأسرع وقت ممكن، وأن يكون لصوتها دور".
برأيها إن النائب هو "خادم الشعب وصلة الوصل بينه وبين الدولة"، وهي لا تختاره "بحسب رغبة أهلها وليس استناداً الى توجهه السياسي"، بل تستند الى "ما أنجزه خلال الفترة السابقة إذا كان نائباً سابقاً"، وإذا كان جديداً "أطلع الى مشروعه الانتخابي".
تؤمن دانيا أن لصوتها دورا "مهما كانت الظروف التي يمر بها لبنان"، مشيرة الى أن في أيامنا هذه "هناك وعي سياسي كبير لدى الشباب، ما يسمح لهم أن يدلوا بأصواتهم في الـ18 وبكل وعي".
صحيح أن حرمان فئة من اللبنانيين من حق الاقتراع هو استثناء للقاعدة التي تعطي المواطن حق الانتخاب لمجرد كونه عضواً في مجتمع ديموقراطي. ولكن، هل سيعكس إشراك هذه الفئة العمرية في القرار، وجهاً جديداً للمعادلة السياسية، بحيث يصبح للشباب صوت مؤثر بعيداً عن الاعتبارات الحسابية للوظيفة والسلوك الاجتماعي؟.
خمس عشرة دولة فقط تعتمد سن الـ21 للاقتراع، ولبنان والكويت وحدهما بين الدول العربية يعتمدان هذا السن. أما سن الـ18 فتعتمده 146 دولة في العالم، فهل يضاف لبنان اليها قريباً؟.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,741,607

عدد الزوار: 6,911,998

المتواجدون الآن: 102