افاق ضيقة للسلام الاقتصادي في ظل الاحتلال

تاريخ الإضافة الجمعة 5 شباط 2010 - 9:32 ص    عدد الزيارات 784    التعليقات 0

        

العدد 244، 30 يناير 2010
صفحة  [1]
\"\"
افاق ضيقة للسلام الاقتصادي في ظل الاحتلال

تقرير واشنطنمحمد عبد الله يونس

 

 

تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أطروحة جديدة للتسوية ذات طابع اقتصادي، تقوم على تدعيم الاقتصاد الفلسطيني والارتقاء بمستوى معيشة الفلسطينيين في الضفة الغربية، واعتبر نتنياهو أن ذلك يعد بديلاً لعملية التسوية السياسية التي تقوم على انسحاب إسرائيل من المستوطنات في الضفة الغربية أو التفاوض حول مستقبل القدس. ففي خطابه في جامعة بارايلان في يونيو 2009 أعلن نتنياهو أن إسرائيل ستقبل بدولة فلسطينية ذات سيادة منقوصة ودون جيش على الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، بما يعني أن السلام الاقتصادي من منظور نتنياهو يعتبر بمثابة التنازل الأخير الذي تقدمه إسرائيل للفلسطينيين، بيد أن تتبع السياسة الإسرائيلية عقب الخطاب يكشف أن نتنياهو لم يكن جادًّا وأن رؤيته المنقوصة والغير متوازنة لعملية التسوية لم تجد طريقها للتطبيق في ظل رفض أحزاب اليمين الديني لتقديم أي تنازلات للطرف الفلسطيني

وفي المقابل اتبعت السلطة الوطنية الفلسطينية موقفًا برجماتيًا من أطروحة نتنياهو فرفضت رؤية نتنياهو ونددت بها من جانب وحاولت استغلال الزخم المصاحب لها والاهتمام الدولي بعملية التسوية ولذا أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني في أغسطس 2009 عن خطة إصلاح اقتصادي ومؤسسي تهدف لإقامة الهياكل المؤسسية للدولة الفلسطينية بحلول عام 2011، إذ تستند تلك الخطة لتحفيز الاقتصاد في الضفة الغربية للإفادة من تحسن الأوضاع الأمنية والخفض النسبي المحدود للإجراءات الأمنية الإسرائيلية على الحدود مع القطاع.

ووفق رؤية فياض التي تضمنتها خطته المعلنة في أغسطس 2009 فإنه من الممكن إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية بحلول عام 2011 إذا تمكن الطرف الفلسطيني من إقامة مؤسساته وتدعيمها اقتصاديًّا خلال فترة عامين وهي المدى الزمني لتنفيذ البرنامج الإصلاحي، ويتم خلال تلك الفترة إقامة البنية الأساسية في الضفة الغربية وخاصة إنشاء مطار دولي في الضفة الغربية وإعادة إعمار ميناء غزة وتدشين طرق تربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، كما تتضمن الخطة تطبيق نظام للرعاية الصحية والأمن الاجتماعي بصورة أكثر كفاءة في الضفة الغربية.

سياسات فلسطينية أحادية الجانب

ولقد أثارت خطة فياض الإنمائية عدة تساؤلات جوهرية حول إمكانية تحقيق التنمية الاقتصادية في ظل الاحتلال والممارسات الأمنية الإسرائيلية المتشددة التي تعرقل نمو قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، وإلى أي مدى يمكن تحقيق رخاء اقتصادي مع الإخفاق في التوصل لاتفاق سلام مع الطرف الإسرائيلي أو حتى تحقيق المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، هذه التساؤلات كانت محور الدراسة التي أعدها Adam Robert Green الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي والتي نشرها معهد الشرق الأوسط The Middle East Institute في يناير 2010، بعنوان "السلام الاقتصادي في الضفة الغربية وخطة فياض: هل ينجحان؟ "، حيث أشار الباحث إلى أن السلام الاقتصادي قد يكون نقطة البداية لعملية تفاوض تفضي لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة إلا أنه استدرك قائلاً: إن إرساء دعائم الاقتصاد الفلسطيني غير ممكن في ظل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المتشددة في الضفة الغربية وقطاع غزة .

لم تقتصر مساعي السلطة الوطنية الفلسطينية لإنشاء الدولة على الإصلاح الاقتصادي وإنما شملت دبلوماسية نشطة في المؤسسات الدولية، حيث قام كبير المفاوضين الفلسطينيين نبيل شعث بالتفاوض مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بهدف الحصول على دعم دولي لطرح قرار في مجلس الأمن للاعتراف باستقلال الدولة الفلسطينية، كما شهد العام الماضي، محادثات بين ممثلي السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التجارة العالمية لقبول إتمام فلسطين لعضوية المنظمة بصفة مراقب، باعتبار هذا الإجراء أحد مراحل تأسيس الدولة، وهو اقتراح حظى بتأييد ممثلي حوالي 50 دولة عضو بالمنظمة إلى الآن.

في المقابل، تبنت إسرائيل موقفًا رافضًا لجهود الطرف الفلسطيني على مسار بناء الدولة تحت دعوى أنها إتباع لنهج أحادي الجانب يقوم على استباق الطرف الفلسطيني لعملية التسوية، ونوه وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينيتس Yuval Steinitz إلى أن اتفاقية أوسلو تحظر تغيير أوضاع الضفة الغربية وقطاع غزة أو الشروع في إعلان دولة فلسطينية من طرف واحد قبيل التوصل لاتفاق نهائي بين إسرائيل والطرف الفلسطيني ولخص شتاينيتس رؤيته قائلاً: " لن يتم إعلان دولة فلسطينية قبل ضمان أمن إسرائيل وأي إجراءات أحادية في هذا الصدد تعرقل مسار العملية التفاوضية، وتناسى شتاينيتس أن العملية التفاوضية تعاني من جمود هيكلي منذ تولي حكومة نتنياهو للسلطة وأن المدى الزمني لتنفيذ اتفاقية أوسلو وإعلان الدولة الفلسطينية قد انتهي منذ عقد مضى وأن الاحتكام إليها في تقييم التزامات الطرفين غير مجدي على المستوي العملي" .

تناقضات السياسة الإسرائيلية تجاه التسوية

والتساؤل المهم في هذا الصدد هو لماذا رفضت إسرائيل خطة سلام فياض والجهود الفلسطينية لتأسيس الدولة؟ وما انعكاساتها على أمن إسرائيل؟، وهل يوجد علاقة ارتباطيه بين تدعيم الاقتصاد الفلسطيني وأمن إسرائيل؟ كافة التساؤلات السابقة تلفت الانتباه إلى تناقض جذري في توجهات حكومة نتنياهو حيال عملية التسوية، فبينما دعم نتنياهو وحزب الليكود مرارًا استبدال التسوية السياسية بأخرى اقتصادية تقوم على الارتقاء بالاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وتخفيف القيود الأمنية على الأنشطة التجارية والخدمية الفلسطينية دون التطرق لقضايا الوضع النهائي أو حتى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، فإن أقطاب حكومته كانوا في مقدمة منتقدي سياسات الإصلاح الاقتصادي والمؤسسي التي انتهجتها حكومة فياض في الضفة الغربية .

ولا يمكن اعتبار المساعي الفلسطينية لانضمام لمنظمة التجارة العالمية تهديدًا لأمن إسرائيل، لأن الطرف الفلسطيني يستهدف فحسب الارتقاء بكفاءة الاقتصاد الفلسطيني والارتقاء بمستوى معيشة الفلسطينيين، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن معدل البطالة بين قاطني قطاع غزة ممن تتراوح أعمارهم بين 20و 24 سنة يصل إلى حوالي 57%، في مقابل 29% في الضفة الغربية وفق بيانات منظمة العمل الدولية . كما تسعي السلطة الوطنية من الإفادة من عضوية منظمة التجارة العالمية في بث رسالة مفادها أن الطرف الفلسطيني قادر على المشاركة في المنظمات الدولية وإصراره على تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال التفاوض والدبلوماسية.

و على مستوى آخر تغفل إسرائيل التهديد الأكثر خطورة على أمنها والمتمثل في تراجع دعم الرأي العام الفلسطيني للتفاوض مع إسرائيل وانعدام الثقة في الطرف الفلسطيني بعد المواقف المتشددة التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، على الرغم من استمرار الدعم الرسمي الفلسطيني لحل الدولتين، فإن حالة من التآكل للدعم الشعبي للتسوية السلمية قد تجعل أمن إسرائيل على المحك .

عقبات التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية

يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بصورة كبيرة على القطاع الخدمي لاسيما السياحة والاتصالات، حيث يمثل هذا القطاع حوالي 45% من إجمالي الناتج القومي الإجمالي الفلسطيني في مقابل 15.6% للصناعة و14.9% للتجارة. وتتطلب الأنشطة الخدمية والتجارية تحقيق استقرار أمني وتواصل جغرافي بين كافة أرجاء الدولة وبنية تحتية متكاملة وهو ما لا يتوافر للاقتصاد الفلسطيني. فمنذ انتفاضة الأقصى الفلسطينية في عام 2000 ودأبت إسرائيل على نشر الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش في مختلف أرجاء الضفة الغربية وهو ما أسفر عن تقويض دعائم الاقتصاد الفلسطيني على مدار فترة طويلة ولا تحيط نقاط التفتيش الإسرائيلية بقطاع غزة كما يبدو للوهلة الأولى وإنما تخترقه في مناطق متعددة، لحماية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وأدى ذلك لإعاقة تدفق السلع داخل الضفة الغربية، حيث تستغرق الشاحنات التجارية الفلسطينية ما بين 20 دقيقة و4 ساعات لعبور نقطة تفتيش إسرائيلية بما يؤدي لتلف السلع الغذائية والمنتجات الزراعية وزيادة تكلفة الإنتاج بنسبة 34%.

وفي هذا الصدد أشارت دراسة للبنك الدولي في عام 2008 أن نقاط التفتيش تزيد وقت انتقال السلع بين رام الله والقدس بنسبة تقدر بحوالي 366%، ولا تقتصر الآثار السلبية لنقاط التفتيش على مضاعفة الوقت الذي تستغرقه عملية نقل السلع وإنما تشمل زيادة مخاطر الاستثمار في الضفة الغربية نتيجة سياسة الغموض الأمني التي تتبعها إسرائيل لتأمين المستوطنات التي تقوم على تغيير مواقع نقاط التفتيش بشكل يومي وتغيير ساعات فتح المعابر بصورة عشوائية بما يعوق ممارسة المواطنين الفلسطينيين لأنشطة حياتهم وتواصلهم مع ذويهم في الضفة أو القطاع أو حتى انتقالهم لأماكن العمل .

ولم تكن إجراءات تدعيم الاقتصاد الفلسطيني وتيسير الحياة اليومية للفلسطينيين التي أعلنها في خطابه في جامعة بار أيلان في يونيو 2009 سوى عملية إعادة انتشار للحواجز الإسرائيلية في الضفة وفتح المعابر لوقت أطول مما كان مسموحًا فيما مضى ولكن إجراءات التفتيش لا تزال معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً، خاصة مع غياب الوسائل التكنولوجية المتقدمة واعتماد القوات الإسرائيلية على تقنيات تقليدية لتفقد الشاحنات المارة بنقاط التفتيش، كما استمرت سياسة الغموض الأمني وتبديل أماكن نقاط التفتيش بصورة دورية بما يجعل تلك المعضلة أحد أهم تحديات النمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية .

الانقسام الفلسطيني وأزمة الاقتصاد الوطني

أما العقبة الثانية التي تعترض مأسسة الاقتصاد فتتمثل في الانقسام الفلسطيني والصراع بين حركتي فتح وحماس منذ سيطرة الأخيرة على قطاع غزة عام 2006، وعلى الرغم من الوساطة المصرية لتحقيق التقارب بين الطرفين وتشكيل حكومة وحدة وطنية فإن الخلافات بينهما تظل جذرية ولا يمكن التصدي لها بحلول مؤقتة، فعلى المستوى الاقتصادي تتمحور رؤية حركة حماس حول تدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية في مقابل قطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بما قد يؤدي لحرمان الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها من دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ناهيك عن احتمال تفضيل حماس لتقليص مستوى العلاقات الاقتصادية مع مصر على خلفية توتر العلاقات بين الطرفين وفق ما أكده ناثان براون Nathan Brown أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن .

ويتوقع براون أن يشهد العام الجاري حسمًا للخلافات بين حركتي فتح وحماس في ضوء التفاعلات بين الطرفين حول عقد الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والتي لا يتضح موقف الرأي العام الفلسطيني منها حتى الآن، حيث أشار استطلاع رأي أجراه مركز القدس الفلسطيني للاتصالات والإعلام إلى أن حوالي 23% من الفلسطينيين يلومون حركة حماس باعتبارها سبب فشل الحوار الوطني في مقابل 15.5% يلومون حركة فتح و26.5% يلقون بتبعة فشل الحوار الوطني على إسرائيل .

ومما يزيد من تعقيد المشهد السياسي على الساحة الفلسطينية تراجع شعبية الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبي مازن على أثر تأكيدات إسرائيلية حول تأييد السلطة الوطنية الفلسطينية لمناقشة تقرير جولدستون بمجلس الأمن واتهام حماس له بدفع إسرائيل لإنهاء حكمها لقطاع غزة خلال الحرب على قطاع غزة في يناير 2009، بما يجعل نتائج انتخابات فلسطينية نزيهة تجري في الضفة والقطاع غير مؤكدة وهو ما يمكن تأكيده في ضوء إعلان الرئيس أبو مازن إحجامه عن الترشيح لانتخابات فلسطينية جديدة .

وتحمل تلك التعقيدات السياسية والأمنية تداعيات خطيرة على الأمن الداخلي الإسرائيلي، فمن غير المستبعد أن تنشب انتفاضة فلسطينية جديدة نتيجة عدم وجود أي مؤشر على تقدم عملية التسوية وهو ما أكده موشيه ماعوز الأستاذ بالجامعة العبرية وهو ما يرجع إلى إخفاق إدارة الرئيس أوباما في تحقيق التقارب بين الطرفين واستمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في وقت يرى فيه حوالي 28% من الفلسطينيين أن التسوية لن تتحقق سوى بتجميد الاستيطان في مقابل قطاع كبير منهم يرى أن التسوية لن تتحقق على الإطلاق .

وفي قيام انتفاضة جديدة فإن الاقتصاد الفلسطيني سيعود لنقطة الصفر بما يعني خسارة عدد كبير من المستثمرين الفلسطينيين والعرب لرءوس أموالهم وهو ما أكده أحد كبار المستثمرين في شركة الاتصالات "جوال"، بالنظر إلى أن الاستقرار الأمني أحد أهم ثوابت النشاط الاقتصادي لشركات الخدمات كما سلفت الإشارة، ويعني ذلك أن السلام الاقتصادي الذي تبناه نتنياهو ليس سوى آلية مؤقتة لاستيعاب مطالب الفلسطينيين إلا أنها لن تنتهي بإقامة دولة مستقلة ويظل تحقيقها مرهونًا بإرادة إسرائيل وإحجامها عن استخدام القوة العسكرية في مواجهة الطرف الفلسطيني في حال تصاعد التهديدات الأمنية أو تجدد الانتفاضة.

 

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,095,153

عدد الزوار: 6,752,427

المتواجدون الآن: 96