سكان الخيام في غزة يواجهون خطر الموت

تاريخ الإضافة الأحد 14 شباط 2010 - 6:00 ص    عدد الزيارات 815    التعليقات 0

        

سكان الخيام في غزة يواجهون خطر الموت


مواطنون بات يعرفهم الجميع، وما أن تذكر اسم أحدهم أمام الصحافة إلا قالوا لك هو فلان ابن فلان الذي يسكن الخيمة رقم كذا وكذا وأصابته أمراض الدنيا جميعا، يسكنون الخيام ويعيشون المعاناة بكل اشكالها. إيلاف غضت بصرها مرغمة عن شكل الخيام وطبيعة السكن ونقص الملابس وندرة الطعام وشح المياه وغياب الكهرباء، ولكنها حاولت أن تلامس الجسد الذي طاله المرض.
                             
غزة
(صور خاصة بإيلاف): في مخيم الثبات بمنطقة العطاطرة شمال قطاع غزة يسكن صالح أبو ليلة البالغ من العمر 52 عاما، فهو عاطل عن العمل، ولديه من الأبناء 10 تجمعوا حولنا، وغالبيتهم حفاة الأقدام ويلبسون ما يتوفر لهم من ملابس، يقول أبو ليلة: "أعاني من الغضروف ومعي مرض السكر، وأقسم بالله أني غير قادر على الوقوف على أقدامي من شدة الألم، وإذا كنت أنا رب الأسرة والرجل الكبير مريض فما بالك بالأطفال الصغار".

أبو ليلة الذي التقيناه وهو يحاول جاهدا وضع أكياس من النايلون على خيمته احتماءً من برد الشتاء القارس وخوفا على أطفاله، يضيف: "الخيمة قديمة ومهلهلة، فهي بمثابة شريطة لا تدفئنا، وليس لها شباك ولا باب، وقد طالبنا أكثر من 100 مرة أن يأتوا لنا بخيمة ولا أحد يستمع إلينا، وكأننا نطلب السكن على عتبات بيوتهم، وقلنا لهم مشان الله حدا يطلع فينا إحنا بنموت من البرد ولكن لا حياة لم تنادي". 

وكنتيجة لمرضه يحتاج أبو ليلة إلى 150 شيكل أسبوعيا لشراء الأدوية، وما يزيد من مرضه طبيعة سكنه والبيئة التي يعيش بها حيث يشير قائلا: "كافة الأمراض التي تجتاحنا هي نتيجة

\"\"
صالح أبو ليلة حاملا دواءه ..
السكن في الخيمة، فالوجع في عضلاتي من شدة البرد الذي يتسلل إلينا داخل الخيمة، ومن قلة النوم بسبب البرد القارس، لقد مضى علينا سنة وشهر ولم يتغير أي شيء، ففي السابق كان هناك اهتمام بنا، لقد كانت المياه نظيفة والكهرباء دائما متوفرة، أما الآن فلا ماء ولا كهرباء وحتى الخبز الذي كان يوزع علينا قطعوه عنا".

ويتمنى قائلا: "نفسي ألبس كثير ملابس من شدة البرد، ولكن ليس لدي سوى جاكيت قديم ممزق هو ما تبقى لي من الحرب، ومن أين ستأتي الملابس غير ربنا يلطف فينا".

يصف أبو ليلة أيامه كما يشعر بها لما فيها من قسوة ومعاناة فيقول مثلا أنه يشرب كأسا من الموت يوميا، ويتابع حديثه قائلا: "لو تذبح ابني لن يسيل منه أوقية دم من شدة البرد، وكذلك فأنا أسهر طوال الليل خوفا عليهم لأن الزواحف منتشرة بشكل كبير في المنطقة، وكلها تسبب الأمراض والتسمم، وقد قتلت أكثر من 3 أفاعي صغيرة هنا". ويتسائل: "ما هو ذنب أولادي أن يعيشوا هكذا حياة.."؟ 

وحول اهتمام المؤسسات الأهلية بساكني الخيام، وتقديم الرعاية لهم أوضح أبو ليلة: "أول شهور بعد الحرب كان هناك اهتمام ولكن بعد ذلك بدأ الجميع ينسى أننا نعيش هنا في الخيام، فهناك مواطنين استأجروا بيوت، ولكن من لا يملكون مصدر رزق بقوا في الخيام، ولو معي نقود لما جلست ثانية واحدة هنا، فما الذي يدفعني وأطفالي للعيش هكذا عيشة كلها مرض وتعب.."؟

وطالب أبو ليلة المهتمين وأصحاب الشأن بإقناع المسؤولين للإلتفات إلى معاناتهم قائلا: "أدعوهم للقدوم إلى خيمتي والمبيت ليلة واحدة، وإذا ارتاحوا وشعروا بالأمان في هذه الخيمة فسأعاهد نفسي أمام الله أني لن أطلب منهم شيئا بعد اليوم، فأنا لا أريد منهم الدعم أو المال، وكل ما أتمناه أن يشعروا بنا، وأن يتذكروا أننا هنا مرضى تحت المطر".

 

\"\"
طفل يبكي من جرح صغير في إحدى قدميه

اثنان وثلاثة مرضى في الخيمة الواحدة... أو أكثر

عارفة العطار "أم صابر" تعاني من الغضروف وبحاجة إلى عملية جراحية بشكل سريع، تقول: "لا أستطيع إجراءها لأنني قلقة جدا على أبنائي، فجميعهم صغار وبحاجة للرعاية، خاصة أن ثلاثة منهم مرضى، فأحدهم لديه التهابات حادة في الرئة، والآخر يعاني أزمة نفسية ويتبول لا إراديا، والبنت الصغيرة مريضة بفقر الدم نتيجة سوء التغذية".

"أم  صابر" كانت حامل خلال فترة الحرب إلى أن وضعت مولودها داخل الخيمة بعد الحرب مباشرة، تقول: "كان ذلك سيئا جدا، واكتشفت أن ابنتي ولدت ضعيفة الجسد نتيجة لمشقة الحرب واستنشاقي للفسفور الأبيض الناتج من القنابل، وقلة الطعام والاهتمام بنفسي في آخر شهر قبل الولادة، مما أثر على ابنتي، وهي الآن تعاني من فقر الدم".

الطفلة حنين وهي الإبنة الأصغر لـ"أم صابر" بدا عليها الضعف وانكماش الجسد وهي في حضن والدتها التي توضح قائلة: "لا سرير تنام فيه، ولا حتى نقود تمكنني من شراء الحليب لها، فعلبة الحليب الواحدة تكلفني 45 شيكل، وإذا أطعمتها فإنها تستفرغ الطعام لأن معها نزلة معوية، وكل ذلك بسبب البرد القارس، فمعظم الوقت ملقاه على الأرض داخل الخيمة التي تشع

\"\"
"أم صابر" تظهر نفاذ حليب طفلتها الصغيرة
الرطوبة منها، وحبات الرمل تتساقط عليها من قماش الخيمة الهش".

وتستعجل "أم صابر" الطهي على النار وتقول: "الطعام غير صحي لأنه لا يطهى على النار بشكل جيد نظرا لقلة الغاز، وهذا يؤثر علينا بشكل كبير، وليس لدينا ثلاجة كباقي الناس كي نحتفظ بالطعام والدواء، والمياه كلها متسخة، فبرميل المياه مكشوف للهواء وللأمطار..".

ولا تطالب "أم صابر" ببيت للسكن ولكنها تناشد بتوفير خيمة متينة تقيهم من البرد والمطر، كي لا تتفاقم أمراض ومعاناة أبنائها وتؤكد: "أمراضنا ناتجة عن الوضع القائم وطبيعة حياتنا اليومية، حيث لا يوجد مكان للاستحمام، ولا للغسيل، وحتى لو أردت الطهي بمياه نظيفة فيجب أن أشتري من الدكان وهذا يسبب لي مشكلة مع زوجي لأنه يرفض شراء أي شيء بسبب إفلاسه فهو عاطل عن العمل".


لا أستطيع التحكم بطفلتي..
نهى مجدي غبن والتي لم تتجاوز العامين ونصف العام لديها ثقب في القلب، ويلزمها الدفئ والنظافة، إلا أن السكن في الخيمة لا يؤمن لها ذلك، فيقول والدها: "جبهة رأسها تتلون باستمرار، فمرة أزرق ومرة أحمر، وكل ذلك من شدة البرد والتغير المفاجئ للطقس، ولا تتوقف عن البكاء طوال الليل".

وعن المساعدات التي تقدمها المؤسسات الأهلية أشار والد الطفلة: "قدموا لنا أشياء بسيطة مثل البسكويت وبعض الملابس، ولكن ذلك لا يفي بالغرض لأن الأهم من ذلك هو توفير سكن آمن يحمينا من المطر والبرد، ويبعدنا قليلا عن التلوث، فأنا لا استطيع التحكم في طفلة صغيرة عندما تزحف على الرمل داخل الخيمة".

ويضيف والد الطفلة: "كانت هناك جمعيات تساعدنا لإعانة أطفالي، ولكنهم توقفوا عن ذلك، لقد كانت هناك عيادات متنقلة داخل مخيمات الإيواء ولكن بعد العواصف والمطر الشديد انسحبوا من المنطقة كلها".

\"\"
الطفلة بين ذراعي والدها ...

 

العدوى منتشرة بين سكان الخيام
الدكتور محمد أبو شومر مسؤول العيادات المتنقلة في الإغاثة الطبية الفلسطينية، وفي معرض رده على أسئلة "إيلاف" حول تقييمه لوضع المواطنين الصحي داخل مخيمات الإيواء قال: "هناك انتشار ملحوظ للأمراض في صفوف المواطنين داخل مخيمات الإيواء، وذلك بسبب سوء التغذية الجيدة وهو ما يسبب فقر الدم، وكذلك البرد الذي له دور أساسي في مضاعفات الأمراض خاصة عند كبار السن والأطفال". 

وعن الجهود التي تبذلها المؤسسات الأهلية لخدمة المواطنين يوضح أبو شومر: "لدينا برامج تخدم الأطفال والنساء، من خلال عيادات متنقلة في شمال قطاع غزة، ونعمل وفقا لبروتوكولات منظمة الصحة العالمية، حيث أننا نحاول الوصول إلى الأماكن الفقيرة والمهمشة التي تفتقر للخدمات الصحية، وكذلك ومخيمات الإيواء التي تحتاج إلى تدخل سريع منا، ولكن العواصف وسوء الأحوال الجوية في هذه الأيام دفعتنا للعمل من داخل المنازل وليس الخيام نظرا لكثافة الأمطار".

ويتابع قائلا: "نحاول تقديم إرشادات للمواطنين من خلال نصحهم بغلي الماء جيدا والطهي بطريقة سليمة، ولكنهم لا يستجيبوا لنا لعدم مقدرتهم على توفير غاز الطهي وإن وجد فلن يستغلوه في غلي الماء، وكذلك نواجه مشكلة مع الأهالي عند توعيتهم لأنهم لا يستطيعون السيطرة على أبنائهم الصغار، فظروفهم غير مواتية لممارسة حياة طبيعية".

\"\"
 
 
 
 
 
 
ولا تقتصر الأمراض على فئة محددة بل هناك فئات أخرى كما يقول أبو شومر، ويضيف: "هناك فئات تعاني بشكل يومي، وهناك مقعدين، ومرضى يعانون من أمراض مزمنة، وتوفير الأدوية لهم ليس بالأمر الهين، فهناك نقص حاد في الأدوية الخاصة بهؤلاء".

ويصاب الأطفال الصغار بالطفيليات والديدان نتيجة لغياب النظافة والاهتمام بهم كما يقول أبو شومر، ويوضح: "من أكثر المتضررين بسبب الأحوال الجوية وبيئة الخيام السيئة هم الأطفال والنساء حيث يعاني الأطفال من نزلات البرد الأكثر انتشارا بينهم، وكذلك النزلات المعوية، وفقر الدم، والأمراض الجلدية، والالتهابات الحادة، حيث أن نسبة المصابين بفقر الدم من الأطفال في شمال قطاع غزة هي 52 %، والمصابين به من النساء الحوامل 60 % والمشكلة أن الأمراض الجلدية معدية وهي منتشرة بين صفوف الأطفال بأعداد كبيرة نظرا لاختلاطهم ببعض، مما يفاقم المشكلة". 

أكبر كثافة سكانية هي في شمال قطاع غزة، والأماكن الأكثر تضررا من الحرب هي التي تقع في شمال القطاع، وبالتالي ستكون ظروفهم الصحية صعبة هناك ولن تتوفر بيئة نقية وسليمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حياتهم المعيشية كانت سيئة قبل الحرب لأنهم مهمشين، فما بالك بعد الحرب". ويتساءل أيضا: "كم مرة يستحم ساكني الخيام، وكم مرة يغسلو أيديهم بالماء والصابون".

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,206,342

عدد الزوار: 6,940,440

المتواجدون الآن: 136