عرسال في مرمى النار مأزق بلدة حدودية لبنانية صغيرة

تاريخ الإضافة الأربعاء 24 شباط 2016 - 6:26 ص    عدد الزيارات 1638    التعليقات 0

        

 

عرسال في مرمى النار مأزق بلدة حدودية لبنانية صغيرة
Middle East Briefing N°46
مجموعة الازمات الدولية...بيروت/بروكسل، 23 شباط/فبراير 2016
لمحة عامة
الدولة اللبنانية، التي أضعفتها الخلافات داخل الطوائف وفي ما بينها، تخلّت تدريجياً عن دورها الرئيسي في الحكم وفي إدارة الحياة السياسية التمثيلية وهي تعتمد بشكل متزايد على الإجراءات الأمنية للمحافظة على الاستقرار والوضع السياسي الراهن. وتشكل بلدة عرسال الحدودية البعيدة في الشمال الشرقي مثالاً بارزاً على هذا النهج في معالجة الاضطرابات. يتّسم هذا النهج، الذي تصاعد بعد بداية الحرب السورية في الجوار، بالخطورة وقصر النظر، إذ إنه يعالج الأعراض بينما يعزز في الوقت نفسه ومن غير قصد العوامل الكامنة المسببة لعدم الاستقرار. لو عالجت الحكومة محنة عرسال بطريقة أكثر توازناً تأخذ تلك العوامل في الاعتبار من خلال إدماج المكوّن الأمني في استراتيجية سياسية شاملة، لكان في وسعها تحويل حلقة مفرغة شريرة إلى حالة إيجابية، ومنع تردّي الوضع في البلدة وتقديم نموذج لمعالجة تلك المشاكل في البلاد بأسرها.
تجمع عرسال العديد من المصاعب التي يعانيها لبنان، والمتمثلة في تراجع الوضع الاقتصادي وسوء الإدارة في مناطقه البعيدة، وصياغة خطوط التصدّع الطائفية لمصير جيب سنّي محاط بمحافظة ذات أغلبية شيعية (بعلبك – الهرمل) في البقاع، وقيادة سنّية ضعيفة تزداد ضعفاً، وتنامي قوة حزب الله، الحزب الشيعي اللبناني الذي يشارك ذراعه العسكري بشكل مباشر في القتال الدائر في سورية؛ بالإضافة إلى تداعيات الصراع السوري. لقد حوّل هذا العامل الأخير عرسال إلى قاعدة خلفية للمقاتلين المعادين للنظام، ونقطة عبور للعبوات المتفجرة. ولهذين السببين، تحولت البلدة إلى تهديد لحزب الله وللأجهزة الأمنية اللبنانية. كما أن ذلك جعل البلدة ملاذاً آمناً أوّلياً للاجئين السوريين، ما يضيف إلى الضغوط الحادة الواقعة على الدولة اللبنانية بشكل عام وعلى المناطق المحلية في سائر أنحاء لبنان.
أدت معركة دامت خمسة أيام بين الجهاديين السنّة والجيش اللبناني في آب/أغسطس 2014 إلى وضع عرسال على الخارطة بوصفها تهديداً وطنياً في أذهان العديد من اللبنانين. حاصر الجيش البلدة، ففرضت نقاط التفتيش التي أقامها صعوبات كبيرة على سفر العرساليين العاديين وعلى غير العرساليين الراغبين بزيارتها، وعلى وصول المساعدات إلى آلاف اللاجئين المتجمعين في المنطقة وحتى على وصول الفلاحين المحليين إلى أراضيهم. وفي حين انهار اقتصاد البلدة، ظلت المجموعات السنّية المسلحة موجودة، وتمتعت في ما يبدو بنوع من التسوية المؤقتة مع الجيش شريطة عدم القيام بتحركات ملفتة للنظر. في مثل هذا المأزق المتصاعد الذي يجمع الاضطرابات الاجتماعية والاستياء الشعبي، فإن المجموعات السورية المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف بداعش) وجبهة النصرة، هي المستفيدة الأكبر، إذ يمكنها تعبئة الغضب المحلي وتطويعه ليتلاءم مع رؤيتها.
لقد تراجعت حدة العنف في عرسال وما حولها نتيجة حصار الجيش لكن هذا العنف لم ينته. قد يكون الرد العسكري اللبناني مفهوماً؛ إذ إن الاستقرار الهش في البلاد لا يتيح مجالاً للتراخي أو لاتخاذ مخاطر سياسية، خصوصاً في البيئة الإقليمية الحالية التي تتسم بخطورة عالية. إن تعطل أجهزة الدولة يعطي للقوات المسلحة اللبنانية مطلق الصلاحية بحكم الأمر الواقع، لأنها تمثل إحدى المؤسسات النادرة التي لا تزال قادرة على العمل. علاوة على ذلك، فإن تدفق الأعداد الهائلة من اللاجئين، الذي بلغ أكثر من ربع سكان لبنان، فاقم المشاكل التي كانت موجودة من قبل ووضع ضغوطاً كبيرة على الموارد الشحيحة أصلاً، ما يجعل من الصعوبة البالغة حتى بالنسبة إلى حكومة فعالة أن تتمكن من تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية.
رغم ذلك، فإن الاعتماد الكبير للدولة على الأمن لحل جميع أشكال المعضلات السياسية والاجتماعية لا يشكل حلاً مستداماً. إذا كان لأي شيء أن يفسر بشكل أكثر تحديداً كيف خرج الوضع في عرسال عن نطاق السيطرة، فإن ذلك يتمثل في سجل طويل من إهمال السلطة المركزية؛ وإذا كان ثمة شيء يريده سكانها فعلاً، فهو درجة أكبر من وجود الأجهزة غير الأمنية للدولة، أي خدمات أساسية أفضل، وفرص اقتصادية، وتمثيل سياسي أفضل، وإيجاد حل لأزمة اللاجئين، أو على الأقل تخفيف حدّتها، وتوفير خدمات شرطية فعالة بدلاً من العقاب الجماعي.
بالاضافة إلى حالة عرسال، المثيرة للقلق بحد ذاتها، هناك القضية الأكبر المتمثلة بتخلّي الدولة تدريجياً عن واجباتها. نظراً إلى أن أداء الدولة في الإدارة والسياسة التمثيلية يزداد رداءة بشكل يومي، فإنها باتت تعتمد بشكل متزايد على التدابير الأمنية التي تخلو من أي مكوّن سياسي، أو إنساني أو تنموي جدي. لقد أثبتت هذه المقاربة أنها مغرية بشكل خطير، فهي تحافظ على استقرار ظاهري بينما تتسبب في المزيد من تهالك الدولة في حلقة تعزز وتديم نفسها، إذ إن الإجراءات التي تتخذها الحكومة للتعويض عن نواقصها تجعل الأمور أسوأ. على مدى سنوات، أصبح هذا السلوك نمطاً متكرراً في لبنان. وخارج حدود لبنان، تطوّر المنطق نفسه، كما في العراق، الذي ينبغي أن يكون التفكك التدريجي لدولته درساً تحذيرياً. بدلاً من قمع الأعراض عندما تتنامى ظواهر عدم الاستقرار، على السلطات اللبنانية أن تعالج الأسباب.
يمكن أن تشكل عرسال نقطة بداية جيدة. من أجل وقف المزيد من التردي، على السلطات الحد من الإجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش في البلدة وحولها لكن بطريقة تحافظ على فعاليتها الأمنية. على سبيل المثال، لا شيء يمنعها من إلغاء التصريح المطلوب لزيارتها من قبل غير أهلها، أو منحه للجميع، باستثناء الحالات التي يوجد فيها دليل واضح على سوء النيات. كما ينبغي أن تخضع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من قبل عناصر الأمن للتحقيق الفوري والصارم ومعاقبة الانتهاكات المثبتة. ثمة حاجة لإجراءات تمكّن المزارعين المحليين من زراعة أراضيهم. وعلى السلطات تيسير وصول المساعدات الإنسانية الكافية للاجئين السوريين وتخفيف الضغط على عرسال بنقل بعضهم إلى مناطق أخرى في لبنان، وهي فكرة ناقشتها الحكومة لكنها لم تعمل بموجبها. إذا نجحت هذه المقاربة الشاملة في عرسال، يمكن للحكومة والجهات المانحة من ثم أن تطبّق الدروس المستقاة منها على نقاط الاضطراب التي يزداد عددها في البلاد. في تلك الحالة، سيترتب على الدول المانحة زيادة دعمها للبنان بشكل كبير لمساعدته على معالجة أزمة اللاجئين وآثارها على المجتمعات االمضيفة. وسيترتب على الحكومة اللبنانية بدورها تخصيص الأموال الكافية لمناطق أخرى مثل عرسال تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين، بهدف إقامة مشاريع اقتصادية ومشاريع بنية تحتية مستدامة وقابلة للحياة.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,230,050

عدد الزوار: 6,941,385

المتواجدون الآن: 129