ملف العراق 2017...100 بليون دولار ديون ومثلها خسائر الحرب على «داعش»..

تاريخ الإضافة الخميس 28 كانون الأول 2017 - 5:21 ص    عدد الزيارات 3600    التعليقات 0

        

100 بليون دولار ديون ومثلها خسائر الحرب على «داعش»..

الحياة...بغداد - نصير الحسون ... يواجه العراق تحديات اقتصادية ومالية تهدد مستقبله: آفة الفساد والفقر والبطالة والنزوح وإعمار المناطق المحررة والديون الخارجية وتأهيل البنى التحتية وتأمين الخدمات الضرورية، وشح المياه وتدهور القطاعين الصناعي والزراعي في ظل اعتماد البلد على النفط الذي يشكل 95 في المئة من ناتجه الإجمالي، ملفات ستكون حاضرة بقوة خلال الشهور المقبلة. تشير إحصاءات رسمية إلى أن الحرب على «داعش» كلّفت بـ100 بليون دولار، وديون خارجية وداخلية تزيد على 100 بليون، فضلاً عن مطالبات ملحة تقع على عاتق الحكومة لتامين 100 بليون أخرى لإعادة إعمار المناطق المحررة، لتضاف إلى 93 بليون مصاريف تضمنتها موازنة 2018 لتوفير رواتب 5 ملايين موظف ونفقات استثمارية. في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي نهاية الحرب على «داعش» وبداية الحرب على الفساد، واعداً بإصلاحات اقتصادية شاملة للقطاعين العام والخاص، أيدته كل القوى السياسية، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فالعبادي نفسه قال إن هذه الحرب «أصعب من الحرب على الإرهابيين». التحدي الاقتصادي الأبرز يكمن في تنويع الموارد غير النفطية، على ما قال عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عبد السلام المالكي، الذي أكد أن «تعظيم موارد الدولة غير النفطية أمر في غاية الصعوبة بسبب استئثار جهات نافذة بمعظم مقدرات البلد الأخرى». يمتلك العراق 33 منفذاً حدودياً ويفرض ضريبة تراوح بين 20 إلى 200 في المئة على البضائع، واستورد بضائع خلال العام 2017 بقيمة 40 بليون دولار. وتتحدث أوساط حكومية وبرلمانية عن «تغول» في ملف فساد الجمارك بلغ 8 بلايين دولار، فيما تريثت الحكومة في تطبيق قانون التعرفة منذ عام 2003 حتى 2014، وبلغ إجمالي استيرادات البلد خلال 13 عاماً 520 بليون دولار. ويضيف النائب المالكي أن «الخطر الآخر يتمثل ببيع الدولار، فعلى رغم الآليات المشددة التي وضعها البنك المركزي لهذه العملية لكنها حالياً أحد أكبر أبواب الفساد، والمستفيد بعض المصارف وجهات نافذة تقف خلفها». وتعتمد الحكومة على بيع الدولار لتأمين تغطية نفقاتها، وتبيع كل يوم ما معدله 200 مليون دولار بسعر مخفض يقل بعشرة نقاط عن أسعار السوق المحلية.

البند السابع والمديونية العامة

عام 1990 قرر مجلس الأمن معاقبة العراق نتيجة غزو النظام الكويت وجاءت قراراته تحت البند السابع الذي تحرر منه فور إعلانه الانتصار على «داعش» وتحرير كامل أرضه، ولم تتبق فقرات عقابية سوى بنود قليلة وضعت تحت البند السادس المتعلقة بتعويضات الكويت التي بلغت 52 بليون دولار ولم يتبق منها سوى 3.6 بليون دولار. وأهمية القرار تأتي من إمكان استفادة العراق من عروض شركات أجنبية في إقامة مشاريع استراتيجية، وسيحصل على 150 مليون دولار من بقايا صندوق «النفط للغذاء والدواء»، وسيسمح له باستخدام التكنولوجيا التي كانت محرمة عليه. وتشير لجنة المال النيابية إلى أن مجموع الديون الخارجية حتى نهاية 2016، تصل إلى 111.725 بليون دولار، فيما يبلغ مجموع الدين الخارجي 68.220 بليون دولار، ويبلغ مجموع الدين الداخلي لغاية التاريخ نفسه 43.505 بليون دولار. وتتوزع الديون الخارجية على ما تبقى من ديون نادي باريس وخارج النادي والدائنين التجاريين، وصندوق النقد العربي، والاقتراض الجديد والدين غير المعالج، وتعويضات الكويت، ومتأخرات الشركات النفطية العالمية، ومتأخرات استيراد الطاقة، إضافة إلى حوالات المزادات وقروض شركات التمويل الذاتي، وحوالات تمويل العجز والمشاريع وقروض وزارة الكهرباء. وتشير موازنة هذا العام إلى اقتراض نحو 17.7 بليون دولار، فيما تقدر الديون الخارجية لإقليم كردستان بنحو 40 بليون دولار، وتدور تساؤلات حول إدخالها في إطار الدين العام. ويتفق معظم الخبراء الاقتصاديين على الحذر في التعامل مع الديون حتى لا تصل البلاد إلى مرحلة «انفلات الدين». وفي 16 أيار (مايو) الماضي، أعلن العبادي أن غالبية الديون التي يتحملها العراق داخلية وليست خارجية، مؤكداً أن حكومته بدأت إطفاء بعضها على رغم تراجع أسعار النفط. وتبدو الأوساط الحكومية مطمئنة إلى مواجهة أزمة الديون بعد تعافي الأسعار، وإعلان وزارة النفط في الربع الأخير من عام 2017 أن حجم الاحتياط بلغ 153 بليون برميل بعد أن كان 143 بليون برميل، موضحة أن نشاطات استكشافية في 7 حقول في وسط وجنوب البلاد ساهمت في إضافة 10 بلايين برميل.

إعمار المدن المحررة

تشير آخر إحصاءات وزارة التخطيط وصندوق إعمار العراق إلى أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 32 في المئة والبطالة إلى 40 في المئة، فيما تحتاج البلاد إلى 100 بليون دولار لإعادة إعمار المناطق المحررة. وتقول نائب رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار عضو اللجنة الوطنية العليا لمكافحة الفقر نورة سالم البجاري أن «اللجنة أعدت استراتيجية للحد من الفقر والبطالة وستبدأ العام المقبل بتطبيقها عبر منح قروض وبناء مجمعات سكنية قليلة الكلفة والنهوض بالواقع الصحي والتربوي، لكن كل هذه البرامج في حاجة إلى تمويل وهناك مساع لتمويلها ضمن الموازنة». وأوضحت أن ما «تحقق من إيجابيات عام 2017 هو ارتفاع أسعار بيع النفط، فالموازنة احتسبت البيع بـ43 دولاراً للبرميل، والزيادات الأخيرة حققت عوائد إضافية مكنت الحكومة من تغطية العجز الذي كان بحدود 13 بليون دولار».

الأكراد أمام ضياع حلم الدولة وتداعيات مسعى الانفصال

الحياة...أربيل - باسم فرنسيس... خاض العراق عام 2017 واحداً من أخطر المنعطفات التي كادت تطيح خريطته، منذ نشأته مطلع عشرينات القرن الماضي، فبينما كان يقترب من حسم معركته لاستعادة ثلث مساحة البلاد من قبضة «داعش»، اضطرت حكومته إلى مواجهة حلم الأكراد في الانفصال، وأعادت حدودهم إلى ما قبل سقوط النظام السابق عام 2003. وقاد الرئيس السابق للإقليم زعيم الحزب «الديموقراطي» مسعود بارزاني، بدعم جناح في حزب «الاتحاد الوطني» الذي كان بزعامة الراحل جلال طالباني و «الاتحاد الإسلامي» الاستفتاء على الانفصال في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، في وقت كان الإقليم يعاني أزمات سياسية ومالية، واعتراضاً داخلياً على «توقيت الخطوة وأخطار تبعاتها»، في موازاة رفض وضغط مارسته الدول الغربية بقيادة واشنطن التي طالما اعتبرت الأكراد حلفاء منذ عام 1991، إلى جانب تركيا وإيران، لتأجيل الخطوة، إلا أن بارزاني برر المضي في قراره بعدم تلقي الأكراد «بدائل» للبقاء في إطار الدولة العراقية. أثار الموقف مخاوف بغداد واعتبرته «تقسيماً أحادي الجانب» فحركت قواتها على الفور وطوقت الإقليم وأعادت انتشارها في «المناطق المتنازع عليها»، مدعومة بموقف المجتمع الدولي، وباشرت القوات الاتحادية، التي كانت استعادت قبل أيام قضاء الحويجة، آخر معاقل التنظيم في كركوك، عملية لاقتحام المحافظة بقتال محدود إثر اتفاق مسبق مع بافل طالباني، وقادة آخرين، وبدعم إيراني، بعد أن فشلت تدخلات قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني في إقناع الأكراد بالعدول عن القرار. اضطرت «البيشمركة» إلى الانسحاب سريعاً وخاضت قتالاً محدوداً، واتهم بارزاني قادة في «الاتحاد الوطني» بـ «الخيانة»، وتمكنت القوات الاتحادية في غضون أيام من السيطرة على المناطق المتنازع عليها في كركوك وصولاً إلى بلدة التون كوبر، جنوب أربيل، قبل أن تتوقف، كما سيطرت على مناطق في محافظات ديالى وصلاح الدين، ومعظم الوحدات الإدارية في حدود محافظة نينوى، لكنها اصطدمت بمقاومة منعتها من الوصول إلى معبر فيشخابور، عند المثلث العراقي- السوري- التركي، وكذلك على معبر الخابور مع تركيا، قبل أن تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً لوقف القتال والدخول في مفاوضات استمرت أسابيع من دون التوصل إلى اتفاق، إذ رفض الأكراد تسليم المعابر واشترطوا أن تدار بآلية مشتركة، مقابل تمسك بغداد بإخضاع «كل شبر من الأراضي» للسلطة الاتحادية باستثناء المحافظات الكردية. ورافقت عملية إعادة الانتشار سلسلة إجراءات عقابية اتخذتها بغداد، شملت فرض حظر على مطارات الإقليم، ووقفاً محدوداً للتعاملات المصرفية، وقرارات قضائية طاولت مسؤولين أكراداً، وتحركاً نيابياً لسحب الثقة من نواب متهمين بالترويج للاستفتاء، إلى جانب تشكيلها «تحالف ضغط» وتنسيق «عالي المستوى» مع حكومتي أنقرة وطهران وأجرت معهما مناورات عسكرية في محاذاة المعابر، وقررت طهران غلق منافذها، مع الإبقاء على المعبر الوحيد مع تركيا مفتوحاً. هذه التطورات شكّلت ضربة للمكاسب التي حققها الأكراد طوال ربع قرن منذ انتفاضتهم ضد النظام السابق عام 1991 إثر انهيار القوات العراقية في حرب الخليج الثانية، بعد أن تمتعوا بحكم شبه مستقل بدعم غربي، وحققوا مكاسب إضافية في مرحلة كتابة دستور جديد للبلاد وإقرار النظام «الفيديرالي» في أعقاب إسقاط تحالف قادته الولايات المتحدة النظام ومن ثم وسعوا حدودهم عندما سيطروا على «المناطق المتنازع عليها» إثر انهيار القوات الاتحادية أمام اجتياح «داعش» ثلث مساحة البلاد وإعلانه «دولة الخلافة» في العراق والشام. وزادت تداعيات الاستفتاء الانقسام السياسي المزمن في الإقليم، وأعلن مسعود بارزاني تنحيه من منصب الرئاسة، معلناً توزيع صلاحياته على الحكومة والبرلمان والقضاء، ليتولى نجل شقيقه نيجيرفان بارزاني رئاسة الحكومة وعين قباد طالباني نائباً له بدعم غربي «لإنقاذ ما يمكن إنقاذه» وخوض مفاوضات لترميم العلاقة مع بغداد، واستعادة مكانة الإقليم لدى الحكومات الإقليمية والدولية. ويرى مراقبون أن «الخطأ في توقيت إجراء الاستفتاء» من دون غطاء دولي وإقليمي أعاد الأكراد إلى المربع الأول، ليؤجل حلمهم في الاستقلال، ربما إلى عقود إضافية، في وقت تتمسك بغداد بشروط يعتبرونها «تعجيزية» للجلوس إلى طاولة الحوار، ومنها أن يعلنوا رسمياً «بعبارة صريحة» إلغاء نتائج الاستفتاء، على رغم ترحيبهم بقرار المحكمة الاتحادية إبطاله وما ترتب عليه من نتائج، وإكمال انسحاب «البيشمركة» إلى حدود 2003 وتسليم المعابر الحدودية والمطارات والإدارات إلى السلطة الاتحادية. وعاد الأميركيون مع حلفائهم الفرنسيين والبريطانيين ليمارسوا الضغط وفق مبدأ «إقليم قوي في إطار العراق الفيديرالي الموحد» في ظل وساطات أممية ومحلية لحض أربيل وبغداد على فك عقدة المفاوضات وتجاوز القطيعة، في حين يعيش الشارع في الإقليم حالة غضب بسبب مخاوف من عجز حكومي عن تأمين رواتب الموظفين التي تم خفضها منذ نحو عامين إلى أقل من النصف، والتي تدفع في مواعيد متأخرة، بعدد موظفين يفوق المليون وربع المليون لسكان يتجاوز تعدادهم خمسة ملايين نسمة، بينما تراجعت إيرادات الإقليم إثر سيطرة بغداد على القسم الأكبر من حقول النفط والخسائر الناجمة عن العقوبات. ويواجه نيجيرفان صعوبات في رأب الصدع داخل البيت الكردي الذي اتسع بفعل تداعيات الاستفتاء، حول نظام الحكم القائم والدعوة إلى تقليص صلاحيات رئيس الإقليم والانتقال إلى نظام برلماني، وتشكيل حكومة انتقالية، والبدء بإجراء إصلاحات واسعة وسط إقرار بوجود «فراعنة الفساد» على هرم السلطة، واتهام الحزبين الرئيسيين بتقاسم الإيرادات النفطية، والتسبب في هدر الأموال وتراكم الديون لتصل إلى 20 بليون دولار، ما يشكل عقداً أمام توحيد الموقف الكردي قبل الدخول في مفاوضات مع بغداد. في خضم هذه الأزمات تبرز تساؤلات حول مستقبل تجربة الحكم في الإقليم وما إذا كان سيشهد في العام الجديد اختلالاً أو تغيرات في المعادلة السياسية، وللإجابة استطلعت «الحياة» آراء عدد من النواب الأكراد وقال رئيس كتلة «الديموقراطي الكردستاني» في البرلمان الاتحادي عرفات كرم: «ما زال أمامنا سبعة أشهر على موعد الانتخابات، كنا متحمسين لخوضها لكنها تأجلت بطلب من الإخوة في الاتحاد الوطني خصوصاً بعد وفاة رئيس الحزب (جلال طالباني) والانقسام الذي يعصف به»، وأضاف: «خلال هذه المدة ستظهر ملامح المعادلة، ومن المبكر إعطاء صورة واضحة الآن». وقال النائب عن كتلة «التغيير» هوشيار عبدالله: «منطقياً يجب أن نشهد تغييرات جذرية في المعادلة، بناء على الفشل الذريع للحزبين في إدارة الحكم»، واستدرك: «إلا أنه في ظل احتفاظ الحزبين بالسلاح والأموال فإنه يصعب أن يطرأ تغير في موازين القوى، لا بل سيستمران في فرض سياسة الترهيب والترغيب بالأموال والتزوير كأعمدة لبقائهم على رأس السلطة سواء عبر الانتخابات أو من دونها، على رغم تراجع جماهيرية الحزبين إلى أبعد الحدود». من جهته، أكد النائب عن «الجماعة الإسلامية»، أن «الشارع الكردي يعيش إحباطاً كبيراً من القيادة السياسية جراء الأزمات المتتالية، ويحملها تداعيات الاستفتاء»، وأردف: «قد يطرأ بعض التغيير في المعادلة القائمة لمصلحة القوى المعارضة، إلا أنها تكون واسعة بالطبع». وبدأت قوى «التغيير» و «الجماعة الإسلامية»، وحركتان تشكلتا حديثاً وهي «التحالف من أجل الديموقراطية والعدالة» بزعامة برهم صالح المنشق عن حزب طالباني، و «الجيل الجديد» بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد، تتحدث عن «ثورة بيضاء» عبر تحريك الشارع لإجراء تغيرات جذرية، في حين يستبعد المراقبون أن يحقق الحراك نتائج جراء سيطرة الحزبين المتنفذين على قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية، ما يعني أن الإقليم سيحتاج إلى سنوات قبل أن يتعافى من أزماته المتراكمة.

الفصائل المسلحة تطمح إلى تمثيل سياسي... وعين العبادي على ولاية ثانية

الحياة...بغداد – حسين داود ... يطوي العراق صفحة «داعش» بعد ثلاثة أعوام من المعارك أدخلته في أزمات إنسانية واقتصادية صعبة ووضعته أمام واقع أمني جديد، فهناك ملايين النازحين، ودمار هائل طاول عشرات المدن، وآلاف القتلى والجرحى، وكان التنظيم سبباً في إعادة رسم الخريطة السياسية في البلاد. ويبرز رئيس الوزراء حيدر العبادي في واجهة المشهد السياسي، فالرجل الذي تسلم الحكم وثلث البلاد تحت سيطرة الإرهابيين وخزينة خاوية، بعد انهيار أسعار النفط، يحمل تركة ثقيلة من الخلافات بين الأحزاب، ويظهر اليوم بصفته رجل التسويات الصعبة، يحظى بدعم محلي وإقليمي ودولي يشجعه على السعي إلى ولاية ثانية، مستفيداً من رصيده الشعبي المتصاعد. وتمثل الانتخابات التحدي الأبرز في البلاد بعد «داعش» وهي اختبار مهم لموازين القوى التقليدية في مقابل صعود قوى جديدة تسعى إلى الدخول في العمل السياسي وتطرح نفسها بديلاً لتلك المتهمة بالتورط في الأزمات على مدى العقد الماضي. عندما هاجم «داعش» العراق صيف عام 2014 كانت القوى السياسية أكملت لتوها، بعد مفاوضات شاقة استغرقت شهوراً تشكيل الإدارات المحلية في المحافظات بعد الانتخابات التي أجريت في نيسان (أبريل) 2013، وكان مقرراً أن تبقى هذه الإدارات حتى مطلع عام 2017. ولكن سيطرة التنظيم على أربع مدن أفرز واقعاً جديداً، فالتحالفات انهارت، وأقيل عدد من المسؤولين من مناصبهم وصعد آخرون، وظهرت تحالفات جديدة. واللافت أن كل محافظي المناطق التي احتلها «داعش»، الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى، تم استبدالهم على مدى ثلاثة أعوام لم تخل من ملامح طائفية، ففي ديالى التي كان العرف السائد فيها منذ عام 2003 يقضي بأن يكون منصب المحافظ من حصة المكون السني، تغير الحال ليتولاه شيعي في عام 2015 بعد المعارك التي خاضتها فصائل «الحشد الشعبي» هناك ضد التنظيم.

تنظيم الانتخابات في موعدها

وفقاً للدستور كان يفترض أن تجرى الانتخابات المحلية في نيسان الماضي، ولكن ضغط المعارك المتواصلة ضد «داعش» أجبر القوى السياسية على القبول بتأجيلها والاتفاق على تنظيمها في يوم واحد مع الانتخابات التشريعية في أيار (مايو) المقبل. ولكن الخلافات والدمار في المحافظات السنية الأربع وملايين النازحين، تمثل تحديات أمام إجرائها، فضلاً عن صعوبة عقدها في محافظات كردستان: السليمانية وأربيل وحلبجة ودهوك، وأيضاً محافظة كركوك، ما يعني أن نصف المحافظات العراقية غير جاهزة للاقتراع. على رغم الشكوك التي تحوم حول إمكان إجراء الانتخابات بعد ستة شهور، فإن القوى السياسية باشرت مفاوضات لتشكيل تحالفات، وبدأت حملات دعائية ترتكز على الانتصار على «داعش»، وتبادل اتهامات في الفساد الإداري والمالي، ويتوقع أن تتصاعد لهجتها خلال الأسابيع المقبلة، ولكنها في الواقع تخشى النتائج التي ستكون مفتوحة على الاحتمالات كافة وقد تطيح قوى معروفة مقابل صعود أخرى، خصوصاً مع انهيار التحالفات التي شكّلت الحكومة الحالية.

تحالفات سياسية هشة

يواجه التحالف الشيعي اختباراً هو الأول من نوعه على مدى العقد الماضي، إذ تزداد انقساماته، وتبدو مساعي إيران لتوحيده ليست سهلة. وانقسم «ائتلاف دولة القانون» إلى فريقين، بعد إبعاد زعيمه نوري المالكي عن رئاسة الوزراء، على رغم نيله المرتبة الأولى في الانتخابات، ومنح المنصب إلى رفيقه في حزب «الدعوة الإسلامية» حيدر العبادي. ومنذ ذلك الحين دخل الرجلان في صراع وانقسم أعضاء الحزب إلى فريقين، وعلى رغم محاولاتهم إخفاء الخلاف فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فالمالكي يوجه انتقادات إلى العبادي الذي يضطر بدوره إلى الرد عليها بقسوة. في تموز (يوليو) أعلن عمار الحكيم زعيم «المجلس الإسلامي» انشقاقه عن التكتل الذي يعتبر إرثاً عائلياً، ليؤسس تحالفاً جديداً باسم «تيار الحكمة الوطني» انضم إليه معظم أعضاء ونواب ومسؤولي «المجلس»، باستثناء القادة الكبار في السن، أبرزهم همام حمودي الذي اختير بدلاً من الحكيم وباقر جبر الزبيدي، وزير المالية الأسبق، وجلال الدين الصغير، النائب السابق في البرلمان، وهؤلاء معروفون بقربهم من إيران. أما «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر فأعلن انسحابه من التحالف الشيعي عندما انضم إلى حركة الاحتجاجات الشعبية التي يقودها التيار المدني صيف عام 2015، ويدرس حالياً تشكيل تحالف جديد مع السياسي العلماني إياد علاوي زعيم حزب «الوطنية». مقابل هذه القوى التقليدية، شكل «الحشد الشعبي» تكتلاً باسم «تحالف المجاهدين» يضم الفصائل القريبة من إيران الساعية بقوة إلى المشاركة في العملية السياسية، مستفيدة من تصاعد شعبيتها بعد مشاركتها في المعارك ضد «داعش». لكن على رغم الزخم الذي يتمتع به هذا التحالف إلا أن القوى الأخرى تبدو مترددة في الانضمام إليه خشية فشلها في الانتخابات، بخلاف التوقعات التي تشير إلى إمكان نيلها أصواتاً كثيرة، وحتى أن المالكي اقترح أخيراً دخول كل طرف الانتخابات في شكل مستقل على أن يتم التحالف بعدها. ويبدو أن إعلان المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني رفضه استخدام «الحشد الشعبي» لأغراض انتخابية وسياسية ومطالبته بإشراف الدولة على تشكيلاته شكّل ضربة قوية إلى الفصائل قبيل الانتخابات. المشهد السياسي السني أكثر تعقيداً، فالسنوات الثلاث الماضية من المعارك والدمار أوجدت انقسامات وخلافات على إدارة المدن، وعلى ورش الإعمار، ما أفرز صراعات على المناصب والمغانم. وتولى ثلاثة محافظين الإدارة في الأنبار، وتغير محافظا نينوى وصلاح الدين خلال السنوات الثلاث المنصرمة. ويقود رئيس البرلمان سليم الجبوري العضو البارز في «الحزب الإسلامي» تحالفاً استطاع ترميم سمعة الحزب التي خسرها في الانتخابات التشريعية عام 2014 مقابل صعود غريمه أسامة النجيفي، ويستمد تحالف الجبوري قوته من تقاربه مع الأحزاب الشيعية. الفريق الثاني يتزعمه النجيفي زعيم ائتلاف «متحدون للإصلاح»، ومعه رجل الأعمال خميس الخنجر. أما الفريق الثالث فيتكون من نواب انشقوا عن التحالفات السنية وتقربوا من قوى شيعية، وبينهم النائبان عن الموصل أحمد الجبوري. وعبد الرحمن اللويزي، وسعدون الدليمي عن الأنبار، وهيئات دينية بينها مؤسسة «الإسلام المحمدي» في حديثة، ومفتي «أهل السنة والجماعة» مهدي الصميدعي، إضافة إلى قوات عشائرية مسلحة شكلت لدعم الفصائل الشيعية في صلاح الدين والموصل والأنبار. ويتصارع «الحزب الإسلامي» مع «متحدون» على النفوذ السياسي في الموصل، ويتصارع حزب «الوطنية» ومعه حركة «الحل» مع «الحزب الإسلامي» على الأنبار، بينما تتصارع جبهة «الحوار الوطني» بزعامة صالح المطلك و «الحزب الإسلامي» مع حزب «الوطنية» في صلاح الدين. ويبدو المشهد السياسي الكردي أكثر تعقيداً، إذ إن تداعيات الاستفتاء على انفصال كردستان كرّس خلافات مستحكمة في الإقليم بين الحزبين الرئيسيين «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وقوى «التغيير» و «الجماعة الإسلامية» المعارضة للوضع هناك. الشيء المؤكد أن الانتخابات المقبلة ستكون مصيرية، تمثل اختباراً لمستقبل البلاد في مرحلة ما بعد «داعش»، إذ يعاني العراق من أزمة مالية خانقة ودمار واسع ضرب المدن التي سيطر عليها الإرهابيون على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما أنها تمثل مقياساً لشعبية القوى السياسية.

العراق 2017: نهاية رعب «داعش» وأزمة مستعصية بعد استفتاء الأكراد وبداية محنة الإعمار

بغداد- «الحياة» .. يواجه العراقيون عام 2018 تحديات سياسية وأمنية واقتصادية صعبة. ولم يبق من عمر حكومة حيدر العبادي سوى ستة شهور. مقبل الأيام لن يكون سهلاً في ظل أزمات سياسية مستحكمة. وهناك شك في إمكان إجراء انتخابات تنهي الصراعات التي يخشى أن تنتقل إلى الشارع. إعلان الانتصار على «داعش» هو العنوان الأبرز لعام 2017. وكانت معركة الموصل التي استمرت تسعة شهور بداية انهيار التنظيم، بعد ان نجحت القوات العراقية بطرده من محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى. الأزمة السياسية مع إقليم كردستان بعد استفتاء الانفصال عن العراق، وتنظيم الانتخابات التشريعية والمحلية في موعدها، وإقرار الموازنة العامة في ظل أزمة مالية خانقة، إضافة الى مستقبل «الحشد الشعبي» ابرز تركات عام 2017. والأزمة بين بغداد وأربيل كانت خارج حسابات العراقيين، فإصرار الأكراد على تنظيم استفتائهم على الانفصال عن البلاد أفرز ازمة سياسية وعسكرية كبدت الإقليم خسارة نفوذه في كركوك التي تعتبرها الأكراد من «المناطق المتنازع عليها»، ولا يمكن لهم الاستقلال من دونها نظراً إلى أهميتها الاقتصادية. وعلى رغم مرور أكثر من ثلاثة شهور على الأزمة، وإعلان حكومة كردستان المتكرر رغبتها في الحوار، إلا أن بغداد غير متحمسة لذلك، وتسعى إلى كسب الوقت لانتزاع مكاسب على الأرض تجعلها الطرف الأقوى في المفاوضات، وهذا قد يتطلب معارك جديدة بين الجيش و «الحشد الشعبي» من جهة و «البيشمركة» من جهة أخرى، وليس مستبعداً أن يؤدي ذلك إلى تدخل دولي وإقليمي. على المستوى السياسي كان يفترض تنظيم الانتخابات المحلية في نيسان (إبريل) الماضي، لكن الحرب على «داعش» الذي كان يحتل مناطق شاسعة في الأنبار ونينوى حال دون تنظيمها، إضافة إلى مخاوف حقيقية من أن إجراءها في ذلك الوقت سيجعل نتائجها لمصلحة تشكيلات عسكرية تسعى إلى استغلال محاربتها التنظيم في الاقتراع. وحتى بعد إعلان الانتصار على التنظيم لا تبدو الأحزاب السنية متحمسة لإجراء الانتخابات في أيار (مايو) المقبل، فالمدن التي تمثل القاعدة الشعبية لهذه الأحزاب مدمرة ونصف سكانها نازحون بسبب الفوضى الأمنية والخوف من الاعتقالات التعسفية وانهيار الخدمات والبنى التحتية. ويواجه العراق ملفات اقتصادية شائكة بينها الديون الخارجية وإعمار المدن المحررة والفساد الإداري والمالي. بعد إعلان قوات الأمن الانتصار على «داعش»، قال العبادي إن «المعركة المقبلة ستكون ضد الفساد»، ولكن هذه المعركة ليست سهلة في بلد ينخر الفساد كل مفاصل الدولة وغارق في أزمة مالية خانقة بسبب تراجع أسعار النفط والخسائر الكبيرة التي تكبدها في الحرب على «داعش».

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,177,771

عدد الزوار: 6,759,136

المتواجدون الآن: 120