الحكم في فلسطين 2: نموذج الضفة الغربية؟

تاريخ الإضافة السبت 1 تشرين الثاني 2008 - 8:14 ص    عدد الزيارات 1783    التعليقات 0

        

بعد سيطرة حركة حماس على غزة في يونيو 2007 وتشكيل حكومة جديدة فى الضفة الغربية توقع المراقبون سيناريوهين مختلفين. السيناريو الأول يرى بالضفة الغربية نموذجاً من حيث الإنتعاش الإقتصادى وتحسن العلاقات مع اسرائيل والعالم الخارجي يتناقض مع مصير غزة المؤسف، بينما السيناريو الثاني يرى فرصة ضئيلة لإحراز التقدم في الضفة بسبب استمرار الاحتلال وتهاوى هياكل السلطة الفلسطينية. ولكن لم يتحقق أياً من السيناريوهين، حيث إستطاعت قيادة سلام فياض الكفء أن تحقق انجازات وبالذات في مجال فرض القانون والنظام، لكن الوضع في الضفة الغربية لم يشكل نموذجاً يحتذى.
فالتقدم الذي تم إحرازه لم يكن كافياً لإقناع إسرائيل بتخفيف الحصار أو بوقف الغارات العسكرية التى تعتبرها شديدة الأهمية لأمنها. كما إن غياب برلمان فعال بالاضافة إلى الإجراءات القاسية التي تتخذها قوات الأمن الفلسطينية ضد المتعاطفين مع حماس لا تتفق مع الحكم الشرعى المبني على الشفافية والمسائلة. يجب على اسرائيل والسلطة الفلسطينية أن يقوموا بتطوير التنسيق بينهما؛ كما يجب على شركائهم الدوليين أن يشجعوهم على السير فى هذا الاتجاه مع إستمرارهم في تقديم مساعدات مالية كبيرة. لكن انهاء الانقسام الجغرافى واستعادة الديموقراطية البرلمانية يعتبران ضرورة لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
لقد ورث فياض سلطة فلسطينية ممزقة ومفلسة وفي حالة من الفوضى، نتيجة للأعمال الاسرائيلية ولمقاطعة المجتمع الدولى لحكومة حماس ولحكومة الوحدة الوطنية وكذلك بسب التجاوزات العديدة التى قامت بها السلطة نفسها. فمنذ البداية كانت السلطة الفلسطينية على حافة الانهيار حيث هيمن عليها منطق المحسوبية أكثر من منطق الدولة، وعملت أجهزتها الأمنية على خدمة المصالح الشخصية المتنافسة. و قد أحدث فياض قطيعة مع هذا الماضي واعتمد مبدأ الاعتماد على الذات في سعيه لاستعادة الثقة الداخلية فى فكرة الدولة وإعطاء صورة مختلفة عن السلطة الفلسطينية للعالم الخارجى.
كانت الاولوية الاولى هى استعادة القانون والنظام، الذي لم يحصل الفلسطينيون منه إلا على القليل جداً على مدى السنوات السابقة. وبلا شك فإن هذا هو انجاز الحكومة الرئيسى، حيث إستطاعت حكومة فياض تغيير الوضع تغييراً كاملاً باستخدام وسائل متنوعة منها: تفاهمات العفو التي تم الاتفاق عليها مع إسرائيل والتى هدفت لإعادة الحياة الطبيعية للمناضلين الذين أنهكتهم سنوات الإعتقال، وإدماج الميليشيات التابعة لحركة فتح، وإجراء وساطات عشائرية وعائلية، وإستخدام أساليب القوة والتهديد كما في حالة حماس. ولعل أهم شئ هو توق الفلسطينيين العاديين لاستئناف حياتهم الطبيعية بعد طول معاناة.
لقد تحسن النظام المدنى العام وتقلص نشاط الميليشيات، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في نابلس وجنين التى ركزت عليهما السلطة الفلسطينية حيث يجمع الموطنون على الإشادة بجهودها. وبرغم وجود أسئلة مشروعة حول مدى تأثر حماس بالضربة التى تلقتها وما اذا كان الهدوء الحالى هو أحد أعراض الضعف أو صورة من صور ضبط النفس الذي تمارسه حماس، فإن الإسلاميين وبدون شك قد إضطروا لتخفيض نشاطهم.
ولكن الأخبار على الصعيد الاقتصادي لم تكن في نفس المستوى، بالرغم من إحراز بعض التقدم حيث تحسنت بعض المؤشرات الاساسية فى الضفة الغربية – كنشاط السوق فى بعض القطاعات، الناتج المحلى الاجمالى، والفقر والبطالة. وركز فياض على تصحيح وضع السلطة الفلسطينية المالى، والتأكيد على ضبط الأجور، وتشجيع الاستثمار الأجنبى، وتحسين العلاقات مع الجهات المانحه، والحد من المحسوبيه.
ولكن ثمة سقف طبيعى للتحسينات الأمنية والاقتصادية، وقد يكون فياض قد إصطدم به بالفعل. فهو منذ البداية فى سباق مع الزمن على أمل أن يلحق السياق السياسى بخطواته حتى يدعم كل واحد منهما الأخر. لكن هذا لم يحدث، فالمفاوضات التى أطلقت فى أنابولس فى نوفمبر 2007 لا تبدي الكثير من علامات الحياة، بينما هناك إحتمال أن يكون رئيس الوزراء الاسرائيلى أولمرت ووزيرة الخارجية الأمريكية رايس (والاثنان يقتربان من نهاية ولايتهما) هما الوحيدان اللذان لا يزالان يؤمنان بامكانية حدوث تقدم فى 2008. كما ان تواصل الاستيطان الإسرائيلي يزيد من التشكيك في مصداقية الرئيس عباس والعملية التى راهن بسمعته عليها. ولا تثق مؤسسة الدفاع الاسرائيلى فى الأداء الأمني للسلطة الفلسطينية لإعتقادها بأن هناك فرق شاسع بين النظام والقانون من ناحية وبين القيام بحملة فعالة مضادة للارهاب من ناحية أخرى، ولذلك فهم يصرون على استمرار نشاطهم العسكرى فى الضفة الغربية، حتى أثناء الليل فى نابلس وجنين. كل ذلك يعقده إدراك أن حماس قد استطاعت، من خلال اطلاق الصواريخ، التوصل إلى هدنة لم يستطع عباس أن يحققها من خلال عروض السلام التى قدمها.
كما شاركت السلطة الفلسطينية فى أعمال التعذيب وسوء معاملة مناصرى حماس الذين تم القاء القبض عليهم واحتجازهم بدون مراعاة الاجراءات القانونية لذلك. وهناك سبب كاف لإدانة هذه الأفعال لانتهاكها حقوق الانسان، لكن هناك أيضاً تداعيات أخرى طويلة المدى: استدامة ثقافة الإفلات من العقاب، تغذية دائرة الانتقام، ودفع جيل من الشباب الاسلاميين المقاتلين لمزيد من الراديكالية.
وتستطيع السلطة الفلسطينية واسرائيل والدول المانحة بل ويجب عليهم أن يتخذوا خطوات لتحسين الوضع الأمنى والأحوال الاقتصادية اليومية والوضع المالي. لكن طالما استمر الانقسام غير الطبيعى بين الضفة الغربية وغزة، وطالما ظلت المؤسسات الديموقراطية غير قادرة على العمل بفعالية، سيكون من الصعب التخطيط من أجل تحسن مستدام على المدى الطويل والتقدم بجدية فى عملية السلام. فى ظل الظروف الراهنة، لا تستطيع الضفة الغربية أن تصبح نموذجاً مثلما لا تستطيع غزة أن تحكم على نحو فعال. ولاتزال حتمية المصالحة الوطنية الفلسطينية ملحة كما كانت فى أى وقت مضى.
وسبق أن وصف تقرير مشابه لمجموعة الأزمات الوضع فى غزة وقام بتقييم الانشقاق هناك أيضاً.
التوصيات
بالنسبة لقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله:
1. تعزيز الحملة الامنية في الضفة الغربية من خلال ما يلى:
‌أ. ‌دعم تفاهمات العفو المتفق عليها مع إسرائيل بخصوص المقاتلين الذين يسلمون أسلحتهم، وذلك من خلال سرعة دمجهم فى قوة العمل واعادة بناء منازلهم المهدمة وإعطاؤهم دعم مالى مناسب.
‌ب. ‌دعم توسيع تفاهمات العفو لتشمل جميع المقاتلين الذين يبدون استعداد لقبول شروطها، بغض النظر عن انتمائهم السياسى.
‌ج. ‌منح الشرطة المدنية الفلسطينية احتكار حق القاء القبض على الافراد.
‌د. ‌تحديد المهام، والادوار ووظيفة الاجهزه الامنية.
‌ه. ‌الطلب من النائب العام بفتح تحقيق واذا اقتضى الامر مقاضاة حالات الاحتجاز التعسفي والتعذيب وانتهاكات حقوق الانسان الاخرى؛
‌و. ‌الرد في الوقت المناسب وعلى نحو كامل على الاستفسارات التي ترد من اللجنة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان.
2. الانخراط مع الجماعات السياسية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني لتوسيع القاعده السياسية للحكومة عن طريق ما يلي:
‌أ. ‌السماح للجمعيات الخيريه والمنظمات التى لها علاقات مع حركة حماس والجماعات الاخرى بالعمل وفقا للقانون الفلسطيني.
‌ب. ‌الافراج عن الناشطين السياسيين غير المتهمين بارتكاب جرائم، وعلى وجه الخصوص الاسراع فى الافراج عن الذين تم صدور أوامر بالافراج عنهم من قبل القضاة.
3. اتخاذ خطوات من أجل تعزيز اعادة التوحيد مع قطاع غزة، من خلال:
‌أ. الشروع في اقامة حوار مع حركة حماس حول اعادة هيكلة الادارة الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة بهدف اعادة توحيد الادارة الحكومية تحت جدول واحد للمرتبات بعيداً عن التدخلات الحزبية؛
‌ب. تشجيع موظفي الادارة الحكومية في السلطة الفلسطينية وسائر موظفي القطاع العام في غزة على استئناف القيام بواجباتهم.
‌ج. مناقشة وسائل إعادة فتح معبر رفح بين غزة ومصر.
بالنسبة لحركة المقاومة الاسلامية (حماس):
4. تشجيع أعضاءها فى الضفة الغربية على التعاون مع الجهود التى يبذلها الرئيس عباس وحكومة فياض من أجل استعادة القانون والنظام.
5. البدء، وذلك كخطوه في اتجاه المصالحة، فى اقامة حوار مع الرئيس عباس وحكومة فياض بشأن اعادة هيكلة الادارة الحكومية واعادة فتح معبر رفح.
بالنسبة لحكومة اسرائيل:
6. تيسير حملة السلطة الفلسطينية لاستعادة القانون والنظام في الضفة الغربية من خلال ما يلى:
‌أ. ‌ازالة العقبات التي تعيق تدريب واعادة هيكله وتجهيز قوات الامن في السلطة الفلسطينية داخل وخارج الضفة الغربية.
‌ب. ‌السماح لقوات الامن في السلطة الفلسطينية بأخذ زمام المبادرة في المناطق التي تسلمت المسؤلية الأمنية فيها وخصوصا عن طريق زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية.
‌ج. السماح لقوات الامن الفلسطينية بالانتشار على نطاق اوسع في الضفة الغربية، لا سيما في الخليل.
‌د. ‌السماح بنقل المجرمين المتهمين وتنقل الشهود والقضاة وغيرهم من موظفي المحاكم لتحسين اداء نظام المحاكم.
‌ه. ‌وضع اجراءات منظمة، وذلك بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، للافراج عن السجناء الفلسطينيين.
‌و. ‌دعم تفاهمات العفو حتى تشمل المقاتلين الذين يسعون فى المشاركة فيها، بغض النظر عن انتمائهم السياسى، وسرعة العفو عن المقاتلين الذين يلتزمون بروح هذه التفاهمات.
‌ز. ‌تسهيل حركة البضائع والافراد بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وتونى بلير المبعوث الخاص للجنة الرباعية.
7. تيسير الجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية لتحسين الاقتصاد والحفاظ على القدرة المالية على ايفاء الديون من خلال ما يلى:
‌أ. سرعه منح التأشيرات وتسهيل وصول المستثمرين والخبراء الى الضفة الغربية.
‌ب. ضمان تدفق ايرادات التخليص على نحو يمكن التنبأ به، توفير سجل كامل يتمتع بالشفافية للمبالغ المحولة واعطاء شهرين فترة سماح قبل خصم فواتير الخدمات المستحقة.
‌ج. ‌التعاون مع السلطة الفلسطينية والدول المانحة لتطوير عملية أكثر كفاءة للموافقة على مشاريع الجهات المانحة في المنطقة (ج)؛
‌د. ‌تنفيذ مجموعة التدابير التي أعلن عنها في مايو 2008 والتى اتفقت عليها اسرائيل وتوني بلير.
8. الالتزام بالدعوة الواردة في خريطة الطريق لتجميد كل المستوطنات، بما فى ذلك النمو الطبيعى.
 
بالنسبة للجهات المانحة:
9. تقديم التزامات مالية على المدى الطويل الى السلطة الفلسطينية لتمكينها من التخطيط المتوسط الاجل والحد من سرعة تأثرها بصدمات الميزانية قصيرة الأجل.
10. تخصيص مساعدات لاعادة دمج المقاتلين السابقين تغطيها تفاهمات العفو.
11. سرعة الايفاء بالتعهدات المالية.
بالنسبة للحكومة الامريكية:
12. دمج بعثات الجنرالات دايتون وفريزر وجونز في بعثة واحدة تعمل مع الاتحاد الاوروبي والاطراف الاخرى ذات الصلة لتنسيق الجهود الامنية ورصد أعمال السلطة الفلسطينية واسرائيل في الضفة الغربية.
اما بالنسبة لأعضاء اللجنة الرباعيه (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامين العام للامم المتحدة):
13. الضغط على السلطة الفلسطينية للوفاء بالتزاماتها الامنية على النحو المحدد في خريطة الطريق وفقا للمعايير الدولية لحقوق الانسان.
14. الضغط على حكومة اسرائيل لإحترام التزاماتها تجاه خريطة الطريق لتجميد توسيع المستوطنات، وإزالة النقاط الحدودية وتسهيل التنقل.

رام الله/القدس/بروكسل، 17 تموز/يوليو 2008

 

للإطلاع على الدراسة اضغط هنا

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,523,733

عدد الزوار: 6,898,719

المتواجدون الآن: 100