التعليم المدني والديني... وشلل الفتيان الباحثين عن حياتهم وأزيائهم في بيئة محافظة

تاريخ الإضافة الأحد 20 كانون الأول 2009 - 5:33 ص    عدد الزيارات 1216    التعليقات 0

        

تلة أبي سمرا من منتزه للعائلات إلى ضاحية طرابلسية مكتظة

التعليم المدني والديني... وشلل الفتيان الباحثين عن حياتهم وأزيائهم في بيئة محافظة

\"\"

\"\"

شجر الزيتون في بساتين أبي سمراء. مستشفى أبي سمراء الصحي في حي المناظر قديماً.

\"\"
شبان في الساحة يعزفون ويرقصون.

تكثر اليوم في محلة أبي سمرا الطرابلسية المعاهد والجمعيات والمدارس الدينية. وفي الأمس كانت أبي سمرا تلة للنزهات والاقامة الصيفية لبعض عائلات المدينة الباحثة عن الهدوء، قبل تكاثر المدارس الرسمية على التلة هرباً من اكتظاظ المدينة. وفي هذا التحقيق متابعة لأحوال فتيان شلل الأحياء الجديدة الناشئة في هذه الضاحية الطرابلسية.
 

قبل ان تصير تلة أبي سمرا حياً سكنياً طرابلسياً، كانت في ما مضى فسحة للنزهات والتريض لبعض العائلات الطرابلسية، هرباً من ضيق بيوتها وحاراتها القديمة وأزقتها في الاسواق والاحياء المكتظة. في ذلك الماضي كانت التلة خضراء مطلة على المدينة وتكثر فيها بساتين الزيتون والليمون. لكن التطور العمراني في طرابلس، حوّلها منطقة سكنية تنتشر فيها المباني والمؤسسات الخدماتية من تربوية وصحية ودينية.
 

المناطر و"نيو سفيرة"

كان في أبي سمرا حي سكني قديم اسمه المناطر، استعملته عائلات طرابلسية ميسورة لقضاء ايام العطل الصيفية والشتوية، فأنشأت لذلك بيوتاً ريفية على الطراز المعماري التقليدي، وعرازيل من خشب واغصان الشجر. وكان بعض الاطباء ينصحون المرضى الطرابلسيين بأن يقيموا في المناطر طلباً للعلاج والاستشفاء والنقاهة.
الرجل الستيني المقيم اليوم في أحد مجمعات أبي سمرا السكنية المحدثة، يتذكر ان عائلته نزحت العام 1955 من منزلها على ضفة ابو علي بعد فيضانه. كان الرجل آنذاك في العقد الثاني من عمره. وفي تلك الحقبة التي اعقبت فيضان ابو علي، بدأ يتكاثف السكن في أبي سمرا مع إنشاء المدارس الرسمية، ومنها مدرسة الصلاح للبنات، والحدادين بفرعيها للبنات والصبيان، اضافة الى دار المعلمين والمعلمات، وثانوية جورج صروف الرسمية المختلطة.
في الستينات من القرن الماضي بيعت بساتين كثيرة في أبي سمرا واستثمرت اراضيها في مشاريع سكنية. وعشية الحرب الاهلية (1975) تكاثر على التلة إنشاء مراكز صحية ومعاهد تعليمية لجمعيات اسلامية رعائية وخيرية. ثم تكاثر المهاجرون والنازحون من قرى وبلدات الضنية وعكار.
في الثمانينات من القرن الماضي تزايد عدد المعاهد والمدارس الدينية، ومنها معهد الاصلاح الاسلامي، وجامعة الجنان، ومدارس الايمان الاسلامية، ومدرسة البيان، اضافة الى عدد من المعاهد الشرعية. وفي هذه المدارس والمعاهد اقسام للتعليم المهني، وجميعها تديرها جمعيات اسلامية.
تزامن انشاء المدارس الرسمية في الستينات والسبعينات، وكذلك إنشاء المعاهد الدينية في الثمانينات والتسعينات، مع عمران كثيف، فغابت كثرة من بساتين الزيتون من أبي سمرا.
الحي الذي كان يسمي "النزهة"، وفيه بيوت للمزارعين القادمين من الضنية وعكار للعمل في البساتين، سرعان ما انشئت فيه بعض بيوت العمران العشوائي، قبل أن تشيد في بعض نواحيه مجمعات سكنية حديثة، استثمر أمواله فيها النائب السابق اسعد هرموش، فأجرت بيوت هذه المجمعات أو بيعت من ساكنين جدد توافدوا الى أبي سمرا.
جهة من حي "النزهة" القديم، صار اسمها "نيو سفيرة" على اسم قرية في الضنية أقام أهلها في المجمع السكني الجديد، مع تحول أبي سمرا ضاحية مدينية تكاثر فيها السكان الطرابلسيون وغيرهم من مناطق عكار والضنية.
 

جمعيات ولباس شرعي

الجمعيات والمعاهد والمدارس الدينية الاسلامية في أبي سمرا، ممولة من دول الخليج والمملكة العربية السعودية وبعضها من الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ومع تكاثر محال الالبسة الشبابية (المجاورة لمحال الالبسة الشرعية الموجودة بوفرة في حارات وازقة أبي سمرا) صارت الموضة في متناول كل شباب وصبايا الضاحية الطرابلسية الجديدة. إنهم يفضلون ارتداء البسة "جاك اند جونز" في "ستايلها الاميركي"، والبسة "بوسّيني" (الايطالية) وانتعال احذية "تمبرلند" و"نايكي" و"اديداس". يشترون هذا كله من اسواق شارع عزمي والميناء والمطران في طرابلس، لان هذه الالبسة لا قيود عليها كما في محال الالبسة في منطقتهم التي يندر فيها بيع كل ما هو غير محتشم. وقد يظهر بعض شباب المعاهد الشرعية بالبسة حديثة وعصرية. وهذه ابرز ظاهرة تشهدها منطقة أبي سمرا اليوم.
 

شبان "قعدة البنك"

في الصورة المنشورة مع هذا التحقيق عن أبي سمرا، يبرز زمنان اثنان منقطعان تماماً: زمن البيوت الريفية القديمة الطراز المعماري بين البساتين، وزمن فتيان احياء الضواحي الباحثين عن حيز ما لتجمعهم وحياتهم. زمن ا لبيوت والبساتين ولى عهده، ولم يبق منه سوى الصور. أما صور الفتيان فهي لزمن ضاحية أبي سمرا الراهنة.
يفرد "سامو" (لقبه بين اصدقائه) الشاب العشريني، رجليه على درجات صغيرة وواطئة امام مصرف "لبنان والمهجر" في ساحة الضناوي. إنه ينتظر قدوم اصدقائه من الشلة. يتسامرون ويتحدثون عن يومياتهم التي يقضونها بين جدران المدارس والجامعات او في دوامات العمل وحوادثها العادية. يتسلون بارتشاف قهوة من عند "القهوجي" محسن، المفضل لديهم. يطلب "سامو" كوباً من القهوة المرّة من صاحب "بسطة القهوة". بعد بضع دقائق يطل جمع من الشبان المراهقين يرتدون ثياباً حديثة.
المشهد ليس مألوفاً في أبي سمرا المعروفة بتدينها. قصّات شعر غريبة وبعضها عادية، اما الشعر الطويل فتخفيه قبعات صغيرة او "فولارات" ملونة. يرتدي الشبان سراويل بعضها فضفاض، وبعضها الآخر ضيق.
فتيان يأتون من مختلف أحياء أبي سمرا، بعضهم من حارة الزيتون وساحة الشراع (حيث مركز للجماعة الاسلامية وآخر لحزب التحرير) ومن شارع التوحيد (مركز حركة التوحيد الاسلامي) وشارع حسون، (اسم عائلة يتكاثر أبناؤها في الشارع)، وبعضهم الآخر من شارع التدريب (مدرسة التدريب للبنات) والحاووز. لا يهم من أي شارع يأتون، المهم ان يكون الشاب عضوا في الزمرة، حيث يجتمعون كل مساء مشكّلين حالة خاصة في منطقة يعتاد أهلها النوم باكرا، فيما الشبان يحبون السهر وليس من مكان أفضل من "قعدة البنك" على ما يقول أحدهم، واصفاً جلساتهم المسائية "المضجرة والوحيدة المتاحة لنا". فقعدتهم على درج مصرف لبنان المهجر، دليل الى ندرة المقاهي الشبابية الرخيصة في أبي سمرا. هنا يجلسون ولا يضطرون الى دفع شيء سوى ثمن فنجان قهوة (250 ليرة) وعلبة تبغ رخيصة.  واللافت في هذه الجلسة هو وجود شبان متدينين قرب شلة "البنك" يتحدثون بأصوات خفيضة، ونظراتهم الشاحبة تراقب كل شيء. ويشق هدوء المكان وبلادته صوت أنشودة للاطفال من إحدى طبقات البناية من قناة "طيور الجنة" الدينية التلفزيونية.
شلة "البنك" (التي اشتهرت بذلك) لا يقبل أفرادها ذكر اسمائهم، بل يفضلون تسمياتهم وألقابهم التي يتداولونها في ما بينهم والمشهورون بها. شلة تعبر عن نفسها بحداثة اللباس وتعاني من نمطية الحياة في المنطقة وفراغها، ومحافظة جماعاتها المتدينة. لا يمنعهم انفتاحهم من اتخاذ شبان من الجماعات السلفية وغير السلفية الملتزمة والمنتمية الى معاهد شرعية وجامعات اسلامية، اصدقاء لهم، "فنحن في النهاية أبناء منطقة واحدة" على ما يقول أحدهم.
 

الهروب من المحافظة

على الرغم من أن بعض شبان الجماعات الاسلامية المتشددة "يعتبروننا كفرة ويهاجموننا"، على ما يقول "بوب" الذي ينتمي الى "تيار المردة"، مؤكدا "لا استطيع اعلان انتمائي لأن هذا التيار بالنسبة لأهالي ومجتمع أبي سمرا يُعتبر "تياراً معادياً"، خصوصاً بعد ما حصل أثناء الحرب الاهلية، ونظراً لقرب زغرتا المسيحية، الحاضن الاساس لـ"تيار المردة"، من رابية أبي سمرا الاسلامية.
قصة "ميمو" المنتمي الى الحزب الشيوعي والى فكر اليسار خير دليل الى ضيق الحياة الشبابية في المنطقة. يقول "ولدت في أبي سمرا ونشأت فيها. تعلمت في مدرسة اليازجي الرسمية. كان استاذ حصة الدين يضربني فكرهته. اتجهت الى مصاحبة أصدقاء من الحزب الشيوعي وانتميت اليهم. وصرت أؤمن بأفكارهم رغم انني لم أكن استطيع إظهار ذلك في بيئتي. تركت شعري يطول فصار رفاقي وأصحابي  يسخرون مني في منطقتي. وضعت أقراطاً (برسينغ) في أذني وحاجبي وربيت سكسوكة".
شبان يفاخرون في اعلان رجولتهم المبكرة. لا تعجبهم مقاهي حيّهم. لأن جو الاحتشام يطغى عليها. يفضلون المقاهي المختلطة في شارعي رياض الصلح والضم والفرز في طرابلس. يقولون ان اجواءها "أجواء فرح وتسلية وحماس للحياة ولهوها". لماذا لا يرتادون مقاهي أبي سمرا؟ أحدهم يقول بعصبية وحزم "لأن الشباب بدها حريم". يضحك الحاضرون. انها الحقيقة. فهم يبحثون كباقي الشباب في سنهم عن أماكن يستطيعون فيها أن يختلطوا بالفتيات.
أبرز المقاهي الموجودة في أبي سمرا هي "مزاج كافيه" المقابل لمركز مسلحي حركة "جند الله" السلفية التابعة للشيخ كنعان ناجي. ومقهى "لا يمل" على طريق المنار، ومقهى النابلسي الشعبي الذي يلعب فيه الشبان ورق"الشدّة". كلها مقاهي بعيدة من جو الشباب المنفتح. فيمقتها شباب الحداثة ويشمئزون من جلساتها المضجرة والكامدة.
 

سوبر ماركت الفلوجة و"دريم نت"

في أبي سمرا محال اسماؤها ذات رموز ودلالات اسلامية وجهادية. فهناك مكتبات تسمياتها اسلامية كمكتبة "السلام" ومكتبة "الايمان" وغيرهما من المكتبات التي يملكها رجال ملتحون ومتدينون. المجلات التي تبيعها هذه المكتبات، هي "رابطة طلاب المسلمين" و"احمد" للصغار. اما من الصيدليات فهناك صيدلية "الايمان" و"الشفاء" وغيرها طابعها اسلامي. يقول "مو": "تجد داخل هذه الصيدليات نساء منقبات ومخمرات يبعن الادوية بحذر وخفر وحياء. وهناك سوبر ماركت "الفلوجة" (حي عراقي اشتهر في الاعلام أثناء غزو العراق)، وسناك"الداعي" وسوبر ماركت"الرضا"، وأعمدة انارة الشوارع كلها معلق عليها رايات اسلامية سوداء وآيات قرآنية وأحاديث نبوية. لكن هناك أسماء غربية أخذت تجتاح لافتات محال الألبسة والانترنت. فمن "دريم نت" الى"لا في ان روز" الى غيرها من التسميات. تحوم حولها جدالات طويلة لانها "ثقافة كافرة" بالنسبة لبعض الجماعات الاسلامية النافذة في أحياء أبي سمرا.
 

مقهى أنترنت شرعي

في شارع "عمرو" (نسبة الى سناك"عمرو") يوجد مقهى انترنت اسمه "صبايا دوت نت" للفتيات فقط. مقهى انترنت شرعي تقصده الصبايا المحجبات. افتتح المقهى حديثا. "انه تعبير صريح عن حداثة وتطور لكن ضمن ضوابط والتزامات دينية"، يقول أحد مشايخ الحي. رانيا حمزة (صحافية تعمل في صحيفة محلية وتسكن في  أبي سمرا) تصف المقهى بـ"مسرحية كاذبة تمثل فيه الفتيات دوراً وتردن ان يؤكدن انهن ملتزمات". رانيا تملك محلا للانترنت الى جانب مكتبة السلام يدعى "اراكسي نت" (اسم جدتها التركية ويعني العطاء) "انه مقهى يقصده شباب وفتيات أبي سمرا".
تتحدث رانيا عن معاناتها في بيئة المنطقة التي ترى في عمل الفتاة خروجاً عن تعاليم التدين. تضيف "يجب أن نعمل نحن الفتيات كمدرسات فقط ولا يجوز غير ذلك وفق رأيهم. عندما أعود متاخرة ليلاً كل الشباب ينظرون إليّ نظرة فيها الكثير من الشك. إنه كابوس العيش  في أبي سمرا".
 

جامعة متدينة

في إحدى جامعات أبي سمرا الاسلامية، تقف زمرة من الملتحين في باحة الملعب الخارجي. يمسكون بأياديهم مصاحف وكتباً دينية في أصول الفقه والشريعة. هم طلاب كلية الشريعة في الجامعة الملتزمة التي يمنع فيها اللباس المحدث ويقتصر على ارتداء ألبسة محتشمة.  هناك ايضاً فتيات في غالبيتهن محجبات، تقفن في زوايا الملعب تنظرن الى الشباب من أطراف عيونهن بحياء. وحين تلقي عليهن التحية تبقين صامتات وتمشين بعيداً. صور لعلماء دين وملصقات جهادية وأخرى لنصرة المسلمين وأهالي غزة وأطفال فلسطين تزين جدران الجامعة.
وفي بعض شوارع أبي سمرا وأحيائها تتكاثر رايات سود وخضر مخطوطة عليها عبارة "لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله".
 

صهيب ايوب      

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,175,100

عدد الزوار: 6,758,947

المتواجدون الآن: 121