أمر واقع.. فرضته القوى المطالبة بتدارك أخطاره.."النظام من الإيمان"

تاريخ الإضافة السبت 2 كانون الثاني 2010 - 8:48 ص    عدد الزيارات 1190    التعليقات 0

        

حسن عبّاس ، الاربعاء 18 تشرين الثاني 2009
\"\"
 
\"\"
 

\"\"

... الحملة بدأت منذ بعض الوقت، لكن الإعلان عنها تم في التاسع من الشهر الجاري، في مؤتمر اقيم في "قاعة الجنان" على طريق المطار قال في خلاله رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد ان الحملة "بادرة وطنية مسؤولة لتعزيز اللحمة بين النظام العام والمواطنين".

هذا جزء من الإعلام المرافق لحملة "النظام من الإيمان" التي أطلقها "حزب الله" في محاولة لبث ثقافة الالتزام بالنظام بين أبناء ضواحي بيروت الجنوبية. الحملة تنظم باسم جمعية "قيم".. أما برنامجها المتكامل فهو يشمل بحسب "وحدة العلاقات الإعلامية" في "حزب الله"، تنظيم ورش وندوات ومحاضرات ولقاءات حوارية، إلى حملة إعلامية واسعة، برامج ترويجية عبر وسائل الإعلام، برامج ميدانية حول احترام قوانين السير، حملة تشجير، حملات نظافة، إصدارات ثقافية، عروض مسرحية، حملة لتنسيق الإعلانات الشعبية في الطرقات العامة، برامج توعية في المدارس والجامعات، العمل على إزالة الركام والردميات والسيارات المهملة من الطرقات، وتحرير الأرصفة والطرقات والساحات العامة، إضافة الى تأمين مواقف عامة للسيارات بالإستفادة من المساحات غير المبنية.

\"\"

لقد عمل "حزب الله" منذ سيطرته على ضواحي بيروت الجنوبية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، على خلق شبكة أمنية ذاتية بعيداً عن اجهزة الدولة الشرعية، لا بل على حسابها بشكل عام. في البداية، كان يتهم النظام اللبناني بالكفر، وفي ما بعد تخلى عن حدّة شعاراته تلك مع الإبقاء على جوهر سياسته التي تهدف الى السيطرة الذاتية على مناطق نفوذه مع استبعاد الأجهزة الأمنية الشرعية عنها تحت ذريعة "أمن المقاومة".

بعد حرب تموز 2006 اطلق الحزب حملة اتهامات ضد جهاز الامن الداخلي مستغلاً حادثة ثكنة مرجعيون التي جرت اثناء الحرب، ليعبّئ قواعده ضد هذا الجهاز محاولاً تجريده من وطنيته. وفيما بعد هاجم بشراسة أشدّ "فرع المعلومات" متهماً إياه بالعمل على تحقيق أهداف خارجية تمس "أمن المقاومة".

لكن "حزب الله" الذي أقفل مناطق نفوذه أمام الدولة وأجهزتها، لم يلبث أن راح يفقد تدريجياً سيطرته على أرض الواقع، وباتت سياسته التي تستبعد أجهزة الأمن الشرعية عن مناطق نفوذه ترتدّ عليه. لم يعد قادراً على الحفاظ على الانتظام العام من دون خسارة جزء كبير من قواعده الشعبية التي اغراها ضعف حضور الدولة في مناطقها، فخرجت على كل القوانين والأنظمة اللبنانية. والواضح أن استبعاد "حزب الله" للدولة عن ضواحي بيروت الجنوبية، وحَدّه من صلاحيات اجهزتها الأمنية، غذّى حالة الفوضى التي تعيشها هذه الضواحي وأتاح لها أن تتفاقم بشكل كبير، تحوّلت معه نقاط كثيرة في بعض مناطق الضاحية إلى أوكار للخارجين على القانون من القتلة واللصوص والمهرّبين ومغتصبي الأملاك، من خاصة وعامة. وفيما واصل الحزب التزام سياسة "التطنيش" وصمّ الآذان عن صرخات التذمر والاستنكار التي يطلقها ناس الضاحية حيال حالة الفوضى العامة، والاتهامات التي تساق، ولو مداورة أحياناً، ضد الحزب نفسه، باعتباره القوة الأساسية (شبه الوحيدة) المسيطرة والحاكمة بأمرها والتي يظن الناس أن لا شيء يجري من دون مباركتها أو غضّها النظر على الأقل، جاءت جريمة قتل الشاب جورج ابو ماضي في عين الرمانة، والذي تبيّن أنه منتظم في صفوف الحليف المسيحي الأهم للحزب (التيار الوطني الحرّ)، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وسرعان ما "اكتشف" الحزب أنه لم يعد  قادراً على الصمت وإدارة الأذن "الطرشاء"، ولا قادراً وحده على توفير الحدّ الأدنى من الانتظام العام، خاصة وان صورته كانت قد اهتزّت بعد فضائح التعويضات عن المنازل التي دمرتها اسرائيل اثناء حرب تموز 2006 وانتشار مظاهر البذخ والسيارات الحديثة الرباعية الدفع بين المقربين منه وزوجاتهم، ثم بعد ذلك، ما كشفت عنه فضيحة إفلاس صلاح عزّ الدين من أموال هائلة لمحازبين كانوا يستثمرونها معه، وقد قام كثيرون منهم برفع دعاوى قضائية ضده بعد الحديث عن إفلاسه. كل ذلك جاء ليُنضج الظروف أمام ما سمّاه حزب الله "حملة النظام من الإيمان" التي أطلقها بهدف أن تعمل أجهزة الدولة على تنظيف ما تسبب الحزب به.

\"\"

أتت بوادر هذه الحملة مع الجولة المشتركة التي قام بها وفد من "حزب الله" ضم النائب علي عمار ورئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد الخنساء ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا، ووفد من القوى الامنية ضم مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي وقائد الدرك العميد انطوان شكور وقائد الشرطة القضائية العميد انور يحيى في السابع والعشرين من الشهر الفائت. وقد تباحث الوفدان في أمور السير وسبل تعزيز الأمن الاجتماعي ومؤازرة قوى الأمن الداخلي للبلديات أثناء قيامها بواجباتها في تنظيم الأوضاع وضبط المخالفات وإزالتها.

وفي بداية الشهر الجاري، زار النائب علي عمار مع الوفد السابق نفسه، وزير الداخلية زياد بارود وشرح له اهداف الحملة. ولفت في الزيارة المصطلحات الواردة في تصريح للنائب عمار، والتي تعتبر جديدة على قاموس مصطلحات الحزب السياسية، كـ"ضرورة بسط الدولة سيطرتها، وتعزيز الأمن في الضاحية". وهكذا بات "حزب الله" بحاجة للدولة من أجل الحدّ من الفوضى التي كان الحزب من مسببيها باستبعاده الدولة عن مناطقه.

\"\"

يتحدث مصدر مواكب للتحضيرات القائمة من أجل تعزيز الأمن الاجتماعي في ضواحي بيروت الجنوبية عن جوانب عديدة لحملة "النظام من الإيمان". وهو يشير الى تشكّي عدد كبير من أهالي هذه الضواحي، ومنذ وقت بعيد، من حالة الانفلات الأمني  ومن التعديات الحاصلة على الانتظام العام لحياة المواطنين اليومية. ويقول إن هذه الشكاوى تصل منذ وقت طويل الى مسمع رئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر الأهالي مباشرة، والى مسمع السيد حسن نصر الله عبر بعض القياديين المحيطين به، إنما من دون أن تثمر ما يتمنى الناس أن تثمره من قرارات وإجراءات ومتابعات.

وأكثر ما يقلق الأهالي ويثير امتعاضهم هو مجموعات الشبّان التي تسيطر على حركة الشوارع، ولا تتوقف عن إقلاق راحة الناس بوسائل مختلفة. هذه المجموعات ليست من نمط واحد، بل تتخذ أشكالاً مختلفة، ودرجات آثارها السلبية على السكان تختلف باختلاف طبيعة هذه المجموعات وطبيعة الخلل الذي تحدثه في الانتظام العام. وقد أدى التفلت الحاصل الى تدهور حالة الأمن الاجتماعي ما شكّل الخلفية لتوجّه "حزب الله" نحو سبل جديدة لإعادة السيطرة على الوضع، وعدم السماح له بالتفاقم كي لا تنعكس الآثار السلبية على الجميع.

\"\"

تنتشر في ضواحي بيروت الجنوبية مجموعات من الشباب العاطلين من العمل والذين يقضون معظم اوقاتهم في الشوارع والأزقة. تضاف إليهم مجموعات أخرى من الشباب العاملين، والذين يقضون بدورهم معظم اوقات فراغهم على جوانب الطرقات، لأسباب متعددة يأتي على رأسها العامل الاقتصادي الذي يمنعهم من ارتياد المقاهي دورياً. وبعضهم يبدأ بعض سهراته في المقاهي الشعبية ويكملها على جوانب الأزقة.

يفترش هؤلاء الشباب نواصي الطرقات ويتحلقون أحياناً كثيرة حول نراجيلهم او يكتفون بالوقوف ساعات عدّة يتبادلون خلالها الصراخ والشتائم، وتنتشر بين أكثرية هذه الحلقات مجموعات دأبها إحداث الفوضى وتبادل العبارات النابية والتحرش اللفظي بالصبايا اللواتي يمررن بالقرب منهم.

ترتبط ممارسات هذه المجموعات المخلة بالانتظام العام بإشكالات دورية تقع بينهم وبين آخرين على خلفية ممارساتهم المزعجة التي تمتد احياناً الى الساعة الثالثة او الرابعة بعد منتصف الليل.

وتمتعض العائلات القاطنة في الضواحي الجنوبية من ممارسات هذه الشلل التي تمنع النوم عن الاطفال والدراسة عن التلامذة والطلاب. قد باتت هذه الظاهرة شديدة الإزعاج خصوصاً انه لا مجال للتفاهم مع هذه المجموعات التي لا يتوانى أعضاؤها أو "زعيمها" عن شتم المعترضين على الفوضى الناتجة منهم والتلاسن معهم من دون اعتبار لسنّهم أو لجنسهم.

\"\"\"\"

باتت بعض المجموعات الشبابية المنتشرة في ضواحي بيروت الجنوبية متفلتة من أي تأثير سياسي عليها. لم تعد القوى السياسية المسيطرة قادرة على ضبط جميع تصرفاتها النابعة من غرائزيتها الطائفية التي غذّتها قوى الأمر الواقع نفسها، قبل ان تبدأ بالشكوى من تفلتها، وذلك خلال فترة الاحتقان السياسي السائد في لبنان منذ سنوات عدّة.

كانت هذه المجموعات مفيدة خلال فترة الإعتصامات وقطع الطرقات والإشكالات المتنقلة لأنها أثبتت حضور قوى الأمر الواقع على الأرض، ولكنها الآن باتت عبئاً عليها.. فرمي همّ التخلّص منها على عاتق الدولة.

تخشى القوى المسيطرة جدّياً من تكرار حوادث كتلك التي ادت مؤخراً الى مقتل الشاب جورج ابو ماضي في محلة عين الرمانة. ومن البديهي أن تؤدي هكذا حوادث الى طرح فعالية "وثيقة التفاهم" التي وقعها "حزب الله" مع "التيار الوطني الحرّ" للتساؤل حول جدواها العملية، بخاصة وان الدعاية السياسية لها تدّعي أنها ساهمت في إزالة التوتر الطائفي بين أنصار الطرفين الموقعين عليها.

المشكلة التي تواجهها هذه القوى تكمن في شعور مجموعات عدّة بأن تصرّفاتها مغطاة سياسياً كما كان يحصل في إشكالات سابقة طبعت الصراع السياسي المحتدم منذ سنوات. وبات علاج هذه الأزمة يتطلب تدخّل الدولة.

بات "حزب الله" يشعر ان الخطوات المنفردة التي اتخذها بهدف تسيير شؤون المواطنين في بعض المجالات، كحركة السير ينعكس عليه سلباً. وبات يشعر، بعد خبرة عملية، بفداحة الوجه السلبي لـ"الانضباط" الذي ينشره على مفترقات الطرقات، والذي يهدد الأمن. أراد ممارسة دور شرطة السير، فانعكس تعديه على دور الأجهزة الشرعية عليه. ففي التاسع والعشرين من الشهر الفائت حدث إشكال، كاد ان يتطور، على مفترق الطرق المؤدي الى مسجد القائم، على خلفية تلاسن شاب من "أمل" مع عنصر انضباط تابع لـ"حزب الله"، وضرب الأول التابع لـ"أمل"  للثاني التابع لـ"حزب الله". هذا الإشكال الذي أدى الى استنفار شباب الجهتين من دون أوامر حزبية، وكاد الأمر ان يتطور لولا القرار المركزي الذي صدر عن قيادتي الطرفين في اللحظات الأخيرة.

التوتر بين شباب "حزب الله" و"أمل" يقلق كلا الطرفين خصوصاً وان إشكالاً آخر حصل بين شباب الطرفين في محلّة الشياح، قبل ثلاثة ايام من الإشكال السابق ذكره، وأدّى الى وقوع ثلاثة جرحى.

\"\"

جزء أساسي من خطاب السيد نصرالله الأخير خصصه لآفة المخدرات. وهذا بحد ذاته صرخة إنذار تشير إلى مبلغ السوء الذي بلغه الوضع في الضاحية في هذا الإطار.

فالمعروف أن تجارة المخدرات وتعاطيها باتتا تنتشران في بعض ضواحي بيروت الجنوبية على نطاق واسع، ما أصبح يشكّل خطراً جاثماً وعبئاً ثقيلاً على قوى الأمر الواقع، خصوصاً وأن محاولات إيقافها باتت تتسبب بمناوشات مسلّحة مع العصابات القائمة بهذه الأفعال المخلة بالأمن. وانتشار تعاطي المخدرات عموماً بين العديد من المجموعات الشبابية يدفعها الى الإخلال بالامن وتهديد سلامة المواطنين. ويخشى "حزب الله" من اختراق العملاء هذه الأوساط التي تعتبر أرضاً خصبة لانتشار العمالة.

لم تعد قوى الأمر الواقع تحتمل هذه المجموعات الشبابية، فقامت أخيراً بتطهير بنيانها التنظيمي من عدد كبير من هؤلاء وسحب الغطاء السياسي بالكامل عنهم، ما يفسح المجال كاملاً امام القوى الامنية الشرعية لإيقافهم ومحاكمتهم. كما أنها اتخذت قراراً بالتعاون مع القوى الأمنية اللبنانية تجسد أخيراً بقرارها رفض المطالبة باستعادة أيّ دراجة نارية يتم احتجازها من قبل القوى الأمنية الرسمية، وإن كانت بعض المعلومات تفيد أنها لا تزال تطالب بقطع السلاح المصادرة. لقد انتشر تعاطي المخدرات وحبوب الأعصاب بين الشباب المنتمين الى قوى الأمر الواقع نفسها، وباتت هذه القوى تطالب الدولة بمساعدتها على تطهير بيئة أجهزتها الحزبية.

من ناحية أخرى تواجه قوى الأمر الواقع أزمة تتفاقم باستمرار مع اصحاب الفانات الذين باتوا يشكلون عصابات غبر ملتزمة لا بالقانون ولا بوصاية هذه القوى. ويصعب التعامل مع سائقي هذه الفانات من دون تدخل أجهزة الدولة المعنية، نظراً لامتداداتهم العشائرية التي تمنع الاحتكاك بهم، والتي تؤثر على ولاء العشائر للقوى السياسية المسيطرة في حالة المواجهة. لقد استفاد اصحاب الفانات من غياب الدولة من جهة، ومن حرص قوى الأمن على إرضائهم من الجهة الأخرى، ليمارسوا كل انواع المخالفات القانونية في ضواحي بيروت الجنوبية. والمشكلة مع العشائر تتعدى الفانات، فهي أيضًا تمنع قوى الأمن الداخلي من التدخل لإزالة التعديات على شبكة الكهرباء في مناطق عدّة.

\"\"

يبقى النقاش قائماً حول مدى تدخل أجهزة الدولة الشرعية في ضواحي بيروت الجنوبية. فهناك توجه تقول بعض أوساط "أمل" أنها تدعمه ويدعو الى فتح المجال كاملاً، حتى من دون تنسيق مسبق، أمام عمل جهاز التحرّي وأمام المداهمات التي من الممكن ان تحصل. إلا ان حدود التدخل الواجب لا تزال قيد النقاش قي أوساط "حزب الله"، فبعضها يصرّ على ضرورة الاستمرار على الشكل الحالي الذي يفرض التنسيق المسبق بين أجهزة الدولة وقوى الأمر الواقع، لأنها تعتبر أن هذه الضواحي مناطق حساسة بالنسبة لموضوع أمن المقاومة... وقبل فترة نفذ "حزب الله" عملية مداهمة ضدّ عصابة تتاجر بالمخدرات في بئر العبد، وسلّم افراد العصابة للأجهزة الشرعية المعنية.

الآن يطلب "حزب الله" توجهاً أكثر حزماً من القوى الامنية اللبنانية، وفق منهج ثابت تقوم وفقه قوى الأمن الداخلي بمهماتها بشكل حاسم.. بعد التنسيق مع القوى السياسية المسيطرة.

\"\"
\"\"

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,153,167

عدد الزوار: 6,757,485

المتواجدون الآن: 149