تركيا وإسرائيل... تقارب أم تباعد؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 كانون الثاني 2010 - 3:14 م    عدد الزيارات 1041    التعليقات 0

        

العدد 243، 23 يناير 2010
تركيا وإسرائيل... تقارب أم تباعد؟ تقرير واشنطن

شهدت العلاقات التركية ـ الإسرائيلية حالة من التقارب خلال العقود الأخيرة، فعلى مدار تلك السنوات كانت المصلحة هي الركيزة الأساسية لهذه العلاقات فتركيا من ناحية تبنت النهج العلماني وحاولت التخلص من إرث الإمبراطورية العثمانية ومن ثم اختارت طريق الاتحاد الأوروبي ومحاولة الانضمام له ووجدت في العلاقات مع إسرائيل ما يمكن أن يمثل جسرًا لها للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومن ناحية أخرى حاولت إسرائيل استخدام تحالفها مع تركيا كفزاعة في مواجهة الدول العربية وخاصة سوريا والعراق التي لطالما كانت علاقاتهما متوترة مع تركيا.

ولكن دخلت هذه العلاقات في الآونة الأخيرة منعطفًا جديدًا يغلب عليه حالة من التوتر وعدم الثقة لاسيما عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال شهري ديسمبر 2008 ويناير 2009 وهو ما أكد عليه الخبير المتخصص في شئون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية ستيفن أ . كوك Steven A. Cook في مقابلة أجراها معه "برنارد جويرتزمانBernard Gwertzman"، المحرر الاستشاري بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، حيث أعتبر أن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت البداية الحقيقة للتوتر الذي شهدته العلاقات التركية ـ الإسرائيلية. وانتقد في الوقت ذاته ربط رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تحسين العلاقات مع إسرائيل بتحسن ظروف الفلسطينيين في قطاع غزة. وفيما يلي نص الحوار الذي تم نشره على الموقع الإلكتروني للمجلس.

كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وذلك عام 1949 وقد شهدت علاقة الدولتين حالة من التقارب خلال السنوات الأخيرة، ولكن ما الذي طرأ خلال الآونة الأخيرة وأدى إلى توتر في علاقات الدولتين؟

تعد عملية الرصاص المصبوب الإسرائيلية على قطاع غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009 العامل الرئيس في التوتر الذي تشهده العلاقات التركية ـ الإسرائيلية في الوقت الجاري، فقد أثارت هذه العملية غضب الحكومة التركية لأنها جاءت في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت لأنقرة وهى الزيارة التي ركزت على البحث في عملية السلام السورية ـ الإسرائيلية عبر الوساطة التركية وتحت رعاية رئيس الوزراء التركي. وعلى الرغم من ذلك فإن أولمرت لم يبلغ أردوغان لدى رحيله عن فحوى عملية الرصاص المصبوب والنية الإسرائيلية للقيام بمثل هذه العمل العسكري على قطاع غزة، الأمر الذي اعتبره أردوغان إحراجًا وإهانة كبيرة له ولتركيا. واعتبرت أنقرة أن هذه العملية مبالغ فيها وتعد ردًّا غير متناسب على الهجمات الصاروخية التي تعاني منها إسرائيل.

وعلى الرغم مما توصف به العلاقات بين الدولتين قبل هذه التطورات بأنها علاقات جيدة فقد كانت تلوح في الأفق بعض المشكلات ومظاهر التوتر التي بدت بشكل جلي إبان الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005 حيث اعتبر أردوغان أن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة آنذاك "إرهاب دولة"، وتجاوزت الدولتان هذه الأزمة من خلال زيارة رئيس وزراء التركي لإسرائيل والتوقيع على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات المشتركة والاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون Ariel Sharon وكان من المقرر لشارون أن يزور تركيا فيما بعد لولا الأزمة الصحية التي تعرض لها وراح على أثرها في غيبوبة منذ يناير 2006 .

ونخلص من ذلك إلى القول بأن عملية الرصاص المصبوب في قطاع غزة والحرج الشديد الذي تعرض له رئيس الوزراء التركي أردوغان هي القضية الرئيسة التي تسببت في التوتر التركي الإسرائيلي.

في رأيك، لماذا لم يخبر أولمرت رئيس الوزراء التركي بأمر العملية العسكرية؟ هل لأن هذا سر من أسرار الدولة، أم ماذا؟

لقد شهد التاريخ عديدًا من التجارب السابقة التي تثبت أن الإسرائيليين عادة ما يحتفظون بسرية مثل هذه العمليات فلو عدنا بالتاريخ إلى شهر سبتمبر 2007 عندما دمرت إسرائيل المنشأة النووية المزعومة في سوريا سنجد أن القيادة الإسرائيلية التزمت الصمت والهدوء تجاه هذه العملية ولم يصرحوا بأي كلمة وهو ما يعد أمرًا عاديًا بالنسبة لدولة يمكن أن تتسرب فيها المعلومات بشكل سريع، وهناك شغف إعلامي داخلي وخارجي بقضاياها ولكن الأتراك من جانبهم شعروا أن هذا الأمر إهانة وإحراج لهم.

وفى هذا الصدد كانت تهيمن على الساحة التركية قضيتان رئيسيتان في ذلك الوقت، القضية الأولى استعداد رئيس الوزراء التركي أردوغان للانتخابات المحلية حيث كان الحزب الحاكم على وشك خوض الانتخابات المحلية وفى مثل هذه الظروف يمكن للمعارضة استغلال هذه العلاقة بين أردوغان وأولمرت لصالحها. وكما نعلم فإن توجيه الانتقادات لإسرائيل يمكن أن يكون أمرًا مربحًا من الناحية السياسية في تركيا. وبالتالي فقد كان الهم الرئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم ألا تبدو صورة أردوغان كما لو كان متواطئًا مع الإسرائيليين في حربهم على غزة أو أنه ضعيف لدرجة أنه لا يستطيع منع الإسرائيليين من القيام بهذا العمل العسكري.

وكانت قضية تحسين العلاقات التركية مع العالم العربي وممارسة المزيد من التأثير والنفوذ في المنطقة العربية هي القضية الثانية محور الاهتمام، ومرة ثانية حاول أردوغان وحزب العدالة والتنمية أن يبعد عن نفسه تهمة التواطؤ مع الإسرائيليين.

تزامنت عملية الرصاص المصبوب مع الوساطة التي يجريها الأتراك بين سوريا وإسرائيل، فهل أحرز الأتراك تقدم يذكر في هذا المضمار؟

شهدت زيارة أولمرت لأنقرة جولة من المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية بوساطة تركية حيث كانت تجرى المفاوضات في إحدى الغرف بمقر رئيس الوزراء التركي في الوقت الذي كان يجري فيه أردوغان اتصالات بالرئيس السوري بشار الأسد استمرت ساعات طويلة تم خلالها الاطلاع على عديد من التقارير. وقد ساهمت هذه الاتصالات في التقريب بين الطرفين السوري والإسرائيلي ولا يمكن إغفال أن الأتراك قاموا بدور كبير في الوساطة وأداروا المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين بشكل ناجح خلال عام 2008 ولكن بمجرد أن بدأ الهجوم الإسرائيلي على غزة توقفت هذه المفاوضات.

أجريت انتخابات عامة في إسرائيل خلال شهر يناير الماضي(2009) وأسفرت عن تشكيل حكومة إسرائيلية بزعامة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو إبان شهر مارس من العام ذاته، وعلى الرغم من ذلك فلم نلحظ تحسنًا في علاقات الدولتين أليس كذلك؟

اتفق معك أن العلاقات بين الدولتين لم يطرأ عليها تحسن ملحوظ وخاصة أن الأتراك أكدوا أن هذه العلاقات ستظل كما هي ما لم تتحسن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وتوقف إسرائيل حصارها للقطاع وأضاف الأتراك في الوقت الجاري على هذه الشروط ضرورة إيقاف بناء المستوطنات. واعتمادًا على ذلك فإن الدولتين لم تتجاوزا الجفاء والتوتر في العلاقة بينهما بل واستمرت عدم الثقة المتبادلة بينهما وكان لوسائل الإعلام في كلا الدولتين دورها في هذه الأزمة حيث غذت من المشكلات بين الحكومتين.

في هذا السياق المتشابك لم تتمكن حكومة نتنياهو والحكومة التركية من إصلاح ما فسد في العلاقات مع الاعتراف بأن العلاقات المؤسسية بينهما لا تزل مستمرة فلو تحدثت للدبلوماسيين الأتراك والإسرائيليين فلن تجد هناك اختلافًا أو تغيرًا في طريقة التعامل بينهما ولكن من الواضح أن الخطاب العلني المتبادل يحمل في طياته إشارات واضحة للتدهور الحادث في العلاقات بين الدولتين منذ ما يقرب من عامين.

ونحن نتحدث عن التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية لا يمكن أن نغفل ما حدث في منتدى دافوس والأزمة التي نشبت بين الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وأردوغان.

هذا صحيح فقد كان المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس (يناير 2009) بمنزلة تعبير فعلي عن التوتر الذي تعاني منها علاقات الدولتين حيث شهد المنتدى مشادة كلامية وتصعيدًا بين الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ورئيس الوزراء التركي أردوغان الأمر الذي انتهى بانسحاب أردوغان من الجلسة وتركه لقاعة الاجتماعات. وعقب هذه الأزمة حاول دبلوماسيو الدولتين القيام بكل ما يمكن فعله لرأب الصدع في العلاقات وتجاوز هذه الأزمة، ولكن من جديد خيمت على علاقة الدولتين حالة من عدم الثقة وتزايد الانتقاد العلني من جانب أردوغان لإسرائيل منذ ذلك الوقت وبدء ينتهز الفرص لتوجيه الانتقادات للسياسات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ومؤخرًا كان في زيارة للبنان واعتبر أن إسرائيل تهديد لعملية السلام.

وبالتالي حالت هذه التطورات دون إحداث تحسن في العلاقات وتجاوز الخلافات فاستراتيجية رئيس الوزراء أردوغان هي أن ترفع صوتك وبقوة أملاً في وضع مزيدٍ من الضغوط على الساسة الإسرائيليين لتغيير سياستهم وهو ما يعد سوء تقدير من جانبه فمن الناحية الواقعية ربما يكون من الأفضل لأردوغان التعبير عن مشاعره وعواطفه ولكن في الوقت ذاته يجب التأكيد على أهمية العلاقات التركية ـ الإسرائيلية والأهمية الاستراتيجية لكلِّ مهما بالنسبة للآخر فضلاً عن المصالح المشتركة للدولتين.

وخلاصة القول، فإن انتقادات أردوغان المستمرة للإسرائيليين وتجاهله للهجمات الصاروخية على إسرائيل والتي تطلقها حماس من قطاع غزة "إرهاب حماس"وغيرها من الأمور، لن يكون لها تأثير يذكر على التفكير الإسرائيلي ولكنها ستؤدي إلى نتائج عكسية.

لنتوقف الآن عند تطور أخير في العلاقات بين الدولتين عندما وجهت إسرائيل احتجاجًا رسميًّا للسفير التركي خلال برنامج تلفزيوني.

بدأت الأزمة مع إذاعة قناة تلفزيونية تركية حلقات مسلسل يصور عددًا من العملاء اليهود يقومون باختطاف أطفال فلسطينيين وتحويلهم للديانة اليهودية ولم تكن هذه المرة الأولى التي تظهر هذه الحلقات الإسرائيليين بمثل هذه الصور الغير مناسبة، فعلى سبيل المثال صورت قبل ذلك الإسرائيليين بإطلاق النيران بصورة عشوائية على الأطفال الفلسطينيين، ومن جانبه حاول وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان "Avigdor Lieberman"التعامل بصورة أكثر حزمًا مع مثل هذه الاستفزازات من الدول الأخرى ولذا فقد استدعت الخارجية الإسرائيلية السفير التركي بإسرائيل أوغوز تشليكول "Oguz Celikkol" ودعت المصورين التليفزيونيين للتسجيل واتخذت الخارجية بعض الإجراءات التي من شأنها إحراج السفير التركي حيث اختير للسفير مقعد أقل من المقعد الذي يجلس عليه نائب وزير الخارجية داني أيالون "Danny Ayalon" ولم يتم وضع العلم التركي على الطاولة بينهما التي لم يوجد عليها سوى العلم الإسرائيلي وبالطبع ما فعلته وزارة الخارجية كان توبيخًا للسفير التركي عبر برنامج تلفزيوني أذيع على أحد القنوات الخاصة.

وقد برز خلال هذه الأزمة مشكلتان أولهما: إن الحكومة التركية لا تفرض سيطرتها على هذه القناة التلفزيونية الخاصة، والمشكلة الثانية: إن المراقبين اعتبروا الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع الأزمة وطريقة احتجاجها تجاوزًا لكافة الأعراف الدبلوماسية.

في السياق ذاته اعتبر السفير التركي أن هذه التجربة من أكثر التجارب خزيًا ومهانة واجهها خلال عمله الدبلوماسي وطلبت تركيا باعتذار إسرائيلي رسمي فيما رفض أيالون تقديم هذا الاعتذار وفى المقابل أكد الرئيس التركي عبد الله جول أن بلاده سوف تسحب سفيرها من إسرائيل ما لم تقدم إسرائيل اعتذارًا رسميًّا وأمام هذا الموقف المعقد تدخل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس بيريز وأجبروا أيالون على تقديم اعتذار.

والجدير بالذكر أن هذه الأزمة الدبلوماسية نشبت فيما كان من المقرر أن يزور وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك تركيا بعد أيام في محاولة لرأب الصدع في العلاقات بين الدولتين مما حدا ببعض المراقبين إلى القول بأن هذه الأزمة مجرد محاولة من ليبرمان (وزير الخارجية الإسرائيلي) لإجهاض جهود باراك لتجاوز التوتر بين الدولتين في الوقت الذي يحاول فيه ليبرمان تلقين الأتراك درسًا هامًا، والسؤال المطروح الآن: ما الهدف من الدبلوماسية؟ فالدبلوماسية بشكل عام أداة لتحسين العلاقات بين الدول وليس لجعلها أسوأ ولكن في الحالة التركية الإسرائيلية يبدو أن الأمر مختلف.

كيف يمكن أن يكون لزيارة باراك مردودها الإيجابي وفى مواجهتها ضعف دبلوماسي ومشكلات دبلوماسية؟

بكل المقاييس كانت زيارة باراك على ما يرام وتركت صورة إيجابية فقد أكد وزير الدفاع التركي وجدي غونول "Vecdi Gönül" على العلاقة الاستراتيجية التي تجمع تركيا وإسرائيل كما التقى باراك بوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو "Ahmet Davutoglu" في اجتماع استغرق نحو ثلاث ساعات ونصف وأبدى الطرفان رغبتهم في تجاوز الخلافات بينهما وأُعلن عن قرب حصول تركيا على صفقة طائرات إسرائيلية بدون طيار.

وعلى الرغم من الإشارات الإيجابية التي خلفتها زيارة باراك لأنقرة يبدو أن حالة عدم الثقة هي المهيمنة على العلاقة بين الحكومتين فمع استمرار انتقادات رئيس الوزراء التركي للسياسات الإسرائيلية في قطاع غزة من المرجح أن يكون هناك مزيد من الصعوبات والاتهامات المتبادلة كما أنه من غير الواضح كيف يمكن تجاوز كل تلك المشكلات بين الدولتين دون أن يكون هناك تأثير سلبي على العلاقات الثنائية بين الدولتين.

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,053,069

عدد الزوار: 6,932,420

المتواجدون الآن: 87