"شباب" الصومال يستعدون لإكمال سيطرتهم على البلاد

تاريخ الإضافة السبت 6 شباط 2010 - 5:44 ص    عدد الزيارات 1265    التعليقات 0

        

"شباب" الصومال يستعدون لإكمال سيطرتهم على البلاد
وتوقع عام حاسم بعد انخراط "الجهاديين" في "الحرب العالمية" لـ "القاعدة"
 


\"\"
\"\" \"\" \"\"

لندن ـ رانيا كرم

سلّط إعلان الوحدة بين "حركة الشباب المجاهدين" و"معسكر رأس كامبوني" في الصومال وانخراط الجماعتين في ما سمّتاه "الجهاد العالمي" بقيادة تنظيم "القاعدة"، الضوء مجدداً على الدور الذي تلعبه جماعة "الشباب" بوصفها "وكيلاً" لتنظيم أسامة بن لادن في القرن الافريقي، بحسب ما دأب على قوله المسؤولون الأميركيون. وعلى رغم أن جماعة "الشباب" التي تمت الوحدة تحت رايتها قبل أيام، تُعد جماعة حديثة النشأة كونها لم تظهر إلى العلن في الصومال سوى في 2005، إلا أن جذور العلاقة بين "القاعدة" والإسلاميين الصوماليين تعود في الحقيقة إلى سنوات طويلة مضت.
ولكن في حين لم تتطور علاقة "القاعدة" بأولئك الإسلاميين إلى أكثر من تبادل الدعم و"النصرة" في تسعينات القرن المنصرم، فإن العلاقة اليوم بين الطرفين تبدو مرشحة لتطورات أعمق، في ظل توقعات بأن تُصبح "حركة الشباب" رسمياً فرعاً جديداً لـ "القاعدة" في القرن الافريقي على غرار "وكالات" هذا التنظيم في المغرب العربي ("تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي") والخليج العربي ("تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب") وأفغانستان ومنطقة الحدود الأفغانية الباكستانية ("تنظيم القاعدة في بلاد خرسان") والعراق ("دولة العراق الإسلامية" التي تضم "تنظيم القاعدة في أرض الرافدين" الذي يُعرف أيضاً بـ "شورى المجاهدين") وبعض دول القوقاز الإسلامية التي كانت في ما مضى جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق ("الإمارة الإسلامية في القوقاز").
وأعلنت "حركة الشباب" التي يتزعّمها الشيخ مختار أبو الزبير (اسمه الحقيقي أحمد عبد محمد ويُعرف بـ "أحمد غودني")، في بيان بتاريخ 28 كانون الثاني (يناير) الفائت، توحدها مع جماعة "معسكر رأس كامبوني" التي يقودها الشيخ حسن التركي (اسمه الحقيقي الشيخ حسن عبدالله حرسي) المطلوب منذ سنوات لدى السلطات الأميركية للإشتباه في علاقته بتنظيم "القاعدة". وتنشط جماعة "رأس كامبوني" في أقصى جنوب الصومال على الحدود مع كينيا، وكانت تُعتبر عائقاً قوياً أمام إكمال "الشباب" بسط نفوذهم على كامل جنوب البلاد، باستثناء بعض أحياء مقديشو ، وخصوصاً بعدما طردوا في تشرين الأول (اكتوبر) الفائت حلفاءهم عناصر "حزب الإسلام" من مرفأ مدينة كيسمايو أكبر موانئ الجنوب ومصدر دخل لا يُستهان به لمن يسيطر عليه.
وكان واضحاً منذ طرد "حزب الإسلام" من كيسمايو أن "الشباب" عازمون على إكمال سيطرتهم على الجنوب، وهو ما حتّم عليهم اللجوء إلى إقناع الشيخ التركي بالحوار أو تحت التهديد بالحرب، بعدم الوقوف في وجه إكمال سيطرتهم على الجنوب. وليس واضحاً ماذا عرضت جماعة "الشباب" على زعيم "رأس كامبوني" لقبول التوحّد في إطارها، لكن بيان الوحدة لم يتناول سوى الخطوط السياسية العريضة التي وافق عليها الطرفان.
وجاء في البيان المعنون "إعلان التوحد بين حركة الشباب المجاهدين ومعسكر رأس كامبوني" أنه "بعد طول محادثات ونقاشات حساسة استمرت أشهرا بين قيادات عليا" من الجانبين تم الاتفاق على "اتحاد الجانبين تحت اسم حركة الشباب المجاهدين". وأُعلنت هذه الوحدة خلال احتفال في مدينة بيدوا، عاصمة ولاية باي وبكول، في حضور قادة كبار من الجانبين. وأعلن الشيخ فؤاد محمد خلف، أحد قيادات "الشباب"، بنود الوحدة التي نصّت على "السعي لإيجاد وحدة شاملة لجميع المسلمين عامة والفصائل المجاهدة خاصة" و"السعي لإقامة دولة إسلامية تحكم بشرع الله وتكفر بالطاغوت" و"السعي لنصرة المسلمين المستضعفين في القرن الافريقي والذين يعيشون تحت اضطهاد الدول الصليبية في المنطقة" و"التصدي للحملات الصليبية الشرسة وربط الجهاد في القرن الافريقي بالجهاد العالمي الذي يقوده الشيخ أبو عبدالله أسامة بن لادن".
ورد الشيخ محمد محمود ذواليدين، أحد قادة "معسكر رأس كامبوني"، مؤكداً "أن باب الوحدة مفتوح لجميع الفصائل الجهادية ذات المنهج السلفي القويم"، ما يعني إمكان توقع انضمام مجموعات أخرى في الصومال، وربما من الدول المجاورة له، إلى هذه الوحدة.
ووقّع بيان الوحدة عن "حركة الشباب" أميرها الشيخ مختار أبو الزبير والشيخ مختار روبو علي (أبو منصور) والشيخ فؤاد محمد خلف والشيخ عبدالرحمن أحمد آدم والشيخ أبو بكر الزيلعي، في حين وقّع عن جماعة "رأس كامبوني" أميرها الشيخ حسن عبدالله حرسي (التركي) والشيخ محمد محمود ذواليدين والشيخ محمد أحمد أبو سعد والشيخ إبراهيم آدم إبراهيم والشيخ عبدالقادر عبدالله.
ومع وحدة جماعة "رأس كامبوني" مع "الشباب" بسطت الجماعة الأخيرة نفوذها على جنوب الصومال كله تقريباً، باستثاء بعض الجيوب التي ما زال ينشط فيها مقاتلو "حزب الإسلام" الذي يقوده حالياً من مقديشو الشيخ حسن ضاهر عويس. ومن الواضح الآن أن الخناق قد بدأ يضيق حول هذا الشيخ السلفي المنتمي إلى قبيلة الهوية الواسعة النفوذ والذي سيكون مضطراً على ما يبدو إلى حذو حذو الشيخ التركي والانضمام تحت راية "الشباب"، أو الاستمرار في استقلالية حزبه، وهو أمر قد يؤدي إلى معركة مع "الشباب" الذين لن يستمروا على الأرجح في غض الطرف عنه على المدى الطويل. وثمة خيار ثالث، وإن كان مستبعداً، وهو أن يقوم عويس بـ "انقلاب" على "الشباب" وينضم إلى حكومة غريمه شيخ شريف شيخ أحمد الذي احتفل نهاية الشهر الفائت بمرور سنة على توليه رئاسة الصومال، البلد الغارق في الفوضى والحروب الأهلية المتواصلة منذ 1991 عندما أطاح "أمراء حرب" نظام الرئيس السابق محمد سياد بري ثم انقلبوا على بعضهم في صراع دموي على السلطة.
وعلى رغم أن الولايات المتحدة دأبت على اتهام "الشباب" بالعمل بصفة "وكيل" لتنظيم "القاعدة" في القرن الافريقي، إلا أن الحركة الإسلامية الصومالية لم تُظهر اهتماماً في البداية بانتهاج نهج "القاعدة" في خوض "جهاد عالمي" واقتصر نشاطها على الصومال وتحريره مما اعتبرته "احتلالاً" من الإثيوبيين في البداية ثم من قوات السلام التابعة للإتحاد الافريقي في مقديشو (لا تساهم فيها سوى بوروندي وأوغندا). وكان المؤشر الأول إلى استعداد "الشباب" لمد نشاطهم إلى خارج الصومال صدر قبل أسابيع عندما عرض الشيخ مختار روبو (أبو منصور) مد "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" بمقاتلين في ضوء الهجمات التي تعرّضت لها مواقع هذا التنظيم في أكثر من منطقة يمنية. وفي حال تم إرسال هؤلاء المقاتلين إلى اليمن، فإنها ستكون المرة الأولى التي "يُصدّر" الإسلاميون الصوماليين مقاتلين إلى الخارج بعدما كانوا يعتمدون في السابق على دفق من "الجهاديين" المتطوعين الذين جاؤوا لمساندة "الشباب" من مناطق مختلفة في العالم بما في ذلك الخليج.
جذور العلاقة
قد تكون العلاقة الحالية بين "الشباب" و"القاعدة" حديثة بحداثة عمر الجماعة الصومالية التي لم تظهر إلى العلن سوى في العام 2005. لكن جذورها تمتد بلا شك إلى سنوات طويلة مضت وتحديداً إلى مطلع التسعينات عندما أرسل تنظيم "القاعدة"، الذي كان ما زال حديث النشأة، عدداً من مقاتليه وعلى رأسهم محمد عاطف ("أبو حفص المصري") إلى الصومال لتدريب مقاتلين محليين على "الجهاد". كان تنظيم "القاعدة" آنذاك يخشى أن يكون الأميركيون يسعون إلى "الهيمنة" على القرن الافريقي بعدما أبقوا آلاف الجنود في الخليج إثر طرد القوات العراقية من الكويت في العام 1991.
درّب مقاتلو "القاعدة" آنذاك مقاتلين صوماليين في أكثر من منطقة من البلاد، لكنهم لم يحاولوا البروز كثيراً إلى السطح. فنجم "مقاتلة الأميركيين" كان معقوداً آنذاك لـ "أمير الحرب" الراحل محمد فارح عيديد الذي اشتبكت قواته عام 1993 مع قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" في مقديشو. قُتل 17 من "المارينز" في تلك الحادثة المشهورة بـ "سقوط مروحية بلاك هوك"، وسحل الصوماليون جثثهم في شوارع العاصمة. وكان ذلك الحادث سبباً رئيسياً في إعلان إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون انسحاب القوات الأميركية التي كانت جزءاً من عملية "إعادة الأمل" التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، من الأراضي الصومالية والتمركز في بوارج قبالة سواحل هذا البلد قبل الانسحاب نهائياً منه وتركه يغرق أكثر فأكثر في دوامة الحرب الأهلية.
ومن بين العلاقات التي نسجها تنظيم "القاعدة" في الصومال آنذاك العلاقة مع جماعة "الاتحاد الإسلامي" بقيادة الشيخ حسن ضاهر عويس الذي كان يقود حرباً ضد الإثيوبيين عبر مناطق الحدود. لكن الرد الإثيوبي العنيف، خصوصاً في العام 1996، ساهم في تفكيك "الاتحاد الإسلامي" الذي تحوّل بحلول العام 1998 إلى مجرد فصيل من الفصائل الصومالية التي كانت تخوض صراعاً مريراً على السلطة من منطلقات عشائرية في المقام الأول.
بقي الصومال غارقاً في فوضى الحرب الأهلية حتى بدايات الألفية الجديدة وتحديداً بعد بدء "الحرب ضد الإرهاب" في 2001. وكانت تداعيات تلك الحرب هي البيئة التي نشأت فيها جماعة "الشباب" على يد مجموعة من "الجهاديين" الصوماليين الشبان. فقد كان كثير من هؤلاء الجهاديين وعلى رأسهم أبو الزبير وإبراهيم الأفغاني (نسبة إلى مشاركته في الجهاد الأفغاني واسمه الحقيقي إبراهيم الحاج ويحمل الجنسية الأميركية) وآدم حاشي عيرو يتعاطفون مع "القاعدة" وزعيمها ويؤيدون الضربة التي وجهها الى الولايات المتحدة كما كانوا يعتبرون الرد الأميركي في أفغانستان جزءاً من "الحرب ضد الإسلام". لكن تشتت "القاعدة" في العامين اللذين تليا سقوط نظام "طالبان" في أفغانستان، منع على الأرجح قيام علاقات بين هؤلاء الجهاديين الصومال الشبان وبين "القاعدة" التي كان قادتها يحاولون الاختباء في وجه عاصفة الغضب الأميركي في مناطق الحدود الأفغانية الباكستانية. لكن عدم قيام هذه العلاقة لم يمنع "الجهاديين" الصوماليين من البدء في إعداد صفوفهم، وإن لم يكونوا قد اختاروا بعد اسماً لجماعتهم التي يُقال إن عمليتها الأولى تمت في 2003 واستهدف موقعاً إثيوبياً على الحدود مع "أرض الصومال" الذي أعلن استقلاله عن بقية الصومال في مطلع التسعينات لكنه لم ينل أي اعتراف دولي.
لم ينتبه كثيرون إلى عملية "الشباب" الأولى. لكن أنظار الأميركيين كانت قد بدأت في الاتجاه صوب الصومال بعد معلومات عن إيواء "جهاديين" صوماليين عناصر في "القاعدة" يطلبهم القضاء الأميركي بتهم التورط في جرائم إرهاب، وتحديداً تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، وتفجير فندق مملوك ليهود في مومباسا الكينية ومحاولة إسقاط طائرة مدنية إسرئيلية في الوقت ذاته فوق مومباسا في العام 2002.
وتزامن تركيز الأميركيين اهتمامهم على ملاحقة هؤلاء في عمليات سرية، مع قيام دول منطقة القرن الافريقي، بدعم واسع من المجتمع الدولي، بمحاولة جديدة لإخراج الصومال من مستنقع حربه الأهلية المستمرة منذ 1991. فبعد سلسلة مؤتمرات، اتفق الأطراف الصوماليون في نيروبي عام 2004 على تشكيل إدارة انتقالية تمثّل عشائر البلاد، واختير لقيادتها الرئيس عبدالله يوسف أحمد (من إقليم بلاد بنط في شمال الصومال والذي يتمتع بشبه حكم ذاتي). لكن إدارة الرئيس يوسف لم تتمكن من بسط نفوذها في داخل البلاد واضطرت إلى القيام بمهماتها من مدينة بيدوا في جنوب غربي مقديشو قرب الحدود مع إثيوبيا بعدما فشلت في الانتقال إلى العاصمة التي كانت مسرحاً لقتال عنيف بين أمراء الحرب.
مع فشل قيام حكومة مركزية تبسط سيطرتها على العاصمة الصومالية، بدأت الولايات المتحدة تعتمد استراتيجية جديدة تتمثل في مدّ يد العون لفصائل صومالية ناشطة في أجزاء من مقديشو لقاء وعد بالمساعدة في اعتقال ناشطي "القاعدة" المطلوبين والمختبئين لدى "الجهاديين" الصوماليين وتحديداً لدى بعض الأعضاء المؤسسين لجماعة "الشباب". شكّلت الفصائل الصومالية المتعاونة مع الأميركيين "تحالفاً ضد الإرهاب" وبدأت تنفّذ عمليات ضد مخابئ "القاعدة"، وكان من بينها عملية استهدفت مقراً للشيخ آدم حاشي عيرو في مقديشو في منتصف العام 2004. فشلت العملية في الوصول إلى عنصر "القاعدة" المطلوب (أبو إبراهيم السوداني)، لكنها فتحت عيون مؤسسي "الشباب" على ما يقوم به الأميركيون في الصومال، فسارعوا إلى إخراج جماعتهم "الشباب المجاهدين" إلى السطح في 2005 بعدما احتلوا المقبرة الإيطالية في مقديشو وحوّلوها إلى معسكر للتدريب.
وتزامن خروج "الشباب" إلى العلن مع ظاهرة نشوء "المحاكم الإسلامية" التي كانت خليطاً فضفاضاً من مجموعات إسلامية مختلفة تعمل جميعها، وأحياناً من منطلقات عشائرية، على تطبيق أحكام الشريعة وفض النزاعات وفرض النظام في مناطق الصومال المختلفة. عمل "الشباب" في شكل غير مباشر على دعم ظاهرة "المحاكم" ودعموا تيّاراً فيها يرفض التعاون في تسليم المطلوبين إلى الأميركيين، وبات يُنظر إليهم بوصفهم "الذراع العسكرية" لـ "المحاكم".
ومع حلول منتصف العام 2006، سيطرت قوات "المحاكم" على العاصمة مقديشو كلها محققة إنجازاً لم يسبقها إليه أي من فصائل "أمراء الحرب" الذين كانوا يتنازعون على السلطة منذ 1991. ومع سيطرة الإسلاميين على مقديشو وتحقيقهم إنجاز فرض النظام فيها، بدأ هؤلاء يوسعون سيطرتهم في اتجاه بقية أرجاء البلاد، بما في ذلك مقر الإدارة الانتقالية للرئيس يوسف في بيدوا. وتزامن ذلك مع انتقال قيادة "المحاكم" من شيخ شريف أحمد الذي كان يُنظر إليه بوصفه معتدلاً إلى الشيخ حسن ضاهر عويس الزعيم السابق في "الاتحاد الإسلامي" والعدو اللدود للإثيوبيين.
اثيوبيا ومشكلة اوغادين
والظاهر أن نظام الرئيس ميليس زيناوي في أديس أبابا أيقن آنذاك بأنه لا يمكنه تجاهل خطر وصول الإسلاميين الصوماليين إلى حدوده، وخصوصاً في ظل وجود مشكلة إقليم أوغادين الذي تقطنه غالبية من أصول صومالية وكان محور أكثر من مواجهة بين البلدين (عامي 1977 و1978). وما زاد الطين بلّة أن قادة "المحاكم" بدأوا آنذاك يتحدثون عن توسيع نطاق عملياتهم ليشمل ما أطلقوا عليه "الصومال الكبير"، في إشارة إلى الأقاليم التي يقطنها سكان من أصول صومالية في الدول المحيطة بالصومال، خصوصاً في إثيوبيا وكينيا.
وليس واضحاً حتى اليوم الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في قرار الحكم الإثيوبي التدخل عسكرياً ضد "المحاكم"، لكن المعروف على نطاق واسع أن أجهزة أمنية أميركية قدّمت مساعدات للإثيوبيين خلال هجومهم على "المحاكم" في كانون الأول (ديسمبر) 2006. وألحق الإثيوبيون في عملية استمرت حتى بداية كانون الثاني (يناير) 2007 هزيمة ساحقة بقوات "المحاكم" التي فرت من مقديشو ومعظم المناطق التي كانت تسيطر عليها في جنوب الصومال. وفي حين اتجهت قيادة "المحاكم" للإقامة في المنفى في إريتريا المجاورة، انتقل مقاتلوها جنوباً إلى الأدغال على الحدود الكينية حيث بدأوا في إعادة تجميع قواتهم تمهيداً لبدء حرب عصابات ضد الإثيوبيين.
في أواخر العام 2007 (شهر رمضان) أعلن "الشباب" بدء "الجهاد" ضد الإثيوبيين في شكل منفصل عن قيادة "المحاكم" في أسمرا، وعيّنوا أميراً لتنظيمهم هو الشيخ أبو الزبير، وإن كان القائد العسكري آدم حاشي عيرو كان الوجه الأبرز لهذه الجماعة التي فشلت في أن تضم إلى صفوفها بعض الفصائل المحسوبة على "الجهاديين" وعلى رأسها جماعة "معسكر رأس كامبوني" بقيادة الشيخ التركي.
وخلال عامين فقط، نجح مقاتلو "الشباب" - الذين نأوا بأنفسهم عما تقوم به قيادة "المحاكم" في منفاها الاريتري - في ارغام القوات الإثيوبية المكروة أصلاً من الصوماليين - على الانسحاب تحت وطأة هجمات كر وفر تعرضت لها. ومع انسحاب القوات الإثيوبية في كانون الثاني (يناير) 2009، كان الرئيس يوسف قد استقال من منصبه وانتقل للعيش في اليمن، فتسلّم السلطة الزعيم السابق لـ "المحاكم" شيخ شريف أحمد الذي كان قد وافق على الدخول في عملية سلام ترعاها الأمم المتحدة وانتخب رئيساً في اجتماع للنواب الصوماليين في جيبوتي. لكن شريف أحمد لم يستطع أن يجلب معه إلى عملية السلام سوى جزء من "المحاكم"، إذ عارضها حليفه السابق الشيخ عويس ورفض الانضمام إلى الإدارة الجديدة التي استقرت في بعض أحياء مقديشو تحت حماية جنود من قوات سلام افريقية من بوروندي وأوغندا قدمت إلى الصومال في آذار (مارس) 2007.
وحاول شيخ شريف جاهداً ضم المتمردين الإسلاميين إلى عملية صنع السلام في الصومال ولكن من دون جدوى. إذ لم تنفع وعوده بتطبيق الشريعة، وهي أحد مطالب المتمردين، ولا تلبية طلبهم انسحاب الإثيوبيين، في وقف قتالهم، إذ صاروا يعتبرون إدارته بدورها إدارة مرتدة كونها تتحالف مع من يعتبرونهم كفاراً، في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه لها الدول الغربية. وخرج قادة "القاعدة" بما في ذلك بن لادن نفسه والقيادي "أبو يحيى الليبي" لإعلان دعمهم سياسة "الشباب" في قتال حكومة شرف أحمد.
وحتى قبل إكمال القوات الإثيوبية انسحابها قبل سنة من الآن كان الأميركيون قد أيقنوا أنه في ظل غياب قدرة طرف خارجي على ضبط الأوضاع على الأرض في داخل الصومال فإن البديل، في انتظار بناء الحكومة الصومالية قدراتها الذاتية، يتمثّل في ضرب قادة "الشباب" الذي يؤون عناصر "القاعدة" أو يوفّرون لهم الحماية. وهكذا تم قتل أبرز زعماء "الشباب" الشيخ آدم حاشي عيرو في أيار (مايو) 2008 في غارة استهدفته في دوساماريب في وسط الصومال، في حين قُتل القيادي في "القاعدة" صالح علي النبهاني في ضربة جوية في أيلول (سبتمبر) 2009.
ويبدو الصومال الآن متجهاً إلى "سنة حاسمة" ستحاول فيها جماعة "الشباب" إكمال سيطرتها على معظم جنوب البلاد وطرد جيوب المقاومة الأخيرة لـ "حزب الإسلام" قرب الحدود مع كينيا بقيادة أحمد مادوبي (الذي طُرد من كيسمايو). كما ستحاول بلا شك طرد جماعة "أهل السنّة والجماعة" الصوفية التي تدعم حكومة شريف أحمد من مناطق سيطرتها في وسط الصومال. لكن المعركة الفاصلة ستكون بلا شك في مقديشو نفسها حيث تستعد حكومة شريف أحمد لشن هجوم معاكس على معاقل "الشباب" في العاصمة، في حين يتحضّر هؤلاء بدورهم لشن هجوم على الأحياء القليلة المتبقية في يد حكومة شريف أحمد وقوات السلام الافريقية. المعركة قادمة بلا شك، فلمن الحسم فيها؟ الجواب سيظهر بالتأكيد في الشهور المقبلة التي تُنذر بجولات جديدة من سفك الدماء.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,049,702

عدد الزوار: 6,749,879

المتواجدون الآن: 102